كيف اصبح أبناء مأرب اليمنية مرشدي سياح؟
بقلم/ اذاعة دويتشي فيللي الالمانية
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 9 أيام
الإثنين 15 يناير-كانون الثاني 2007 07:16 ص

 بقلم سوزانه شبورَّر -ترجمة رائد الباش

بثت اذاعة دويتشي فيللي الالمانية تقريرا عن مأرب وعن الدور الألماني في دعم بعض المشاريع فيها حيث قالت لأذاعه " يتمّ في مدينة مأرب اليمنية تدريب بعض من أبناء القبائل كمرشدين سياحيين للمواقع الأثرية بمساعدة تنموية مالية ألمانية. مؤسسة جي تي تزيت تأمل ان يسهم المشروع في معالجة النزاعات بين القبائل من خلال تنمية الاقتصاد والتشغيل.

لا توجد لبنادق الكلاشنكوف حاجة أثناء الدرس. يدخل الطلاّب الواحد تلو الآخر غرفة الصف المصبوغة بلون أصفر وقبل أن يلقوا التحية على المعلِّم، يتناولون أسلحتهم عن أكتافهم ويركنونها في زاوية الغرفة بالقرب من النافذة. لكن جنبيّاتهم (خناجرهم ذات النصل المعقوف) التي ترمز لدى كلّ يمني إلى الرجولة تبقى مشدودة حول أوساطهم. دروس اللغة الإنكليزية في مدينة مأرب، تلك المدينة اليمنية القبائلية التي تُذكر
مرارًا وتكرارًا في عناوين الصحف بسبب عمليات خطف السياح الأوروبيين. يعلن المعلِّم الإيرلندي ريتشارد بوغّس عن موضوع الدرس قائلاً: "صيغة الماضي في الأفعال السليمة والأفعال الشاذة". وهكذا يصبح الشباب الذين دخلوا لتوِّهم غرفة الصف كمحاربي قبائل طلاّبًا كلَّهم أذن صاغية، يبذلون كلَّ ما في وسعهم من أجل تصريف الأفعال بصيغة سليمة. يشكِّل درس اللّغة الإنكليزية المرحلة الأخيرة من مشروع يتم فيه بمساعدة تنموية مالية ألمانية تدريب بعض من أبناء القبائل كمرشدين سياحيين للمواقع الأثرية الموجودة في وطنهم. يُطلق على هذا المشروع الذي يقام بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون التقني
GTZ اسم: "معالجة النزاعات من خلال تنمية الاقتصاد والتشغيل". ترمي فكرة هذا المشروع إلى خلق الوعي لدى الشباب بإرثهم الحضاري من خلال هذه الدورة التدريبية وإتاحة الفرصة لهم لكسب المال عن طريق العمل بالسياحة.

"بلاد العرب السعيدة"

كانت مأرب التي تقع على بعد ثلاث ساعات بالسيارة إلى الشرق من العاصمة اليمنية صنعاء عاصمة مملكة سبأ، التي شهدت حضارة رفيعة والتي كانت تسيطر في القرن الثامن قبل الميلاد على تجارة البخور عبر الصحراء.

يروي الإنجيل والقرآن قصّة الملكة بلقيس الحكيمة التي حكمت سبأ. اشتهر السبئيون بثرواتهم وأبّهتهم الأسطورية، إذ أطلق الرومان على مملكة سبأ التي كانوا ينظرون إليها نظرةً ملؤها الغيرة والحسد اسم "بلاد العرب السعيدة".

أمَّا اليوم فتسيطر على مأرب قبائل متنافسة، تدخل مع بعضها بين الحين والآخر في نزاعات دموية على الأرض والسلطة. حيث لم يبقَ هناك أي شيء بعد من السعادة والرفاه السابقين.

يقول عالم الآثار هولغر هيتغن وهو أحد المبادرين في هذا المشروع: "تتيح المواقع الأثرية الموجودة هنا ثروةً يعجز المرء عن وصفها، لكنها لا تُستغل حتَّى الآن". فحتَّى الآن يقوم مرشدون من مناطق أخرى غير مطَّلعين جيدًا على المنطقة بمرافقة السياح عبر مواقع الحفريات الأثرية؛ حيث يدرّ العمل في السياحة المال على وكالات للسياحة والسفر من الخارج أو من العاصمة، في حين يخرج أبناء المنطقة من هذا العمل صفر اليدين. مثل الشاب عبد الله الغويبي؛ تقع المزرعة الخاصة بعائلته بالقرب من أطلال مأرب القديمة، حيث تقع العاصمة القديمة تحت طبقة من الأنقاض. وعبد الله الغويبي يتقن زراعة البرتقال والطماطم، لكنه لم يكن يعرف حتى فترة قصيرة إلاَّ القليل عن السبئيين وعن معبدهم الرائع ذي الأعمدة والسدّ الذي شيَّدوه بمهارة، اللذان بحث عنهما علماء آثار عالميون طيلة عقود وكشفوا عنهما.

