حصانة أم تصريح مفتوح بالقتل
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و يوم واحد
السبت 29 أكتوبر-تشرين الأول 2011 03:37 م

مازال الرئيس علي عبدالله صالح يمسك بالقوات العسكرية الأكثر عُدة وعتاداً في اليمن, هي ليست الأقوى لكنها الأكثر قدرة من غيرها على الحركة، فهي تحتفظ بمنافذ بحرية، وجوية، وبرية ، ولديها علاقات دولية مفتوحة وكلها عوامل تفوّق تساعد على الحصول على إمداداتها من التسليح والدعم بالمقارنة مع القوة العسكرية المعارضة المختبئ جُلها حالياً داخل الأحياء السكنية!!!؟

الحقيقة الساطعة تؤكد أن الرئيس علي عبدالله صالح لا يستطيع أن يحسم الأزمة الحالية بالقوة العسكرية وأكثر من تجربة أثبتت هذا، فمواجهات قوات الرئيس بصعدة، والحصبة، وكنتاكي، وهائل، وأبين، والضالع، وشبوة، والجوف، وأرحب، ونهم، تتوقف بالتلفون وليس بالحسم كما يعرف الجميع، رغم أنها واجهت بالغالب ميليشيات قبلية غير منظمة ولا مدربة ولا مؤهلة للحرب......

حتى اللعبة القذرة التي تلعبها الصين وروسيا اللتان تبيعا صوتيهما بمجلس الأمن بمزاد خاص مقابل عقد صفقات أسلحة ضخمة للأنظمة المهددة بالزوال كما جرى بليبيا وسوريا لن تجدي مع خصوصية الشأن اليمني التي تعج وتتلون ساحاته بقطع سلاح وجغرافيا معقدة لا تستطيع الصين ولا روسيا أن تصدر ما يكسر شوكتها أو يتغلب عليها حتى لو مدت جسر جوي مفتوح لأجل هذا.

إن المخرج الوحيد للرئيس ليست الحرب الأهلية التي يحذر منها ويهدد بها في حين ترفضها المعارضة وتؤكد أن اليمن لن تنجر إليها، في مفارقة غريبة تعكس تخلف النظام اليمني وميوله للعنف والترهيب؛ هي مفارقة غريبة لأن الأصل أن يسعى رئيس الدولة ورموز نظامه إلى تطمين الشعب والتأكيد على أن الجيش والأمن سيدافع عن الوطن من أي مواجهات مهما كانت، ويمنع عن البلد المخاطر وأولها الحرب الأهلية؛ في حين أن موقف المعارضة وخطابها الاعتيادي يجب أن يتحدث عن احتمالية حرب مثل هذه في ظل نظام فاشل لم يستطع أن يحمي رئيسه!! لا أن يحدث العكس كما هو الحاصل الآن!!؟

المخرج الوحيد الآمـن للرئيس ونظامه هو الحل السياسي؛ وهو أي الرئيس وفق المشاهد الواضحة المتناثرة في أكثر من مكان في اليمن أكثر من يعرف هذا بكل تأكيد، إن كان تمسك الرئيس بالسلطة طبيعي بمقياس الفطرة البشرية الميالة للسلطة، والثروة، والقوة، والسيطرة، والنفوذ، لكنه يبقى تمسك مجنون ومتهور بمقياس رجاحة العقل، والخبرة العميقة المستندة على التجارب والمعرفة التي يجب أن يتصف بها رئيس دولة (عاقل) يقود وطن ساخن منئذ 33 سنة.

ليست الثورة الاحتجاجية على نظام علي عبدالله صالح محصورة داخل فريق أعدائه الذين صنعت سياسته القاصرة نفوذهم، وثروتهم، وسطوتهم، هذا النفوذ والسطوة والثروة التي يواجهها الأن في معارك استنزاف هنا وهناك، وإذا كان خصوم الرئيس هؤلاء هم من يظهر على الواجهة في هذه الانتفاضة، فهذا لا يخفي حقيقة أن هؤلاء ليسوا إلا وسيلة لدفع الثورة الشعبية للأمام أما الواقع الملموس فالشعب كل الشعب هو الذي ينتفض ضد نظام علي عبدالله صالح، إن الشعب وطليعته المثقفة بثورتهم السلمية المستقلة بالذات هي التي استطاعت أن تفكك نظام الرئيس، وتحوله من نظام فاشل إلى مجرد مجموعة جنرالات يجتمعون مساءاً في غـُرف محصنة يخططون كيف يسيرون وينقلون ميليشات مسلحة وفرق عسكرية داخل العاصمة وخارجها لمواجهة المسلحين من القبائل والقوات المنشقة ولقمع سلمية ثورة الشعب.

