السفير البريطاني بصنعاء: لندن لا تخشى من حكومة يقودها «الإخوان المسلمون» في اليمن
بقلم/ مأرب برس - متابعات
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 12 يوماً
الجمعة 07 أكتوبر-تشرين الأول 2011 07:37 م
 
 

أكد السفير البريطاني لدى اليمن جوناثان ويلكس في حوار أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط» في لندن، أن ما يحدث في اليمن هو أزمة اقتصادية في المقام الأول، ثم جاءت أحداث الربيع العربي فحولت الأحداث إلى أزمة سياسية، ذات بعد شخصي في بعض الأحيان حيث تكون الخلافات السياسية مبنية على الخلافات الشخصية بين الفرقاء السياسيين. ولخص ويلكس ما يحتاجه اليمن على المستوى السياسي بقوله إن اليمن يحتاج إلى «حل سلمي وسريع». وأوضح ويلكس أن التغيير بات حتميا في اليمن، وأن الرئيس صالح نفسه بات مقتنعا به، وأن على الرئيس صالح التوقيع على المبادرة الخليجية والبدء في نقل السلطة سلميا. وأضاف أن ما جرى من قمع للمظاهرات وما تعرض له المتظاهرون من «جرائم» ينبغي النظر إليه في ضوء ما تعرض له الرئيس صالح ومسؤولو الدولة من محاولة اغتيال وجريمة بشعة، وأن ما سيترتب على ذلك يقرره اليمنيون على طاولة الحوار. وأكد ويلكس أنه على تواصل مع كل الأطراف في اليمن، وأن بريطانيا لا تخشى حكومة يقودها «الإخوان المسلمون» أو غيرهم إذا التزموا بمبادئ الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان. وأوضح ويلكس أن مداولات تدور حول اليمن في مجلس الأمن غير أنه نفى الحديث عن فرض عقوبات على النظام أو على أشخاص في النظام، حسب قوله.

حوار/ محمد جميح

* بداية هل ما يحصل في اليمن ثورة شعبية أم أزمة سياسية؟

- طبعا هناك أزمة سياسية خطيرة في اليمن كما لاحظنا خلال الأشهر الماضية، الأوضاع في اليمن، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وأيضا إنسانيا، تتدهور بشكل متواصل. والموقف البريطاني يتمثل في ضرورة إيجاد حل سلمي سريع. التغيير قادم إلى اليمن من دون شك. هذا لم يعد محل تساؤل، والتساؤل فقط حول طريقة هذا التغيير، هل ستكون سلمية أو عنيفة، سريعة أو بطيئة؟ وبالطبع بريطانيا تفضل حلا سلميا سريعا. وكانت هناك جهود مبذولة من قبل بريطانيا وحلفائها من الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة نجحنا فيها في شهر أبريل (نيسان) في بلورة صيغة معقولة تمثلت في ما سمي المبادرة الخليجية، وهذه الصيغة لا تزال قائمة، وكان هناك حوار خلال الأشهر الماضية حول كل المشاكل الموجودة في البلاد لإيجاد اتفاق حول تفاصيل الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. وبناء عليه فإن الحل السلمي موجود ومتفق عليه من قبل الأطراف المختلفة في السلطة والمعارضة، ونحتاج إلى إرادة سياسية من الرئيس صالح أولا وأيضا من المعارضة للجلوس معا لتوقيع المبادرة والبدء في الفترة الانتقالية، هذا هو المطلوب، وبريطانيا ستستمر في سعيها لإقناع الأطراف بإكمال هذه العملية.

* هذا كلام جيد في التعريف بالمبادرة، ولكنك لم تجبني عن السؤال؛ هل ما يحدث في اليمن أزمة سياسية أو ثورة شعبية من وجهة النظر البريطانية؟

- كما قلت، ما يجري في اليمن أزمة سياسية، لكن هذه الأزمة في اليمن التي استمرت لسنوات هي في الأصل أزمة اقتصادية. إذ ليس في اليمن موارد اقتصادية كافية لتوفير حياة كريمة لكل اليمنيين، فالأزمة في الأصل أزمة اقتصادية ثم تحولت بسبب «الربيع العربي» والمظاهرات وإحراق الشباب لأنفسهم الذي فجر فتيل هذا الربيع، الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية، بمعنى أن ذلك أضاف عنصرا جديدا في الأزمة أدى إلى تحولها من أزمة اقتصادية إلى أزمة سياسية. وبالطبع بريطانيا تحترم مطالب المتظاهرين في الإصلاح والمشاركة والتغيير، ولكن علينا أن ندرك أن الأزمة اقتصادية في المقام الأول. والمشكلة الآن هي في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين اليمنيين العاديين، نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي الذي جعل الحياة اليومية للناس صعبة جدا.