التعامل مع الأجانب

لكن فيما بعد اختاره محافظ مأرب مع إحدى عشر شابًا آخرًا من أبناء أهمّ قبائل مأرب للمشاركة في دورة لتدريب المرشدين السياحيين. وعلى حين غرّة وجد عبد الله الغويبي نفسه - وهو من قبيلة عقيل - جالسًا في درس تاريخ السبئيين خلف طاولة واحدة مع أبناء قبائل أخرى بعضها على عداوة مع قبيلته. يتذكَّر الشاب سيد اليوسفي المشارك في الدورة قائلاً: "في البدء تمكَّن ثلاثة مشاركين من الحديث مع بعضهم، وذلك بعد أن مسحوا جباههم بأيديهم اليمنى". يستطيع محاربو القبائل من خلال قيامهم بهذه الحركة أن يخفّفوا من حدّة النزاعات الباطنة على الأقل حتى فترة ما.

لم يكن موضوع درس الآثار صعبًا جدًا. في حين "كان تدريس كيفية التعامل مع الأجانب أكثر صعوبة"، مثلما يتذكَّر ذلك عالم الآثار هولغر هيتغن: "يجد أهل مأرب في الأجانب شيئًا غريبًا جدًا، تمامًا مثلما يعتبر اليمنيون بالنسبة للسيَّاح غرباء". إذ لا بدّ من توضيح مسائل كثيرة: كيف يقابل المرشد السائحات اللواتي يرتدين قمصان ضيِّقة، في حين لا يشاهد اليمني جارته إلاَّ وهي محجَّبة حتَّى العينين؟ ماذا يفعل المرشد بالكلاشنكوف أثناء الجولة السياحية؟ كيف يُرضي فضول السائح الأوروبي الذي يقوم برحلة دراسية ويسأل عن حياة القبائل والدين؟.

يقول عبد الله الغويبي: "يشرِّفني أن أُطلع الغرباء على بلدي" - حتَّى وإن كان البعض من أبناء قبيلته لا يزالوا يسيئون الظنّ بالسياح.

وعبد الله الغويبي لا يريد أن يبقي الأمور عند حدّ التشريفات، بل هو يسعى إلى كسب المال عن طريق العمل في السياحة. وهو يود أن يبني يومًا ما في المستقبل "فندقًا على شكل خيمة بدوية في الصحراء".

ضمان أمن السياح

لقد قام مؤقَّتًا بالاشتراك مع مشاركين آخرين من الدورة التدريبية بتأسيس رابطة "أبناء مأرب" - بعيدًا عن كلِّ الحدود القبلية. وهكذا استطاع المرشدون السياحيون من أبناء القبائل إقناع أكبر ثلاث وكالات يمنية للسياحة والسفر بأن تكلفهم بإرشاد مجموعات السياح التي تفد البلاد عن طريق هذه الوكالات السياحية. لكن حاليًا لا يوجد لدى "أبناء مأرب" الكثير من العمل. لقد انقطع العمل في السياحة، وذلك منذ أن تكرَّر أثناء رأس السنة 2005/2006 اختطاف بعض السياح للمرَّة الأولى منذ أربعة أعوام في مأرب ومحافظة شبوة على يدّ بعض أبناء قبيلة متنازعة مع الحكومة. لكن على المدى الطويل يمكن لمبادرات مثل رابطة "أبناء مأرب" أن تساهم أيضًا في ضمان أمن السياح، على حدّ قول هولغر هيتغن: "فكلَّما ازداد عدد الناس الذين يدركون أنّه يمكن لهم كسب المال عن طريق السياحة، وكلَّما ازداد عدد الذين يعملون في السياحة، كلَّما ازداد نفوذ أولئك الذين يرفضون عمليَّات الخطف".

*المصدر- اذاعة دويتشي فيللي الالمانية

 نقلا عن ما يو نيوز

 نقلا عن ما يو نيوز

مشاهدة المزيد