نظام الرئيس علي عبدالله صالح لم يعد قادراً على الوفاء بالتزاماته تجاه الوطن والمواطن كنظام دولة وحكم لا في جعل الحياة تسير بصورة اعتيادية ولا في توفير احتياجات المواطن الأساسية وحمايته، وهذا يعني باختصار أن نظام الرئيس صالح أنهار تماماً عل الأقل من الناحية النظرية، وبالتالي فعندما يعجز النظام عن حماية المواطن وتوفير حاجياته الأساسية، يكون المواطن بالمقابل غير مٌلزماً بالسمع والطاعة لمجموعة فقدوا أبسط مقومات الشرعية، الشرعية في مفهومها الذي يستند عملياً على ما تقدّمه الدولة للمواطن من حماية وحياة كريمة وليس على ما تقدمه قناة سباء وصحيفة الثورة من مفهوم رخيص لمعنى كيف تكون الشرعية!!! وتأسيساً على ذلك يكون العقد الاجتماعي بين الدولة والحاكم قد انفرط فأصبح المواطن في حل من أمره وله أن يبحث عن مخلص جديد يحكم ليخدم الشعب ويوفر له الأمن والأمان وأبسط مقومات العيش الكريم!!!

إذا أراد الرئيس أن يخرج من الأزمة منتصراً فليس له إلا أن يفكر جدياً بنقل السلطة شعبياً لمن يثق بهم مع بقية عائلته التي حكمت البلاد منئذ 33 سنة، ويشترط لهذا توافر شيئ من الحظ، الحظ الذي بقى ملازماً للرئيس طوال فترة حكمة حتى وهو يواجه قنبلة زرعت تحت رأسه كانت كافية أن تقضي على قطيع من الفيل السيبيرية الضخمة!!!!؟

لا يُمكن أن نقول أن الرئيس لم يعد يمتلك مؤيدون في الشارع، لكن يجب أن نفرق بين الرئيس كشخص وكنظام؛ الرئيس كشخص مازال الأكثر شعبية على المستوى الشخصي باليمن مقارنة مع خصومة الآخرين في الطرف الأخر، فالرجل وهو يحكم كان يجزل العطايا، وينفق على أنصاره ومؤيدوه من خزينة الدولة ببذخ وإسراف، في حين انشغل وقتها حلفائه بالأمس أعدائه اليوم بالجباية، ونهب أموال البلاد والعباد، واستقطاع أراضي الوطن بالبحر والبر، والبحث عن أقصر الطرق لتضخيم ثرواتهم حتى ولو كانت على أشلاء الدستور والقانون والمواطن والوطن، لكن الرجل كنظام لم يعد مقبولاً عند كل المواطنين؛ حتى عند إناس كانوا إلى ما قبل عودته المشؤومة الأخيرة من أشد المناصرين له أو من المتعاطفين معه، لذلك على الرئيس أن يستغل ما تبقى له من حظ وينقذ البلاد من هذه الفتنة التي دفع بالجميع وبالمقدمه هو نفسه وعائلته الحاكمة إلى إتونها ونارها بفعل سياساته الخاطئة، ونهجه الأناني الجاهل الذي دار به الدولة طوال فترة حكمة وبالخصوص العشر السنوات الأخيرة التي كانت سيئة وتدميرية وتخريبية بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى ووصف.

مثل الرئيس علي عبدالله صالح وبعد سفك كل هذه الدماء يبقى نصحه بمثل اتق الله في شعبك، واتق الله في نفسك، ضرب من السخافة ولون فاقع للبلادة، لو كان الرئيس يفكر بالآخرة وبالحساب والعقاب الإلهي ثانية واحدة لكان ترك استقالته أمام أصغر ضابط في جوازات مطار صنعاء وهو يغادر البلاد بعد حادثة مقتل عديد من أبناء شعبه ووطنه في جمعة الكرامة التي مازالت دمائهم ودماء من سُفكت بعدهم مُعلقة بذمته، لكن ككل الحُكـّام الذين جاؤا من بين ركام المدرعات، وحطام الدبابات يفضل الرئيس التعامل مع الفتنة بعقلية العسكر، فالقوة، والعنف هي الخيار الحاسم للخروج من زنقات الأحداث؛ وحتى لو كان هذا الخيار يجر البلاد إلى فتنة تأكل الأخضر واليابس وتسفك الدم وتهدم الدور!!!؟

من وجهة نظر قانونية بحتة فإن مسؤولية الرئيس عن ما وصل إليه حال الشعب والوطن اليوم كبيرة؛ فهو المسؤول الأول بصفته وشخصه عن كل ما يجري ويحدث من قتل، ودمار، وهدم بيوت، وتهجير عوائل من منازلها، وتوقف عجلة الحياة، وعليه أن يدرك جيداً أن لاحصانة لأحد أمام ما يحدث الآن من سفك دماء، وهدم أحياء سكنية، وضرب عزل ريفية بدبابات ومدرعات ومدافع الجيش، فلكونها سلاح الجيش هي بالأصل أدوات قتال و استخدامها بالتالي لا يكون إلا للقتل؛ وهذا وحده وفق مفهوم القانون الدولي يمثل في حقيقته قرينة تصل إلى درجة الدليل القاطع على توافر نية القتل العمد عند من يستخدم هذا السلاح أو يأمر باستخدامه!!؟

