|
أسهب المحافظون وأصحاب الوسط من النخب العربية السياسية والفكرية في عالمنا العربي وعلى وجة الخصوص بالجزيرة والخليج . اسهب هؤلاء في الحديث عن خطورة ما أسموه بتطرف الشعارات والاهداف المرفوعة هذه الايام من قبل قوى المجتمع الثائرة، بعد ان ظلوا على نفس المنوال يكيلون التهم ذاتها لبعض الاحزاب السياسية المعارضة وبعض منظمات المجتمع المدني خلال عقدين من الزمان لمجرد دعواتها بضرورة إجراء إصلاحات عامة.
امام الحالة القديمة والجديدة من الحراك بمجتمعات هذه الدول كانت النخب المذكورة عاليا تتحجج بالواقع في مسعاها لإثبات ما تقول بأنها مطالب غير معقولة وانها لاتتناسب وظروف هذه البلدان ومستويات شعوبها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا . وتارة أخرى تصوير هذه المطالب بالمؤامرات ومحاولات الانقلاب بل وتجدهم في اوقات يقحمون الجانب الديني -مع الأسف- كذريعة لرفض القيام ببعض الإصلاحات، مستندين على تفسيرات قديمة وجديدة للعديد من النصوص الدينية والروايات والأمثلة من التاريخ الاسلامي السيئ رغم تسلح الطرف الثاني المنادي بهذه الاصلاحات بما هو أكثر وضوحا ونصاعة من الكتاب والسنة والتاريخ العربي والإسلامي المّشرف الذي يؤكد على أهمية الإصلاح والتغيير والتطور.
إذا كان الحديث عن التطرف الذي دائما ماتوصم به أي معارضة تطالب بالاصلاحات ببلداننا مع الأسف حتى عندما تكون محدودة فإنه حري بنا ان نبحث في حقيقة موقف واجراءات الطرف الآخر المتمثل في الأنظمة والحكومات ودورهم الفعلي في خلق أسباب رفع سقف مطالب القوى المعارضة من ناحية ثم معرفة موقفهم كحكام من مصطلح التطرف وهل ينطبق عليهم هم الآخرين هذا المصطلح, باعتبارهم أكثر تعنتا وصلافة وسخرية تجاه مطالب شعوبهم من ناحية أخرى .
في هذه العجالة سوف نحاول الاسهام في الاجابة على السؤال عن موقع بلادنا ونظامها السياسي وحكوماتها المتعاقبة خلال العقدين الماضيين من التطرف تاركيين الحديث عن الدول المجاورة للأقدر منا .
90-1994م
شهدت البلاد خلال هذه الفترة حراكا سياسا للنخبة الحاكمة وان كان بسبب من الخلافات والازمات التي لازمت علاقة شريكي الوحدة حتى بداية1994م. إلا انه قد قاد إلى أعظم انجاز من الجانب النظري وذلك بالتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق والتي رسمت برنامجا متقدما لمشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة المعتمدة على العلم والنظام والقانون والتنمية والمساواة والفيدرالية .هذا المشروع الذي وان كان في بعض جوانبه يندرج ضمن المسائل الطموحة التي قد يعرقل الواقع التطبيق الكامل لها إلا أن موقف النظام في آخر المطاف قد كان تجاهها متطرفا إلى الآخر حيث اعتبرها رغم توقيعه عليها بل وارتكاز بعض بنودها على النقاط العشرين التي قدمها أثناء أزمته مع الشريك الأخر حينها, اعتبرها وثيقة الخيانة والتآمر والعمالة. انه موقف متطرف لايستند على أي أساس إلا التشريع لموجة من الفساد الكبير الذي اجتاح البلد بعيد انتصاره في الحرب المؤسفة التي جرت بين شريكي الوحدة .
ما بعد انتهاء الحرب
باستثناء حدثين احدهما منذ حوالى ثلاثة أعوام عندما رفع الجنوبيون سقف مطالبهم إلى فك الارتباط والانفصال وقبيل شهر عندما رفع الشباب ومعهم لاحقا القوى السياسة المعارضة مطلب إسقاط النظام .
باستثناء ذلك الذي يمكن للجميع الجدال فيه والأخذ والرد وبالتالي احتمال بلوغ هذين المطلبين حد التطرف فإنه ولأكثر من خمسة عشر عاما قد كانت القوى المعارضة تناضل بمختلف السبل والطرق السلمية للوصول إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تقود إلى تغيير جذري ولا تمس موقع ومصالح الحاكم بصورة مباشرة . أي أنها مطالب إصلاحية لاتقود إلى علمية انقلابية كما كان يصورها الحاكم في بعض الاحيان في خطاباته واعلامه أو ما يصوره له رجال المخابرات اواصحاب المصالح واستخدام هذه الحجة في التسويف والمماطلة وبالتالي الهروب ورفض تنفيذ الكثير من الوعود التي طالما ظل النظام يستخدمها في إعلامه عند إجراء الانتخابات أو الاحتفالات الوطنية .
