الخلافات السعودية الأمريكية وخط المواجهة العربي الأول
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 11 سنة و أسبوع و يوم واحد
الثلاثاء 22 أكتوبر-تشرين الأول 2013 05:08 م

الآن اتضحت الصورة.. تسير كل دولة عربية في طريق شبه إجباري إلى عراق أو صومال، ‏وهذا المسار ليس ذاتياً، بل هو الجيل الرابع من الحرب الذي تتعرض له كل دولة عربية ‏وإسلامية - ذات أهمية استراتيجية- منفردة، وهو نتاج عوامل تاريخية وسياسية وعسكرية ‏وأمنية تقود بمجملها إلى أن خطراً وجودياً يهدد المجتمعات والدول العربية القطرية، أكثر من ‏أي وقت مضى، بل هو في مراحل مفصلية حساسة وينذر بكوارث مأساوية قد لا يكون من ‏الممكن تخيلها. ‏

لقد تم احتلال أفغانستان وتحويلها إلى مزارع للموت والحشيش ومعامل تجارب لأجهزة ‏المخابرات والعصابات التي تتحكم بدول عظمى، وجرى تحويل باكستان من دولة نووية إلى ‏دولة فاشلة تتجول في سمائها الطائرات الأمريكية وتقتل من تريد من الباكستانيين، وتم تدمير ‏العراق وقتل الملايين من أبنائه وتحويله إلى ساحة للموت الطائفي والميليشيات المتوحشة التي ‏تذبح على الهوية، وقبل ذلك جرى إسقاط الصومال بالحروب الأهلية وتثبيتها كحدث مستمر ‏وتحول الصومال إلى ساحة للموت والجوع والدمار والمرض.‏

ومع بداية العام 2011 كانت المنطقة العربية على موعد مع تحولات مفاجئة في تونس ‏ومصر واليمن وليبيا وسوريا.. ظن الناس أنها غُرة فجر الحرية والدولة التي ستحلق بركب ‏الأمم المتقدمة، فإذا بها تتكشف لاحقاً بأنها شعاع غروب الدولة القطرية التي تأسست على ‏مبادئ عربية ووطنية-على ما يوضع من مآخذ عليها، ليبدو الآن وكأننا على أبواب الليل ‏ومرحلة اللادولة والعصابات والحروب المدمرة. ‏

هذا الواقع الأليم الذي اتضحت بعض ملامحه في مسارات التقسيم والفوضى في اليمن الذي ‏يتخذ منحىً رسمياً، وبذات السياق وبتفاصيل لا تختلف كثيراً، تسير خطى التمزيق والفوضى ‏الخلاقة في ليبيا، وبسياق متصل يموت شعب سوريا وتدمر مظاهر الدولة المتراكمة منذ ‏عصر الأمويين.. ومصر عادت إلى الصفر.. فما الذي جرى؟

إن ما جرى في المنطقة يحتاج إلى إعادة نظر بطريقة هادئة وبدون تعصب أو تخوين لأحد.. ‏نتفق جميعاً على فساد الكثير من القائمين على الأنظمة السابقة وسياساتهم الاستبدادية، ونتفق ‏أيضاً، على حاجة الشعوب أو بعضها إلى الثورة والتغيير نحو الأفضل، وعلى أن ذلك الخروج ‏الشعبي كان مبرراً، وكانت الأغلبية المطلقة من الحناجر المدوية بالصيحات والشعارات تسعى ‏نحو الأفضل.. فلا نخون الشعوب أو القوى المشاركة بالثورة ولا نبرئها جميعاً، لكن العبرة ‏ليست في التفاصيل بقدر ما هي في النتائج.‏

النتيجة، إلى اليوم، انضمام اليمن وليبيا بشكل أوضح إلى دوائر الفوضى الخلاقة وطريق ‏العراق والصومال والسودان، وفقدان مؤسسات دولتها السيادة على أجزاء من البلاد ووقوف ‏شعوبها على أبواب شبح التقسيم والمزيد من الحروب الأهلية.. أما في سوريا فقد اُستهدف ‏الشعب والدولة وتم الإبقاء على النظام الطائفي الدموي، ولا يزال الدمار والقتل مستمراً، بينما ‏كانت مصر قد بدت الطرف الأنجح والذي يمد الآخرين بالحلم.. سرعان ما بدأت الفوضى تشق ‏طريقها بعد صعود رئيس محسوب على طرف يقابله العديد من الأطراف المناهضة التي ‏خرجت للمطالبة بإسقاطه بعد شهور من انتخابه، وسواء سقط أو بقي سيشتبك أنصاره ‏بمعارضيه، وسيخرج أنصار أحد الطرفين على أي رئيس يمكن أن يأتي من بعده من الطرف ‏الآخر، أي أن مصر كانت ستدور في حلقة مفرغة تؤدي بها إلى اللحاق باليمن وليبيا وسوريا.. ‏وقد دفعت ثمناً مؤسفاً إلى الآن، لكنها لم تزل في يد المؤسسة العسكرية المصرية، بغض ‏النظر عما يؤخذ عليها.

