نحن أصحاب القرار وعلى عاتقنا تقع مسؤولية التغيير وصناعة المستقبل
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: شهر و 6 أيام
الثلاثاء 24 سبتمبر-أيلول 2024 04:53 م
 

كلمة الأستاذة توكل كرمان في قمة "عالم شاب واحد" - بكندا

 

السلام عليكم جميعًا.

 أنا سعيد جدًا لوجودي هنا للمرة الثالثة..

 هنا في هذا المكان العزيز على نفسي.

 أحب هذا المكان.. أحب هذا البلد، وأحب الشباب، وكيف لا أحبهم وأنا واحدة منهم. أنا سعيد جدًا لوجودي معكم، وأنا فخورة جدًا بكل شاب يحضر هذا التجمع المهم للغاية.

 

هذا التجمع ليس مجرد قمة لتجاذب أطراف الكلام والحديث أو للتعارف، بل هو قمة لأولئك الشباب الذين سيشكلون المستقبل وسيكونون قادته. الشباب الذين هم الآن صناع التغيير، فأنتم من ستتحملون مسؤولية خلق عالم أفضل لنا نحن أبناء هذا الجيل وللأجيال القادمة.

 إنني أقدر لهذا الجمع تقاطره من مختلف انحاء العالم، فمعظم بلدان العالم هي اليوم ممثلة هنا؛ إن وجودكم هنا يعني أنكم لستم هنا لمجرد الاحتفال، بل لتبني مهمة جديدة أو لتجديد مهمة قائمة، أو لتحديث معارفكم، أو لشحذ طاقاتكم واعداد أنفسكم لمواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظركم.

 

إن عالمنا اليوم يواجه تحديات غاية في الخطورة تهدد وجودنا ذاته وتهدد الإنسانية، ومن أعظم التهديدات التي تهدد وجودنا البشري في هذه الأرض هو تغير المناخ، الذي يعرض البشرية وكوكبنا للخطر ــ أمنا الأرض. وتذكروا أن معالجة هذه القضايا ليست مسؤولية أحدهم، لا، الأمر ليس كذلك، بل هي مسؤوليتكم أنتم صناع التغيير وقادة المستقبل، وهذا ما يجب ان تحدثوا به أنفسكم بشكل دائم، وهو أننا نحن أصحاب القرار ومن على عاتقه تقع مسؤولية التغيير وصناعة المستقبل، ومن على عاتقه تقع مسؤولية مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ووقف الأنشطة الرعناء التي تضر بأنظمتنا البيئية والتنوع البيولوجي. ارفعوا أصواتكم ضد جنون الحكومات والشركات التي تهدد حاضرنا ومستقبلنا. عليكم أن تعاهدوا أنفسكم والعالم من حولكم بأنكم ستتخذون الإجراءات اللازمة.

 

إياكم ان يساوركم شعور بالعجز عن إحداث التغيير، فإنكم بذلك سوف تساهمون في التدمير المستمر لبيئتنا. 

إياكم أن تعتقدوا بأنكم غير قادرين على الاضطلاع بمهمة كذه، بل أنتم قادرون على ذلك. باعتباركم شبابًا، فأنتم تملكون الوسائل اللازمة لتغيير الوضع الحالي.

 

والتحدي الحاسم الآخر الذي نواجهه يتمثل في تدهور قيم حقوق الإنسان، وفيما نشهده من صعود للدكتاتورية والاستبداد والظلم والانقلابات العسكرية والأيديولوجيات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن الكراهية والعنصرية. 

 

كنا قد حققنا انتصارات كبيرة من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط جدار برلين، ولكننا الآن نجد أنفسنا في مواجهة جنون جديد، فالديمقراطية ذاتها في تراجع، وتواجه تهديدات ومخاطر جسيمة. وهذا لا يحدث فقط في البلدان التي يضحي فيها الناس من أجل الحرية والعدالة؛ بل إنه واضح أيضاً في الدول الديمقراطية المعروفة مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا.

 

 إن القيم النبيلة المتمثلة في المساواة وحقوق الإنسان وسيادة القانون معرضة للخطر حقاً. ماذا علينا أن نفعل؟

 هل نسمح للكراهية بأن تحدد مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة؟ هل نسمح لمن ينشرون الكراهية والعنصرية والدكتاتورية بمواصلة التحكم بحاضرنا وصياغة مستقبلنا؟ 

 

الجمهور: كلا! لا يمكن أن نسمح بحدوث هذا.

 

إذاً، يجب وقف أولئك الذين يتولون السلطة وينشرون الكراهية والعنصرية والظلم والفساد، ومن سيوقفهم؟ أنتم أيها الشباب. كونوا كابوسًا يقض مضاجع هؤلاء الدكتاتوريين.

 

أنظروا، إن هوايتي هي مواجهة الفساد وكشفه وإسقاط المستبدين، وقد سعيت إلى ذلك منذ الطفولة، ومنذ أن شرعت في كتابة مقالات قوية ضد الدكتاتور في اليمن وأسست منظمة صحفيات بلا قيود، ومنذ أن اشعلت الى جانب الشعب اليمني ثورة سلمية ضد الدكتاتورية. في ذلك الوقت، كنت شابة من اليمن، ولا أزال أعتبر نفسي شابة (قالتها على سبيل الدعابة).

 

 فلتكونوا كلكم ثقة وإيمان بقدرتكم على إحداث التغيير.

 

وإليكم قصة، وهي مما يشاع، أن الدكتاتور علي عبد الله صالح أخبره أحد عرافيه أن امرأة ستجبره على التنحي عن السلطة. ويا لمحاسن الصدف، لقد كانت تلك المرأة هي أنا. لقد كنت كابوساً يؤرقه. ولم يصحو من ذلك الكابوس حتى وجد نفسه لم يعد رئيساً.

