بمقصية رائعة.. رونالدو يقود البرتغال الى ربع نهائي الأمم الأوروبية أحمد العيسي ينافس نفسه في انتخابات اتحاد كرة القدم باليمن.. تعرف على القائمة النهائية للمرشحين تحذير للمواطنين في 9 محافظات من أجواء باردة وشديدة البرودة اسرائيل على صفيح ساخن اليوم.. اعتراض هدفين فوق البحر الأحمر وصافرات الإنذار تدوي في الجليل ونهاريا اتفاق أمني بين تركيا و فلسطين يشمل إرسال قوات عسكرية 5 عبارات بحث على غوغل قد تعرضك للاختراق فورًا.. لا تقع بالفخ رقم قياسي جديد... سحب الجنسية الكويتية من 1535 حالة الريال اليمني يواصل الإنهيار نحو الهاوية أمام العملات الأجنبية اليوم صور بالأقمار الصناعية تكشف النشاط العسكري للحوثيين في مطار الحديدة فيديو مروع .. عنصر متحوث يحرق نفسه امام تجمع للحوثيين وسط ميدان السبعين بصنعاء
بعد أن نجحت اليمن والسعودية في القضاء على تنظيم القاعدة كهيكل تنظيمي محلي فيما بين الأعوام 2003- و2006، عاد اليوم ليتمركز من جديد، ويتخذ من اليمن مقرًّا لقيادته الإقليمية، بعد أن أصبحت عملياته عابرة للحدود حتى الولايات المتحدة الأميركية.
وجاءت عملية النيجيري عمر فاروق بمحاولته تدمير طائرة أميركية فوق مطار ديترويت، والتي تبنَّاها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بحُلَّته الجديدة، لتغير مفهوم الأمن العالمي، وتعيد رسم سياسة المنظومة الأمنية في الغرب والعالم كله، ولتنقل تنظيم القاعدة في اليمن إلى واجهة الأحداث العالمية، وتجعله محور حديثها عن التهديدات المستقبلية.
رغم أن القاعدة في جزيرة العرب بدأها بن لادن برسالة في منتصف تسعينيَّات القرن الماضي بعنوان (أَخرِجوا المشركين من جزيرة العرب) وجَّهَها إلى من وصفهم يومَها بالعلماء الأفاضل في السعودية تحديدًا، وأفراد الحرس الوطني والقوات المسلحة، إلا أنها تُعتَبَر أول وثيقة رسمية بميلاد القاعدة في جزيرة العرب، والتي حدَّد فيها العدو بأنه أميركا، ووصف السعودية بأنها محتلة من القوات الأجنبية مشبِّهًا مكة والمدينة بالمسجد الأقصى، وأنها أصبحت منطقة واقعة تحت ماسمَّاه بالاحتلال الصهيو صليبي.
وتحاول هذه القراءة أن تقدم رؤية مبسطة لهذا التنظيم الذي برز على المسرح الدولي بعد أن نجحت السلطات السعودية في القضاء على هيكله، ونجح اليمن بتفكيك خلاياه وقتل واعتقال زعامته المؤسِّسة.
فقد عاد التنظيم اليوم بعد سنوات من القضاء عليه في كلا البلدين؛ ليكون أبرز فرع للقاعدة في العالم، وأكثرها نشاطًا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
حقيقة القاعدة في جزيرة العرب
هناك نوعان من (القاعدة) يعملان في الساحة المحلية والدولية؛ فهناك القاعدة التنظيم الذي تربطه علاقات عضوية بقيادته المركزية في أفغانستان، وله هياكل تنظيمية وأقسام يسري فيها القرار عبر سلسلة إدارية صارمة.
وهناك المنظومة الفكرية للقاعدة، والتي باتت تعرف بإيديولوجيا حركة الجهاد العالمي التي ترفض النمط الغربي في جميع نواحي الحياة، وترفض الهيمنة عبر المنظمات الدولية، وتعلن أنها تسعى لإقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة، وتعتمد الجهاد كأبرز أداة تستخدمها اليوم.
والمنظومة الفكرية أوسع من التنظيم، وتتشكل منها في بعض الأحيان خلايا ذاتية الحركة؛ كحالة تنظيم (البشائر) الذي تأسس في السعودية العام 2006 بعد أن نجحت السلطات الأمنية السعودية في القضاء على التنظيم بمفهومه الهيكلي والإداري، وكحالة (كتائب جند اليمن) التي تأسست منتصف العام 2007 في اليمن مع وجود تنظيم آخر بإمارة أخرى في نفس الزمان والمكان.
وقد اندمج (البشائر) مع القاعدة بعد أشهر من تأسيسه ببيان كان صداه الإعلامي أكثر من حركته الميدانية، وانتهت (كتائب جند اليمن) بقتل قياداتها في تريم-حضرموت جنوب اليمن في أغسطس/آب 2008، وقد كان أبرز عملياتها قتل سياح أسبان وبلجيكيين، وضرب مجمعات سكنية تابعة لشركات نفطية أميركية في صنعاء.
وصارالتنظيم معلنًا بصيغته الحالية (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) ابتداءً من يناير/كانون الثاني 2009، بعد أن بارك الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري إمارة ناصر الوحيشي (أبو بصير) بوصفه له "أميرا للمجاهدين"(1)، وبعد الاندماج اعتبرها الظواهري صحوة جهادية في جزيرة العرب، وباركها مصطفى أبو اليزيد من القيادة العامة في أفغانستان في يونيو/حزيران 2009، ووصف (أبو بصير) بأنه أمير المجاهدين في جزيرة العرب(2).
