خولان وكتابة السطر الأخير
بقلم/ عنتر الذيفاني
نشر منذ: 4 أشهر و 15 يوماً
السبت 29 يونيو-حزيران 2024 06:25 م
 

خولان هي قبيلة يمنية قوية وذات تاريخ يضرب بجذوره في القدم ، جاء ذكرها في نقوش ملوك سبأ في القرن السابع قبل الميلاد .

تعود أصولها عند الحسن الهمداني إلى كهلان ، وعند نشوان الحميري إلى قضاعة من حمير ، وكذلك خولان بن عامر التي تسكن محافظة صعدة ، وهذا هو الراجح ، وأبناء القبيلتين يؤمنون بهذا التقارب بينهما .

تتكون خولان الطيال من السبع القبل وهم (بني بهلول وبني سحام وبني شداد وبني جبر وبني ضبيان والاعروش واليمانيتين العليا والسفلى ).

وتمتد على رقعة جغرافية واسعة حيث يحدها من الشرق محافظة مأرب فحدودها ملاصقة لمدينة مأرب ، ومن الشمال قبيلة نهم وبني حشيش ، ومن الغرب قبيلة سنحان ، ومن الجنوب محافظة ذمار والبيضاء ، وتقع أجزاء كبيرة منها ضمن مديريات محافظة صنعاء ، وأجزاء منها ضمن مديريات محافظة مأرب ، وجزء قليل في محافظة البيضاء ، وتتخللها حصون وجبال شاهقة ، ومناطق اثرية كحصن غيمان وماجل اسعد الكامل ومسجد العباس و أهمها مدينة صرواح والتي كانت عاصمة للسبئيين ، وتبعد عن مدينة مارب خمسة عشر كم وهي إحدى مديرياتها .

تمتاز القبيلة بوحدتها الاجتماعية وقوة تماسكها ، فلكل قبيلة من قبائلها شيخ ضمان ، ثم يجمعها شيخ ضمان واحد .

تربط بين مناطقها الغربية والوسطى شبكة من الطرقات الاسفلتية ، كما يربطها طريق اسفلتي يصل من صنعاء إلى مأرب عبر صرواح بمسافة 150كم.

خولان في الالف عام الماضية 

لخولان بشقيها في صعدة وصنعاء تاريخ مثير ومشرق كبقية قبائل اليمن التي شاركت في نصرة الإسلام والدفاع عنه وحمل رأيته كقادة ومقاتلين في الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا وقلاعها الشامخة في الاندلس شاهدة على مواقفها المشرفة ، ومنذ دخول الدعوة الإمامية اليمن عانت خولان كمثيلاتها من قبائل اليمن الشمالية من الاحتلال الامامي العنصري ، والذي فرض أفكاره ومعتقداته بالقوة على الناس مستعينا بالأف المقاتلين من الجهله ومن الوافدين الطبريين ، قاومت خولان هذا التواجد عبر مسيرتها التاريخية ، واصابها من لوثات الأفكار الهادوية ما أصاب قبائل شمال صنعاء ، بسبب وجود الهجر العلمية التي تتبع الفرقة الهادوية ، بيد ان الأغلبية الكبيرة من ابناىها يعتنقون مذهب اهل السنة ، وخرج من هذه القبيلة علامة اليمن الكبير والمجدد الجهبذ شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني .

