أهمية الخطاب السياسي ومقوماته ...
بقلم/ سلطان مشعل
نشر منذ: 4 أسابيع و يومين و ساعة
الجمعة 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 06:11 م
  

يعتبر الخطاب السياسي ركنا رئيسا في بنية الكيانات والدول وكذلك المنظمات والتنظيمات المختلفة .

فالخطاب السياسي هو اللسان المعبر عن ذلك الكيان أو تلك الدولة في مختلِف المواقف الداخلية والخارجية .

لذلك فالهدف الاستراتيجي الواضح المعالم الراجح تحققه والمتضمن حزمة الأهداف التكتيكية يعتبر أهم مقومات الخطاب السياسي يأتي بعد ذلك وضوح الرؤية مع هامش للمناورة .

ولأهمية الخطاب السياسي فإنه يتطلب فيمن يكلف به توفر شروط عدة أهمها :

-الخبرة المناسبة -الكفاءة العالية -بعد النظر

-الذائقة السياسية

-الحدَس الواقعي

-تقدير الموقف

-القدرة على رسم السيناريوهات

-دقة التصور .

وهذه الشروط قد تتوفر في شخص كارزمي فيؤدي المهمة بتفرد ونبوغ . وقد يتطلب الأمر نخبة مهنية أو مؤسسة مختصة يوكل إليها مهمة دراسة الوضع وتقدير الموقف ومن ثم رسم ملامح ذلك الخطاب .

وعلى كلٌ فالسياق يتطلب حضور اللٌغة وفنونها كالنحو والصياغة والبيان اللازم مع الدقة في استخدام أدوات التعريف والتنكير وفهم مواطن الحصر والقصر والاستثناء وتوظيف الأساليب المختلفة بالإضافة للٌمسات الفنية والمسحات الجمالية كحسن الاستهلال وجمال العرض واختيار موطن ونوع الاستشها الذي يقيم الحجة ويرجح الكفة ويحسم الموقف .

والمعروف أن الخطاب السياسي عند استهدافه للداخل يختلف عن كونه موجها للخارج . وهنا يجدر بنا وضع القارئ أمام مشاهد تاريخية تترجم ما أوردناه وتحقق ما أردناه .

فخطاب أبي بكر الصديق لحظة السقيفة يعتبر أنضج خطاب سياسي في التاريخ الاسلامي نظرا لأهمية اللحظة وعِظم الموقف وازدواجية الاستهداف للداخل والخارج وتعدد المضامين العابرة للزمان والمكان .

فقد مثل ذلك أبرز صور الخطاب السياسي بل أجملها وأكملها وأجلها وأخلدها حيث اشتمل على :

 الأسس العامة للحكم كالشورى واللوائح المنظمة والمرجعيات العامة بل والقواعد الهامة :

 ك " الأئمة من قريش" "الأمراء والوزراء" 

"معايير المفاضلة" بالإضافة إلى : أسس التقييم ومعاييير الأداء وحيثيات المحاسبة وغير ذلك من المضامين المتعددة التي حُسم بها الاشكال وتحققت الأهداف .

 ثم تأتي لحظة مخاطبة الخارج حيث يقتضي الخطاب السياسي مراعاة متطلبات اللحظة ففي حال الاقبال على المواجهة العسكرية فإن الخطاب السياسي يستلزم صياغة محترفة تُشَتت المستهدَف بين نفثات الوعد وأخيِلَة الوعيد ويعتبر خطاب الخليفة المعتصم إلى ملك الروم نقفور خير شاهد على ذلك من تاريخنا وقد ورد فيه : (من أمير المؤمنين المعتصم إلى نقفور كلب الروم أما بعد : فالجواب ما تراه لا ما تسمعه قادم إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي)

وقبل أن يصل المعتصم بجيشه إلى عمورية كان خطابه ذلك قد آتى أكله وحقق هدفه ومثٌَل الضربة الاستباقية التي تبعها الفعل الحاسم المحقق للهدف .

وأجمل من ذلك في تاريخنا خطاب المبعوث العربي ربعي بن عامر إلى كسرى باعتباره أبرز نموذج تاريخي لخطاب سياسي مَهٌَد لعملِِ عسكريِِ أسقط أقوى امبراطوريات الأرض والتي استخدم ربعي معها خطابا سياسيا لم تعرفه العرب من قبل ولم يَنْمُ إلى أسماع الأكاسرة شبيها له حيث حسم ربعي خلاله الموقف بكلمات منها إجابته عن سؤال كسرى : ما الذي بعثكم أيها الفقراء الأجلاف وبم ؟ التي قال فيها :

" لقد ابتعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام" .

وبهذا لم يترك ربعي خلفه للعمل العسكري إلا ما يشبه التمشيط ليس غير .

أما بالنسبة لمواقف الانبطاح في حال الخطاب السياسي الموجه للخارج فإن الخطاب يحتاج إلى سيولة أدبية ناتجة عن إسهال قيَمِيٌ وسعال ديكي وطفح بصري وتفكير معوي نتج الاستسلام على ضوئه ووضع آلية الأثمان بإيثار العدو بخيرات البلدان وفق التنجيم الزمني الذي يحدده العدو وأبرز مثال على ذلك في تاريخنا المعاصر (خيمة سافوان) في العام 1991م .

وعليه :

فإنه بقدر توظيف المعنيين للخطاب السياسي بمقوماته المذكورة أثناء ممارساتهم السياسة يحصدون ثمارا إيجابية تخدم الأهداف المرسومة والعكس بالعكس تماما فبقدر إفلاس السياسيين في ذلك الفن يصبح مردود أدائهم بنفس القدر من الإفلاس .

وبما أن الأمة العربية حاليا تمر بأشد مراحل ضعفها في مختلِف مجالات الحياة فإن ذلك قد أدى إلى انحطاط كبير في خطابها السياسي وصل الحال معه إلى مرحلةِ القحول الذي جفٌَف الألسنة وطمر مخارج الحروف بل وانعدمت معه حتى فرص الهمس !

وذلك ليس غريبا !

إنما الأشد غرابة من ذلك إسناد لسان الأمة إلى مَن ليس بهم عيبُُ سوى جمع الواحد منهم بين نوعين من الافلاس أحدها :

 قِلٌَةُ الأَدَبِ كمعيارِِ لـ {الحكم الرشيد} !

وثانيها :

 ارتفاع نسبة التبلد ك شرط عبورِِ نحو {الجودة} ! .

 

 "إنتهى"