تعريفات
وهناك تعريفات للقاعدة بعضها وصفي ناتج عن الدور الوظيفي، وبعضها اسميّ؛ فالدراسات الأميركية الرسمية والأخرى الصادرة من مراكز دراسات القرار تربط بين الإرهاب والقاعدة وتعتبرهما مترادفين، وتقول: إن الإرهاب موجود قبل القاعدة، ولكن القاعدة تسلك سلوكه، وتُعرِّف تلك الدراسات الإرهاب بأنه عنف متعمد بدوافع سياسية(3).
وتذهب مؤسسة الأبحاث والدراسات الإستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية إلى تعريف تنظيم القاعدة من الناحية الوظيفية في معرض تقسيمها المسلمين إلى أربعة أقسام: الأصوليين والتقليديين والمجددين والعلمانيين، وتعتبر أن القاعدة –من خلال الدور والوظيفة- حركة أصولية ترفض القيم الغربية والديمقراطية، وتعادي الغرب والولايات المتحدة خصوصًا، وتسعى لتطبيق إسلام فاشستي(4).
ويلخِّص ستيف هوفمان -من جامعة هارفارد والمهتم بتقديم دراسات عن الإرهاب للاستخبارات الأميركية- تعريفه للقاعدة بقوله عن شباب القاعدة أنهم "يفكرون بعقلية القرن السابع الميلادي، ويحترفون تقنيات العصر(5).
ويقدم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تعريفه في البيان الأول الذي أعلنه في نوفمبر/تشرين الثاني 1998 بأنه جبهة عالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين، وأنه يسعى إلى تطبيق حُكم الله في الأرض، وتخليص المستضعفين من الظلم(6)، ووسَّع أبو مصعب الزرقاوي تعريف القاعدة بأنها "جبهة عالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين والمرتدين"، فأضاف البند الأخير كشرط أساسي لمبايعته أسامة بن لادن أميرًا(7).
ويقول مصطفى أبو اليزيد عن تنظيم القاعدة: إنهم جماعة من المسلمين تسعى إلى تحقيق حكم الله في الأرض، ويسعون إلى حشد طاقات الأمة في هذا الهدف(8).
ويعرِّف القائد الميداني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب السابق عبد العزيز المقرن تنظيم القاعدة بأنه: مجموعة جهادية، وتطوير عالمي لإستراتيجية الجهاد، ونقطة انطلاقة لإقامة دولة الإسلام من جديد، واستمرار طبيعي لمسيرة الجهاد التاريخية، وقد تلافى الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها الحركات الإسلامية(9).
ويُجيب أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر عبد الكريم الوحيشي (أبو بصير-33عامًا) في حوار سابق نشرته الجزيرة نت مطلع العام 2009 بأنهم -تنظيم قاعدة الجهاد- طليعة الأمة الإسلامية ولكنهم لا يقاتلون بالنيابة عنها، ويسعون لإعادة الخلافة الإسلامية والتمكين لدين الله؛ فهُمْ لا يقاتلون نيابة عن المسلمين لأن هذه قضيتهم أجمعين، وإنما يجودون بأنفسهم في سبيل الله والمستضعفين، ولهم تشكيلة إدارية، ونائب أمير، ومجلس شورى، وهيئة إعلامية، وهيئة شرعية، ولجنة عسكرية(10).
إطار تنظيمي
ولدى القاعدة توصيف تاريخي لحدود جزيرة العرب بأنها من الركن اليماني للكعبة المشرفة في مكة المكرمة إلى بحر العرب(11) متجاوزة الحدود الجغرافية المرسومة والرسمية التي تضع فاصل وحواجز بين الدول.
ويتكون التنظيم من مجلس شورى هو أعلى هيئة داخل التنظيم؛ يرأسه الأمير أبو بصير ويضم في عضويته غير يمنيين على رأسهم نائب الأمير سعيد الشهري الملقب بـ (أبو سفيان الأزدي الشهري-35 عامًا) والمعتقل السابق في غونتانامو.
وللتنظيم أقسام إدارية تتفرع عنه، منها القسم الإعلامي الذي يضم وحدة مونتاج تلفزيوني، وقسم صحفي يهتم بالإصدارات المطبوعة ويصدر مجلةً دوريةً كل شهرين (مجلة صدى الملاحم)، كما يعمل على تسويق الأعمال الدعائية والبيانات الرسمية والأبحاث والدراسات التي تصدر من الأقسام الأخرى.
وهناك القسم العسكري، ويوجد به قسم متخصص للتطوير والتصنيع العسكري، والذي يعمل على ابتكار الوسائل العسكرية المتطورة كالقنبلة التي استهدف التنظيم بها الأمير محمد بن نايف، والتي استخدمها في محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية فوق مطار ديترويت ليلة عيد الميلاد ديسمبر/كانون الثاني 2009.
وهناك الهيئة الشرعية التي عقدت ندوة فكرية لمناقشة تداعيات استهداف السفارة الأميركية في صنعاء في سبتمبر/أيلول 2008، وأصدرت توصيفًا للأوضاع في اليمن من خلال رؤيتها الشرعية عبر دراسة بعنوان (كشف النظام الديمقراطي، وكسر طاغوت اليمن)، وقد قامت بتوجيه رسالة بعد محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، وتضم في عضويتها بعض المطلوبين السعوديين واليمنيين.
وجميع الأقسام الهيكلية للتنظيم معلَنة وتمارس عملها بصورة علنية، لكنها تحتفظ بسرية أعضائها باستثناء القيادات العليا في التنظيم كالأمير ونائبه والمسؤول العسكري، والمسؤول الشرعي، مع إخفاء المسؤول الإعلامي وبقية أفراد المجموعات.
وقد تمكَّن كاتب هذا التقرير في فترة مبكرة من العام 2009 من الالتقاء بمعظم القيادات العليا في التنظيم وأجرى حوارًا صحفيًّا مع الأمير بحضورهم شرح فيه بالتفصيل هيكل التنظيم، وأهدافه المسقبلية، وعلاقاته بالآخرين خارج التنظيم.
