مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟
هذا الكتاب من أهم ما كتب في التاريخ الإسلامي ، ومن أعجب التراجم على مدى التاريخ ، فقد أراد مؤلفه العلامة أحمد محمد المقري التلمساني ( نسبة إلى تلمسان الجزائر ) والمولود 986هجرية والمتوفي سنة 1041هجرية الموافق 1578- 1631م أن يترجم للوزير لسان الدين بن الخطيب ( 713ـ 776هجرية) الموافق 1313ـ 1374م ، وكان موسوعياً بحق وعلما من الأعلام ، فأراد المقري أن يترجم له فبدأ كتابه ( عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب ) فإذا به يذكر رحلته هو ــ أي المقري ـ من فاس بالمغرب عام 27بعد الألف عام من هجرة رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام إلى مصر ، ثم زيارة مكة والمدينة ثم بيت المقدس ، ثم العودة إلى مصر ثم إلى القدس ثم إلى دمشق حيث استقر بها .
كان المقري قد نزل بفاس قبل خمس سنوات قادما من تلمسان بالجزائر اليوم ، وقصد طلب العلم وجد فيه وبز أقرانه وطار ذكر حتى صار شخصية معروفة شهيرة ، لكنه بعد تلك السنوات قرر السفر نحو المشرق معلناً بأنه يريد الحج ، والحقيقة غير ذلك فقد قرر السفر دون عودة ، حيث حمل معه أمتعته وكتبه الكثيرة ، وهو تصرف من قرر هجرة بلا رجعة .
يقول في بداية الكتاب : ( إنه لما قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقب أو رد، ولا محيد عما شاءه سواء كره ذلك المرء أو رد، برحلتي من بلادي، ونقلتي عن محل طارفي وتلادي، بقطر المغرب الأقصى، الذي تمت محاسنه لولا أن سماسرة الفتن سامت بضائع أمنه نقصا، وطما به بحر الأهوال فاستعملت شعراء العيث في كامل رونقه من الزحاف إضماراً وقطعاً ووقصاً) . ( (1
وهنا نفهم أنه تعرض للتحريض عليه عند السلطان من قبل بعض الحساد الذين أرادوا الإيقاع به فقرر الهجرة .
ثم يمضي في وصف رحلته وأخباره حتى أستقر بدمشق وهناك ظل يحدث الناس عن الأندلس وما حل بها، وعن أعلامها وأحداثها فالتف الناس حوله وأعجبوا به ، ودرس في المدرسة الجمقمقية وفي المجامع الأموي فأعجبوا به ونال فيهم الحظوة البالغة .
يقول عنه المحبى في " خلاصة الأثر " : ( عندما استقر في دمشق جلس يقرأ صحيح البخاري في الجامع الأموي تحت قبة النسر ، وتزاحم الناس لسماعه ، حتى ضاق بهم المقام ، فانتقل بعد أيام إلى صحن الجامع ، وأخذ يحدث من البخاري فتقاطر الناس عليه ، وأقبل أكابر علماء دمشق يسمعون منه ، واستمرت دروسه بنجاح عظيم حتى أصبح سامعوه ألوفا ، وكان يوم ختمه حافلاً جداً ، اجتمع فيه الألوف من الناس وعلت الأصوات بالبكاء ، فنقلت حلقة الدرس إلى وسط الصحن إلى الباب الذي يوضع فيه العلم النبوي في الجمعات من شهر رجب وشعبان ورمضان ، وأوتي له بكرسي الوعظ ، فصعد عليه ، فتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره أبداً ، ونزل عن الكرسي فازدحم الناس على تقبيل يده ، وكان ذلك نهار الأربعاء سابع عشر شهر رمضان سنة 1037 هجرية الموافق سنة 1627م ، ولم يتفق لغيره من العلماء الواردين على دمشق ما اتفق له من الحظوة وإقبال الناس) ( (2.
، وكما حدث الناس من صحيح البخاري وحدثهم عن الأندلس فقد حدثهم ايضا عن الوزير الشهير والعالم الموسوعي الوزير لسان الدين بن الخطيب ومكانته السياسية والأدبية فأثار في نفوسهم حب الاستطلاع إلى مزيد من البيان عنه ، وكان أحمد الشاهيني المدرس بالجمقمقية أشدهم إلحاحاً في ذلك، ولهذا نزل المقري عند رغبته في تأليف كتابه ( عرف الطيب في التعريف بلسان الدين بن الخطيب ) .
