القصة الحقيقية لما جرى على أسطول الحرية (5)
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
الأحد 11 يوليو-تموز 2010 05:33 م

وبكيت على ظهر السفينة أثناء تجميع الشهداء والجرحى جيء بشهيد من الشباب الأتراك وهو غارق بدمه وكانت زوجته معنا فلما جيء بزوجها وهو بتلك الحال نظرت إليه قائلة والله لن أبكيك أبدا فكيف أبكيك وقد قدمتك هدية لفلسطين ، ثم أخذت المصحف وجلست تقرأ عند رأسه وهذا الموقف الإيماني من هذه المرأة أبكاني وأبكى من حظر كاد الأنسولين أن يقتلني بعد أن تم الانتهاء من تقييدنا ، تم إعادتنا إلى داخل السفينة ، نزلنا فرادا ، ودخلنا فإذا بنا نرى حقائبنا وقد تم بعثرتها بشكل فوضوي وعبثي وهمجي، وتجميعها على شكل ركام متفرق ، حشرنا داخل صالة واحدة ، منع عنا استخدام الحمامات أو الحركة أو الطعام خلال تلك الرحلة التي وصلنا بعدها إلى ميناء عسقلان –أشدود- والتي استغرقت قرابة أربعة وعشرين ساعة جاءت حنين الزغبي العضو بالكنيست الإسرائيلي وطلبت من اليهود فك قيد الدبلوماسيين ، فقلت لها -كونها تتحدث معهم عبري -تطلب من اليهود أن يسمحوا لي باستخدام الانسولين والذي كان موجودا في الثلاجة ، فجاء جندي وأخذني وهو شاهر سلاحه علي، فمشيت الى مكان الثلاجة فأشار إلي أن افتح الثلاجة ففتحتها ، فلما أخرجت الأنسولين وكان على شكل قلم فإذا بالجندي يرجع إلى الخلف بسرعة ويصيح وأغلق باب المقصف –البوفيه- علي ولم يظهر إلا رأس البندق وعينه التي يراني من خلال طرف الباب وهو يصيح فعرفت انه يظن أن هذا سلاح فنزعت غطاء القلم الأنسولين وقلت له هذه إبرة، فهدأ عند رؤيتها فاستخدمت الأنسولين وتم إعادتي إلى مكاني، وصلينا الظهر والعصر دون وضوء .

الأرض المباركة

بدأنا نرى عسقلان فقال احدهم هذا ميناء اشدود فقلت له هذه فلسطين المحتلة الحمد لله الذي سيرزقنا فيها صلاة ، رست السفينة على الميناء ، ثم قاموا بتقييدنا من جديد حتى يسلمونا كما قالوا لقوات وزارة الداخلية ، فنزلنا فردا فردا ، وهنا تم تفريقنا فكل واحد أخذ إلى محقق ،ومن ثم إلى سجن أخر ، وهنا تفرقنا أنا والإخوة الثلاثة لم يعد يعرف أحدنا أين الأخر ،كان نصيبي أن وصلت إلى محقق يهودي من أصل عراقي ، كنت واقف على بعد منه وكان يحقق مع أخت كويتية ، وكنت اسمعه يصرخ -ما عنديش وقت اما توقعي او السجن- فكانت صامتة لا ترد شعرت أنها مترددة ، فقلت لها بصوت عالي من الخلف: لا توقعي فتشجعت جزاها الله خيرا ورفضت التوقيع ، ثم جاء دوري أخرجت الجواز عرف الضابط اني دبلوماسي ، كان هناك رجل اخر بلباس مدني يمشي معي وهو يتحدث مع كل الضباط أن هذا دبلوماسي ، أخذ الضابط يسألني لماذا لا تفعلوا المشاكل هذه مع روسيا التي تحاصر الشيشان ؟

فقلت له: لا يوجد في الأرض من يحاصر النساء والأطفال إلا انتم ،

قال لي: أنت في دولة إسرائيل دولة القانون

فقلت له : القانون الذي يسمح لكم باختطافنا من المياه الدولية

فقال أنت دبلوماسي ولست ولد (عادي) وتعرف الأصول إذا وقعت هذه الورقة –كتب فيها الاعتراف باننا مهاجرين غير شرعيين إلى دولة إسرائيل - سترحل إلى بلادك ولن تسجن

فقلت له : لم نأتي لنوقع على أوراق نحن مختطفون ولن نتحدث حتى يأتي محامي مسلم

قال : الفلسطينيون لا يريدون أن يعيشوا

فقلت : بل يريدون أن يعيشوا ولكن بعزة لا بذلة ،ثم قلت له : قلي ماذا أعطيتم من أراد أن يعيش ماذا أعطيتم ياسر عرفات وعباس منذ أوسلو؟ فسكت ثم ولم يرد ،وكرر علي توقع الورقة