* من خلال لقاءاتكم مع الأطراف المختلفة في اليمن، وجلوسكم إلى ممثلين عن السلطة والمعارضة، لا بد أنكم على دراية بمن هو المسؤول عن استمرارية الوضع على ما هو عليه بعد 8 أشهر من الأزمة في اليمن، من المسؤول من وجهة النظر البريطانية؟

- طبعا أنا متأكد أن الحل لهذه الأزمة سيكون حلا يمنيا، ليس حلا خارجيا من السعودية أو من الولايات المتحدة أو بريطانيا، بمعنى أننا نحتاج إلى اتفاق سياسي يمني بين الأطراف السياسية المعنية، بمن في ذلك الشباب، ومنظمات المجتمع المدني في اليمن. دور الأطراف الخارجية دو مهم لإيجاد الحل، لتشجيع الأطراف الداخلية للتوصل للحل السلمي والسريع، لكن الحل لن يأتي من الخارج من دون شك. أنا أشعر بالقلق عندما أسمع يمنيين يقولون أين المجتمع الدولي؟ أين الحلول الخارجية؟ وأنا دائما أقول لهم: لا تتوقعوا حلا خارجيا أو معجزة تأتي من الخارج، بل على العكس أنا أخشى من التدخل الخارجي في هذه الأزمة. النقطة المهمة في هذا الشأن، هي أنه بسبب تدهور الأوضاع في البلاد كل اليمنيين يطلبون المساعدة من أطراف خارجية، وهذا خطر جدا على مستقبل البلاد. نحن نحتاج إلى حل يمني، ولذلك أنا أخشى أن يتقاعس اليمنيون ويتوقعوا الآن مبادرة جديدة أو شيئا يأتي من الخارج. وفي الحقيقة بين شهري مارس (آذار) ومايو (أيار) نجح التحرك الدبلوماسي الذي قامت به دول الخليج والدول الغربية مثل أميركا وبريطانيا في التواصل مع كل الأطراف لبلورة رؤية سياسية للحل، والبدء في تنظيم الفترة الانتقالية، فالحل موجود، عملناه، وأنجزناه في الصيغة المعروفة.

* تقصد المبادرة الخليجية؟

- نعم. لكننا نحتاج الآن أولا من الرئيس صالح، وأيضا من المعارضة إرادة سياسية لتقديم تنازلات، وإيجاد حل سلمي على أساس مبادئ المبادرة الخليجية، والمبادئ المتفق عليها في الأسابيع الماضية التي تمخض عنها الحوار بين الحزب الحاكم والمعارضة.

* تقصد الآلية التي تم التوصل إليها بإشراف المبعوث الأممي جمال بن عمر؟

- طبعا مبعوث الأمم المتحدة كان موجودا، وقد لعب دورا. لكن في الحقيقة هذه الأفكار هي أصلا من اليمنيين توصلوا إليها بحوار الأطراف السياسية المختلفة في البلاد.

* لم تجبني على السؤال، أجبني بأقل قدر من الدبلوماسية لو تكرمت. بن عمر غادر اليمن وأنت كنت على اطلاع على الحوار بين النائب والمعارضة بحضور بن عمر الذي غادر وتسابقت الأطراف المختلفة إلى اتهام بعضها في إفشال مهمته؟ من أفشل مهمة بن عمر برأيك؟

- أنا في رأيي هناك قبول واسع في الحزب الحاكم، وكذلك في المعارضة للمبادئ المطروحة والمتفق عليها كآلية لتنفيذ المبادرة الخليجية، لكننا نحتاج من عناصر في الحزب الحاكم وكذا من المعارضة إلى القبول بفكرة تقديم تنازلات رغم وجود الخلاف.