فبدأ كما ذكرنا بأخبار رحلته حتى استقر بدمشق ثم جعل يتحدث عن الأندلس وما حل فيه ويذكر كل صغيرة وكبيرة ويترجم لأحداثه وأعلامه ومدنه وأنهاره وأشجاره وثماره، وجغرافيته وأدبه وآثاره وفنونه، ويذكر الأخبار والقصص والأشعار، وتمضي الصفحات ، العشرات ثم المئات وهو لم يذكر لسان الدين بن الخطيب موضوع الكتاب .!
لقد أراد فقط أن يكتب مقدمة عن الأندلس ثم يكتب بعد ذلك عن لسان الدين بن الخطيب ولكنه توسع حتى صار الحديث عن الأندلس هو أغلب مادة الكتاب وحينها غير عنوانه إلى: ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب ) .
وقد قسم الكتاب الكبير الذي يقارب خمسة آلاف صفحة إلى ثمانية أبواب:
الأول في صفة الأندلس وجغرافيتها ، وهي شبه الجزيرة الإيبيرية وتشمل اليوم إسبانيا والبرتغال ، والباب الثاني خصصه لفتح الأندلس وأمرائها من قبل بني أمية ، والثالث في ذكر أمرائها وخلفائها من بني أمية وقد كانت نهايتهم على المنصور بن أبي عامر المعافري اليماني ومن أعقبهم من ملوك الطوائف حيث تقسمت الأندلس بعد وفاة المنصور إلى 23 مملكة صغيرة ، والباب الرابع في وصف قرطبة وقد كانت هذه المدينة في عهد الأندلس من أهم عواصم العالم ، فيها الجامعات والقلاع والحصون والمساجد والكنائس والمعاهد والمدارس والمتاجر ، وفيها ألف حمام عمومي ، فيها العلماء والشعراء والفنانون ، مدينة مبهرة حوت كل علم وفن ، وما يزال إلى اليوم مكتوب على مدخل جامعة قرطبة لوحة نُقش عليها باللغة العربية هذه الأبيات:
بأربع فاقت الأمصار قرطبة:
منهن قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثة
والعلم أعظم شيء وهو رابعها.
والباب الخامس من كتاب " نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب " فيمن رحل من الأندلسيين إلى المشرق من العلماء والأعلام لأسباب شتى ، والباب السادس فيمن وفد على الأندلس من المشارقة من العلماء والأعلام وهم كثر .
يقول الباحث د . إبراهيم الدويري : ( أوصل المقري عدد الأندلسيين المترحلين إلى المشرق إلى 307 عالم وأديب، ولم يترجم إلا لـ83 من المشارقة "الوافدين على الأندلس" منهم الفاتحون والأمراء مع أنه وصفهم بأنهم "قوم كثيرون لا تُحصر الأعيان منهم) . ( (3
ولعل آخر من وفد على الأندلس أستاذنا الدكتور عبد الرحمن الحجي ـ رحمة الله تغشاه ـ وقد عرفته عندما زار جامعة الإيمان كأستاذ زائر وألقى محاضرات فيها عن تاريخ الأندلس.
ولحبه للأندلس رحل إليها منذ التسعينيات وظل فيها حتى توفاه الله في 18 يناير 2021م.
والباب السابع فيما ميز الله به أهل الأندلس من توقد الأذهان ، وهو يضرب لذلك أمثلة عديدة ويروي الكثير من القصص والشواهد .
والباب الثامن في تغلب الممالك الأوربية على الأندلس وإخراج أهلها منها .
وهنا أود أن أستطرد قليلا وأؤكد على حقيقة تغيب عن أذهان الكثير من الناس بما فيهم الكثير من النخبة ، حيث يرون أنه بعد سقوط الأندلس عام 897 هجرية الموافق 1492م قام السلطات هناك بطرد العرب منها ، وهذا خطأ كبير ، الذين تعرضوا للطرد والقتل والسحل في محاكم التفتيش هم مسلمو الأندلس وما العرب فيهم إلا أقلية صغيرة لا تزيد عن 10% في أكثر الأحوال بشهادة المؤرخين الإسبان .
نعود إلى المقري وكتابه الذي ضمنه وثائق هامة منها الوثيقة التي تم بموجبها تسليم أبي عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة إلى فرديناند وإيزابيلا ملوك إسبانيا المسيحية والتي اتفق فيها على بقاء المسلمين ولهم كافة الحقوق والحريات ، وهي معاهدة تم توقيعها في قصر الحمراء ، وتضمنت 60 بنداً.