فقلت : لا

فقال : إذا السجن تريد

فقلت له السجن أفضل

فأمر ضابطين مدنيين بأخذي إلى السيارة ، فلما أرادا الذهاب بي إلى الباص الذي فيه بعض الأسرى صاح بان يذهبوا بي إلى السيارة الأخرى هذا ما فهمته لأنه كان يتحدث معهم بالعبرية ، تم أخذي الى سيارة صغيرة وكان قبلي أربعة أشخاص تركي وماليزي وبحريني وأندنوسي ، تم نقلنا ، ونحن لا نرى أي شيء ، استمر السير قرابة نصف ساعة ، وصلنا إلى سجن لا نعرف أين يقع ، أول ما نزلنا وجدنا صورة كبيرة لرجل ضخم بيده سلسلة ، وأمامه رجل صغير ، من هذه الصورة يتضح أن هنا غرفة التعذيب ، فأكثرت من الاستغفار، والدعاء بالثبات وأن يجعل ذلك خالصا لوجه سبحانه.

أول صلاة على أرض فلسطين

الحمد لله تم تفتيشنا وأخذ صور لنا على كروت ، وكنت أنا والأخ إبراهيم التركي في الزنزانة رقم 8 دخلنا الزنزانة ، أذن صلاة الفجر فكانت أول صلاة لنا في أرض فلسطين المحتلة ، ذهبنا لننام ، فنحن منذ يومين بلا نوم ، وبينما غرقنا في النوم ، اذ بحراس السجن يصيحون بلغتهم فهمنا أنهم يمنعونا من النوم وهو ما حصل ، ألهمنا الله أنا والأخ إبراهيم، فقد كان سرير الأخ إبراهيم مجاور لباب الزنزانة ، وهذا يجعله غير مرئي للسجان ،وكان سريري أمام الباب ،

فقلت لإبراهيم: نم أنت في سريرك وأنا سأجلس على سريري فإذا ظهر أحد الجنود سأوهمه أني جالس أتحدث معك ثم يأتي دوري في النوم ، ونتبادل الأدوار، والحمد لله نجحت الخطة ، الأخ إبراهيم هو أستاذ جامعي يجيد الانجليزية وكان دم الشهداء على سرواله الذي يلبسه و(شرابه )ورفض أن يغسله وكان إذا تحدث معه أحد الضباط يصيح بوجهه ويقول سنثأر لدم الشهداء كان شديد مع اليهود حتى أنه رفض أن يأكل أو يشرب حتى خرج –لكنه الحمد لله لديه مخزون فقد أعطاه الله بسطة في الجسم- كنت انظر اليه فأقول له أنت عثماني فيشير الي ويقول بالانجليزية(سم سم) .الحمد لله أن الله عوضه بأن شفاه من الم في ركبتيه فبعد أن هجر الطعام والشراب تلك الأيام الثلاث، كان ذلك سببا في شفائه وقال أنه قد تداوى من قبل كثيرا فلم يشفى .

حرمت من الحصول على الأنسولين ، وأيضا لم أكن حريص أن يأتوني به ، مخافة أن يعملوا لي شيء بداخله ، فقررت تناول الغذاء بشكل منخفض والحمد لله فبدلا أن يرتفع السكر الى 400 والله الذي لا يحلف إلا به أني قسته في اليوم الأول صباحا إذا به 117وفي اليوم التالي وبرغم أني أكلت موزا 115فحمدت الله وقلت ان الذي ثبتنا يوم المواجهة ثبت السكر في الدم ، زاد صدري انشراحا لرعاية الله لنا وكرمه علينا ، فكنت أقول يا ليت أهلي ومحبي يعلمون أني في سعادة عجيبة .

الخمر يوم السبت

وأنا أقيس السكر ، في المركز الطبي للسجن ، رأيت لوحة على الجدار مصور فيها القلب والرئتين والأمعاء والكبد والمخ وبجوارها زجاجة خمر ، واللوحة هذه تحكي أثر الخمر السيئ على هذه الأعضاء ، فدفعني الفضول أن أسأل الطبيب

فقلت له: هل الخمر في الشريعة اليهودية حرام

فقال: نعم حرام ما عدا يوم السبت

فقلت في نفسي هذا هو التحريف في شريعة اليهود ، فالأصل فيه هو التحريم ولتحليل ليوم السبت هو التحريف

عدت من المركز الطبي إلى زنزانتي، إذ بصوت يخرج من الزنزانة المجاورة يا شيخ محمد فنظرت فإذا هو الأخ الحبيب/ عبد الحكيم القطيبي ففرحت وسلمت عليه وصافحته من بين الشبك الحديدي وكان هو مع أخ ماليزي والأخ عبد الكريم من الجزائر سألته على عجالة أين بقية أخواننا ؟ قال لا أعلم

تم أخذت دون أن أكمل الحديث معه . وللحديث بقية