باب الحارة .. مئة مسلسل عربي حاولت تطويقه وفشلت
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و شهرين
الإثنين 14 سبتمبر-أيلول 2009 01:23 م
 
 


من أين نبدأ الحديث عن أشهر عمل درامي عربي على مدى نصف قرن هو عمر الدراما العربية، من أين نبدأ الحديث عن المسلسل الأكثر متابعة في العالم العربي وفي المغتربات، من أين نبدأ الحديث عن المسلسل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس واحتارت القراءات حياله؟ فمن قائل أنه مؤشر على تأخر وتخلف الفنون العربية المقرون بتخلف الحياة العامة في العالم العربي إلى قائل إنه يرسخ ويدعم الذهنية الراكدة التي لا تعترف بتقدم وتطور الحياة الإنسانية، إلى من يعتبره أهم عمل عربي درامي دعا إلى إحياء القيم العربية والإسلامية النبيلة والصالحة لكل زمان ومكان.

من أين نبدأ الحديث عن المسلسل الذي يرى مخرجه بسام الملا أنه المعبر الحقيقي عن دمشق وعادات وتقاليد وأخلاق أهلها بينما يرى دمشقيون أنه ظلم أقدم مدينة على وجه الأرض عندما صدّرها إلى الخارج بهذه الصورة. نبدأ بالقول إن حوالي مئة مسلسل عربي ان تجت هذا العام لم تستطع أن تفعل شيئاً أمام هذا المسلسل ولم تستطع أن توقف طوفانه أو أن تطوّق تأثيره على المشاهدين العرب، وقد حاول مسلسل يعزف على منوال (باب الحارة) سرقة بعض مشاهديه ولكنه لم يستطع فعل الكثير على هذا الصعيد، ولكن الجزء الرابع لم يكن على مستوى الطموحات العريضة وإذا كان هذا المشروع قد فقد بريقه في الجزء الثالث فإنه فقد بعض ألقه في الجزء الرابع وشابه فتور واضح وكأن شرخاً كبيراً قد أصابه، ويبدو أن الخلافات الشهيرة بين الملا وبعض نجومه والتي انتهت بخروج بعضهم طواعية واستبعاد البعض قد ألقت بظلالها على المسلسل وقد تكرر سيناريو الجزء الثالث حيث فقد العمل بعض رصيده الشعبي إثر استبعداد الفنان عباس النوري لأسباب أقر وأعترف الملا أنها كانت استباقية وأنها لم تكن في محلها وجاء استبعاد الفنان سامر المصري لكي يفقد العمل رصيداً آخر رغم أن الأسباب التي ساقها المؤلف لاختفاء (أبو شهاب) تبدو أكثر منطقية من الطريقة التي أتبعت لإقناع المشاهدين بموت (أبو عصام) وقد حاول المؤلف كمال مرة والمخرج ب سام الملا شدّ انتباه المشاهدين وإدخالهم في (نفق) الإثارة منذ المشهد الأول وخاصة أنهما يعلمان أن ملايين العيون ستكون مفتوحة انتظاراً لإزاحة الستار وقد فوجئ المتابعون أن العمل أخذ مساراً آخر مسار له علاقة بما يجري من أحداث جسام في الوقت الراهن وخاصة ما يتعلق منها بما يحدث في غزة من حصار وتضييق، وقد أسقط المؤلف أحداث العمل على ما جرى وما زال يجري في غزة هاشم، وقد رحب العديدون بهذا التوجه الجديد للعمل بينما شعر آخرون أن مرة والملا قاما بعملية ليٍّ قاسية لرقبة العمل وإذا كانت النيات طيبة فإن ملاحظات عدة يمكن أن تساق حول هذا الإسقاط وخاصة ما يتعلق منها بالطريقة التي اختارها الملا لوصول المساعدات وخروج الثوار وعودتهم إلى حارة الضبع ألا وهي بئر (أم زكي) لقد بدت هذه الطريقة مضحكة ومتخلفة بعض الشيء وغير منطقية لأنها ببساطة غير واقعية فليس هناك بئر في العالم مفتوحة على قناة ري وليس هناك قناة ماء راكدة كما رأينا في العمل كما أن من المستحيل حفر أنفاق بهذه الطريقة في تلك الفترة الزمنية التي اختارها المؤلف وهي على الأرجح عقد الثلاثينيات من القرن الماضي.

ويبدو أن سيل المقالات والتحليلات التي نشرت في الصح افة العربية حول الطريقة التي تعامل بها المسلسل مع المرأة قد وجد سبيلاً اتجاه الملا فحاول قلب الطاولة وإجراء تغيير دراماتيكي على هذا الصعيد ولكنه لم يحسب حساباً للذاكرة التي ما زالت تحتفظ بتفاصيل الأجزاء السابقة بهذا الأمر وكأنه مفتعل ومقحم في السياق الدرامي العام للمشروع وبدت شخصية (أم جوزيف) مقطوعة عن شجرة المسلسل ووجودها قد يعطي رسائل معاكسة تماماً للتي أرادها مرة والملا وخاصة لمشاهدي العمل خارج سورية وأعتقد أن التأكيد على مسألة الوحدة الوطنية تحتاج لتناول أعمق ومدروس أكثر يحمل الكثير من التلميح والإيماء الموظف بأسلوب صحيح بعيداً عن المباشرة المغلفة بالشعار.

ولكن هذه الملاحظات وغيرها لا تلغي أبداً أهمية هذا العمل على الأقل لجهة قدرته الفائقة على الوصول إلى الشريحة الأكبر في العالم العربي وأعتقد أن الجمهور ما زال يكنُّ لهذا العمل محبة كبيرة رغم انخفاض جماهيريته في هذا الموسم والدليل أن الصحف العربية تحمل لنا كل يوم أنباء عن مدى تأثر المشاهدين العرب به وخاصة في الأراضي العربية المحتلة وأعتقد أنه خفف بعض الشيء من تأثير الأزمة والمحنة التي تأبى مفارقة أهلنا في قطاع غزة ويحسب المسلسل (باب الح ارة) أنه حاول أن يكون وفياً ومخلصاً تجاه القضايا الكبرى والمهمة وحاول أن يكون رافعاً لها ولسنا مع الذين يرون أن العمل تلطى وراء هذه القضايا لشعوره بالوهن والعجز والكثير من الهفوات التي وقع بها الكاتب والمخرج ليست شيئاً أمام الغاية والرسالة التي أرادها من وراء الجزء الرابع.

أعتقد أنه لو وضعت الأعمال الدرامية العربية التي أنتجت هذا العام في كفة ووضع (باب الحارة) في الكفة الأخرى لرجحت كفته. لقد أعطى الجمهور العربي لهذا المسلسل شرعية الاستمرار وخاصة أنه صمد أمام سيل جارف من الآراء التي حاولت إعاقته وفشلت. مسلسل (باب الحارة) مكسب مهم للدراما السورية لا يجوز المغامرة بجماهيريته وإذا كانت قد اهتزت بعض الشيء في الجزء الرابع فهذا أمر من المفروض أن يرتب على الملا مسؤولية إعادة الألق إليه في الجزء الخامس وقد يكون الحل في عودة الفنانين الذين خرجوا وأعتقد أن الجمهور العربي سوف يتقبل ويرحب بعودة الفنان عباس النوري والفنان سامر المصري والفنان نزار أبو حجر وهذا أمر يحتاج إلى تأن وترو من نوع خاص يفتح (باب الحارة) على أبواب أخرى أكثر

* الوطن