ويجانب الصواب من يعد الدول العربية 22 دولة، فالدول ذات الشعوب والجيوش أو ‏المساحات المعتبرة لا تصل إلى نصف هذا العدد، وعند التحديق في الخارطة السياسية نجد أنه ‏لم يعد هناك سوى دولتين في المشرق العربي تمتلكان سيادة كاملة على أراضيهما، وهما ‏مصر والسعودية.. أما بقية الدول فإما أنها سقطت وتسقط في الفوضى أو في طريق أن تصبح ‏ساحة للمخابرات الدولية والعصابات، وأخرى دول صغيرة لا تستطيع أن تصمد في مواجهة ‏عدوان خارجي ولا تمتلك ما يؤهلها لرفض الضغوطات الأجنبية عندما يجد الجِد.‏

استهداف السعودية

نعبر من خلال المدخل السابق، إلى الحديث عما يدور من جدل ونقاشات حول العلاقات ‏الأمريكية السعودية، ونوضح بداية إن هذه العلاقات لم تتدهور أو تتأزم بقدر ما أنها خلافات ‏عميقة أو معركة سعودية أمريكية ظهرت إلى السطح بعد أن كانت تحدث في أرض الواقع منذ ‏سنوات بعيداً عن أضواء الإعلام وتحركات وبيانات مسؤولي البلدين الرسمية.. وهي معركة ‏دفاعية من حرب ليست ضد السعودية كنظام أو كبلد بعينه، بل لأن السعودية كغيرها تقع في ‏دائرة مستهدفة يجب أن يعاد رسم خارطتها وإعادة مجتمعها إلى دوائر طائفية وإثنية متناحرة.‏

وبعيداً عما يقوله الإعلام الذي تتحكم به في نهاية المطاف جهات معلومة ولوبيات سياسية.. ‏فإن مظاهر هذه الحرب تتجلى فيما جرى بباكستان، التي كانت حليفاً معروفاً للسعودية دعمت ‏الأخيرة العديد من مشاريعه الاستراتيجية، إذ تحولت هذه الدولة إلى دولة صراعات لا تحمي ‏سيادتها ولا تستطيع أن توقف أزماتها المحلية المتعددة الأوجه.. وكلها زادت وتضاعفت على ‏خلفية حرب الولايات المتحدة الأمريكية على شبح الإرهاب، والذي خلف دماراً للدول ‏المستهدفة وليس في «القاعدة».. ولنا أن نسأل: لماذا يزداد ويقل الإرهاب من دولة إلى أخرى ‏بمقدار ما هو التدخل الخارجي في هذه الدولة؟. ‏

الصورة الأخرى، والأكثر وضوحاً، هي احتلال العراق، وليس فقط تسليمه لإيران؛ بل إن ‏احتلاله كما كشفت الأيام، لم يكن إلا كسراً للبوابة الشرقية وفتح الباب للسعار الطائفي الإيراني ‏الذي تدفق إلى المنطقة، لإقامة وإحياء بؤر توتر وصراع طائفية في العديد من الدول، الأمر ‏الذي وجدت السعودية نفسها معه، واجهةً للمعسكر الآخر الذي يحاول مقاومة المد الطائفي ‏الدموي إلى المنطقة تحت عباءات وشعارات مزيفة، صبغت الكثير من الأحداث والتطورات ‏بعد 2003. بينما كان الإعلام وظل إلى ما قبل فترة قريبة، يقدم إيران كقائد للمانعة والسعودية ‏كحليف لأمريكا.. والواقع يقول إن هذا الإعلام بقوته الأسطورية أستطاع أن يزيف حتى وعي ‏الكثير من السياسيين، بل وبعض المعنيين!‏

