شفيع العبد يسرد تفاصيل (33) يوماً من الاعتقال
بقلم/ كاتب/علي الغليسي
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 14 يوماً
الأحد 31 يناير-كانون الثاني 2010 05:59 م

الزميل/شفيع العبد حراً طليقاً بعد ثلاثة وثلاثين يوماً من الاعتقال في سجون عدن، لن نهنئه هنا على خروجه من السجن ، لكننا نزف إليه أعذب التبريكات لنجاحه في حشر سجانيه في زاوية ضيقة من المعتقل وإحكامه إغلاق الأبواب عليهم بعد المغادرة.

هاتفت شفيع فور خروجه مساء الأربعاء الماضي ، فوجدت معنوياته عالية جداً ، رسمت في خيالي صورة ذلك الشاب الذي لا تغيب البسمة من على وجهه . . هادئ الطبع ، قليل الكلام، صادق العاطفة، الواثق بنفسه وبمبادئه الذي تشعر معه بروح التحدي والإرادة القوية ، وخلال تلك المكالمة حصلت منه على (أول حوار صحفي بعد ساعات من الإفراج) ولأنه (الحدث) كان إسهابي في الحديث معه ينبع من إدراكي لأهمية توثيق أقوال الشخصيات التي تساهم في تأصيل الحرية كحدث وجودي لا مجرد صورة أو حكاية .

يقول شفيع لـ(الديار) في مطلع الحوار : الحرية غالية جداً ، لكن الفترة التي أمضيتها بين جدران السجن أضافت الكثير إلى رصيدي ، وبالرغم من المعاناة التي مريت بها داخل المعتقل كونها المرة الأولى ، لكن فائدتها كانت كبيرة ، وقد اعتبرت نفسي في مهمة صحفية خرجت منها بكم وافر من المواد والانطباعات .

الحديث مع صحفي وناشط حقوقي وسياسي خرج للتو من الزنزانة ، له نكهة خاصة مبعثها روح الحماسة والصدق ..ومن ذاكرته الحية النابضة التي لم يعطبها شهر ونيف من تقييد الحرية ، استرسل (شفيع) في سرد الإجابات ، كما لو أنه يحاول تجنب مشكلة ازدحامها في الذاكرة ... كنت اشعر في داخلي بظلال كثيفة من الحزن والألم على تقصيري تجاه (أبو محمد) وأنا استمع إليه يشرح لحظات الاعتقال وتفاصيل المعاناة في السجن التي أعقبت اختطافه وأربعه آخرين من قبل الأمن عند نقطة دار سعد بطريقة استفزازية في 26/ديسمبر/2009م مؤكداً أنه (اختطاف) كونه تم بدون مسوغ قانوني أو إذن من النيابة،ويضيف:أمضيت في المعتقل ثلاثة وثلاثين يوماً ، قضيت منها تسعة وعشرين يوماً ونصف اليوم في سجن البحث الجنائي ، وباقي الأيام في سجن المنصورة حتى تم الإفراج عني في السابع والعشرين من يناير، وفي الليلة الأولى من دخول سجن البحث الجنائي افترشنا الأرض والتحفنا السماء لعدم وجود (فراش)،وطيلة الثلاثة الأيام التي أعقبتها منعنا من الاتصال بأسرنا وحرمنا من الزيارات التي ظلت محدودة خلال بقية الأيام ،يؤكد عدم تعرضه لأي تعذيب جسدي ،لكنه كشف عن وجود العديد من المضايقات التي طالت المعتقلين.

يشير شفيع وهو يتحدث عن الأيام التي قضاها في السجن:(كنا ممنوعين من كل شيء، حتى قراءة الصحف التي تأتي ضمن المحرمات في الزنزانة ، غير أني تمكنت من قراءة أحد أعداد صحيفة النداء بعد أن حصلت عليه عن طريق التهريب ، يضاف إلى ذلك العدد هناك مرتين قرأت فيهما صحيفة أخبار اليوم ، مع قراءة عدد لكل من الرياضة والطريق.

