أشرف مروان وصفعة الموساد
بقلم/ حسن الرشيدي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 20 يوماً
السبت 07 يوليو-تموز 2007 09:28 ص

"إسرائيل راحت ضحية لعبة رجل محترف من طراز فريد" ,’ هذا تعليق دان مرجليت الصحفى بمعاريف ومقدم برنامج ملحق الملاحق والذي توصل فيه إلى أن بقاء أشرف مروان طليقا يمارس حياته الطبيعية دون أي عائق يؤكد أن إسرائيل راحت ضحية لعبة رجل محترف من طراز فريد.

و لقد فاجأت وكالة الأنباء المصرية الشرق الأوسط الجميع بإذاعتها خبر مقتل رجل الأعمال المصري وزوج ابنة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وذلك بسقوطه أو إسقاطه من شرفة منزله في لندن وقالت وكالة الأنباء إن المؤشرات الأولية تظهر أن مروان سقط من شرفة شقته في حي سانت جيمس بارك في لندن وأن الاسكوتلاند يارد تجري حاليا تحقيقا في أسباب الوفاة نقلاً عن الأسوشيتدبرس.

وقال أشرف السعد رجل الأعمال المصري المقيم في لندن في اتصال هاتفي ببرنامج القاهرة اليوم الذي تبثه شبكة أوربت إنه التقى أشرف مروان منذ عدة أيام وكان هادئا وإن كان المرض باديا عليه مضيفا أنه كان شخصا متواضعا للغاية وعلى خلق عال وقال إنه ليس بالشخص الذي يلجأ للانتحار تحت أي ظرف ودار بينهما حوار حول الأوضاع في فلسطين. وقال أشرف السعد إنه علم بالوفاة عبر اتصال هاتفي تلقاه أحد أصدقائه ونفى تماما ما قيل من أن شرطة اسكوتلاند يارد قد استبعدت تماما وجود أي مسئولية جنائية خاصة وأن هذا الجهاز تحديدا معروف بدقة عمله وعدم تسرعه وقال إن عدد كبير من المصريين حزنوا عليه للغاية بل إن بعضهم قام بصلاة الجنازة على الجثمان المسجى في الشارع قبل أن تنقل الجثة إلي أي مكان.

ويتساءل الكثيرون هل قتل هذا الرجل أو انتحر أو سقط متعثرا؟

ويبقى المؤشر الرئيسي يرجح احتمالات اغتياله لأسباب منها أن الرجل كان بصحة نفسية معقولة قبل الاغتيال وأنه كان بصدد إعداد مذكراته.

ولكن السؤال الأخطر لو كان الرجل قد قتل فمن الذي قتله؟

والإجابة على هذا السؤال بصعوبة بمكان لأن حياة الرجل في شطر كبير منها تتعلق بعالم المخابرات والجاسوسية وهو عالم مليء بالأسرار والدسائس والمؤامرات والمعلن منه لا يمثل شيئا بالنسبة لما خفي منه.

ولكن بتتبع المعلومات القليلة المتوفرة منذ فترة ليست قليلة عن هذا الرجل وتاريخه وبتطبيق منهج تحليلي يراعي عدة عناصر أهمها: علاقات الرجل بالأنظمة المختلفة – علاقاته بالموساد - طبيعة هذا الجهاز الإسرائيلي يمكن إزالة بعض من الغموض الذي يحيط باغتيال هذه الشخصية.

علاقات مروان بالموساد:

ظهرت أول إشارة إلى هذا الرجل في كثير من الكتب الإسرائيلية التي تناولت حرب أكتوبر وكلها تشير إلى عميل موجود داخل القيادة المصرية أخبرهم عشية الحرب بموعدها وآخرها كان كتاب قد صدر عام 1993 للواء في الجيش الإسرائيلي إيلي زعيرا الذي طرد من منصبه كرئيس للاستخبارات العسكرية بعد فشل إسرائيل في التنبؤ بالحرب عليها وقال هذا اللواء إن إسرائيل فوجئت بالحرب لأنها وقعت ضحية عميل مزدوج. غير أنه لم يذكر اسمه في ذلك الكتاب حتى جاء عام 2004 حينما وردت المعلومة للمرة الأولى في كتاب الأسطورة مقابل الحقيقة: حرب يوم كيبور (الغفران) الإخفاقات والدروس لنفس المؤلف السابق حيث قال إن مروان كان عميلا وقد أبلغ إسرائيل بموعد بداية الحرب ولكن قادة إسرائيل تجاهلوا التحذير.