إلى اليمن، الذي يصنف اليوم بأنه دولة مضطربة لا تسيطر على كل أراضيها ومهددة ‏بالتقسيم، فإنه عام 2000 لم يكن كذلك، بل بدأ التدحرج بعد تفجير المدمرة الأمريكية يو إس ‏إس كول في أكتوبر/تشرين 2000، الذي تلاه تحرك أمريكي وصل إلى اقتحام العاصمة ‏الاقتصادية والتجارية عدن بقوات المارينز التي تمركزت في أحد فنادقها، ما اضطر نظام علي ‏عبدالله صالح إلى التفاوض معها والرضوخ للشروط التي اخترقت بها واشنطن الدولة ‏وضربتها من جميع الاتجاهات وصولاً إلى اليوم الذي أصبح فيه اليمن تحت الوصاية ‏الأمريكية شبه المباشرة، وأصبح المارينز متواجداً في أحد المنتجعات بإحدى ضواحي ‏العاصمة صنعاء. ‏

بعد أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، طلبت الولايات المتحدة من اليمن تسليمها جزءاً ‏من أرشيف جهاز المخابرات، ولما رفض ذلك تفاوضت معه على فتح مكاتب للمخابرات ‏الأمريكية للعمل داخل اليمن بصورة "مسموحة"، وفتحت مكتبين أحدهما في صنعاء وآخر في ‏عدن، ولكنها في مرحلة لاحقة أشرفت على إنشاء جهاز استخبارات يمني جديد.. والشاهد في ‏ذلك أن اليمن الذي يواجه تمرداً مسلحاً مدعوماً من إيران في الشمال ويواجه حركات انفصالية ‏في المحافظات الجنوبية والشرقية وما يسمى «تنظيم القاعدة».. هذا اليمن هو الذي فتح أبوابه ‏للمخابرات الأمريكية فاخترقت الدولة والأحزاب سلطة ومعارضة وجعلت الجميع يتصارع ‏فيما يصب بمصلحتها وفي خدمة الجماعات الخارجة على الدولة، والتي تهدد الآن بتمزيق ‏اليمن وإدخاله في حروب أهلية وأنفاق مجهولة.

تعلم المملكة العربية السعودية أن ما يحدث في اليمن على حدودها الجنوبية يستهدفها تالياً، ‏وأن جماعة الحوثي المسلحة التابعة لإيران والمسيطرة على مناطق حدودية معها، تقوى ‏شوكتها وتتوسع بغطاء سياسي وأمني أمريكي، يحاصر السعودية من الجنوب.. وحتى في ‏المحافظات الجنوبية والشرقية لن تؤدي الفوضى والانفصالات إلا إلى تهيئة أكثر من مسرح ‏عملياتي لقوى تعمل ضد السعودية. وإن كانت بعض الأدوات المحلية الآن تحاول إعطاء ‏تطمينات ومد جسور مع السعودية، إلا أن النتيجة حتما ستكون عكسية.. والعراق أكبر ‏الدروس.‏

لقد كشفت تجربة العراق أن أمريكا لا تأتمن سوى العنصر الإيراني الشيعي، أما العنصر ‏العربي السني (أو المنصف كذلك حسب تقسيمات ما بعد 2003)، فلن يؤتمن مهما كان ‏صديقاً ومهما قدم من تنازلات فلن يكون سوى أداة سيتم التخلص منها عند إتمام الجريمة. وقد ‏كشفت أحداث "الربيع العربي" أن الغرب الأمريكي يضحي بعملائه "السنة" أو بالأدق غير ‏التابعين لإيران، لكن سوريا كانت نقطة الاختبار الحقيقية التي بينت أن من الصعب التخلي ‏عن نظام يعد حلقة الوصل بين العدو الإسرائيلي الإيراني المشترك للعرب.‏

كل ما سبق، شواهد من الواقع العملي على ما تفعله واشنطن لإسقاط الدول العربية ‏ومحاصرة السعودية ومصر من كافة الجهات، وربما أن السعودية بتركيز أكبر حالياً، الأمر ‏الذي يجعل الغضب السعودي الأخير نتيجة طبيعية لوصول الأزمة إلى مراحل حرجة لم تعد ‏تحتمل الصمت.‏