وهنا أود أن استطرد قليلا مرة أخرى وأؤكد على أن ما يشاع على أن أم أبي عبد الله الصغير آخر حاكم مسلم لمملكة غرناطة " محمد بن علي بن سعد الأحمر " قالت له : " ابك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال " هي أسطورة مدسوسة وليست حقيقة ، أسطورة روج لها المؤرخ الإسباني المتعصب أنطونيو دي جيبارا لإذلال المسلمين .
لقد تعرض هذا المجاهد العظيم للخذلان من ملوك المسلمين، واضطر لتسليم المدينة بعد سبعة أشهر من الحصار بأقل الخسائر، وبعدها غادر إلى جبال البشارات قرب غرناطة لمدة سنة ، كان حينها ينتظر وصول إمدادات المسلمين ، وقد خشي ملوك إسبانيا الجدد منه فحاربوه بمن تنصر من المسلمين ، وخصوصا من عائلة يحيى النيار فغادر إلى المغرب وظل مغمورا في فاس حتى وفاته .
نعود إلى كتاب المقري حيث ضمنه رسائل لابن حزم والشقندي في فضل الأندلس ، كما ضمنه غيرها من الرسائل والأخبار والنوادر والقصص والأشعار .
يقول العلامة د . حسين مؤنس ـ رحمة الله تغشاه ــ معلقا على الكتاب: ( وبعد هذا كله ، بدأ المقري يقص سيرة ابن الخطيب ، وهي في الواقع ليست سيرته وحده ، بل سيرة أساتذته ومعاصريه وتاريخ كامل لغرناطة والمغرب من أوائل أيام بني نصر ( بني الأحمر ) إلى سقوط غرناطة ، وفي هذا القسم من الكتاب تتسع استطرادات المقري حتى يكاد يخفي الخط الرئيسي للكتاب ، فالمقري محدث لبق ، جمع فأوعى ، وحافظ ، ضم صدره من الأخبار والحكايات والروايات والتواريخ والأشعار ما لم يجمع مثله ، وقد وهب الله لأحمد بن محمد المقري ، قدرة نادرة على الحكاية والرواية والاسترسال حتي ليصرف سامعه عن نفسه ، وعن الموضوع الذي يطلب ، ونقضي الساعات بين شعر ونثر وخبر وحكاية وترجمة وتاريخ ، منظومة كلها في سلك رفيع يكاد يخفى ، حتى إذا انتبهت إلى نفسك لم تجد من الموضوع الذي طلبت أشتاتا متفرقة ولمحات متباعدة ، ولكنك لا تأسى على ما ضاع من وقتك ، فإن كل ما سمعت منه لطيف طريف ، ينفعك في مطالب شتى) . ( (4
والعجيب أيضا أن المقري ألف كتابا آخر عن سماه ( أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض ) عن القاضي عياض بن موسى السبتي اليحصبي (476 هـ - 544 ) هـجرية الموافق 1038م - 1149م) علامة المغرب الكبير ، مؤلف كتاب " الشفا بحقوق المصطفى " و " إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم " وغيرها ، وقد نهج به نهج نفح الطيب فجعله أغلبه لتاريخ المغرب وما بقي منه ترجمة للقاضي عياض .
ولعلنا نكتب عنه في قادم الأيام بإذن الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر كتاب " نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ) صـ 13 نسخة المكتبة الشاملة على هذا الرابط : https://shamela.ws/book/1002
2ـ انظر للتوسع كتاب " خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر " لمؤلفه المؤرخ محمد أمين المحبي السوري ( 1651 ـ 1699م) .
3 ـ انظر للتوسع مقال " المؤرخ عبدالرحمن الحَجِّي والأندلس عشق في الحياة والممات! " المنشور في مدونات الجزيرة نت للباحث د إبراهيم الدويري على هذا الرابط :
https://www.aljazeera.net/blogs/2021/1/28/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%B1%D8%AE-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8E%D8%AC%D9%90%D9%91%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3
4ـ انظر للتوسع كتاب ( الأندلس صفحات مشرقة بقلم نخبة من الكتاب ) العدد من كتاب العربي ، إصدارات مجلة " العربي " الكويتية . 15 أكتوبر 2004م .