خاضت خولان العديد من المعارك ضد الاماميين خصوصا مع آل شرف الدين وكانت الحرب سجال رغم التضحيات التي قدمتها القبيلة ورغم العبث والاجرام من الطاغية المطهر شرف الدين إلا ان خولان استبسلت جنبا إلى جنب مع دولة آل طاهر اليمنية ، وقاومت هذا الصلف دون ان تستسلم او تخضع ، فقام بدفع القبائل الموالية له لإخضاع خولان مستغلا حصول الطاعون الذي أصاب اليمن سنة 929هجرية فلم تقتصر محنتهم على طاعون الطغاة بل ابتلوا بطاعون ذهب بأرواح الكثير ، فهاجم اليمانيتين ، وكان غير قادر عليهم قبل دخول الطاعون ، واخذ من خولان ثمانين رهينة من الاطفال اليافعين ، بيد أن خولان رفضت الخضوع والاستسلام فتحشدوا من جديد ولم يستطع قتالهم فقام بقطع أيدي وارجل الثمانين رهينة من الأطفال في جريمة يندى لها جبين الإنسانية ، فأي جريمة ابشع مما صنع ،على افتراض ان أهالي خولان خالفوه فبأي ذنب قام بقطع ايدي وارجل أطفال رهائن وبأي مذهب أو دين في قانون الإنسانية وهو من يدعي لنفسه انه إمام العدل ويدعي انه وريث النبوة وعلم الهدى ، ثارت خولان واشتد غضبها فاقتحمت صنعاء واستعصى سورها فحاول رجالها حرق باب اليمن ، فحشد القبائل ودارت بينهم الحروب انتهت بدخول الطاغية بلاد خولان ودمر الديار وقطع اعنابهم واشجارهم واستأصل المغروس والمعمور وتركها خاوية ، كما ذكر ذلك صاحب كتاب ( روح الروح ) وهو حفيد الطاغية نفسه عيسى لطف الله بن المطهر شرف الدين ، واستمر صراع خولان مع الامامة حتى دخول القوات العثمانية فضعفت الامامة ، وانتصفوا لهذه القبائل من الطغيان الإمامي ، 

 

خولان وبيت حميد الدين  

في البدايات الأولى لحكم يحي حميد الدين انتفضت خولان والحدأ ضد هذا الحكم رافضين تسليم رهائن وعودة هذا الأسلوب من الحكم الجائر ، فخولان ثأرها من الإمامة مازال قائما بسبب قتل الرهائن في الماضي ، أرسلت الحملات العسكرية ضد القبيلتين وحدثت المواجهة ، انتهت بالمصالحة والحوار بعد عجز الطاغية وهزيمته عسكريا .

لقد اشتركت خولان في العديد من الانتفاضات ضد الطاغية احمد والتي مهدت لقيام ثورة ال26 من سبتمبر ، فقامت بثلاث انتفاضات ، الأولى عام 1957في خولان وصرواح رافقتها انتفاضة في عمران والمفاليس في تعز ، وقد ارسل الطاغية احمد ابنه البدر لإخماد انتفاضة عمران ، وارسل يحيى بن الحسين لإخماد انتفاضة المفاليس ، كما وجه الجيش لإخماد انتفاضة خولان المسلحة ، استمرت الحرب اسابيع وكان هناك قتلا وجرحى من الجانبين ، انتهت بإخضاع القبائل بالقوة واخذ الرهائن ، بيد أن قاعدة النظام الاجتماعية باتت تتقلص فيما تزداد صفوف المعارضة اتساعا .

وفي عام 1959 ثارت خولان مرة أخرى بقيادة الرويشان والصوفي وبعض مشائخ خولان بسبب قتل جنود الإمام لقاضيان من بني جبر في تعز ، انتهت بصلح بين خولان والبدر اثناء بقاء الطاغية احمد للعلاج في روما ، حيث اجبر البدر بدفع الديات المغلظة بعد أن امتنع عن تسليم دية القاضيين من قبل .