الرؤية والإستراتيجية
ركَّزت القاعدة على ما يركز عليه الغرب وأميركا، أي شبه الجزيرة العربية التي صارت وفق مبدأ كارتر ضمن الأمن القومي الأميركي، وتُعتبر قلب الإمبراطورية الجديدة؛ وذلك لموقعها الجغرافي، وحجم الثروات والموارد الهائلة فيها، ولقداستها الدينية؛ فهي مهبط الوحي ومنبع آخر الرسالات، وقبلة المسلمين أجمعين، كما أنها هي المنطقة التي تعتقد القاعدة أنها إذا نجحت في طرد الوجود الأجنبي منها؛ فإنها تقضي على عامل سيادي في السياسة الدولية، وقد تقضي على الهيمنة الغربية في العالم كله.
وترى القاعدة على لسان أميرها في جزيرة العرب (أبو بصير)، أن جزيرة العرب مفتاحٌ مهم لتحرير فلسطين، واستدلَّ على ذلك بأن المسلمين في الزمن الأول للدعوة الإسلامية قبل أن يفتحوا بيت المقدس قاموا بتطهير الجزيرة العربية من المشركين، واعتبر أن حملة حلف الناتو وأميركا على أفغانستان والعراق والصومال تنطلق من جزيرة العرب سواء القواعد الموجودة على البر أو البحر معتبِرًا أن الأساطيل والقواعد الأميركية والبريطانية والفرنسية في جزيرة العرب ما هي إلا لحماية اليهود في فلسطين من مدد المجاهدين(12).
ولهذا تحتل اليمن موقعا رئيسيًّا في تفكير القيادة المركزية لتنظيم القاعدة، ورُكنا أساسيًّا في برنامجها العالمي، كونها حسب البعد الأيديولوجي العقائدي أرض المدد، ونَفَسَ الرحمن، والتي يخرج من مناطقها الجنوبية اثنا عشر ألف مقاتل من أفضل الجيوش التي تقاتل في سبيل الله(13). ونظرًا لطبيعتها الجغرافية التي تتنوع ما بين الجبال والوديان والصحاري والسواحل، وتركيبة النظام السكاني الذي يحمل أغلبُه الطابع البدوي والقبلي بما تحمله تلك التركيبة من صفات تتناسب مع متطلبات تنظيم مسلح كالقاعدة، مثل إيواء الغريب، ومناصرته، وحمايته، وحمل السلاح.
وهذا ما يفسر كثرة العنصر اليمني في جبهات القتال التي تديرها القاعدة، ابتداءً بنيروبي ودار السلام في العام 1998، ومرورًا بالمدمرة كول، والحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والجبهات المفتوحة في العراق وأفغانستان والصومال وحتى مرحلة فتح الإسلام بلبنان في العام 2007.
وحدد التنظيم العالمي بعد تفجيرات مدريد مارس/آذار 2004 أن اليمن ستكون الجبهة الثالثة بعد أفغانستان والعراق التي يستنزف فيها قواتِ حلف الناتو بقيادة أميركا(14)؛ ولهذا تعمل القاعدة في العالم –وفق البُعد الأيديولوجي المعتمد لديها في وضع الإستراتيجية- على تأسيس أربعة جيوش رئيسية تتحرك من الأطراف نحو قلب العالم في فلسطين: جيش من أرض خراسان (باكستان وأفغانستان)، وجيش من العراق، وجيش من اليمن، وجيش من بلاد الشام(15)، وهي الجبهة الرابعة التي يُتوَقَّع أن تفتحها القاعدة في الفترة المقبلة والتي بشَّر بن لادن بالتزامن مع حرب غزة يناير/كانون الثاني 2009 بأنه سيفتح جبهات للجهاد جديدة في العالم(16).
وتضع أيديولوجيا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب -وهو الفرع المحلي للتنظيم الدولي- رؤيتها بإقامة إمارة إسلامية من خلال تفكيك الأنظمة في منطقة شبه الجزيرة العربية؛ ليتمكن التنظيم من تأسيس الجيش الذي ينطلق من اليمن، وهو أحد الجيوش الأربعة التي تدير معارك الملاحم في بلاد الشام، ومن هنا جاءت تسمية المؤسسة الإعلامية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بهذا الاسم (مؤسسة الملاحم) ارتباطًا بالمستقبل.
ومن خلال قراءة الفكر وتتبع مسار عمليات حركة الجهاد العالمي وعلى رأسها تنظيم القاعدة، يجد القارىء أنها ترتكز في صياغة رؤيتها هذه على البعد الأيديولوجي العقائدي أكثر من الأبعاد الأخرى السياسية أو الواقعية، وبهذا المعيار نستطيع أن نقترب من فهم ظاهرة القاعدة عالميًّا ومحليًّا.
إن توظيف الأيديولوجيا لدى القاعدة لخدمة الهدف القتالي أكثر من الأهداف الدعوية والدعائية والسياسية خصوصًا وبصورة أوضح في حالة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهذا ناتج عن قراءة خاصة بهم للواقع وتوصيفه على أن واقع احتلالي(17)، ويتطلَّب تقديم الوضع القتالي ليكون في الأولويات بسب حالة الإذلال التي تعيشها الأمة الإسلامية في كل مكان.
ولكي نصل إلى الرؤية القاعدية التي تبني عليها إستراتيجيتها بصورة أفضل؛ نقرأها في إطار تفسيراتها الأحادية المعتمدة على التفسيرات النصية القديمة التي بعضها يعود إلى ماقبل أكثر من ألف عام. بينما نجد التنظيم في نفس الوقت أكثر حداثة وابتكارا وتجديدا في حالة الأدوات والأساليب التي يستخدمها خصوصا في الجانب العسكري والاستخباراتي.، وهذا بسبب تركيزه الشديد على الجانب العسكري والأمني القتالي.
