المؤتمر يتولى تخليص المؤتمر من نفسه
بقلم/ محمد العلائي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 14 يوماً
السبت 30 أغسطس-آب 2008 04:45 م

انتهى مسار المفاوضات، الطويل وغير الممهد، على نحو درامي مؤثر.

فعلى حين غرة، قررت أغلبية المؤتمر، الاثنين قبل الماضي، التصويت لصالح قانون الانتخابات (القديم)، ملغية بذلك بنود التعديل التي تم إدراجها بالتوافق مع اللقاء المشترك ب عد جولات تفاوض استغرقت قرابة عامين .

  في الحدث ما هو مثير للصدمة. فقد جاء في وقت كان التوافق السياسي بين الأطراف نهائي وناجز، لاسيما بعد أن أمر الرئيس، السبت قبل الفائت، بإطلاق السجناء على ذمة تهم سياسية .

  وبسبب هيمنة حالة متفاقمة من عدم الثقة بين فرقاء العمل السياسي، الواحد تجاه الآخر، فقد تباطأ اللقاء المشترك في الدفع بأسماء ممثليه إلى البرلمان، فضلاً عن تلكئه في التصويت على قانون الانتخابات (المعدل)، مخافة نكوص الرئيس عن التزامات قطعها على نفسه لها علاقة بقضية المعتقلين .

  ولمخاوف المشترك، والحق يقال، ما يبررها. فهو يرغب في أن تحسم القضايا السياسية محط الخلاف جنبا إلى جنب مع إطلاق المعتقلين، تفادياً للوقوع في فخ الخداع والمماطلة الشائنين .

  طبعاً، وبمقاييس الأشياء، تعتبر خطوة الحزب الحاكم جريئة، وتنطوي على قدر من التحدي والمجازفة الناجمين عن نفاد صبر كتلة حزب في كامل عنفوانه وجبروته، ولديه ما يفعله .

  إنها موجعة للمشترك، بقدر ما هي مفيدة. فلئن كانت قيادة المشترك تعتقد، في قرارة نفسها، أنها حققت اختراقاً عظيماً بإسقاطها بضع كلمات من القانون القديم، وإضافة بضع كلمات، فإن التذمر واليأس هو الذي ساد بكثافة في صفوف أنصارها، في الآونة الأخيرة .

  خطوة المؤتمر، الاثنين، عززت موقف قيادة اللقاء المشترك لدى أنصارها، وأضافت إلى رصيدها أكثر مما أخذت. والسبب يعود، ربما، إلى أن هروب كتلة المؤتمر من التعديلات (الطفيفة)، وميل أعضائها إلى القانون القديم، أعطى انطباعاً بأن ما كسبه المشترك بالتفاوض ليس هيناً وضئيلاً. بالعكس، لقد بدا ثميناً أكثر عندما أثار حفيظة المؤتمر .

لكن، هل كانت الخطوة مفاجأة مبيتة مسبقاً، أم أنها مصادفة من نوعٍ ما؟ ثم هل تأخرت كتل المشترك عن جلسة الحسم، من قبيل الاحتجاج على عدم إطلاق المعتقلين السياسيين، وبسبب ممانعة المؤتمر في تزويد نواب المشترك نسخاً من مشروع القانون الذي تقرر التصويت عليه، أم كان (التأخر) ناتج عن خلافات مصمتة بشأن حصص أطرافه في اللجنة العليا للانتخابات؟

 

الخلاف بين أطراف المشترك أمر وارد. وفي مستطاع المرء أن يستشف ذلك من التضارب في تصريحات قياداته، طيلة هذا الأسبوع، وهو ما لم يحصل بهذا الوضوح منذ تأسيسه .

  صباح الأحد قبل الفائت، قطع عبد الرحمن بافضل على نفسه عهداً بإحضار أسماء ممثلي المشترك يوم الاثنين .

  يومها، أدلى محمد صالح القباطي الناطق باسم المشترك، بتصريحات صحيفة لا تعتبر إحضار الأسماء شرطاً للتصويت على قانون الانتخابات، وترفض بشكل قاطع الالتزام بهذا الشرط .