ويقول إيلى زعيرا في لقاء تليفزيوني من الثابت أن أشرف مروان رافق السادات في زيارته للملك فيصل بالسعودية في أغسطس 73 والتي أخبر السادات الملك فيصل فيها بنيته شن الحرب قريبا جدا فلماذا صمت مروان كل هذا الوقت حوالي شهرين ولماذا لم يبلغ إسرائيل بالخبر سوى قبل اندلاع الحرب بساعات؟ بحيث لا تصبح المعلومة ذات قيمة ولماذا ضيع يوما كاملا وطلب لقاء رئيس الموساد في لندن ولم يبلغهم بالخبر بالتليفون أو في نفس البرقية التي طلب فيها تحديد الميعاد إذا كان فعلا يعمل لمصلحة إسرائيل.

وقال جاد شيمرون وهو ضابط سابق في الموساد تحول إلى مؤرخ لوكالة رويترز للأنباء إننا نعلم الآن من شهادات عملاء إسرائيليين أن مروان كان الرجل الذي سرب هذه المعلومات إلى الموساد.

وقال شيمرون ولقد برر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تقاعسه بقوله إن مروان كان يشتبه بأنه عميل مزدوج للمصريين.

أما المؤرخ الإسرائيلي المقيم في لندن أهارون بيرغمان والضابط السابق في الجيش الإسرائيلي والذي أصدر كتاب تاريخ إسرائيل بدءا بعام 1897 وفي فصل خاص عن حرب 1973 عرض تفاصيل لم يسبق نشرها عن عمليات مخابراتية معقدة جرت بين عامي1967 – 1973 ومنها أن مروان كان شابا في الرابعة والعشرين من عمره اتصل في عام 1969 بالسفارة الإسرائيلية في لندن وعرض العمل لحساب الموساد ولم يتحمس ضابط الموساد للشاب لأن طريقة عرضه تبدو مريبة وغير مقنعة وترك مروان بياناته في السفارة وانصرف ولكن مسئولي الموساد عندما عرفوا أنه ابن ضابط كبير في الجيش المصري وأنه على صلة قرابة بالرئيس عبد الناصر أبدوا اهتماما كبيرا بالشاب وبدئوا بالتعاون معه ثم اعتبر أهم عملاء إسرائيل في مصر وكان يقبض بعد كل مقابلة مع ضابط الموساد مائة ألف جنيه إسترليني ومن المعلومات التي أوصلها إلى إسرائيل نص حوار دار في موسكو عام1970 بين عبد الناصر والقيادة السوفييتية كرر فيه الرئيس المصري طلب شراء مقاتلات متطورة قادرة على الوصول إلى قلب إسرائيل ومعلومات عن رسالة سرية من السادات للزعيم السوفييتي ليونيد بريجينيف يطلب فيها شراء صواريخ سكود ولكن يبدو أن المعلومات المهمة كانت طعما لإسرائيل لأجل تحقيق اختراقات إستراتيجية أكثر أهمية فقد تمكن من إقناع إسرائيل بأن مصر لن تشن حربا عليها إلا إذا حصلت على طائرات حربية مقاتلة قادرة على الوصول إلى إسرائيل وصواريخ سكود وهو ما ثبت عدم صحته الأمر الذي دعم عنصر المفاجأة في حرب أكتوبر.

ويبدو أن مروان قدم معلومات مضللة للإسرائيليين مثل هجوم مصري متوقع عام1972 وآخر في ربيع عام1973 وفي مساء الجمعة الخامس من أكتوبر من عام1973 التقى مروان برئيس الموساد زافيكا زامير في لندن وأبلغه بأن الحرب ستبدأ اليوم التالي في الساعة السادسة مساء وكان في ذلك خدعة أخرى لأن الحرب اندلعت في الساعة الثانية من بعد الظهر قبل أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من إتمام تعبئة قواته.

ومن المقالب التي دبرها للإسرائيليين بتنسيق مع السادات والمخابرات المصرية الإبلاغ عن عملية فلسطينية ضد الإسرائيليين في روما وكانت معلومات صحيحة مكنت من اعتقال الفدائيين الفلسطينيين قبل وقوع العملية ولكن العملية والمعلومات كانت مدبرة للتغطية على الاستعدادات للحرب الحقيقية ولتجنب مواجهة كان متوقعا حدوثها بسبب إسقاط الإسرائيليين لطائرة ركاب ليبية ومقتل ركابها المائة ومن بينهم وزير الخارجية الليبي صالح أبو ياسر ونجحت مصر في ذلك ببناء ثقة كبيرة بين مروان والموساد وفي تهدئة ليبيا الغاضبة وتفادي الحرب قبل أوانها.