لا أظن هنا أن حاجة القارئ تستدعي التبيان الدقيق والإحصائي لمجمل المطالب والمبادرات التي تقدمت بها القوى السياسية المعارضة بمختلف اتجاهاتها، حيث اعتقد بان الغالبية على علم بها من منادات الجنوبيين وإلحاحهم على ضرورة إصلاح مسار الوحدة ومعالجة آثار حرب1994م، الى كافة القضايا من اصلاح النظام السياسي والانتخابي والقيام بعملية تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية شاملة وبالتالي ضمان اتمام انتخابات نزيهة لاتسخّر فيها الوظيفة العامة والمال العام والاعلام الحكومي .... الخ من مسائل بناء الدولة المدنية الحديثة، كالجيش الوطني الحقيقي واجهزة الامن المحايدة وخلق بيئة صالحة لجذب الاستثمار وتطبيق النظام والقانون وحل مشكلة الثار ومعالجة سموم القات والحفاظ على المياه الجوفية و....الخ مما يعرفه ويحلم به كل مواطن في وطن حر ومستقل. دولة رشيدة يتساوى فيها الجميع دون أي تمييز شطري أو مناطقي أو قبلي أو مذهبي ...الخ
ان الصورة الحقيقية للوضع العام في الجمهورية اليمنية بعد خمسة عشر عاما منذ حرب 1994م تؤشر بوضوح إلى أن النظام من جانبه وذلك تجاه استجابته لكافة المناشدات والمطالبات والاتفاقات بل واستجابتة للمقتضيات البديهية التي تفرضها ظروف ما بعد إتمام الوحدة وتثبيتها .. وتنفيذ البرامج المعلنة الخاصة بالتنمية.. نعم انها تؤشر بأنه هو الآخر قد كان أكثر تطرفاً وعناداً ومكابرة.
لقد بدد النظام عبر سلوك وإجراءات أكثر فسادا وإفسادا للمجتمع كل آمال وتطلعات المجتمع اليمني الحالم باقامة الدولة المدنية الحديثة على كامل التراب اليمني. ونظرة فاحصة على الحال اليمنية اليوم يصاب معها المراقب بالذهول عن مستوى التراجع المخيف في كل شيء بما فيها الاخلاق العامة والقيم التي ترسخت عبر قرون من الزمان وكل هذا وكأنه ضمن برنامج ممنهج ومنظم ربما تقود ه قوى لايعلم الحاكم بخلفياتها وخلفت اليوم لنا كوارث كبيرة.
نعم انها كوارث بكل ما للكلمة من معنى، حيث تعرض النسيج الاجتماعي للتمزق كما هو الشعور الوحدوي والانسجام المذهبي تعرضا لضربات قاتلة وتم اعتماد التأبيد الوظيفي لآلاف الوظائف الهامة ثم نهب الاراضي العامة واراضي الناس ونهب الثروات والسماح بتفشي الثأر القبلي الجاهلي وانتشار السموم الزراعية التي نشرت على شكل مخيف للغاية حالات امراض السرطان وعديد امراض اخرى وقبل كل ذلك مايشبه تعمد تغييب الدولة ممثلة بأجهزة الشرطة والقضاء وبالتالي عودة الأعراف وإهمال القوانين .....الخ .
ان الصورة لسوداء حقا وكل ذلك والحاكم يتطرف كثيرا في توجيه التهم لمنتقديه على هذا الحال الذي بلغته البلد وتفنن مع الاسف في استخراج اقبح الالقاب والتوصيفات من القواميس اللغوية نذكر منها أوصاف -الخنازير - الكروت المنتهية- المصابين بحمى الضنك -العملاء الخونة- الطراطير -المرتزقة- الهمج - ذيول تل ابيب -....الخ من الأوصاف السيئة.
لقد كانت العديد من المطالب والمقترحات المقدمة للحاكم خلال اكثر من عقد ونيف من الزمن تهدف في الحقيقة الى تعزيز دولة النظام والقانون وتسهم بمعالجة الكثير من المسائل الملحة المتعلقة بحياة الشعب وتنظيم حياته وهو الامر الذي ان كان قد قام بتنفيذها انما يكون قد عزز من شعبيته ورسخ محبته وتقديره ولهذا فإن المرء ليستغرب بحق وعلى طول الخط عن ما هي أسباب هذا التطرف المتواصل من لدن الحاكم الذي يقابل به كل مقترح مهما كان سليما وبالتالي رفضه بالمطلق وان كان يخدم بقاءه في الحكم . واليوم فان الامر اصبح اكثر وضوحا ودهشة في آن واحد .اذ بينما الجماهير تصدح بأصواتها في العاصمة والكثير من مدن الجمهورية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد على الإطلاق، حيث تعيش البلاد لأكثر من شهر في ظل تظاهرات واعتصامات بلغت بعضها المليونية مطالبة فيها بالتغيير , نعم في وضع كهذا فانك مع الأسف لم تجد أمامك إلا الأسلوب نفسه من التكتيك والمراوغة ومن ثم الإدانات والتهم التي ما انزل الله بها من سلطان لكل القوى التي منها ماكان الى الامس منضويا بالمؤتمر الشعبي العام على ان قمة الغلو في التطرف الخطير والذي يمكن ان يوصف بما هو أكثر سوءا إن لم نقل عدوانية هو الذهاب إلى القمع والاستخدام المفرط والخطير للقوة في مواجهة المحتجين والمعتصمين.
انني اختتم باستنتاج ازعم بانه صحيح وهو أن الاخ الرئيس الذي لايستطيع أن ينكر انه قد كان يخطط بالفعل لأن يأتي بأحمد رئيسا للجمهورية بعده , قد كان خاطئا بسماعه للمستشارين السيئين، حيث اجزم اليوم بانه ان كان قد عمل على تطبيق وثيقة العهد والاتفاق بحق وحقيقة . تلك الوثيقة التي مر على توقيعها حوالي سبعة عشر عاما , فإننا اليوم لن ننادي بترشيح الولد احمد فحسب وانما ربما تجد الغالبية قابلة بان يتم الإعلان عن المملكة اليمنية المتحدة عن حق حيث لامعنى هنا لكلمة الجمهورية او الملكية بعد ان جربت الشعوب الجوهر وتناست الكلمات .
في الخميس 24 مارس - آذار 2011 06:00:54 م