رباط المعاين (رباط الغيثي )..سحر المكان وذاكرة التأريخ المنسي
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 15 يوماً
الجمعة 28 سبتمبر-أيلول 2012 05:38 م
مأرب برس- خاص: استطلاع ــ محمد أبو راس

"السياحة، بوصفها أحد القطاعات الاقتصادية الكبرى في العالم، مهيأة بوجه خاص لتعزيز الاستدامة البيئية، والنمو الأخضر، وما نخوضه من نضال ضد تغير المناخ عبر علاقته بالطاقة "

الكلمات السابقة هي من رسالة الأمين العام بان-كي مون بمناسبة يوم السياحة العالمي والذي ستنطلق فعالياته صباح يوم غد الخميس 27 أيلول/سبتمبر 2012م.

وتعد السياحة اليوم في مقدمة الاهتمامات بالنسبة لبعض دول العالم كأحد الحلول الأكثر طموحا و ابتكارا واحد أهم التنمية المستدامة باعتبار السياحة هي الطاقة النظيفة والمخزون التاريخي والتراثي لتلك البلدان والعائد الاقتصادي الأخذ في الزيادة عام بعد عام بحسب التقديرات الاقتصادية العالمية.

وعموما إذا كان العالم المهتم بالسياحة والمستفيد منها كأحد أهم عوامل الدخل القومي , تضل السياحة في اليمن بعيدة كل البعد عن دائرة الاهتمام الرسمي على الرغم من امتلاك اليمن للعديد من المواقع السياحية والمنتجعات النادرة على مستوى العالم فكثير من الحضارات اليمنية القديمة تركت لنا إرثا تأريخي و إنساني مليء بالآثار القادرة على إبهار المهتمين بالسياحة وجلب السياح من جميع أنحاء العالم وما يدعو إلى الدهشة والتعجب والإمتاع لا ينطبق على الآثار والموروثات في ظل الدول القديمة فحسب بل امتد إلى العصور اللاحقة من عصر الإسلام والعصور الوسطى وما تلاها من عصور .

اليمن أغنى بلاد الله حضارة وآثاراً، لأنها تحتوي على معالم كثيرة أتقنتها أياد، وتفننت في صنعها، فدلت على عظمة وعمق وحكمة وإبداع، وكل ذلك يثبت للمتأمل أن هناك عراقة وأصالة تميز بها أجدادنا اليمنيين الذين شيدوا تلك الحضارات .

مأرب برس "وبمناسبة اليوم العالمي للسياحة تجول ميدانيا في عاصمة اليمن السياحية محافظة إب المعروف بـــ "اللواء الأخضر " في عدد من مناطقها السياحية ونرصد في هذا التقرير كنموذج من احدي مناطقها السياحية والغنية بالآثار المتكاملة , والطبيعة الساحرة, والجو النقي ,والتي تؤهلها لتكون منتجع سياحيا بامتياز وهي منطقة المعاين القريبة جدا من عاصمة المحافظة مدينة إب وتقع في الشمال الغربي منها والتي تبعد عنها قرابة كيلوا متر مربع فقط .

سحر المكان وذاكرة التأريخ المنسي

كلمة معاين جمع عينُ أو جمع معين وهي منبع الماء الطبيعي او الجوفي أو المكان الذي يخرج منه الماء وينبع من مكان منخفض عن العين وتم حجز الماء وتجميعه في هذه المنطقة بعمل نفق طويل من مادة القضاض والحجر لتسهيل استخدام الماء وعدم ضياعه وغوصه في الأرض ويوجد بها عدة معاين «عيون» وهذا هو سبب التسمية التي سميت به هذه القرية "شعب المعاين".

(شاهد الفيديو)

رباط الغيثي «رباط المعاين» كلمة رباط تعني في اللغة العربية ما يربط به وجمعه اربطه , ورباط الخيل مرابطها الخمس منها أو ما زاد عليه.