وفي تصريحات أخيرة لذلك المؤرخ الإسرائيلي بعد مقتل مروان أبلغه مروان أنه يكتب مذكراته ويوضح فيها كيف عمل الجميع في مصر لإرباك إسرائيل لافتا إلى أنه حادثه هاتفيا قبل يوم واحد من وفاته.

وقد رأت صحيفة معاريف أن اشرف مروان عميل مزدوج أفشلنا في حرب يوم الغفران وكتبت معاريف العار للدولة أيا تكن الأسباب وراء موت أشرف مروان فإن بقعة سوداء تلوث تاريخ الجاسوسية في إسرائيل معتبرة أن الموساد وقع ضحية لعميل مزدوج جعل من هذه المؤسسة أضحوكة.

من جهتها قال يديعوت أحرنوت إن شرطة لندن تفحص احتمال قذفه من الشرفة بعدما أفاد أقرباؤه للشرطة بأن مروان كان يخشى على حياته منذ أن كشفت إسرائيل عام 2003 انه عميل كبير للموساد.

علاقات مروان بالدولة المصرية:

ولد أشرف أبو الوفا مروان ولد في يناير 1945 كان والده ضابطا بالقوات المسلحة هو ابن ضابط كان يعمل في جهاز الحرس الرئاسي بعهد عبد الناصر وانضم لاحقاً إلى الجيش بعد حصوله على شهادة في الهندسة الكيماوية حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة عام 1965 قسم كيمياء بدرجة جيد وكلف عقب تخرجه بالمعامل المركزية بالقوات المسلحة.

وتزوج من منى جمال عبد الناصر بعد زواجه من منى عبد الناصر عين برئاسة الجمهورية حتى وصل إلى منصب سكرتير مساعد للمعلومات مساعدا لسامي شرف حتى وفاة عبد الناصر.

وله ولدان هما جمال وأحمد وخمسة أحفاد هم أشرف ومحمود ومريم جمال مروان ومحمد وأمينة أحمد مروان أبنائه من هانيا عمرو موسى ابنة الأمين العام للجامعة العربية.

قال د.محمود جامع مستشار الرئيس السادات في فترة السبعينيات للعربية نت عن بروزه المفاجئ من مجرد زوج لابنة عبد الناصر إلى أبرز وجوه السياسة المصرية في عهد السادات وعلاقاته الواسعة بملوك ورؤساء عرب وبشخصيات دولية مرموقة قال جامع إن ذلك بدأ يوم 14 مايو تاريخ المعركة الفاصلة بين مراكز القوى والسادات وتحديدا في حادثة الخزانة الحديدية التي كانت في بيت عبد الناصر والتي كانت تضم كل وثائق وأسرار الدولة.

وأضاف: كان هناك مفتاحان لهذه الخزانة أحدهما مع سامي شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات والثاني مع مساعده أشرف مروان حيث كان قد عينه صهره في هذا المنصب بعد زواجه من كبرى بناته منى. وعند القبض على شرف أوعز لسكرتاريته برئاسة محمد سعيد بالذهاب لبيت عبد الناصر وسرقة الخزانة وتهريبها في سيارة إلى مكان غير معلوم وذهبوا فعلا إلى هناك حيث وجدوا بجانبها أشرف مروان الذي تصدى لهم بسلاح ناري كان يحمله ثم أخبر السادات الذي جاء بنفسه بصحبه مستشاره حسن التهامي وقام باستلامها.

واستطرد محمود جامع: عينه السادات بعد ذلك سكرتيرا للمعلومات مشيرا إلى أن مروان كان ذكيا جدا وله شبكة علاقات عامة قوية ومخططا ومحاورا ممتازا وكان السادات يرسله للملوك والرؤساء والأمراء العرب بدءا من عام 1971 برسائل شفهية ومكتوبة. وتابع جامع: أخبرني السادات شخصيا بثقته الشديدة في مروان وأنه في منتهى الأمانة والذكاء ويبلغ رسائله بدقة علاوة على علاقاته العامة بمجموعة كبيرة من الشخصيات النافذة في دول مختلفة وصداقاته مع القذافي وبدأ نجمه يعلو وظل مساندا للسادات حتى في ظل الحرب الإعلامية التي شنت ضد عهد الرئيس عبد الناصر مما جعل أسرة الأخير تقاطعه إلى حد أن د.حاتم صادق زوج هدى عبد الناصر لم يدعه في حفل زواج إحدى بناته.