وآخر ابتكاراته واختراقاته التي أدت إلى تغيير نظريات الأمن والحماية والسلامة بعد عملية عمر فاروق عبد المطلب بمحاولته تفجير طائرة نورث ويست فوق مطار ديترويت متزامنا مع أعياد الميلاد ديسمبر/كانون الثاني 2009.
العمق المحلي والبعد الدولي
"الأوضاع الاقتصادية أبقت الحالة اليمنية في مستويات الفقر الدنيا؛ مما انعكس على التركيبة النفسية التي أضحت لا تهتم بالدنيا أو تحرص عليها، أو تخاف من فقدانها، وهذا عامل أساسي في الشخصية التي تبنيها القاعدة، وقد ساعدتها الأوضاع على هذا.
"يركز أسامة بن لادن في خطابه لليمن على مناداة القبائل اليمنية باسمها، يا بهاليل حاشد ومذحج وبكيل؛ هُبُّوا لنصرة إخوانكم فإن الحرب رحاها دائرة(18)، ويؤكِّد بن لادن منذ سنوات على أن مدد اليمن قادم ومتواصل(19).
القبيلة، والدين، والنظام، والأزمة السياسية، والأزمة الاقتصادية، كلها عوامل ساعدت القاعدة وشكلت بيئة خصبة لعملها خلال السنوات الأربعة الماضية والتي جاءت عقب هروبهم من السجن فبراير/شباط 2006.
وتتواجد القاعدة في المدينة وأوساط القبائل على حدٍّ سواء؛ حيث تؤكد أرقام الاعتقالات والعمليات أن أكثر منطقة تتواجد فيها القاعدة كمسرح لعملياتها هي العاصمة صنعاء وما حولها، ثم تتفاوت في الانتشار في مناطق مختلفة، وقد لعبت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في اليمن دورًا بالغ الأهمية في انتشار القاعدة كتنظيم وأيديولوجيا، وكانت أثر العوامل المحلية أكبر من الخارجية على نمو القاعدة؛ فقضية فلسطين التي تستخدمها القاعدة في خطابها التحريضي كعامل خارجي موجودة في دول المنطقة، لكن البيئة الخصبة في اليمن كانت مواتية لانطلاقة جديدة للقاعدة.
فالأوضاع الاقتصادية أبقت الحالة اليمنية في مستويات الفقر الدنيا؛ مما انعكس على التركيبة النفسية التي أضحت لا تهتم بالدنيا أو تحرص عليها، أو تخاف من فقدانها، وهذا عامل أساسي في الشخصية التي تبنيها القاعدة، وقد ساعدتها الأوضاع على هذا.
كما أن القاعدة تهتم بتجنيد شباب يستوي عندهم الموت والحياة، وهذا متوفر في الأوساط القبلية والبدوية التي تكثر في مناطقهم الثارات والقتل والقتال بسبب الغياب الفعلي للدولة.
وتكشف العمليات الأميركية اليمنية المنسَّقة على مناطق أبين وشبوة وأرحب أن الدولة تعاني من عدم قدرتها على التواجد في تلك المناطق؛ حيث إنها وبعد قصف تلك المناطق بالصواريخ الأميركية، لم تنزل ميدانيًّا خوفًا من ثورة الأهالي ضدها؛ لأنها تواجَه بقوة من السكان المحليين في تلك المناطق، ويرفضون حضورها خصوصًا الحضور العسكري والأمني، وقد شهدت تلك المناطق اشتباكاتٍ واقتحامَ مواطنين لمراكز حكومية في الأشهر القلائل التي سبقت العملية.
وساعد خطاب المعارضة -الذي يركِّز على مهاجمة النظام، والتشكيك في كل مايصدر عنه- تنظيمَ القاعدة؛ حيث خلق رأيًا عامًّا يلتف حول مطالب رئيسية لها، وهي ضرورة إسقاط النظام، مع الاختلاف في الأساليب.
وتمتلك القاعدة خطابًا بسيطًا ومقدسًا في شعاراتها المحلية مثل: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، و"يخرج من أبين عدن اثنا عشر ألف مقاتل"، و"اليمن أرض المدد" وهذه لا ينكرها عوام المسلمين، وهي أرضية مناسبة للخطاب الفكري للتنظيم، ولتحقيق مستوى من التوافق مع الجمهور العام في الإستراتيجية والملامح العامة لخطة القاعدة.
كما أن الأزمة السياسية والتفكك بين أطراف النظام؛ السلطة والمعارضة قد أتاح فرصة للقاعدة بالتجنيد والتدريب، وكذلك حرب صعدة التي شغلت الدولة بكاملها عن ما يجري في المحافظات الشرقية والجنوبية، وتمكنت القاعدة من تأسيس مركز إقليمي لها في اليمن.
وتتوافق القبيلة مع القاعدة في أنها تحكم نفسها ولا تخضع كليا للسلطة المركزية التي تكفر بها القاعدة وتسعى إلى تدميرها.
وبتثبيت القاعدة جذورها في الواقع المحلي تمكَّنت من عبور الحدود إلى المحيط الإقليمي ثم الدولي، وقد انتقلت القاعدة من بُعدها المحلي إلى الإقليمي بعملية الاندماج التي تمت مطلع العام 2009، وتعيين السعودي سعيد الشهري (أبو سفيان الأزدي الشهري-35 عامًا)، والتحاق عناصر سعودية بدأت تتوافد منذ نهاية العام 2007 إلى التنظيم على رأسهم أبو همام القحطاني-24 عامًا، وعبد الله حسن عسيري 23 عامًا الذي نفَّذ محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف أواخر أغسطس/آب 2008.