يبدو أن السلطة لا تعدم وسيلة لسوق الاتهامات واختلاق مبررات لاعتقالاتها الغير قانونية ، فالصحفي الشبواني المثابر والمتوثب بمهنيته، القلم الذي انحاز للبسطاء وعمل على تعرية أوكار الفساد، والشاب صاحب الكاريزما القيادية والحضور الشعبي الذي منحه عضوية المجلس المحلي لمحافظة شبوة ، والناشط الذي التحق بركب النضال السلمي ولم يتخلف عنه حتى في ظل أحلك الظروف وأصعب المواقف... يتعرض للاعتقال بتهمة المساس بالوحدة وجملة من الاتهامات التي أطالت أمد البقاء خلف القضبان .. وقد أشار إليها شفيع بقوله : "للأسف إنهم يدعون حماية القانون ، وان كل تلك الإجراءات من أجل القانون، بالرغم أن كل ما حدث كان خارج إطار القانون ، فإحالتنا إلى النيابة لم تتم إلا بعد (24) يوماً من الاختطاف والقانون ينص على أن تتم الإحالة بعد (24) ساعة ، كما أن هناك انتهاك لحقوق المعتقلين ، حيث لم يتم السماح لنا بمقابلة المحامين ، الذين لم نلتقيهم سوى في مكتب النيابة العامة أثناء مثولنا للتحقيق... فأي قانون يريدون من الآخرين احترامه؟!"

وقال أيضاً: "الاتهامات التي وجهت لي كانت (المساس بأمن الدولة ، المساس بالوحدة واستقلال الجمهورية) ، وقد تم التركيز خلال التحقيقات التي خضعت لها مساء الليلة الثانية من الاعتقال وفجر اليوم الثالث داخل البحث الجنائي على عدد من الأسئلة حول ذهابي إلى الحبيلين ، وماذا كنت أعمل هناك ، وما هي علاقتي ببعض قيادات الحراك ؟ وعلاقتي بالشباب والطلاب وما تم العثور عليه من وثائق مع بعض المعتقلين؟! على ان أهم سؤالين وجهتهما النيابة ، السؤال الأول: لماذا تم اعتقالك ؟فكانت إجابتي: هذا السؤال الذي لا زلت أبحث له عن إجابة منذ لحظة إختطافي.. والسؤال الآخر: ماذا كنت تعمل في الحبيلين؟فأجبت بالقول: لو وجه سؤال لكل مواطن لماذا أنت هنا؟.. فمعنى هذا إعلان حالة طوارىء في البلد".

ويواصل شفيع موضحاً : "النيابة العامة طلبت تمديد الحبس ، ولكن رئيس المحكمة الجزائية القاضي / محمد الأبيض رفض التمديد بالنسبة لي واثنين آخرين لعدم وجود الأدلة ولهذا تم الإفراج عني بضمانة ، علماً بأن عضو النيابة الذي حقق معي بعد مضي أربعة وعشرين يوماً على وجودنا بين جدران سجن البحث ، حرر مذكرة لي شخصياً تتضمن الإفراج عني بضمانة تجارية لعدم توافر الأدلة ضدي ، إلا إن وكيل النيابة ورئيس النيابة الجزائية حال رفضهما دون الإفراج ، وينوه العبد إلى أنه في حالة رفع القضية أمام المحكمة وورود اسمي ضمن قائمة الاتهام مجدداً، فإن ذلك يعني المثول أمام المحكمة وحضور كافة الجلسات".

يصعب على المرء أحياناً الكتابة عن شخص يمثل جيل عرف كيف يكتشف نفسه وجغرافيا وجوده ... لا نعرف بالضبط لماذا يزداد ألقاً؟ ولم صرنا نحبه أكثر من السابق ؟ وبالرغم من اعترافنا بالتقصير تجاهه.. إلا إن (شفيع العبد) استعار مقولة محمود درويش (انقذونا من هذا الحب القاسي) ووجهها إلى كافة الزملاء والناشطين ومنظمات المجتمع المدني وكل من سأل عنه أو تضامن معه، وقال (ستبقى مواقفكم تجاه نقوشاً فرعونية محفورة في جدار الذاكرة) ، غير أنه في رده على سؤال خاص حول موقف السلطة المحلية بمحافظة شبوة كونه عضواً في مجلسها المحلي..أكد أنه لم يكن ينتظر منهم موقف في أي لحظة منذ أدائه اليمين القانونية داخل المجلس، كونهم أضعف من أن يتخذوا الموقف لانشغالهم بمصالحهم وترتيب أمورهم وأمور أبنائهم.

بالطبع .. كانت الجرأة والشجاعة في الطرح هي السمة البارزة في ردود أبو محمد، الذي أبى إلا أن يترك بصمته في سجل المجد والخلود، واعتقد أنه لا يزال يملك صراحة يمنية حاقدة على كل شيء بشع ، بالإضافة إلى معنويات ستمكنه من الاستمرار في تحدي الواقع ، وفي الوقت الذي دعا شفيع السلطة إلى الكف عن ملاحقة أصحاب الرأي ودعاة النضال السلمي ، اختتم الحوار بتأكيده على مواصلة النضال قائلاً ( لن تثنينا المعتقلات عن السير قدماً باتجاه القضايا التي نؤمن بها).