 

ها هي حقوق الإنسان تتعرض لتهديد كبير، وها هي الحرب في غزة تكشف لنا حالة التدهور الذي تشهده الأنظمة والسياسات الدولية وتخليها عن القيم والمبادئ وحقوق الإنسان. ما يجري في غزة من إبادة جماعية يكشف لنا ذلك كله. والشيء ذاته ينطبق على الوضع في أوكرانيا، حيث يكشف العدوان الروسي عن المزيد من التدهور في مجال حقوق الإنسان.

 

كما نرى آثار الانقلابات العسكرية في أفريقيا، على غرار ما يجري في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكحكم طالبان في أفغانستان، والقمع المستمر في سوريا والحرب في ليبيا وفي السودان، وهناك الديكتاتورية في فينزويلا. ومما تجدر الإشارة اليه هنا هو أننا حينما نتحدث عن الدكتاتورية علينا أن لا ننسى الشركات متعددة الجنسيات التي تقف داعمة للاستبداد والمستبدين والحكومات، وتعمل على استغلال الشعوب وسرقة ثرواتهم ومواردهم كما في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وحتى هنا في كندا، حيث عانت المجتمعات الأصلية من مثل هذا الاستغلال.

 

وبالتالي فإن علينا أن نضع حدًا لكل هذا العبث، وأنتم تمتلكون القدرة على القيام بذلك. ثقوا بأنفسكم، فأنتم قادرون على إحداث الفارق.

 

وبصفتي امرأة من اليمن، أفتخر بأنني أقف من أجل التغيير. لقد شكك الكثيرون في قدرتي على جعل الناس يثورون لاسقاط الدكتاتور، لكنني فعلتها.. لقد فعلتها.. وسأواصل جهودي وأقوم بدوري كامرأة لتحويل بلدي إلى دولة ديمقراطية يعمها السلام والازدهار، على الرغم من الفوضى التي يغذيها زعماء الثورة المضادة. كما أقف متضامنة مع تطلعات بلدان الربيع العربي الأخرى التي تناضل ضد الدكتاتورية والانقلابات العسكرية والإرهاب والكراهية، فنحن كشعوب عربية نستحق الحرية والديمقراطية والكرامة وسيادة القانون، ولن نقف حتى نحقق ذلك كله.

 

التحدي الثالث الذي نواجهه هو الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء على مستوى العالم. وفي القرن الحادي والعشرين، تستمر هذه الفجوة في النمو، وتتفاقم بسبب العولمة التي تزيد الدول الغنية غناً بينما تزيد الدول الفقيرة فقراً. ويتعين عليكم، أيها الشباب، وقف هذا التدهور ومكافحة هذه الفجوة بقدر كفاحكم ضد الدكتاتورية. عليكم ان تعملوا على تقليص هذه الفجوة والدعوة إلى المساواة ــ ليس فقط بين الجنسين، بل وأيضاً بين الدول والأفراد الأغنياء والفقراء.

 

إن المساواة الحقيقية تعني أن يتمتع كل مواطن بفرص متساوية في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية. والديمقراطية ليست شأناً محصور على الغرب فقط؛ بل هي حق عالمي. الديمقراطية حق للجميع؛ الديمقراطية التي تضمن المساءلة، وتكفل الحق في حرية التعبير، والحق في المشاركة، وفي الشفافية، وفي التصويت واختيار من يحكم.

 

لماذا نسمح للطغاة بقمع شعوبهم؟ هل تضع حكومات الدول الغربية مصالحها فوق حقوق الإنسان؟ لقد حان الوقت للشباب من أمثالك لتحدي هذه السردية. نحن نستحق الديمقراطية، وسنجعلها حقيقة واقعة في بلداننا.

 

وعليها، فإن هذه التحديات تمثل أيضاً فرصاً كبيرة، وخاصة بالنسبة لكم أنتم الشباب. فلا تستهينوا أبداً بقدراتكم. أنتم أقوى من أي جيل سابق ويمكنكم تقديم حلول مبتكرة. ادعوا حكوماتكم، وخاصة في الدول الديمقراطية، إلى وقف تحالفاتها مع الدكتاتوريين، وحثوا الشركات على وقف استغلال وسرقة موارد البلدان الأكثر فقراً.

 

وعلاوة على ذلك، يتعين علينا أن نعمل بشكل جماعي لمعالجة القضية الملحة المتمثلة في حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. فقد استُخدم هذا الحق لفترة طويلة لتقويض العدالة والمساواة.

 

ما أود أن أقوله هنا هو ان الكثير منكم سوف يصبحون قادة المستقبل ـ رؤساء وسفراء ووزراء ورؤساء شركات وشخصيات مؤثرة. وهذه القمة من أجلكم، قادة الغد. وإذا كنتم هنا، فهذا لأنكم تطمحون إلى إحداث التغيير، وإلا فلماذا أنتم هنا. هذه القمة هي قمة قادة المستقبل، وهذا القمة هي قمة صناع التغيير الحاليين. 

 

وبالتالي لنتحد جميعا لتحدي إساءة استخدام القوة في مجلس الأمن، حيث تستخدم بضع دول حق النقض لقمع حقوق الآخرين. وينبغي أن يكون هذا الامتياز من نصيب كل الدول، وليس حكراً على خمس دول فقط.

 

وأخيرا، ومجدداً فإن المساءلة أمر ضروري. لذا، يجب أن تتحمل حكوماتكم وشركاتكم المسؤولية عن أفعالها. وإذا حافظتم على اليقظة والشجاعة، فسوف تتمكنون من المساعدة في حل مشاكل العالم.