وجاء البُعد الدولي للتنظيم رغم أنه محلي وإقليمي من عدَّة زوايا، هي: أطراف الصراع، وقاعدة الأمن عند التنظيم بأن الأعداء لن ينعموا بالأمن، وبتبنِّي التنظيم في خطابه لقضايا عالمية كفلسطين، وأفغانستان والعراق، وهي محَطّ اهتمام المجتمع الدولي.
وتنطلق القاعدة في جزيرة العرب من مبدأ "قاعدي" في الصراع، وهو المعاملة بالمثل، وكما تُفقِدوننا الأمنَ نفقدكم الأمن، ومن هنا جاء التفكير في عمليات عالمية وعابرة للحدود.
كما أن ابتكار القاعدة لسلاح لا تكتشفه الأجهزة الإلكترونية جعلها تطمح إلى تصدير العمليات عالميًّا لثقتها في أنها تمتلك الوسيلة لذلك، وجعل أمير القاعدة ناصر الوحيشي يقول: فعلى المسلمين أن لا يقلقوا من صناعة هذه العبوة؛ فأدواتها موجودة في مطبخ أُمِّك، وتركيبتها سهلة ومتيسرة، ولن تستطيع الأجهزة اكتشافها، فاضربوا مطارات وعواصم الدول التي تحارب المسلمين، واربكوهم وأقلقوا أمنهم(20).
مراحل تاريخية
"تنطلق القاعدة في جزيرة العرب من مبدأ "قاعدي" في الصراع، وهو المعاملة بالمثل، وكما تُفقِدوننا الأمنَ نفقدكم الأمن، ومن هنا جاء التفكير في عمليات عالمية وعابرة للحدود.
"مرَّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأربعة مراحل تاريخية؛ كانت الأولى هي مرحلة حفر الأساس، وتمت في أفغانستان، وكان الجزء الرئيسي في التأسيس باستقطاب المقاتلين من المنطقة الجغرافية: اليمن والسعودية، ودول شبه الجزيرة العربية، وامتدت تلك المرحلة من متصف الثمانينيَّات حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وكان أبرز معالمها حشد الطاقات الشبابية لمعسكرات التدريب في أفغانستان، والتركيز على أن المعركة لن تتوقف بخروج السوفييت من أفغانستان استعدادًا لخوض معركة عالمية.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الاستكشاف، وهي محاولة التنظيم اكتشاف أي مناطق العالم ستكون أفضل لإدارة الصراع، فكان الصومال أول ميدان للقاعدة خارج أفغانستان بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي المرحلة التي نازل فيها شباب من اليمن والسعودية أميركا في الصومال، وانتشرت فيها عمليات المنظومة الفكرية للقاعدة في عمليات الرياض في يونيو/حزيران 1996 التي استهدفت مقرًّا للقوات الأميركية، ولم يتبنَّاها أسامة بن لادن في ذلك الوقت ولكنه باركها.
واستمرت تلك المرحلة من مطلع التسعينيات حتى انطلاق الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين في فبراير/شباط 1998، وتخلَّلَها إرسالُ مقاتلين، وتشكيل مجموعات اغتيال لعدد من قادة الحزب الاشتراكي اليمني، والمشاركة في مجموعات مستقلة في حرب 94 التي أدَّت إلى هزيمة الحزب الاشتراكي والذي كان يعتبره بن لادن خصمًا أخطر من نظام الرئيس علي عبد الله صالح(21).
وكانت دائرة الخطاب في تلك المرحلة متركزة على شبه الجزيرة العربية خصوصًا السعودية واليمن، وأطلقت على الوجود الأميركي أنه احتلال لبلاد الحرمين والمقدسات، وصنَّفته في المرتبة الثانية بعد احتلال فلسطين(22)، وفي ذات الوقت كانت دائرة العمليات تقع خارج الحدود الجغرافية في الصومال وتنزانيا ونيروبي. باستثناء بعض العمليات المحدودة في اليمن..
وقد ركَّزت القاعدة على ضخِّ السلاح من الأسواق اليمنية إلى داخل المملكة مستغلة الخلاف بين النظامين الذي كان شديدًا، وفي أعلى مستوياته في تلك الفترة.
وحضرت أيديولوجيا القاعدة في شبه الجزيرة العربية في عملية جبال المراقشة (منطقة تقع في أبين جنوب اليمن) في ديسمبر/كانون الأول 1998 حين أعلن جيش أبين عدن الإسلامي اختطاف سائحين غربيين، وتطور الأمر إلى اشتباكات مع قوات الأمن المحلية أ عن مقتل أربعة بريطانيين، واعتقال مؤسس جيش عدن أبين الإسلامي (أبو الحسن زين العابدين المحضار)، وهو من أبناء محافظة شبوة جنوب اليمن ومن أشرافها، وقد أعدمته السلطات اليمنية في العام 1999.
ويُعَدُّ أبرز ملامح تلك المرحلة تعيين قيادة محلية للقاعدة (أبو علي الحارثي-40 عامًا، قتلته طائرة المخابرات الأميركية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2002) ولكن بأهداف عالمية، كان أبرز معالمها ضرب المدمرة الأميركية يو أس أس كول، ومن خلالها نجح التنظيم في استقطاب مجنَّدين محليين جدد للمرحلة التالية.
المرحلة الثالثة هي مرحلة البناء التنظيمي الأول للقاعدة في المنطقة، والتي تزامنت مع الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وأبرز معالمها تأسيس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كتنظيم محلِّي هيكلي بقيادات معلومة ومعلَنة، ورغم أنه كان يحمل اسم القاعدة في منطقة شبه الجزيرة العربية، إلا أنه لم تسجل له محاولة واحدة تجاوزت حدود المملكة العربية السعودية، إلا فيما يخص إمداد الجبهة العراقية بالمقاتلين والأموال، والدعم الإعلامي.