* اسمح لي إذن ما هي التنازلات المطلوبة من السلطة وما هي التنازلات المطلوبة من المعارضة؟

- هناك نقاش حول تفاصيل آلية التنفيذ، مثلا هناك اتفاق حول مبدأ الانتخابات المبكرة بعد أشهر لانتخاب رئيس جديد، لكن هناك خلافات حول بعض التفاصيل، ولذا نحتاج إلى حوار جدي بين الأطراف من أجل إكمال ما سبق وأن اتفقوا عليه. نحتاج من الرئيس صالح إرادة سياسية وقرارات شجاعة يوضح بها لليمنيين أنه جاهز لنقل السلطة، وللوفاء بالتزاماته خلال المفاوضات الماضية بحضور السفير الأميركي، وسفراء آخرين، وقد كنت أنا على اتصال مع كل الأطراف خلال هذه الأشهر. ولا بد لي أن أكون صريحا، هناك أزمة ثقة بين كل الأطراف، وهذا ما يحتم الحاجة إلى قرارات واضحة من أجل إنقاذ اليمن، ولا نحتاج إلى كلام فقط، لأن الوقت قد فات على الكلام الكثير من كل الأطراف.

* إذن، المطلوب من الرئيس صالح أن يوقع على المبادرة، وأن يلتزم بنقل السلطة، وماذا عن المعارضة؟

- طبعا هذا موقف ثابت لبريطانيا والسعودية وأميركا وكل الدول المعنية إزاء التوقيع على المبادرة، لكن الرئيس رفض، وقال إن عنده بعض التحفظات فيما يخص الآلية التنفيذية، وبعض التفاصيل، وقد عملنا جميعا على إكمال الحوار حول هذه التفاصيل. وأنا في رأيي الحل السلمي موجود ومتفق عليه من كل الأطراف، وليس هناك أي تبرير للمماطلة وللتريث في ظل التدهور الخطير للأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد لأن اليمني العادي يدفع الثمن. وأنا دائما أقول «اليمن كوكب آخر سياسيا»، لأن عندنا حلا سلميا كل العالم يؤيده وممثلو الأطرف المعنية في اليمن كذلك يؤيدونه، ومع ذلك هناك عناصر تسعى إلى خراب البلاد.

* تطرح بعض الأطراف في المعارضة أن المشكلة ليست في الرئيس صالح، وإنما في أفراد من أسرته ومن حزبه، يضغطون لسبب أو لآخر لعدم التوصل لاتفاق. كيف ترى الأمر؟

- طبعا كما قلت من دون شك، هناك عناصر في النظام وفي المعارضة تضغط باتجاه رفض الحل السلمي، وهذا في رأيي خطأ استراتيجي كبير، لأن الأحزاب والشخصيات الرئيسية في هذا الصراع عندهم مصلحة حقيقية مشتركة في إيجاد حل سلمي ومتوازن من أجل التصدي للأزمة الأساسية في البلاد وهي أزمة اقتصادية. وكلهم عندهم مصالح شخصية اقتصادية واستثمارية وتجارية، فهم يعانون بسبب تدهور الأوضاع في البلاد، ولكن حتى الآن للأسف الشديد العقلانية لا تسود البلاد فيما يخص هذه المصالح. ولذلك يتحتم علينا في المجتمع الدولي والسياسيين العقال من كل الأطراف، أن نشجع ونقنع العناصر الرافضة للحل السلمي للاعتراف والحفاظ على مصالحهم الشخصية، بغض النظر عن المصلحة العليا لليمن، لأنه ليس هناك أي فائدة لأي منهم في بقاء هذه الحالة المتدهورة في البلاد.

* إذن أنت ترى أن الخلاف هو خلاف على مصالح شخصية وليس على المصالح العليا لليمن؟

- طبعا، هناك خلافات وصراعات شخصية معروفة، لكن كما قلت هناك ثلاثة مستويات لهذه الأزمة: المستوى الأصلي والأساسي المتمثل في الأزمة الاقتصادية، ثم المستوى الثاني المتمثل في «الربيع العربي» الذي يحتم مشاركة الشباب والمجتمع المدني والمهمشين في الشأن السياسي وهذا هو المستوى السياسي للأزمة في اليمن، ثم لدينا هذه الصراعات الشخصية بين «عيال الأحمر وعيال صالح وعلي محسن». فنحتاج إلى تسوية سياسية بينهم من أجل التصدي للتحديات الرئيسية، وهي تحديات اقتصادية.

