الحل السحري لإنهاء الصراع ! ( 1 )
بقلم/ علي محمد الخميسي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 5 أيام
الجمعة 31 ديسمبر-كانون الأول 2010 06:20 م

كثيرا ما نسمع أو نقرأ بين الحين والآخر كلام سياسي قد يصدر من ذلك الحزب أو ذلك التنظيم أو ذلك القائد أو ذلك الكاتب أو ذلك المثقف ينصب إجمالا في دائرة الحديث عن ( التوافق ) الديمقراطي في اليمن وضرورة خروج أطراف العملية السياسية بحلول توافقية لإنهاء الصراع أو الخلاف أو الإشكالية أو الأزمة ...الخ من المسميات التي لم يتفق عليها الطرفان حتى اليوم فكلا يرى المشهد السياسي السائد من زاويته الخاصة  .

وينتقل الكلام أمام صورة هذا المشهد العجيب بين أحزاب السلطة والمعارضة إلى ضرورة الجمع بين رؤى الجميع في المجلس النيابي للخروج بحلول ( توافقية ) أو ما يسميه البعض ( حلول لشراكة سياسية وتقاسم للسلطة والثروة ) بما يتناسب بحسب تصور هذا البعض مع التجربة الديمقراطية ( التوافقية ) في تناسي عجيب لتركيبة اليمن الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تختلف اختلافا جوهريا عن الكثير من المجتمعات والدول في هذه الجانب .

دعوات القسمة والتقاسم المغلفة زورا بمصطلح مطاط يسميه البعض " الشراكة " نسمعها بين الحين والآخر من البعض داخل السلطة أو داخل المعارضة في محاولة عجيبة لتكريس صيغة جديدة للحكم جربت سابقا وفشلت ..... هذه الصيغة العجيبة يراد لها أن تكون على الدوام بديل للتعددية السياسية المتعارف عليها ديمقراطيا في العديد من الدول المتقدمة التي سبقتنا بعقود وحازت بجدارة على شهادة الأمن والاستقرار السياسي مع مرتبة الشرف , بعد أن جربت معترك الصراع السياسي وشهوة الحكم أو تقاسم السلطة مع شركاء المصالح الضيقة وأعداء النجاح والتنمية المستدامة فسقطت - قبل نهوضها الديمقراطي - في غياهب الحروب والتخلف والجمود ..... لذلك نحن في اليمن - موطن الحضارة وشورى ملكة سبأ - مُخيرون إما الأخذ بالتجارب الفاشلة حول العالم وإما العودة إلى أصولنا الحضارية والأخذ بالتجارب الديمقراطية الناجحة والمجربة والصالحة لأي مجتمع يعاني من الصراع السياسي على السلطة وكراسي الحكم !

  اليمن لا تعاني - ولله الحمد - من تعدد ديني أو عرقي أو طائفي وبالتالي ما يسمى بالديمقراطية التوافقية أو المحاصصة السياسية مكانها اعتقد انه ليس في اليمن ولا يتواءم مع تركيبة اليمن السياسية والاجتماعية والثقافية فهذا النوع من الأنظمة السياسية وجد كحالات استثنائية في بعض المجتمعات والدول متعددة الطوائف و التيارات السياسية .

على سبيل المثال الجمهورية اللبنانية الشقيقة انتهجت هذا النظام السياسي بفعل التعدد والتباين الطائفي و بما يتوافق وطبيعة الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي في لبنان , فهناك طائفة شيعية إثنى عشرية يمثلها حزب الله وحركة أمل ...وهناك الطائفة السنية التي يمثلها تيار المستقبل وسعد الحريري و هناك الطائفة الدورزيه التي يمثلها الحزب الاشتراكي التقدمي ووليد جنبلاط , وهناك أحزاب وتيارات مسيحية مارونية وغيرها أبرزها تيار الجنرال ميشيل عون وحزب القوات اللبنانية ..الخ

فالمشهد السياسي اللبناني بهذه التركيبة الطائفية لازال يعاني من التصدع والأزمات المتجددة بسبب التباينات السياسية والطائفية العميقة وتبني المحاصصة السياسية لتقاسم السلطة والثروة ما أدى إلى تعطيل التنمية ووضع العراقيل المختلفة أمام مشروع بناء الدولة اللبنانية الحديثة التي يتوق إليها الشعب اللبناني بمختلف طوائفه , وبفعل هذه التركيبة السياسية وغلبة البعد الطائفي دخلت لبنان في دوامة الحروب الأهلية والصراع السياسي الهدام الذي لم تتغير أدواته منذ أخر حرب أهلية , مع إن ساسة لبنان وطوائفه وصلوا في فترات زمنية متقطعة إلى صيغ توافقية متعددة الصور والأشكال ولكن لم تخرج بفائدة حتى اليوم , فهذه التركيبة الغير منسجمة وهذا الانكماش والتقوقع الطائفي فتح المجال على مصراعيه لتدخل العديد من الدول في الوضع اللبناني كإيران وسوريا والمملكة السعودية لتساهم هذه الدول وغيرها كأمريكا وفرنسا في رسم المشهد السياسي اللبناني الذي لم ولن يتعافى إلا بإنهاء المحاصصة الطائفية واستقلال القرار اللبناني وبناء الدولة اللبنانية الحديثة على أسس ديمقراطية سليمة , الديمقراطية التعددية الناضجة التي تعترف بالآخر وتؤمن بشي اسمه أغلبية نيابية تحكم وأقلية نيابية تعارض ليشكل الجميع وجه الحكم والنظام السياسي التعددي القائم على مبدأ التداول السلمي للسلطة .

  ننظر فقط في هذا الجانب إلى الديمقراطيات الغربية الناضجة والناجحة في آن , فالمجتمعات الغربية بالرغم من بناءها المجتمعي المتعدد والمتابين ... ديانات , أعراق , طوائف , لغات , ثقافات –هذا التنوع والتباين والاختلاف دفع هذه المجتمعات إلى التوحد الكلي في الأساسيات والثوابت من اجل المصلحة العامة للأوطان وبالتالي الاستفادة من هذا التنوع والاختلاف والتباين للبناء والتعايش السلمي بين الجميع وليس العكس .

فالأكثرية في هذا النظام تحترم رؤى الأقلية المعارضة ولكنها غير ملزمه بتنفيذ ملاحظاتها ورؤاها السياسية أو الاقتصادية إذا كانت تعتلي سدة الحكم بتفويض شعبي ديمقراطي , وفي المقابل الأقلية تحترم رؤى وصلاحيات الأكثرية وتعارض معارضة بناءة حتى تنال ثقة الناخب فتتحول هذه المعادلة ديمقراطيا وهكذا ..... يتبع .....إن شاء الله

ali.alkhamesy@hotmail.com