ولكي يطلق على شيء ماء رباط بحسب ما يذكره المؤرخون لا بد من توفر خمسة مرتكزات لهذا الرباط وهي :-

1. توفر الوقف الشرعي الكافي ليتعيش مجموعة من الناس منه .

2. المسجد مع ملحقاتها حمامات وبرك مياه وغيرها.

3. عيون الماء الجوفية .

4. المدرسة التي يتعلم بها الناس علوم الشريعة الإسلامية.

5. المزارعون الذين يعملون على الأرض الموقوفة .

وكل ما ذكر سابقا توفر مع زيادة الأرض الموقوفة التي تحوي واديا يزيد عن أكثر من عشر ألف لبنة زراعية في منطقة المعاين المعروفة حديثا وقديما بــ"رباط الغيثي " وهذا الرباط رغم أنه مازال يحتفظ بمآثره ومعالمه التاريخية وعاداته الطيبة الكثير منها مازال باقياً مثل المسجد القديم ،ومدرسة الرباط التاريخية وإن تم استحداثهما خلال الأعوام السابقة ،وعيون المياه الجوفية والحمامات الطبيعية التي تمر عبر أنفاق وسواقي تحت مستوى سطح الأرض بعدة أمتار ومبنية بأحجار هندسية والسواقي تحت سطح الأرض تمتد طولا لمسافات تقدر بآلاف الأمتار وتتفرع من منطقة في اعلي القرية وتصب في ثلاثة اتجاهات المسجد وساقية الماء لأهل القرية وأخرى تصب في السدود الذي كان المسافرين على طريق المعاين يتزودون منها بالماء للشرب والصلاة.

«وقد كتب عن رباط الغيثي القاضي محمد بن على الأكوع وقبله البريهي وقبلهما الهمداني مؤلف كتاب صفة جزيرة العرب».

  و أول من أسس هذا الرباط هو العالم اليمني الشهير محمد بن علي بن بشر الغيثي وأوقفه في نظر ذريته من الأولاد ولصالح الفقراء والمساكين وطلاب العلم والمسافرين وبحسب إفادة الشيخ جمال الغيثي أحد أحفاد العلامة الوقف والذي يحتفظ بالوقفية لديه وبالمخطوطات القديمة لهذا الرباط .

و تأسس هذا الرباط في القرن «5هـ » بحسب الوثائق التي يمتلكها أحفاد الغيثي وكتب المؤرخين.

وللتفصيل أكثر نورد هنا جزء من تلك المعالم التاريخية والسياحية كالتالي:

الإنفاق وعيون المياه الجوفية

تتميز منطقة المعاين بمجموعة من العيون الجوفية والإنفاق المعدنية والحمامات البخارية والتي تمر المياه من خلالها عبر أنفاق وسواقي تحت مستوى سطح الأرض بعدة أمتار ومبنية بأحجار هندسية مغلفة بمادة القضاض التي تتعمر لأزمنة طويلة تفوق مادة الاسمنت بأضعاف المرات مما يثير الاندهاش والعجب في كيفية تشكيل هذه الأحجار وتقطيعها وبناء تلك الإنفاق مع الغرف الهوائية التي تتوسطها فواصل بين مجموعة أمتار وأخرى على امتدادها والسواقي تحت سطح الأرض وتمتد لمسافات طويلة وتتفرع من منطقة تجمع المياه في اعلي القرية وتصب في ثلاثة أماكن وهي المسجد أخرى كساقيه ماء لأهل القرية والثالثة تصب في السدود الذي كان المسافرين على طريق المعاين يتزودون منها بالماء للشرب والصلاة. وتصب تلك العيون الجوفية كذالك في الوادي الذي يشتهر بالخضرة والجو البديع ويصل هذا الماء إلى وادي السحول .

وتلك الأحجار الهندسية التي ميزت تلك السواقي والإنفاق موجودة حتى يومنا .