* هل تشعر أن لدى الرئيس صالح قلقا من تسليم السلطة لخصومه الذين ربما يسعون إلى محاكمته ومسؤوليه، وهذا يدفعه إلى التمسك بالسلطة بشكل أكبر، كشكل من أشكال الدفاع عن النفس؟

- طبعا هذا موضوع مهم، وهو يهم كل اليمنيين فيما يخص الحصانات والتعامل مع الماضي وما حدث فيه من أخطاء وجرائم وتهم. لكننا نحتاج حوارا جديا حول هذا الموضوع، في إطار الحوار الوطني حول كل القضايا المصيرية لمستقبل اليمن، بما في ذلك الدستور وشكل النظام السياسي والفيدرالية والعلاقة بين المركز والأقاليم، وما يسمى بالعدالة الانتقالية ( Transitional Justice )، وهذا موضوع مهم للغاية، وكما شاهدنا في دول أخرى في أوروبا الشرقية وأفريقيا كجنوب أفريقيا على سبيل المثال. بحث هذا الموضوع مهم جدا لمستقبل اليمن، وهو متروك لليمنيين أنفسهم، ونحن نطالب بالمشاركة الكاملة من دون إقصاء أو تهميش في الحوار الوطني حول كل هذه القضايا، بما في ذلك الحوثيون والحراك الجنوبي والشباب والمجتمع المدني والمعارضة والحزب الحاكم. وكما قلت، كل الأطراف تحتاج إلى اتفاق حول كيفية التعامل مع هذه القضايا. فالجرائم المرتكبة ضد المحتجين خلال الأشهر الماضية ينبغي النظر إليها في وقت واحد مع محاولة اغتيال الرئيس والوزراء ورموز النظام في مسجد النهدين في الثالث من يونيو (حزيران)، وهي جريمة بشعة كذلك، نحتاج إلى النظر بشكل موضوعي وعادل مع كل هذه القضايا.

* يبدو أنكم في بريطانيا والغرب عموما معنيون بتغيير القيادة السياسية في اليمن، دون المساس ببنية الأجهزة الأمنية التي استثمرتم فيها الكثير لأسبابكم الخاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، كيف تنظر إلى المسألة؟

- فيما يخص عملية التغيير في اليمن، هي مطلوبة من أكثرية اليمنيين، وحتى الرئيس صالح نفسه يقبل بذلك، يقبل بفكرة التغيير ويدرك أن التغيير قادم. ومصلحة الدول الأخرى مثل بريطانيا وحلفائنا هو أن يتم التغيير بشكل سلمي ومنظم لتجنب الفوضى وتدهور الأوضاع والأزمة الإنسانية والحرب الأهلية، وأنا أخشى حدوث أزمة إنسانية قبل تحقيق التسوية السياسية. وبسبب وجود «القاعدة» في البلاد نحتاج إلى حملة فعالة لاحتواء هذا الوجود والتصدي له، لأن هذا الوجود يهدد اليمن أولا ثم المنطقة، ثم دولنا وهذا أمر معروف، ولذلك نحتاج إلى؛ أولا تجنب الفوضى في اليمن، ثم استمرارية دور المؤسسات الأمنية في الدولة، لأن هناك خبرة، وهناك معرفة، ولكننا كذلك نحتاج إلى احترام الحقوق الأساسية لكل اليمنيين، لا نريد حملة لمكافحة الإرهاب في اليمن تؤدي إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان فيه.

* هل يعني ذلك أنكم تعارضون تغيير القيادات الأمنية في البلاد، نظرا لأنكم (كغرب) استثمرتم في القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب على سبيل المثال؟

- طبعا هذا الموضوع يأتي في صلب المفاوضات السياسية بين الأطراف، أعني إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وذلك لأن ضعف الدولة اليمنية خلال السنوات الماضية كان إلى حد كبير بسبب الانقسامات والخلافات داخل هذه المؤسسات، وخصوصا بعد خروج اللواء علي محسن على النظام في شهر مارس، ومن الواضح جدا أنه لا يمكن بناء دولة حديثة وفعالة في ظل مثل هذه الانقسامات. ومع ذلك بعد الحل السلمي وإكمال التوقيع على الاتفاقية والدخول في الفترة الانتقالية فإننا نحتاج للخبرة الموجودة في هذه المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد، نحن لا نريد ما يسمى بـ«الاجتثاث»، وهذا أمر مهم، والسبب أن اليمن كمجتمع وكدولة يتعرض للفتنة والفوضى، ولا بد من تجنب الفوضى التي لا يستفيد منها إلا المجرمون والإرهابيون وبالذات «القاعدة».

