|
عكستّ وسائل الإعلام اليمنية تحرك عُماني لولادة مبادرة خليجية ثانية ، ومع ان الساسة الفاعلين في المشهد اليمني لم يهضموا المبادرة الأولى فأن البعض يعول على ثانية لتصحيح ماعُلق بالأولى من تداعيات لا تصب في خدمة العملية السياسية المؤملة ، فالمبادرة الخليجية الأولى غداة الربيع العربي في اليمن كانت تحمل في طياتها بذور فنائها قد أخرجت الرئيس صالح شكليا وإظهار الرئيس الحالي مجرد محلل لوصول (ولي العهد) للرئيس صالح ، الذي أبقته رقما فاعلا ، فأن المبادرة المتوقعة ستخرج الرئيس هادي من المشهد السياسي برمته ، ولكنها بالتأكيد لن تحل جوهر المشكلة واليمنيون هنا لا يهمهم بقاء هادي من عدمه بقدر مايهمهم توافق المهووسون بالسلطة على اقتسام الغنائم وإبعاد شبح عاصفة جديدة فالرئيس هادي اثبت بأنه غير اهل للسلطة ، فهادي الذي قذفت به الأقدار لسدة الحكم كان من اختيار الرئيس السابق بدليل انه سمى بالرئيس التوافقي ، وكان يصفه عشية المبادرة (بالأيدي الآمنة ) ، وبالفعل كان يد آمنة لنظام صالح الذي كان فيه خلال سبعة عشر عاما مجرد نائب شكلي ولا زال إلى اليوم يمارس فعليا دور النائب وليس برئيس دولة ، فالنظام الحالي غداة ثورة الربيع اليمني مسخ وبرأسين بخلاف ما جرى في بقية بلدان الربيع العربي .
وكان ينبغي أن تنتهي ولايته مطلع العام الجاري ولكن كل شئ لم يسير وفق ما خطط له ، فالحوار طال أمده ، ولا زال هناك لغط وجدل عن نتائجه فما بالك عن تطبيق مخرجاته ، وكان سقوط صنعاء بيد أنصار الله بمثابة الإعلان عن وفاة العملية السياسية ، ومهما كابر البعض لأنها أصلا ضد مخرجات الحوار الذي يدعو للتغيير بالتوافق والتفاهم ورضاء كل الإطراف بينما وصولهم كان عبر فوهة البندقية وهذا تناقض واضح ، فلا يصح إلا الصحيح ، بدليل ان اتفاق السلم والشراكة قد جاء من فوق سنابك خيل أنصار الله وفرض أمر واقع وسط ذهول وتبلد المشهد السياسي برمته ، ولم يكونوا يتحركوا شبرا واحدا من كهوفهم لولا مساعدة ازلام الرئيس السابق والطيارة وفي معاركهم الطيارة بدون طيار .!
ولهذا ومنذ توقيع ذلك الاتفاق لم نرى لا اتفاق ولا سلم ولا شراكة ، بل فتوحات متواصلة وسقوط مدن ، وغدا المشهد السياسي أكثر غموضا وتعقيدا ، الأهم هنا بأن مخرجات الحوار الوطني الذي يتشدق الجميع به لم تطبق على ارض الواقع ، وهو الأمر الذي خلق أرضية لحالة الفوضى وإتاحة الفرصة للإسلام السياسي للصعود ، ومن هنا سوى كانت مألات المبادرة المقترحة ستعيد نجل صالح او احد رجالات الرئيس السابق ، إلا إنها في نهاية المطاف ستعيد المشهد اليمني للمربع الأول ، والمنطق يقضي بأن ما بُنى على باطل فهو باطل ، وتجريب المجرب ضربا من الحماقة ، وبقدر ما يعلق البعض آمال على أي مبادرة تحرك المياه الراكدة ، إلا انه قد تكون بمثابة هزة للنظام المهزوز أصلا والغير متجانس بعد التطورات الدرامية في سبتمبر الماضي بسيطرة أنصار الله على مفاصل السلطة ، ويرى المراقبون والمحللون للشأن