جامع رباط الغيثي

الجامع الذي كان يحتوي على ثلاث قباب تبقي منه واحدة فقط وتعد من القباب النادرة على مستوى الجمهورية اليمنية وقبتان تم إزالتها في الثمانينيات من قبل مجموعة محسوبة على تيار ديني متشدد بحجة أنها تستخدم كشركيات وتظليل الناس بدينهم الإسلامي وقامت ببناء المسجد من جديد وأزالت أجزاء أثريه من المدرسة الملحقة بالمسجد وبعض المعالم الذي كان يتميز به المسجد ومع هذا تم الاحتفاظ بإحدى تلك القباب المذكورة سابقا والتي تعتلي المسجد القديم و تتميز ببناء هندسي معماري عجيب وأحجارها التي بنيت بها ملونة تم تجميعها من كل المحافظات اليمنية وفق بناء معماري هندسي حضاري اختتم بناء تلك القبة من الداخل بقطعة خشبية من مادة "الطنب" ومغطاة من الخارج بمبادة القضاض .

والجدير ذكره ان الجامع القديم صغير نسبيا الذي تعتليه تلك القبة وهو مغلق بواسطة باب قديم يفتح باستخدام مفتاح حديدي وطوله تقريبا 20سم ورأسه يشبه المفك القديم و يعد من المفاتيح النادرة وما زال محفوظ حتى الآن .

ويحتوي الجامع على مجموعة من الملحقات بالإضافة إلى القبة المتواجدة حاليا والتي بنيت قبل حوالي 150 عاماً ومن تلك الملحقات بالمسجد:

 بركة الشفاء

بركة الشفاء تقع غرب المسجد كامتداد لبركة المسجد الكبيرة ويصب فيها الماء الذي يأتي من الجبل في الجهة الشمالية للمسجد عبر النفق المائي والذي يسمى «المجن» وكان الناس يقومون بالاغتسال في هذه البركة بنية الشفاء لسنوات طويلة وما زال بعض الناس القدامى يستشفون بمائها حتى اللحظة , وهي بركة مدورة ومقضبة بعمق متر ونصف وإلى جانبها حوضان جميلان يصب فيهما الماء الزائد عن حجم بركة الشفاء ثم يخرج إلى البركة الكبيرة ومنها ينفذ إلى أراضٍ زراعية في وادي المعاين (وادي الغيثي سابقا)على مدار السنة دون أن ينقطع الماء ويصب الماء الفائض في وادي السحول .

 البركة الكبيرة وهي بركه المياه ذات النقوش والكتابات التي تعود لعصور قديمة من الزمن وتحتوي على الماء النقي وتعد بالإضافة إلى كونها تابعة للمسجد مسبحا لأبناء القرية ولطلاب مدرسة الرباط وللزوار ويتم تغير الماء بداخلها يوميا ويوجد عامل يتولى هذا المهام يدفع له من حساب الوقف من قبل أحفاد العلامة الغيثي

الحمامات القديمة التابعة للمسجد

من حسن الحض انه ما زالت الحمامات القديمة للمسجد باقية حتى اليوم ولم يجري عليها أي تعديل او تدمير لبعدها نسبيا عن المسجد واستحداث حمامات جديدة للمسجد بجواره دون المساس بالحمامات القديمة التي بنية بطريقة هندسية يظهر عليها القباب الصغيره وشكل معماري بعقود فريدة ما يزال بريقها التأريخي ضاهرا للعيان 

ضريح العلامة جمال الدين محمد بن علي بن بشر الغيثي

يوجد بجوار المسجد ضريح العلامة جمال الدين محمد بن على بن بشر الغيثي والذي توفي سنة ( 690هـ ) ومكان ظريحه وسط غرفة مغلقة وخاصة به وقد دفن في ذالك المكان بناءا على وصية أوصي بها قبل وفاته .

وتوجد على فسحة (صرحة) المسجد الخارجية أثار لأضرحة أخرى تاريخية .