* تطرح السلطة في صنعاء أنه إذا ما انهار النظام فإن البدائل ستكون من تنظيم القاعدة والإسلاميين، وعليكم أن تختاروا، هل هذا الطرح صحيح من وجهة نظرك؟

- لا، هذا ليس صحيحا، البديل ليس شخصا آخر أو التيار الإسلامي أو «القاعدة»، البديل هو أن الفترة الانتقالية ستؤدي إلى توازن بين مختلف القوى السياسية في البلاد، البديل هو نظام سياسي جديد مبني على أساس المشاركة الكاملة للكل بشفافية في مجلس الوزراء، في البرلمان، نحتاج إلى نقاش واضح بين مختلف القوى السياسية في البلاد بما في ذلك الحزب الحاكم والمعارضة والقوى السياسية الجديدة كالشباب والمجتمع المدني والحوثيين والحراك، كما ذكرت.

* أنت تعرف أن «الإخوان المسلمين» في اليمن هم أكبر من يحرك الشارع اليمني، هم عنوان عريض وربما كانوا العنوان الأعرض الآن. هل أنتم على استعداد للتعامل مع حكومة يكون على رأسها «الإخوان المسلمون» في المرحلة المقبلة؟

- بريطانيا من حيث المبدأ لا تعارض وجود التيار الإسلامي من «الإخوان» أو أي تيار آخر يقبل الديمقراطية والمشاركة واحترام الرأي الآخر، ولدينا تواصل مع كل القوى السياسية في اليمن في الحزب الحاكم والمعارضة بما في ذلك الإصلاح والقوى السياسية الأخرى. وأنا أعتقد أن أي قوى سياسية يمنية تقبل المشاركة والتعددية الطبيعية للمجتمع المدني يكون لديها الحق في المشاركة في الفترة الانتقالية والحوار الوطني حول القضايا المصيرية، ولذلك لا نخشى من أي تيار أو شخص يقبل بهذه المبادئ.

* إذا جاءت حكومة إسلامية لليمن، هل تتوقعون أن تتعاون معكم في مجال الحرب على الإرهاب؟

- أنا أعتقد، وهذا تحليلي بعد سنة من وجودي في اليمن، أن هناك توازنا طبيعيا بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، بين الحزب الحاكم وبعض الأحزاب الأخرى معه والمعارضة والأحزاب التي تقف معها، وأيضا ممثلي الأقليات والأقاليم والمستقلين والقوى السياسية الجديدة، لذلك أنا لا أتوقع إلا تشكيل حكومة ائتلافية في الفترة الانتقالية، وأعتقد أن هذا هو الطريق الأفضل لتجنب الفوضى، ولبناء تفاهمات جديدة من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية في البلاد.

* شكلت المعارضة مع الشباب ما سمي بالمجلس الوطني، هل تعتقد أن هذا المجلس يمكن أن يعترف به من قبل بريطانيا وحلفائها؟

- إذا قبل المجلس الوطني الديمقراطية والتعددية الطبيعية للمجتمع اليمني، والحل السلمي والانتخابات المبكرة، فسوف نرحب بهذا.

* هل يعني هذا أن تعترفوا بالمجلس الوطني بديلا لنظام الرئيس صالح؟

- لا، لدينا الآن حوار بين الأطراف، وعلينا جميعا تشجيع الحوار كفرصة أفضل لإيجاد الحل السلمي، لأن النموذج الليبي في اليمن قد يؤدي إلى كوارث، وهذا - على فكرة - هو موقف المجلس الوطني، حيث أوضحوا بشكل كبير أنهم لا يريدون أن يشكلوا حكومة بديلة، ولكنهم يريدون توحيد صفوف المعارضة، من أجل تقوية موقفهم في الحوار مع الحزب الحاكم.