وكان من سمات وأبرز نتائج تلك المرحلة النشاط الفكري والأبحاث العلمية التي أصدرها مشائخ وعلماء ساعدوا في إثراء المكتبة الأيديولوجية للقاعدة بقراءات وتفسيرات للإسلام وفق متطلبات وحوادث عصرية، وقد زجَّت بهم السلطات الأمنية السعودية في السجون بعد أن انتشرت مؤلَّفاتُهم، وأحدثت تلك المرحلة انقسامات داخل المؤسسات الفكرية الدينية والعلمانية، وبرز -ولأول مرة- الجدل الديني العلماني إلى العلن في السعودية، وصارت مؤسسات فكرية وإعلامية تنال من رموز الفكر الديني، وتهاجم المؤسسة الدينية ومؤسسة الفتوى في المملكة.
المرحلة الرابعة هي المرحلة الحالية؛ وهي مرحلة الاستعصاء، وتخوض فيها القاعدة حربًا كُبرى مع القوى العالمية تقول القاعدة: إنها معركة استنزاف لأميركا في اليمن إلى جانب العراق وأفغانستان والصومال.
في المراحل الأولى كان أسامة بن لادن هو من يتولى التوجيه الخطابي؛ ففي المرحلة الأولى كان يخاطب العلماء بالأفاضل، والجيش والقوات المسلحة بإخواننا حفظهم الله(23)، لكن في مراحل متقدمة اختلف الأمر على مستوى الخطاب، وبقيت تلك الأطراف بعيدًا عن مرمى عمليات القاعدة العسكرية في كل المراحل السابقة؛ حتى جاءت مرحلة الانطلاقة الجديدة من اليمن فتوافق الخطاب مع العمليات التي أصبحت تركز على عناصر محلية باغتيال قيادات أمنية محلية كعملية محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف.
وفي مرحلة تنظيم القاعدة في السعودية كان الخطاب يقتصر على مناصحة العلماء، ولكن في مرحلة اليمن انتقل إلى اتهامهم بالخيانة والعمل لصالح ما يصفه بالحملة الصهيو صليبية عن طريق أولياء أمورهم آل سعود حكام الرياض، وبدأ التنظيم بمناصحة ما سمَّاهم شيوخ الصحوة، أمثال الدكتور سفر الحوالي والدكتور سلمان العودة، أمَّا في مرحلة التنظيم اليوم فإنه يواجههم برسائل واتهامات.
تاريخ القاعدة الحديث بدأ في الثالث من فبراير/شباط 2006، وسجلته القاعدة بحفر نفق تحت أرضية سجن الأمن السياسي في صنعاء طوله (45) مترًا، وعمقه (5) أمتار، استمر الحفر فيه (55) يومًا بمشاركة (23) من الأيدي العاملة وهي المحصلة النهائية للعناصر الفارَّة الذين أعلنت أميركا عقب خروجهم أسماء (13) شخصًا منهم على أنهم مطلوبون ينتمون لتنظيم القاعدة واعتبرتهم من الخطرين.
بعد نجاح أبرز قيادات القاعدة في اليمن في الهروب من السجن، وجَّه بن لادن رسالة في يوليو/تموز من نفس العام ذكر فيها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ووصفه بـ "الخائن المطيع لأميركا"، وكانت إشارة لأعضاء التنظيم بالبدء في العمل على إزالته؛ لأن خطابه كان موجَّهًا لهم بعد أن تأكد من خروجهم وسلامتهم، وكانت بداية تحريض على خلع صالح؛ حيث إنه في جميع خطاباته لم يذكره وكان يركز على حكام السعودية على وجه الخصوص.
سجلت القاعدة التنظيم في المرحلة الحالية والتي بدأت في العام 2006 حتى الآن أربع عمليات اغتيال لقيادات أمنية، نجح ثلاث منها، وفشلت محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف في المرحلة النهائية، وإن كانت قد نجحت في الاختراق.
كما أن هناك ثلاث عمليات هجومية استهدفت السفارة الأميركية وسائحين كوريين جنوبيين ومحققين، ولكنها لم تكن عمليات كاملة، وفشلت في تحقيق نتائجها النهائية.
وسجلت -ولأول مرة- عمليةً تستهدف الولايات المتحدة الأميركية انطلاقًا من الأراضي اليمنية، والتي نفَّذها شاب نيجيري (عمر فاروق عبد المطلب -23 عامًا)، بمحاولة تفجير قنبلة نجح في المرور بها عبر ستة مطارات دولية، وصعود الطائرة المتجهة إلى مطار ديترويت في أميركا، ويواجه الآن ست تُهم؛ إحداها استخدام سلاح تدمير شامل.
وقد أَوْلَتِ القاعدة في جزيرة العرب في مرحلتها الحالية الجانب الإعلامي والدعائي اهتمامًا كبيرًا؛ حيث سجَّل العام 2008 ولادة مؤسسة الملاحم التي أصدرت سبعة أفلام دعائية، ومجلة كل شهرين، ودراسات شرعية، وتقوم بتسويق البيانات، ويواكب نشاط القاعدة تغطية إعلامية محلية نتيجة الهامش الصحفي المتوافر في اليمن، والذي لم يتوافر للقاعدة في أي مكان في العالم في أيٍّ من مراحلها.