وبحسب تقرير برجمان فإن أحد العاملين في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في إطار مراقبة شبكات التلفزيون العربية شاهد في إحدى القنوات المصرية الرئيس مبارك يصافح أشرف مروان في احتفالات ذكرى حرب أكتوبر في العام الماضي.

وقام رجل الاستخبارات بتسجيل مقطع المصافحة والذي تخلله أيضا عناق على شريط فيديو وبعد أن تأكد من أن الشخص المقصود هو فعلا أشرف مروان أبلغ المسئولين عنه بالأمر.

ويقول برجمان إنه في شريط الفيديو يقف هذا الرجل بعد إحدى وثلاثين سنة يصافح بحرارة يد الرئيس المصري أمام الكاميرات في ذكرى الاحتفال بالنصر على العدو ويرافقه لوضع إكليل الورود على ضريح الرئيس عبد الناصر.

ويضيف برجمان بعد الآن لا يتبقى أي مكان للشك فالرئيس المصري لا يتعامل على هذا النحو مع أكبر خائن عرفته مصر بل هكذا يتم التعامل مع بطل قومي.

وفي الشهر الماضي فقط دعته أسرة مبارك لحضور زفاف ابنها جمال مما يدل على الصلة القوية.

طبيعة جهاز الموساد:

الموساد هي اختصار لعبارة موساد لعالياه بت العبرية أي منظمة الهجرة غير الشرعية. وهي إحدى مؤسسات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي والجهاز التقليدي للمكتب المركزي للاستخبارات والأمن. أنشئت عام 1937 بهدف القيام بعمليات تهجير اليهود. وكانت إحدى أجهزة المخابرات التابعة للهاغاناه. وهناك الآن جهاز تنفيذي تابع للجهاز المركزي الرئيسي للمخابرات الإسرائيلية ويحمل نفس الاسم أسس 1953 قوامه مجموعة من الإداريين ومندوبي الميدان في قسم الاستعلام التابع لمنظمة الهاغاناه وتطور ليتولى مهمة الجهاز الرئيسي لدوائر الاستخبارات وتنحصر مهماته الرئيسية في

• إدارة شبكات التجسس في كافة الأقطار الخارجية وزرع عملاء وتجنيد المندوبين في كافة الأقطار.

• إدارة فرع المعلومات العلنية الذي يقوم برصد مختلف مصادر المعلومات التي ترد في النشرات والصحف والدراسات الأكاديمية والإستراتيجية في أنحاء العالم.

• وضع تقييم للموقف السياسي والاقتصادي للدول العربية مرفقا بمقترحات وتوصيات حول الخطوات الواجب إتباعها في ضوء المعلومات السرية المتوافرة.

يشتهر الموساد بأساليبه التي تعتمد على المال والنساء في التجنيد كما يشتهر بانتقامه من الذين وجهوا إهانات لإسرائيل ولا ينسى ثأره ولو بعد سنين طويلة ولعل قائمة جولدا هي أشهر هذه الأمثلة حيث كان قرار جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية في السابق بتصفية قادة المقاومة الفلسطينية وخاصة هؤلاء الذين كان لهم يد في عملية ميونيخ حيث تم خطف مجموعة رياضية إسرائيلية كانت تشارك في الألعاب الاولمبية وظلت المخابرات الإسرائيلية تلاحق منفذي العملية.

وبلغ هذا الانتقام حده في يونيو من عام 1992 عندما اغتالت الموساد عاطف بسيسو أحد مساعدي عرفات وأعلن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن عاطف بسيسو ينتمي لمنظمة أيلول الأسود المسئولة عن عملية الألعاب الأولمبية عام 1972 في ميونخ بألمانيا بين عامي اثنين وسبعين واثنين وتسعين وتسعمائة وألف -عشرون عاماً- اُغتيل خلالها ثلاثة عشر رجلاً بأيدي القوات الإسرائيلية وبأوامر من جولدا مائير.

الجدير بالذكر أن المخابرات المصرية ووفقا لتقارير عديدة قد وجهت ضربة للموساد بالقبض على شبكتين للتجسس في الأشهر الماضية وتقديمها للمحاكمة وهي شبكة المهندس المصري وشبكة المصري المهاجر والمرتد فهل اختيار توقيت اغتيال مروان ردا على هذا الكشف عن الجواسيس ؟.

istratigi@hotmail.com

عن ـ مفكرة الإسلام