  الراجح أن ثمة خلاف. وهذا طبيعي. لكن هل هذا هو السبب الوحيد لعدم إحضار قائمة الأسماء المرشحة للجنة؟ وهل كان الخلاف فنياً أم سياسياً؟

  الجواب بـ"نعم"، يعني خلو موقف المشترك من أي طابع احتجاجي يذكر. وهذا غير مشجع بالنسبة إلى أنصاره .

  ذلك أنه سيعني أن كتلة المشترك كانت أمس ذاهبة للتصويت -رغم عدم إطلاق المعتقلين، ورغم عدم حصولها على نسخة من نص القانون الذي قد يتعرض للتلاعب والتحوير في غيبتها، ويخضع للتصويت على علاته- لولا نشوب الخلاف بين هيئتها القيادية .

  بالنسبة للمؤتمر، هناك احتمالان: إما أنه جاء إلى الجلسة بموقف مسبق ينص على فرض القانون القديم، حتى لو حضرت كتلة المشترك للتصويت ومعها أسماء ممثليها .

  أو أنه، وهذا لا يقل سوءاً، وجد فرصة سانحة لتحوير أو تخفيف حدة المواد المضافة، وبالتالي يصبح إقرارها أقل خطراً على تركته الانتخابية المترامية . وأياً ما كان الأمر، فكتلة المؤتمر تصرفت بنفاد صبر وحماسة. فميلها للقانون القديم له ما يبرره. ففي مثل هذه المساءل يمتزج الشخصي بالعام (الحزبي). وتقدير بعضهم هو أن البنود المضافة إلى القانون من شأنها تجريدهم من مقاعدهم في البرلمان. وهو تقدير مبالغ فيه كما يبدو .

  لسوء الحظ، ليس في خطوات المؤتمر، ما يبعث على التباهي والزهو. ثم إن اللقاء المشترك لم يخسر ما يستحق البكاء والعويل. لأنه ببساطة حلف يضم الخاسرين والمنسيين والمغدور بهم. أكثر من ذلك: فالإحساس (الرومانطيقي) المشترك بالخسارة، يمثل الخيط الناظم لهذا الحلف .

  ورغم أن الكثرة المطلقة من الشعب تحس، بطريقة أو بأخرى، بوطأة الخسارة، إلا أن اللقاء المشترك أخفق في ضمها إلى صفوفه، لأن كبرياءه لا يسمح له بأن يبدو خاسراً .

  رومانطيقية المشترك في المكان الخطأ والزمان الخطأ. إنه يحب أن يخسر، وهذا شأنه. وفي كل مرة يعود من معاركة مطأطئ الرأس .

  مع ذلك، لست واثقاً من أن قياداته يروق لها تكبد الهزائم، لكن ما هو مؤكد هو أنهم يستسيغونها على نحو أو آخر. فمع الوقت تغدو الهزيمة إيديولوجيا وملة سياسية أثيرة، مثلما النصر فيما يخص المؤتمر .

  يوم الأحد، قبيل التصويت على القانون النافذ, تظاهر البركاني بالانهزام. وهذا ديدن الأقوياء على الدوام. لم يربح المؤتمر، لأنه مجبول على الربح، إن لم يكن هو الربح وما سواه هو الخسران والبوار .

صحيح، ما يزال المؤتمر قوياً، غير أنه يذهب إلى حتفه بوتيرة عالية. وصحيح أنه تصرف أمس، في قاعة البرلمان، بطريقة توحي بالجسارة والإقدام، لكن عليه أن يقلق حيال الأمر. فهو بدأ جديا يتولى تخليص نفسه من نفسه .

وحده الرئيس يدرك حساسية اللحظة. وهو الذي يعرف تماماً معنى أن يلعب حزبه منفرداً. لن يجرؤ على ذلك إلا في حالة واحدة: أن يكون قرر التخلص من المؤتمر .

من المرجح أن يلتقي الرئيس والمشترك في منتصف الطريق، وقد لا يلتقيان. لكن من يبر بقسم بافضل؟ ومن يكبح حماسة البركاني، الذي سيصوت عما قريب على القانون الآخر (المعدل)؟