وفي نهاية عام 1959كانت انتفاضة بكيل التي اعقبت انتفاضة حاشد والتي انتهت بإعدام شيخ حاشد حسين مبخوت الأحمر وولدة الثائر حميد والشيخ عبد اللطيف راجح من مشائح إب ، لقد كانت هذه الانتفاضات الكبرى نتاج اجتماع ضم مشائخ القبائل من حاشد وبكيل مع قيادة الاحرار من أبناء اليمن ، مستغلين غياب الطاغية للعلاج وضعف البدر ، مدركين بعد تجارب الزمن أن نجاح الثورة في اليمن وتغيير النظام من ملكي إلى جمهوري لن يكون مالم تكن حاشد وبكيل في صف الثورة والتغيير ، باعتبار هاتين القبيلتين هما التان تعتمد عليهما الإمامة دائما في تثبيت حكمها ، تحمس المشائخ للتغير وارتفع صوت الزامل لدى القبائل 

سلام ياحاشد وياصبة بكيل .....من بعد هذا تسمعون اخبارها 

إمامنا الناصر ومن بعده حميد .... سبحان من رد العوايد لأهلها.

 

 كتعبير عن عودة الحكم لليمنيين بعد موت الناصر وهو لقب للطاغية احمد ، قيل هذا الزامل كتعبير أيضا عن التفاعل العفوي للقبائل ، لقد ادرك الجميع من مشائخ القبيلتين مسئوليتهم التاريخية تجاه اليمن ومستقبل أبنائه فاستجابوا لاهم مطلب للثوار الاحرار وهو العمل على عزل القبيلتين عن الإمامة، لتجد نفسها بعد ذلك وحيدة بدون قوة ترتكز عليها ، وهذا ما حدث بالفعل ، فكانت انتفاضة حاشد ثم تلتها مباشرة انتفاضة بكيل التي دار رحاها على أرض خولان الابية بقيادة الشيخ سنان أبو لحوم ومشائخ خولان من بيت الغادر والرويشان والقيري ودويد والزائدي وطعيمان والنيني وشعلان ودهمش والدماني وغيرهم وانضمت مشائخ ذو محمد وذو حسين ، تحرك الجيش الإمامي لاخضاع انتفاضة بكيل في خولان لكن أنى له ذلك ، توجه الجيش الأول إلى خولان بقيادة السلالي محمد حسين الضمين والثاني إلى نهم وبني سحام بقيادة السلالي أبو طالب ، لكن الجيشين لم يحققا أي نتائج لرفض بعض القبائل السماح لبعض القوة المرور من أراضيها ولتكاتف وتعاون القبائل مع بعضها ، توالت الحملات العسكرية واستعان الإمام بأنصاره وسلالته ، انتهت بالتجاء المشائخ بسلطنة بيحان ، قام الطاغية بإعدام شيخ حاشد وابنه وراجح في يناير 1960 وقام بمكاتبة الشيخ سنان ومشائخ خولان وقدم لهم الضمانات لسلامتهم لكنهم يعلمون كيف غدر بمن قبلهم من مشائخ حاشد ، فتواصل النضال بشكل حرب عصابات داخل صنعاء نال حتى من بيوت الإمام نفسه بالتفجيرات ورمي القنابل .

إن هاتين الانتفاضتين كانتا المقدمة لثورة سبتمبر بما تسببتا من خسارة الإمامة لقاعدتها الاجتماعية التي تحولت إلى صف الثورة ، فانتصرت الثورة والجمهورية . 

 

خولان وكتابة السطر الأخير 

 

لاشك ولا ريب أن ما قامت به خولان بالتعاون مع بقية القبائل كان له الأثر الكبير في انتصار الثورة وصنع التحول التاريخي لليمن وشعبه ، ونحن اليوم نواجه الصورة الابشع في تاريخ الامامة العنصرية وهي جماعة الحوثي ، وعلى حاشد وبكيل ممثلة بمشائخها ان يتحملوا مسئوليتهم التاريخية كما تحملها من قبل ابائهم في النضال حتى انتصرت ثورة سبتمبر، ويقيني انهم من سيكتبون السطر الأخير في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد وان خولان على رأس هذه القبائل ومن سيضعون نهاية لهذا الصراع ، وان احداث التاريخ تعيد نفسها ، فجنبا إلى جنب مع الجيش و قبائل مذحج وحمير الثائرة على مدار الزمن .