مدرسة رباط المعاين

وتعد من اهم المدارس العلمية التأرخية في اليمن واهم المعاقل والهجر تخرج من هذه المدرسة العديد من الشخصيات مثل الماضي العلامة محمد بن علي الأكوع صاحب كتاب «هجر المعلم ومعاقله في اليمن» الذي تحدث في هذا الكتاب عن أهم الهجر والمعاقل والمدارس العلمية التاريخية وذكر منها رباط المعاين والقاضي العلامة أحمد بن أحمد بن الغيثي،والأستاذ محمد علي الكينعي والدكتور نجيب الكينعي والأستاذ الشاعر عيسى العزب والكثيرون غيرهم.

وما زالت المدرسة تؤتي ثمارها في التعليم حتى اليوم وتحتفظ ببعض النقوش والآثار التاريخية القديمة الا انه أعيد ترميمها أكثر من مره وكان أخر إعادة ترميم لها قد طمس الكثير من معالمها التاريخية , ويدرس فيها ألان طلاب المرحلة الابتدائية من أهالي قرية المعاين وما جاورها .

أبار المياه - وادي المعاين

كان يوجد في المعاين الكثير من الآبار وقد انتهت بعضها بسبب الإهمال من قبل السلطات المحلية بمحافظة إب والجهل بأهميتها من أهالي المنطقة الذي أدى إلى اندثارها والبعض بسبب الزحف العمراني واحد من تلك الآبار ما زال موجودا إلى اليوم في اعلي القرية ولكن مهمل وغير مستخدم لتوفر مشروع مياه من تلك العيون الجوفية يستفيد منه أهالي المنطقة .

وادي المعاين(وادي الغيثي سابقا) ويمتاز الوادي بتوفر مكان مخصص للمشاة يلتف على الوادي بكامله على شكل دائرة يزيد طولها عن 2 كيلو متر وفيها أماكن صالحة للجلوس والراحة والترفيه .

وكذالك يمتاز بسعته واخضرار الأرض وزراعة الذرة ألمثمره والخضرة التي تسر الناظرين.

قرب الوادي ورباط المعاين بشكل عام من مدينة إب ويطل عليه فندق إب جاردن وفندق برج باريس والتي تتوفر فيها خدمات للسياح والزائرين .

وهذا الوادي تم تسويره عام 2000م برعاية المحافظ عبد القادر هلال انذاك و نص الاتفاق الذي حصل( مأرب برس ) نسخه منه على إستئجار الأرض من الجهة المختصة ودفع المأذونية اللازمة للوقف ومراضاة واضعي اليد(المستأجرين) بمستحقاتهم بسعر الزمان والمكان عند إقامة أي مرفق داخل الأرض، ومراضاة واضعي اليد من ورثة الواقف بمستحقاتهم بصورة خاصة ،والمحافظة على الرقعة الزراعية وعدم منع المزارعين في الوادي من زراعته والإبقاء على الزراعة كما هي. و مع الالتزام بتوجيه من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وذلك بالحفاظ عليه واستخدامه في الزراعة كما هو، دون الإضرار بالزراعة والمزارعين وخاصة من هم من ورثة أبناء صاحب الوقف العالم/ محمد بن علي بن بشر الغيثي .

وتعد الأرض المسورة صالحة للاستثمار السياحي وبأسعار زهيدة بحسب ما يفيد أصحاب الحق أحفاد العلامة الغيثي واستعدادهم لتقديم تسهيلات بالتعاون مع السلطات المحلية ووزارة الأوقاف والسياحة.

تنويه أخير التقرير السابق يعد استطلاعا صحفيا ورباط المعاين وواديها وأرضها وكنزها التراثي والتاريخي يحتاج لدراسة علمية وبحثية متكاملة ويعد الاستشهاد ببعض الأرقام التاريخية الو راده في الاستطلاع مجرد استشهاد عابرا ومتروك للسلطات اليمنية ومراكز بحوثها ووزارتي الأوقاف والسياحة والثقافة مهمة تلك الدراسات والبحوث, ودراسة الجدوى الاقتصادية ,والاستثمار في هذا المجال الحيوي والمهم ويكفي هدره ردحا من الزمن من قبل تلك الجهات المعنية به قبل غيرها .