* هناك أخبار عن احتمال انتقال الملف اليمني إلى مجلس الأمن، هل سيذهب الملف إلى المجلس؟ وإذا ذهب، فهل سيصدر المجلس بيانا كما سبق أو سيتخذ قرارا؟ وما هو شكل القرار إذا صدر؟

- طبعا هناك نقاشات في مجلس الأمن حول الملف اليمني، جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة رجع من اليمن، وهو يذهب إلى اليمن بشكل مستمر 4 إلى 5 مرات إلى حد الآن. وفي كل مرة يرجع إلى مجلس الأمن ويقدم تقريره، يتلوه بالطبع بيان أو قرار. وسوف يكون هناك نقاش بعد تقديم التقرير من قبل المبعوث الأممي. وأنا لا أريد أن أستبق الأحداث، لكن يمكن القول إن الموقف الروسي والصيني فيما يخص الملف اليمني أكثر قربا لمواقف بريطانيا وفرنسا وأميركا فيما يخص تشجيع الحوار والمبادرة الخليجية، ومطالبة الرئيس صالح بالتوقيع على المبادرة، ودخول الفترة الانتقالية لتجنب الفوضى والفتنة. بمعنى هناك إجماع دولي حول اليمن، وهذا يجعل الحالة اليمنية مختلفة عن الحالتين الليبية والسورية، وهذا شيء مشجع لممارسة الضغط على العناصر التي ترفض الحل السلمي، وبعد دخول الفترة الانتقالية نحتاج من العالم كله إلى الإجماع حول تقديم المساعدات لليمن، لأن أي حكومة في اليمن في المستقبل ستحتاج إلى شراكة فعالة مع كل الدول المانحة والدول الكبرى والدول العربية والأجنبية من أجل إرساء الأمن والاستقرار وتحريك عجلة الاقتصاد ومعالجة مشاكل كثيرة وكبيرة في البلاد.

* هل لديكم ملاحظات على اللواء علي محسن الأحمر وعلاقاته بالإسلاميين؟ هل يقلقكم ذلك؟

- طبعا نحن نتواصل مع كل الأطراف، واللواء علي محسن لعب دورا مهما خلال الفترة الماضية بالذات، ونطلب منه كما نطلب من الرئيس صالح ومن السياسيين الآخرين أولا الالتزام بالمبادرة الخليجية، ثم المرونة فيما يخص الاتفاق على آلية تنفيذ هذه المبادرة، ونحن إلى حد الآن نعتقد أن اللواء علي محسن لعب دورا مؤثرا في أوساط المعارضة، وكذلك في بناء علاقات مع عناصر في الحزب الحاكم، ولديه دور محوري في الرأي، وأنا أشجعه كما أشجع الرئيس صالح للجلوس معا من أجل إكمال الاتفاقية حول التفاصيل الداخلة ضمن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

* هل تعتقد أن يذهب اليمن إلى الحرب الأهلية؟

- أنا أخشى من حدوث هذا، لكن كما شاهدنا في الأشهر الماضية، بسبب الحوار المتواصل بين الأطراف المختلفة تم احتواء كثير من التوترات والصراعات الشخصية، ولكن كل أسبوع، وكل يوم يمر على هذه الحالة يجعلني أخشى من تدهور دراماتيكي نحو الفوضى في البلاد، ولذلك علينا جميعا ألا ننسى أن الوضع خطير وعلى النخب والأطراف السياسية العمل للمصلحة العليا لليمن ولليمنيين العاديين، لأن الحياة في اليمن أصبحت صعبة للغاية، وهذه النخب إذا كانت تؤمن بالتغيير فإن عليها مسؤولية فيما يخص الوضع المعيشي للمواطن العادي.

