في رحاب الخالدين
بقلم/ د. ضيف الله بن عمر الحداد
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و يومين
الثلاثاء 25 أغسطس-آب 2020 07:10 م
 

البطولات والمواقف الحاسمة لا مقاس فيها لعمر محدد وليس لها سن مقنن وكم خلد التاريخ الإسلامي في ذاكرته مواقف عظيمة لأشبال شبوا على حب الله ورسوله وامتلأت قلويهم بحب الأوطان.

ومعركة مأرب الخالدة وملحمتها الرائعة هي معركة الجمهورية معركة الشرف والكرامة معركة اجتمع فيها كل الاحرار للذود عما تبقى من دولة وكيان للجمهورية.

وهذه المعركة رغم المكر والكيد والتآمر الذي طال ابطالها فإنها تحكي مواقف وبطولات وتضحيات تكتب بماء الذهب اشترك فيها الكبار والصغار والشيوخ والشباب

 وفي خضم هذه المعركة العظيمة تعصف الأحداث تترى بذهني كثيرا ولا استطيع أن اسجل كل مواقف الأبطال الذين قدموا أغلى ما يملكون فداء لدينهم واوطانهم لسان حالهم

بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا

أنعم بقوم بايعوا الغفارا

فاعاظنا ثمنا ألذ من المنى

جنات عدن تتحف الأبرارا

فلمثل هذا قم خطيبا فاغرا

يروي القريض وينظم الأشعارا

وحسبهم أن الله يعرفهم ويعلمهم وأنهم قدموا أغلى ما يملكون دفاعا عن دينهم وكرامتهم وستبقى تلك التضحيات والبطولات مطبوعة في قلوب الأجيال ومنقوشة في ذاكرة التاريخ.

وهنا أسجل بعض مواقف اطلعت عليها لواحد من إولئك العظماء احببته كثيرا لكونه مسمى على أبي رحمات الله تترى على ارواحهم الطاهرة ولكونه صاحب خلق حسن وشجاعة فائقة ونخوة وإقدام على صغر سنه وغيرة على حرمات الله

الشهيد البطل ابن أخي عمر بن محمد بن عمر بن سالم

 شهيد ابن شهيد وأعمامه شهداء وابناء أعمامه شهداء رضع حب التدين والالتزام مع حليب امه وترعرع في كنف والده الشهيد والذي كان إمام المسجد وخطيبه الذي لا يبارى وصاحب اليد البيضاء في العطاء والسخاء للفقراء والمساكين التقي الخفي والمجاهد الذي كان من صناع الأحداث وهو بعيد عن الظهور والتملق والتسلق حتى انه مات ولا يملك حتى رتبة عسكرية تليق به.

فنشأ الفتى في بيئة التزام وحب لله ورسوله وبراء من كل ما يغضب الله

وتوالت الأحداث تباعا وحدثت الملحمة الأولى عام 2015م حين أرادت المليشيا اقتحام مأرب وكان عمر حينها لم يتجاوز 14عاما, ولكن كان البطل رغم صفر سنه لا يفارق المعركة وله بها صولات وجولات اذكر انه جاءني ذات مرة في شهر اغسطس من ذاك العام والجهد قد بلغ به مبلغا وثيابه وجعبته مخرقة برصاص المليشيا

 واستمرت الحرب بعد ذلك على فترات متقطعة وكان يعشق عبير وهج السنابك وغبار المدافع الثمالة حتى تاريخ 12/2018 وحينها تقدمت مليشيا الإجرام الحوثية على التبة الشاهقة المسماة بتبة دحوان مسماة على الشهيد دحوان المرادي رحمه الله وتقبله في الصالحين واستولت المليشيا عليها بعد استشهاد كل من كان فيها من الأبطال ثم تحركت مجموعة من المقاومة بقيادة ابن الاخ الشيخ زايد بن علي بن دوكر واستعادوا التبة في موقف بطولي نادر حيث كانت مسافة المواجهة بضعة امتار وجرح حينها قائد المجموعة جرحا بليغا وكان الشاب الشهيد عمر بن محمد أحد افراد هذه المجموعة التي لا تتجاوز 12فردا وبقيت تبة الشهيد دحوان شاهقة عامرة بالأحرار شاهدة لبطولاتهم ,وفي منتصف عام 2019م ونتيجة للأوضاع المعيشية التي يعيشها الأحباب في اليمن شد البطل عمر رحاله إلى بلاد الحرمين طالبا للرزق الحلال ووجد فرصة عمل بدخل مناسب له وظل هناك يعمل حتى بداية عام 2020 م وتفجرت الحرب الجديدة وحشدت المليشيا حشودها لإخضاع مارب واحرارها وهنا ترجل البطل عن جواده وترك بلاد الاغتراب وعاد إلى مارب وحاولت إقناعه كثيرا بأن يكمل ولو فترة بسيطة يرتب فيها وضعه كشاب في مقتبل العمر ولأن معظم أهله واقاربه بالجبهات وأن السعي على الارملة والمسكين جهاد في سبيل الله فقال لي: يا عم..ما عاد شي لها والله إنها أشرف ميتة وشهادة دون الدين والعرض والدار ولا يمكن ان نقبل بمليشيا تحكمنا ولا يمكن أن أفارق مأرب أبدا حتى النصر أو الشهادة واستمرت المحاولات كثيرا لإقناعه ببناء نفسه وإعانة أبيه واسرته الكبيرة وكان آخرها بعد عيد الأضحى ولكنه رحمه الله رفض ذلك رفضا قاطعا وكان يقول: أسأل الله إن كتب الله لي موتا قريبا أن يجعلها شهادة في سبيل الله.

لقد عاش البطل آخر لحظات حياته متنقلا بين جبهات صرواح والعلم والمخدرة حتى أكرمه الله بالشهادة مع أبيه ومجموعة من خيرة الأبطال في جبهة المخدرة ومفرق هيلان بالقرب من الرخيم حيث فاضت أرواحهم إلى الله في آخر ساعة من يوم الجمعة والموت في الجمعة من علامات حسن الخاتمة فكيف لو كان الموت شهادة في سبيل الله في أشرف معركة وأعظم ملحمة في تاريخنا الحديث يدافع فيها الأحرار عن دينهم وعقيدتهم وكرامتهم ضد مليشيا مدعومة من قوى كبرى وإقليمية تسعى لتدجين الشعب اليمني وإذلاله وسلخه عن دينه ومعتقده

ولكن ثقتنا بالله عظيمة ونصر الله آت لا محالة فلسنا بغاة ولا معتدين ولم نخرج للمعركة وندفع إليها خيرة الإخوة والأحباب بطرا ولا سمعة ولا رياء لم يخرج الأبطال إلا دفاعا عن دينهم وكرامتهم والموت آت لا محالة وهي موتة واحدة يكتبها الله متى شاء وحيث شاء بدون اختيار ولا رغبة

منا ولكننا نسأله أن يجعلها ميتة يرضاها لنا كما نسأله أن يعجل بنصره للشعب اليمني وأن يخلصه من هذه الجماعة المجرمة التي أهلكت الحرث والنسل

والله غالب على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والحمدلله رب العالمين.