اليمني بأن أي مبادرة جديدة ما هي إلا غطاء شرعي لسقوط صنعاء وإضفاء المصداقية الإقليمية برضاء دولي ، والحديث عن مبادرة أخرى يؤكد مجددا بأن اليمنيون لازالوا عاجزين عن حل مشاكلهم بأنفسهم وبأن الإطاحة ببعض العناصر الفاسدة كالجنرال المنشق وال الأحمر لم يحل الإشكال بل زاد الطين بله ، لأنها أضافت عنصر إقليمي جديد للمعادلة اليمنية وهو إيران ، والتي بالطبع لها مشروعها في المنطقة برمتها ، بل ومن المؤكد بأن هذه الترتيبات جائت بإيعاز وموافقة دولية ، ولها علاقة بما يجرى في شمال الجزيرة العربية في كل من العراق وسوريا وسواهما ، وفي المثل العربي يقولون إذا كثر الطباخين فسدت الطبخة ويراد لليمن طبخة فاشلة مسبقا ، فمتى يدرك الإخوة في الخليج بأن الإشكال في اليمن ليس سياسي فحسب ولكنه اقتصادي بالدرجة الأولى ، فلماذا لا تبادر بلدان مجلس التعاون الخليجي بدلا من المبادرات الفاشلة سلفا بمبادرة شاملة اقتصادية سياسية وأمنية ، بأن يُحاكى مشروع مارشال مصغر كما قامت به بلدان أوروبا بالنسبة لألمانيا ، فالإرهاب والعنف في اليمن أسبابه اجتماعية اقتصادية ، فلماذا انهالت المساعدات السخية لمصر بعد الإطاحة بمرسي ولم تعمل الشئ نفسه بعد الإطاحة بصالح ؟
ومنذ بضعة أسابيع تعود اليمنيون بأن لا يكون هناك تطور سياسي ألا يكون متزامنا بتحرك عسكري على الأرض وتدهور امني ملحوظ ، وغياب الدولة المغيبة أصلا ، فالمبادرة الخليجية الثانية والمرتقبة متزامنة مع توقعات معارك في مارب بعد معارك في كل من ضواحي صنعاء ورداع والبيضاء ومحافظة آب وقبل ذلك في عمران ودماج وغيرهما ، وفي هذا السياق فقد اكد المبعوث العماني الذي زار صنعاء بصورة غير معلن عنها الأسبوع المنصرم بأن تعثر العملية السياسية بحاجة ل مبادرة خليجية ثانية ، أو مبادرة الدول العشر الراعية للمبادرة. غير أن هذا الأمر يحتاج إلى منح اليمنيين شعوراً بالثقة في مستقبلهم ، بدلاً من الاحتكام إلى السلاح ، أو فقط لمجرد التهديد بالعقوبات الدولية لكننا لم نرى حتى نتائج لتلك التهديدات المفروغة من مضامينها !
وغداة إعلان العقوبات الدولية على صالح جعلته يستخدم حزبه لإقصاء الرئيس هادي من حزب الرئيس صالح (المؤتمر) وهو الأمر الذي جعل أهل القانون يرون في ذلك تناقضا مع لوائح المؤتمر نفسه ، ومهما يكن من أمر فأن صالح قد جعل من المؤتمر مسمار جحا بعد إخراجه الشكلي من السلطة وجعل من المؤتمر ( صانع المعجزات ) لليمن ، مع ان قواعد المؤتمر مهمشة فهو في نهاية الأمر حزب للسلطة وليس حزب السلطة ، مع أن كلا المعنيين لا يفيدان اليمن ، فالأحزاب في اليمن كلها ليست ديمقراطية ولا تجدد نفسها ، بل إنها مطية لتحقيق مارب سياسية ليس إلا ، إجمالا حل الأزمة في اليمن تحتاج إلى حسن نوايا اليمنيون أنفسهم وتواري البعض عن المشهد السياسي برمته لا ان يبقى حزب الرئيس صالح هو المشكلة وليس الحل .
في الأربعاء 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 10:18:11 ص