العلاقات مع الأطراف الداخلية
يعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب موقفه من الأطراف على أساس معركته مع أميركا والغرب، ويطبِّق قاعدةً أعلنها زعيم القاعدة أسامة بن لادن في العام 2004 في خطاب موجَّه للزرقاوي بتركيز القتال على الأميركيين، أمَّا من الأطراف الأخرى فمن يُحيِّد نفسه عن القتال يجب تحييده، ومن أبى إلا التحالف بقوة مع الأميركان؛ فاضربه كائنًا من كان(24). ومن هنا جاء اغتيال قيادات أمنية محلية اتهمتها القاعدة في اليمن بالتحالف مع الأميركان.
وينطلق تنظيم القاعدة من أيديولوجيا متشددة وصارمة تجاه الأطراف الإسلامية والعلمانية على حدٍّ سواء، إلا أنه يفرِّق بين الإسلاميين السُّنة بتقسيمهم إلى ثلاثة أقسام وفق رؤيته لهم وتعامله معهم: قسمٍ يصفه بالمُوالي لأميركا والغرب فهو يحذره وينصحه، وقسمٍ يصفه بالموالي للنظام الذي يسير وفق المشروع الأميركي والغربي في المنطقة فهو يوبِّخه ويتهمه بالنفاق، وقسمٍ لا يوالي الغرب لكنه لا يعلن ولاءه للقاعدة، ولا يكشف عن مواقفه فهو يطلب منه ضرورة تحدي الموقف(25).
وحيث يوجد الإسلاميون المؤدلَجون الذي تطلق عليهم الدراسات الغربية والأميركية المجددين الإسلاميين الذين يؤمنون بالنضال السلمي، ويسلكون الديمقراطية، ويتعايشون مع أميركا والغرب، ويقيمون تحالفات مع القوى القومية والعلمانية والتيارات الدينية الأخرى كالشيعة؛ فإن تنظيم القاعدة يواجه صعوبة في التحرك في أوساط تلك البيئة، بينما تكون القاعدة أكثر تجذرًا وأوسع انتشارًا حيث يوجد "الإسلام البدوي البدائي والفهم البسيط للإسلام"؛ فهناك تجد أيديولوجيا القاعدة طريقًا سهلاً وميسورًا إليهم.
هذا بالنسبة للأطراف السُّنية، أما الشيعة فإن تنظيم القاعدة لا يعتبر أنهم ما يزالون زيدية، وإنما تحولوا إلى شيعة رافضة كالذين في العراق، ويحذرون من خطرهم على اليمن، وإن كانوا لم يدخلوا معهم حتى الآن على خط المواجهة المسلَّحة، ويعتبر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن حرب صعدة التي طرفاها الشيعة والنظام أنها نبتة خبيثة زرعها الحاكم ليسقي الشعب المرارة منها(26)، وأن الشيعة طائفة لها أطماع توسعية في اليمن ويسومون السنة الويلات، مدعومة إقليميًّا من إيران بحسب بيان صوتي أصدرته مؤسسة الملاحم، وتلاه أحد المطلوبين الأمنيين على القائمة السعودية محمد الراشد(27).
وتنظر القاعدة إلى الأطراف الأخرى (العلمانية والقومية) على أنها وقعت ضحية نظريات ضالة، وتدعوها للتوبة وتلفت نظرها إلى المعركة مع الإمبريالية الغربية والأميركية، وأن القاعدة هي من تقود هذه المعارك(28).
ومن سوء حظ القاعدة أن التكتلات الرئيسية والأطراف المختلفة في البلاد لا تشكل تحالفًا أو تقاربًا مع القاعدة؛ فالحراك الجنوبي يعتبرها متطرفة، ويتفق مع الغرب وأميركا في محاربتها وتطهير الجنوب منها، كما يرى ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي لاستئصالها(29).
والأحزاب السياسية المعارضة تعتبرها صنيعة النظام(30)، وورقةً سياسية بيده يستخدمها للبقاء في السلطة لمدة أطول، والهروب من أزماته(31)، ويراها الحوثيون حركة إرهابية متعاونة مع النظام في حربه ضدهم في صعدة(32).
بينما يعلن علي سالم البيض أنه لا مانع عنده أن يستعين بإيران(33)، وطارق الفضلي أحد قيادات الحراك الميدانيين يُثني على عبد الملك الحوثي(34)، ويرد عليه عبد الملك الحوثي بالثناء المماثل في نفس البيان الذي ينفي علاقته بالقاعدة ويصفها بالإرهاب، ويرحب الحوثي بوثيقة الإنقاذ الوطني التي أصدرها تكتل اللقاء المشترك، ويوافق على جميع بنودها ويصفها بأنها تلبي المطالب العادلة(35).
تداخلات إقليمية ودولية
تتفق الرؤية الإستراتيجية لدى حلف الناتو بقيادة أميركا حول اليمن مع رؤية تنظيم القاعدة؛ حيث يعتبره الغرب الحزام الآمن في خاصرة الحلف، والذي له دور حيوي في تأمين منابع الثروة والطاقة في المنطقة، وطرق القوافل التجارية والأساطيل العسكرية، وتعتبره القاعدة أرض المدد ومنطلق الجيش الذي يهزم التحالف في أبرز معاركه اليوم.
ويشكل انتشار القاعدة في مناطق الثروة تهديدًا مباشرا للمصالح الغربية والأميركية، فهي متواجدة في المناطق الشرقية والجنوبية (مأرب، شبوة، حضرموت)، ومناطق السواحل اليمنية الجنوبية والغربية (أبين ، عدن، الحديدة) التي تُعَدُّ ممراتُها ومضائقها المائية (البحر العربي، خليج عدن، باب المندب) من أهم الممرات الدولية؛ ولهذا تشكِّل القاعدة تهديدًا مباشرًا لمنابع الثروة التي تستثمرها الشركات الغربية والأميركية على الأرض، وتهديدًا لمنطقة مرور القوافل التجارية والأساطيل العسكرية في البحر.