للأسف مبادرة دول الخليج بهذا الشكل ليست سوى عباره عن تصريح مفتوح بالقتل، لذلك على الرئيس أن لا يركن إلى حصانه يمنحها له شركائة بالمعارضة، فهم لا يُمثلون شرعاً الشعب حتى يوقعون معه اتفاقية تتضمن في بنودها حصانة له من المحاكمة أو لأبنائه، فهؤلاء لا يحق لهم قانوناً عقد صفقات من مثل هذا النوع والحجم، وليسوا أولياء دم بالمنظور الشرعي الجنائي الإسلامي ليصفحوا ويعفوا؛ ومن هذا المنظور الشرعي والقانوني فالشعب والوطن غير مُلزم بأي اتفاق من شانه يمنح الرئيس أو أي مسؤول أخر في الحكم أو المعارضة حصانة تمنع محاكمته ومحاسبته على ما أقترفه من جرائم في حق الشعب؛ فالشعب يمثل نفسه ويجب لشرعنة مثل هذه الاتفاقيات الحساسة أن تخضع لاستفتاء شعبي بعيداً عن الصفقات المشبوهة التي توضع لغرض تبادل السلطة مُقابل الخروج الأمن يوقـّع عليها بغرف مغلقة قتلة وسفاكوا دماء اختلفوا اليوم بينما كانوا بالأمس شركاء..!!! كما أن مثل هذه الحصانات مرفوضة وفق الشرعية والشرعة الدولية، وهذا ما نبهّت له مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مؤخراً عندما طالبت بعدم منح رموز نظام الرئيس صالح أو غيرهم أي حصانة في أي اتفاق سياسي يوقـّع بين أطراف الأزمة اليمنية، كما ان قرار مجلس الأمن رقم (2014/2011) كذلك حرص على الإشارة إلى ضرورة تقديم المسؤولين غن أعمال القتل إلى المسائلة على الرغم أنه حث الرئيس أو من يفوضه على سرعة التوقيع على المبادرة الخليجية رغم تضمنها بند يمنع محاكمة الرئيس أو اعوانه بعد انتقال السلطة، وهو مايعني أن مجلس الأمن لم يلتفت لهذا البند أو أنه لا يجده مُلزماً!!!؟

الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن هرولة وسعي وإلحاح المعارضة على الرئيس لتوقيع اتفاق يضمن حصانة ما له ولأعوانه هرولة ليس لصالح الوطن، أو لطمئنة الرئيس لدفعة إلى إخراج البلاد من الفتنة، أو ماشابه، إن مثل هذه الحصانة وفق اعتقاد هؤلاء الذي لا يظهرونه يمكن أن تشملهم أيضاً، يُمكن معرفة هذا الاعتقاد بسهولة، فسر تمسكهم وإصرارهم على تضمين مبادرة دول الخليج لهذا البند يؤكد أن وراء الإصرار والإلحاح ما وراءه؛ فالقانون الذي سيرتب تفاصيل هذه الحصانة لن يحدد أسماء معيّنة بل سيكون شاملاً لجرائم حدثت خلال فترة زمنية ما قبل التوقيع على هذا الاتفاق، وهذا يعني أن رموز المعارضة وهم يلحون على إنجاز اتفاق ما يتضمن بنود تحظر قانوناً محاكمة مسؤولون عن جرائم ارتكبوها؛ يهدفون كذلك لضمان عدم محاكمتهم على جرائم كانوا وقت ارتكابها شـُركاء للرئيس وجزء من نظامه إن لم يكونوا هم المنفذون المباشرون لها في حينه!!؟

إن الشعب اليمني وقع للأسف بين كماشتي قتلة ومجرمون امتصوا دمائه ولما لم يتبق من هذه الدماء شيئ سارعوا إلى أكل العظم لكنهم لما وجدوها عظماً ناشفاً حاداً اختلفوا قاتلهم الله جميعاً، هذا واقع أليم كشفته الأحداث، وعلى الشعب لا سيما طليعته الواعية المنطلقة الحرة، وشبابه المنتفض الثائر المستقل؛ أن يعي ويدرك عمق هذه المؤامرة الخبيثة للقتلة واللصوص، فعندما يمنح بعض القتلة قتلة آخرون حصانة من المسائلة عن جرائم ارتكبت في حق شعب طيلة33سنة هذا يعني أن هؤلاء قرروا بتضامن ومساهمة ومسؤولية مشتركة إعدام وعي الشعب للاستئثار بالسلطة والمال بصورة جديدة.....

* باحث في السياسة الجنائية والقانون الجنائي الدولي.....

  khaledalj@hotmail.com