الجيل الرابع من الحرب ‏

إن كماً مترابطاً من الحقائق والأحداث والشواهد يشير إلى أن الجيل الرابع من الحرب بكافة ‏مظاهره يشن على أهم الدول والعربية والإسلامية، وهذا الجيل هو حرب "إفشال الدولة" ‏باستخدام مختلف وسائل الضغط والنفوذ السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية والنفسية ‏المختلفة وباستخدام مواطني الدولة العدو.. ويبدو أن واشنطن تقودها بالتنسيق والشراكة الكاملة ‏مع إيران وبالتعاون مع دول إقليمية وغربية أخرى (فيما يشبه "سايس-بيكو" جديد).. وهذه ‏الحرب لا تستهدف جماعة دينية أو حزباً سياسياً أو نظاماً استبدادياً ولن تكون نتيجتها في ‏صالح أي الأطراف المحلية، فالمطلوب هو إنهاء عصر الدولة القطرية والدخول في صراعات ‏طائفية ومناطقية تتدخل فيها الدول الخارجية وتسيطر على المواقع الاستراتيجية الحساسة، ‏وليس المطلوب تثبيت أنظمة عميلة أو الدفاع عنها. فمهما خضعت أي دولة عربية أو نظام، ‏فلن يستخدم خضوعه إلا في إسقاط الدولة. ‏

المطلوب «شرق أوسط جديد» -أسوأ مما أعلن عنه، يتقسم ويتصارع حتى الموت وتسيطر ‏عليه إسرائيل وإيران وأمريكا وشركاء آخرون.. واستهداف السعودية لن يحقق أحلام الناقمين ‏منها أو من بعض مواقفها، كما هو حال بعض تيارات جماعة الإخوان الغاضبة من موقف ‏السعودية مما حصل في مصر في يوليو/تموز الماضي، بل إن النتيجة لاستهداف أية دولة ‏عربية أو نظام مع وجود التدخل الأمريكي لن يؤدي إلا لنتائج مستنسخة أو شبيهة بأنموذج ‏العراق، والذي كان الإسلاميون من أول ضحاياه. ‏

يمكن تشبيه مسألة تلاقي نقمة بعض الأطراف المحلية من بعض الأنظمة مع الهدف ‏الأمريكي باستهداف الدول، بأنه صورة غير بعيدة مما جرى في أوائل القرن الماضي، عندما ‏التقت الأهداف البريطانية مع "الشريف حسين" لمواجهة الدولة العثمانية، وعندما انتهت ‏المهمة جاء الغرب واقتسم المنطقة العربية وقسمها إلى فتات.. والصورة يمكن طرحها على ‏بعض المعارضات العربية التي قد تلتقي أو التقت أهدافها مع الغرب بإسقاط الأنظمة.. لكن ‏النتيجة لن تكون إسقاط الأنظمة، بل سقوط الدول وزوالها تدريجياً من الخارطة إثر ما ‏سيترتب على سقوطها من عودة للمجتمعات إلى حلقات صراع وضعف داخلية على أسس ‏قبلية وطائفية ومناطقية وعصبوية يصعب حصرها.‏

‏ وبحسب علماء الاجتماع فأن عجلة التقدم إلى الإمام تحتاج إلى أربعة أجيال لكي تعود ‏مجدداً. فهذه المجتمعات التي تشكلت وتآلفت في ظل دول قطرية منذ منتصف القرن، إذا ما ‏عادت إلى حلقات أضعف على أسس طائفية وانتماءات ضيقة، فإنها سرعان ما تؤدي إلى ‏صراعات داخل هذه الانتماءات الضيقة، لأنها تحدث هزيمة نفسية في شخصية كل فرد ‏بالمجتمع وتبعث "نزعة" الأنا وبالتالي يصعب التحكم بحدود الانهيار. ‏

استراتيجية وجود

الخلاصة.. أن الدائرة الآن تدور حول مصر والسعودية.. آخر دولتين مهمتين تمتلكان سيادة ‏كاملة في هذه المنطقة بغض النظر عمن يحكمهما.. والحرب جارية من مختلف الاتجاهات ‏ولن تتوقف على الأرجح.‏

