المطلوب من الحراك الجنوبي
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 14 إبريل-نيسان 2010 05:33 م

قصة البداية

قبل سنوات بدأ الحراك الجنوبي عفوياً نتيجة تراكمات أخطاء السلطة التي لم تستطع منذ إعلان الوحدة في عام 1990م وحتى بعد إعادة تثبيتها في حرب 1994م التي أختلف الفرقاء حتى اليوم في تسميتها أن تؤسس لمواطنة متساوية وتعالج آثار ما حدث.

لم يكن أولئك الذين جمعهم (العشاء الأول) في مطعم يملكه أحد أبناء تعز في خور مكسر يدركون أنهم سيصبحون يوما ما حديث وسائل الإعلام اتفقوا على أن يجمعوا ملفات من يعرفونهم ممن فصلوا تعسفياً من الجيش ويأتوا إلى صنعاء للمطالبة بإعادتهم إلى وظائفهم وجمعوا الملفات واتوا صنعاء وشبعوا وعودا وملاحقة ثم عادوا من حيث أتوا وفي العشاء الثاني اتفقوا على أن يجمعوا كل معارفهم ويتظاهروا مطالبين بإعادتهم لوظائفهم في صباح عدني حار تظاهروا وانظم إليهم مجاميع غيرهم كانوا ينتظرون من يشعل الشرارة الأولى وفي اليوم التالي نشرت الأيام الخبر في صفحتها الأولى بجوار الصورة وكتب بعدها نجيب يابلي وهشام السقاف عن هذه البداية وطالبوا بأن تعيدهم الدولة إلى وظائفهم ولم تعرهم السلطة أي اهتمام

• تطورات الحراك

خلال تلك السنوات جرت في نهر الحراك مياة كثيرة وشكل سجن السلطة لبعض قادته ومهاجمتهم في وسائل الإعلام دفعة قوية للحراك الذي أستطاع أن يلفت الأنظار محلياً ودولياً حيث دخلت أطراف دولية ومحلية على الخط وتنبه بعض القيادات التاريخية في الخارج مثل البيض وعلي ناصر والعطاس وغيرهم لما يدور على الأرض وبدأوا يدلون بالتصريحات المتباينة حياله.

مثلت أخطاء السلطة وحماقاتها الوقود الرئيسي الذي عمل على دفع قطار الحراك وتطوره من اعتصامات ومسيرات سلمية تطالب بحقوق مشروعة حتى دخوله في العام الماضي منعطفاً جديداً بتحول المطالب السلمية الحقوقية في الجنوب إلى مطالب بالانفصال وانضم لهذه المطالب من الداخل الشيخ طارق الفضلي وهو سليل أسرة الفضلي سلاطين أبين وله نفوذ كبير في محافظة أبين وانضم من الخارج نائب الرئيس السابق / علي سالم البيض وجدد دعوته بفك الارتباط والانفصال وبدأت أطراف دولية تدخل في الخط وبدأت صحيفة " الأيام " الصادرة من عدن والتي يقرأها كل أبناء الجنوب تغطي أحداث الحراك أولاً بأول

والإشكالية اليوم أن الحراك السلمي الجنوبي بدأ يتخذ طابع العنف المسلح ووصل الأمر إلى الاعتداء على التجار الشماليين وإحراق محلاتهم ونهب ممتلكاتهم وقتل بعضهم وهذه التصرفات تعطي انطباعا بأن الحراك في العموم لا يقدم مشروعاً حضارياً بديلاً للسلطة بقدر ما هو ردة فعل عنيفة عشوائية .