ولهذا يعبِّر الغرب عن قلقه من فرع القاعدة في جزيرة العرب، ويُبدي استعداده لخوض معركة مصيرية في اليمن مع القاعدة؛ نظرًا لأنها على مقربة من موقع تمركُز قواته ومصالحه في دول الخليج وممراته الآمنة.
ويواجه اليمن حشدًا إقليميًّا متحالفًا مع الغرب لمواجهة القاعدة في اليمن، وترد القاعدة بتحالف مماثل مع حركة الشباب الصومالية التي أعلنت أنها ستقطع البحر لإرسال المقاتلين؛ مما يجعل اليمن ساحة صراع مفتوحة ومركزية بين حركة الجهاد العالمي من جهة والتحالف الدولي لمحاربة مايسمى بالإرهاب من جهة أخرى، وبحسب مسار التفكير لدى تنظيم االقاعدة فإنَّ نداءات متوقَّعة ستعلنها قيادات القاعدة العالمية لحشد الطاقات إلى اليمن استغلالاً للمناداة الغربية بعقد مؤتمر دولي من أجل محاربة ما يسمى بالإرهاب في اليمن.
وتأتي دعوة حركة الشباب المجاهدين في الصومال من منطلق أيديولوجي عقائدي في إطار المنظومة الفكرية لحركة الجهاد العالمي، وهي النصرة لإخوانهم، والرغبة في الالتحاق بجيش اليمن الذي يعتقدون أنه من أفضل الجيوش وخيرها، ولا يعني هذا أن القاعدة في اليمن بحاجة إلى مقاتلين، فلديهم من العناصر القتالية والمدربة الكثير، وقد صدَّر اليمن إلى الصومال مقاتلين ومدربين منهم أبو عاصم التبوكي، من أبناء منطقة بيحان محافظة شبوة جنوب اليمن، والذي كان في قائمة الـ 23 الذين فرُّوا من السجن مع قادة القاعدة في فبراير/شباط 2006، وقُتِلَ في غارة جوية على معسكر للقاعدة في الصومال أواخر العام 2007.
وتزعم القاعدة أن الدور السعودي في اليمن دور رئيسي، ويقول المسؤول العسكري للتنظيم: إن نائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف يدير وزارة الداخلية اليمنية، وصلاحياته فيها أوسع من صلاحياته في وزارة أبيه(36)، وقد أعلن التنظيم أنه كشف شبكة تجسسية تتبع الأمير محمد بن نايف في المناطق الشرقية والجنوبية، ومن مهامها ملاحقة أعضاء القاعدة وتحديد مواقعهم(37).
وقد أعلنت السعودية قائمة المطلوبين الـ 85 في فبراير/شباط 2009، وتضم من اليمنيين الريمي والوحيشي، أمير التنظيم والمسؤول العسكري، وتعلن دعمها المتواصل لليمن في الحرب ضد الإرهاب، وقد أعلن الملك عبد الله أن أمن اليمن هو أمن للمملكة والمنطقة بكاملها.
وقد أخفق تنظيم القاعدة في محاولات التسلل بعمليات إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث تم إحباط أول محاولة بعد إعلان اندماج التنظيمين في كيان واحد بكشف خلية في مارس/آذار 2009 على حدود اليمن والسعودية في نجران مكونة من أحد عشر فردًا تم اعتقالهم، بالإضافة إلى مخازن أسلحة، والمحاولة الثانية التي تسلل فيها يوسف الشهري ورائد الحربي إلى منطقة جازان 13 أكتوبر/تشرين الأول 2009 وقتلتهم السعودية وهم من المطلوبين على قائمة الـ85.
ورغم نجاح القاعدة في اختراق الأجهزة الأمنية أثناء محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف أواخر أغسطس/آب 2009، إلا أن التعاون اليمني السعودي تضاعف بإنشاء مركز إعلامي خاص في أكتوبر/تشرين الأول 2009 لمواجهة إعلام القاعدة في جزيرة العرب بشكل خاص بعد عدد من الإصدارات الفلمية التي استهدفت الأسرة المالكة في السعودية، وقد دعَّمت السعودية مؤخرًا دعوة رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون لعقد مؤتمر دولي من أجل التصدي لما وصفه بالتهديد العالمي القادم من اليمن.
ملامح المستقبل
يرسم مستقبل اليمن ثلاثة مشاريع مسلحة، هي: الحراك الجنوبي، والحركة الشيعية المسلحة (الحوثيون) وحركة سنية مسلحة (القاعدة)، وتدخلات إقليمية ودولية، وأزمة سياسية بين أطراف النظام: السلطة والمعارضة، وضعف اقتصاد الدولة وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها.
وتعتمد التدخلات الدولية في أي حرب على القاعدة على خلق حالة من الاستقطاب؛ مما يعني أن المجتمع اليمني سيشهد حِراكا على قاعدة "مَن ليس معنا فهو ضدنا" من طرف أميركا والغرب أو من طرف القاعدة.
والغرب في معركته ضد القاعدة يستعين بأدوات غير السلطات الحكومية والأمنية، كالأحزاب والمنظمات المدنية وشيوخ العشائر؛ وذلك من أجل تفكيك الحاضنة الجماهيرية للقاعدة.
والنظام القبلي في اليمن مهيأ ليشهد تشكيل مجالس صحوات على غرار ما جرى في العراق إن بلغت مرحلة القاعدة في اليمن قوة وتهديدًا كنظيرتها هناك، واستعصت على أميركا وحلفاءها الغربيين والمحليين.
المعركة مع القاعدة بدأت، وفي طريقها إلى أن تأخذ أبعادًا أكثر عمقًا واتساعًا؛ بحيث يشترك فيها كل أطراف المجتمع السياسية المناضلة سلميًّا، والعشائرية والحكومية.
_______________
*باحث يمني