* بعد عودة الرئيس صالح من مشفاه بالمملكة العربية السعودية، مع من تتعاملون؟ مع النائب الذي فوضه الرئيس أثناء غيابه، أو مع الرئيس بعد عودته؟

- نحن نتعامل مع كل المسؤولين في النظام، وكنا نفضل لو أن الرئيس صالح أوضح قبل عودته إلى اليمن أنه جاهز للتوقيع على المبادرة الخليجية ونقل السلطة، ولإكمال الحوار حول آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، وبما أنه للأسف لم يقم بذلك فإن هذا أدى إلى وجود أزمة ثقة بينه وبين الأطراف الأخرى، ولذلك نحن نطلب من الرئيس صالح أن يتجنب التريث والمماطلة ويجلس مع الأطراف الأخرى للاتفاق على التفاصيل القليلة الباقية لإكمال هذه الصفقة السياسية الموجودة أصلا والمدعومة من العالم كله.

* إذا لم يتم ذلك فهل ستكون هناك عقوبات على النظام في اليمن؟

- ليس هناك نقاش حول عقوبات الآن، لماذا؟ لأننا أولا لا نريد أن تؤدي العقوبات إلى مزيد من المعاناة بالنسبة للشعب اليمني الذي دفع ثمنا باهظا ولا نريد له أن يدفع المزيد بسبب التحرك الدولي، وأما العقوبات على أشخاص في النظام فكذلك ليس هناك نقاش حول هذا الموضوع الآن، لأن هناك عملية حوار جارية، ونحن نود أن يستمر هذا الحوار، وهذا الوضع بالطبع يختلف مقارنة بالوضع السوري، ولذلك أنا أعتقد أن يكون النقاش بين الدول الكبرى في مجلس الأمن حول إكمال الحوار والمبادرة الخليجية والفترة الانتقالية.

* معلوم أن خدمات التأشيرة والقسم القنصلي قد نقلت من السفارة البريطانية في صنعاء، كما أوقفت بريطانيا رحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية إليها، ما الأسباب ومتى سيتم تطبيع الأوضاع؟

- طبعا هذا هو السؤال الذي دائما يواجهني عندما ألتقي بالجالية اليمنية أو السفير اليمني في لندن، وقد التقيت بممثلي الجالية اليمنية مؤخرا وقلت لهم بكل وضوح إنه بسبب الأوضاع الأمنية في البلاد لا يمكن فتح القسم القنصلي والتأشيرات، لأننا في السفارة البريطانية مستهدفون من قبل «القاعدة». والسفارة البريطانية الآن محصنة بشكل يشير إلى حقيقة التهديد الإرهابي الذي نواجهه، ثم إننا لا نريد أن تتعرض حياة الذين يزورون السفارة في معاملاتهم للخطر أثناء الطوابير على بوابة السفارة فيما لو تعرضت لهجوم، ونحن ينبغي أن نعترف أننا إذا أردنا تطوير العلاقات بين البلدين فإن عودة خدمات القسم القنصلي إلى السفارة في صنعاء وعودة رحلات الطيران اليمنية ضرورية، ولكننا أولا لا بد أن نتعامل مع الأزمة السياسية في البلاد ومن ثم الجانب الاقتصادي، وهذا سيساعد على تحسن الوضع الأمني والقضاء على الإرهاب الدولي الموجود في اليمن، مما يسرع من عودة هذه الخدمات، وعودة العناصر الطبيعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، بريطانيا مهتمة ببناء علاقاتها مع اليمن، وسنبذل أقصى جهودنا في هذه الفترة للتغلب على العقبات الموجودة الآن أمام الحل السلمي الذي سيفتح المجال للتغلب على أغلب المشاكل التي تواجه اليمن، ومن ثم تطوير علاقاتنا السياسية والتجارية والاستثمارية حتى الرياضية، وأنا جلست مع مسؤولين يمنيين مؤخرا بخصوص الترتيب للرياضيين اليمنيين للمشاركة في أولمبياد لندن الذي سيكون العام المقبل، وهذا سيشكل فرصة لعرض الوجه الآخر لليمن ولعكس صورة إيجابية، حتى يعرف العالم أن هناك أناسا جيدين في اليمن، وأن هناك فرصا استثمارية وتجارية وهناك جوانب ثقافية ورياضية مما يساعد على تمتين العلاقات بين اليمن والبلدان الأخرى، وخصوصا بريطانيا التي لها علاقات تاريخية مع اليمن، ومع أنني لا أريد أن أبدو كمن يفقد الأمل، فإننا لا بد أن نكون واقعيين في تقدير حقيقة المخاطر التي تواجهنا، والتي نأمل أن نتغلب عليها قريبا.