• الفضلي دفعة ثم نكسة

شكل انضمام الشيخ طارق الفضلي للحراك وحشده مهرجانا احتجاجياً دفعة جديدة للحراك لكن الشيخ ذو الماضي الجهادي فاجأ الجميع مؤخراً بسلسلة تصرفات متناقضة وتصريحات غريبة فمرة يرفع العلم الأمريكي ومرة البريطاني مرة يتوعد ببناء جدار فصل بين الشمال والجنوب كجدار الفصل العنصري في غزة ومرة يهدد شخصيات بارزة في صنعاء مثل الشيخ الزنداني والشيخ حميد الأحمر وعبد الكريم الإرياني بقطع رؤوسهم وألسنتهم مما يخرج الأمر عن إطار الخلاف السياسي إلى الحقد الشخصي وطابع الانتقام الذاتي ومرة يظهر الفضلي بالسيجارة والكأس كما نشرت الصحف الأمريكية ثم اليمنية وأخيراً هادن السلطة وأزال الأعلام التشطيرية ورفع العلم اليمني وهو موقف يشكل إحباطاً لجماهير الحراك وقادته الذين وزعوا منشورات تدين هذا التصرف وتتهم الفضلي بالخيانة وببيع القضية.

• الانفصال والعنف ليس حلاً

إن تحول الحراك من المطالبة بالحقوق بالوسائل السلمية الحضارية إلى تبني الانفصال والعنف المسلح ليس حلاً لمشاكلنا التي لا تختلف من الشمال إلى الجنوب من البطالة والفقر وتردي الخدمات وغيرها. 

دعونا معاً نتخيل أنه حدث فك الارتباط وجاءت سلطة جديدة في المحافظات الجنوبية وجاءت كما تشتهون حتى إذا تمكن الحاكمين واستتب لهم الأمر وقبضوا على مقاليد الأمور ظلموا ظلماً أدهى وأمر فهل الحل حينها أن يدعوا أبناء كل محافظة أو محافظتين للانفصال عن الدولة؟!!

في تأريخ الأمم والشعوب متى كان الانفصال حلاً يأتي بالحقوق ويحل المشاكل ويزيل الظلم وينهض بالشعوب في عصر تتكتل فيه البلدان و تذوب الحدود والحواجز كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية أو كما يكاد يحدث بين بلدان الإتحاد الأوربي ؟!!

• المطلوب من الحراك

وحتى يثبت الحراك للجميع أنه يمثل مشروع تغيير سلمي وحضاري يحمل هموم أبناء المحافظات الجنوبية وأشواقهم يجب عليه _ من وجهة نظري _ أن يقوم بعدة خطوات أهمها: 

1- التمسك بالوحدة كقيمة حضارية وكخيار للشعب اليمني ومكسب له وللأمة ورفض الانفصال وإن أساءت السلطة للوحدة. 

2- انتخاب قيادة موحدة بدلا من تعدد الرؤوس وتضارب التصريحات التي تتوه الجماهير وتربكهم.

3- رفض العنف بكل وسائله وأشكاله ومعاقبة من يقدم عليه.

4- رفض خطاب الكراهية والتمييز المناطقي وبث خطاب مسالم يحث على الأخوة والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد.

5- تحديد المطالب التي يسعى لها بنقاط محددة .

6- تأمين الطرق والمحلات التجارية حتى يأمن التجار من أبناء المناطق الشمالية على أرواحهم وأموالهم ويساهموا في إنعاش الحركة التجارية والعمرانية في تلك المناطق.

7- تهيئة الشارع في المحافظات الجنوبية للتغيير السلمي عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع

وإذا بقى الحراك الجنوبي هكذا مشتتاً بلا قيادة موحدة ولا مطالب محددة متبنيا لخطاب المناطقية والانفصال والكراهية فإنه سيتآكل من داخله وسيتساقط قادته تحت إغراء السلطة ولمعان سيف المعز وبريق ذهبه وستأتي الضغوطات الدولية ببعض المكاسب والتسويات والصفقات وفي النهاية يجد الجماهير أن قادتهم تفرقوا أيدي سبأ بل وعملوا على إخماد جذوة إخماد النار التي أشعلوها في قلوبهم فما لم يكن مبني على أساس صحيح لن يصمد طويلاً وسجل يا تأريخ..