قد يبدو للبعض أن التفكك أصبح خياراً إجبارياً وشراً لابد منه، تتجرعه الدول والشعوب ‏العربية كثمن لانغماسها في خلافاتها الداخلية وصمتها عن احتلال العراق، وكثمن لسياسات ‏الأنظمة الحاكمة والقوى المعارضة خلال العقود الماضية، بالإضافة إلى أن هناك إرادة دولية ‏لعالم يعيش ضمن قطب وحيد ينفذ خططاً استراتيجية لأهداف يتم تنفيذها عبر عشرات ‏السنين.. وذلك صحيح بعض الشيء. لكن ما ينبغي علينا أن ندركه أن عوامل المقاومة لاتزال ‏موجودة وإن كانت تقل كل يومٍ، وأن هذه الصعوبات والتحديات الكبيرة التي وصلنا إليها، ‏ليست شيئاً مما يمكن أن يكون، بعد الوصول إلى مرحلة الصفر، (لا قدر الله).. إذ أن أي دولة ‏يتم تفكيكها تتحول الى أرشيف التاريخ، وتكون الأقسام الناتجة أضعف من الموجودة وبالتالي ‏يستمر التفكك حتى أضعف حلقة اجتماعية.. ولذلك عندما سقطت الدولة العباسية لم تعد من ‏جديد، فتجارب التاريخ تقول إن أية دولة تسقط ويتفكك مجتمعها لن تعود إلا بعد فترات من ‏الزمن كدولة جديدة بشخصية وحدود وتجمعات وأجيال مختلفة بعد أثمان باهظة. ‏

إزاء كل ما سبق فإن خط الدفاع الأول، يتمثل في تقارب عربي-عربي، وتعاون وتنسيق على ‏أوسع صورة ممكنة، بدءاً بالدول التي ما تزال كاملة السيادة كالسعودية ومصر، وفي التحرك ‏غير الاعتيادي والدعم اللامحدود للدول التي تواجه الاختراق ومخاطر التقسيم وتجري محاولة ‏إيصالها إلى الصفر، وعلى رأسها اليمن والسودان وليبيا. إذ لا يبدو أن من المفيد لأي دولة ‏عربية المواجهة منفردة، خصوصاً أن ما سهل سقوط واختراق الدول الأخرى هو مواجهة كل ‏دولة كل حدة، وإذا تركت هذه الدول تسير إلى الانهيار فسوف تكتمل بها دائرة الحصار على ‏السعودية ومصر والدول الأخرى. مثلما كان سقوط العراق عاملاً مفصلياً في صيرورة ‏المنطقة إلى ما صارت إليه. ‏

وبصورة أوضح ينبغي الإعداد الحازم لخطوات تقارب جريئة ومدروسة بين الأنظمة ‏العربية، سعيا لعقد اتفاقيات دفاع مشترك وتكامل اقتصادي وسياسي يجعل منها محورا صلبا ‏في وجه التحديات ونواة قوية تجذب إليها دولا أخرى كالسودان والمغرب والجزائر واليمن.‏

ومن المهم الإشارة إلى أن الممانعة الدبلوماسية الحازمة والتي بدأت تتقنها الإدارة السعودية ‏تعد من أهم خطوط الدفاع، باعتبار أن كثيرا من أدوات المقاومة لاتزال ممكنة، واستيعابا ‏لدروس عديدة أثبتت أن الغرب المعادي استطاع تفكيك العديد من الدول بعد جرها بعامل ‏‏"الإحراج" الى مربعات صار يصعب فيها إبداء الرفض أو الممانعة.‏

إلى ذلك يجدر مكاشفة الشعوب العربية بحجم الخداع الذي تمارسه إدارة البيت الأبيض تجاه ‏العرب وأحلامهم ومكتسباتهم، ومهم أن تنبع المكاشفة من صميم الحرص على العلاقات ‏السوية بين بلدان العالم وخصوصا الامتين العربية والامريكية وليس من قبيل الشعارات ‏الجوفاء التي كان يمارسها المحور الايراني. والى جانب مكاشفة الشعوب العربية يتم كذلك ‏مخاطبة الرأي العام الغربي والأمريكي لإيقاف عجلة الخراب الذي تقوده عصابات الحكم في ‏بعض عواصم الغرب بالتحالف مع إسرائيل وإيران.‏

إلى ذلك، لا يزال في جميع الدول المنتقصة السيادة أبرز الإمكانات والقوى التي يمكن دعمها ‏لمصالحات فيما بينها وتحفيزها لإنقاذ دولها، والإصلاحات الدستورية المرافقة لأية خطوات ‏للتنسيق والتكامل العربي الذي سيكون مثمرا حتى في أبسط صوره، وسوف تلتف الشعوب ‏حول أية جهود في هذا الاتجاه وتمثل سندا قويا له.‏