حيث الإنسان يصنع السعادة لصانع سعادة الأطفال.. رحلة التنقل بين محطات الألم والحرمان.. تفاصيل الحكاية
بشكل عاجل الرياض توفد طائرة خاصة الى مطار سيئون وتستدعي رئيس حلف قبائل حضرموت وقائد قوات الحماية الحضرمية
في موقف مخزي.. الرئاسة الفلسطينية تدين تصرفات حماس وتصفها بـ ''غير المسؤولة''
حسن نصرالله «يعيد» طبيبة لبنانية علوية من أمريكا الى لبنان بالقوة
اليمن تعلن موقفها من القصف الإسرائيلي على قطاع غزه
الحوثيون ينهبون مخازن برنامج الغذاء العالمي بمحافظة صعدة
الكشف عن اسم قيادي حوثي قُتل في الغارات الأمريكية الأخيرة
سلسلة غارات أمريكية دمرت مخزنًا سريًا استراتيجيًا داخل معسكر للحوثيين في الحديدة
تقرير حقوقي شامل بين يدي العليمي.. توجيهات رئاسية بتسهيل عمل لجنة التحقيق الوطنية والتعامل بمسئولية مع ما يرد في تقاريرها
شرطة مأرب تقيم البرنامج التوجيهي الرمضاني لمنتسبيها في الوحدات الأمنية بالمحافظة
في مقابلة صحافية قبل سنوات مع القيادي الفلسطيني الراحل شفيق الحوت جاء ذكر «القيادة الفلسطينية» فقال معلّقا، إن هذا التعبير ما هو في الحقيقة سوى «الاسم الحركي لياسر عرفات» بمعنى أنه لا وجود لها عمليا وأن القرار كله بيد الزعيم الراحل.
وهكذا هو ما يسمى «المجتمع الدولي» فهو لا يعدو في الواقع سوى أن يكون الاسم الحركي للولايات المتحدة الأمريكية فإليها يعود وحدها كل قرار بالحرب أو السلم في أغلب بقاع العالم، وهي نفسها التي تحول الآن دون وقف إطلاق النار في غزة المنكوبة بغطاء سياسي وعسكري منها.
وهكذا هو الحال عند كل إشارة إلى ما يسمى تواطؤ المجتمع الدولي فمن لا يريد أن يقول إن واشنطن متواطئة، بل ومشاركة، في حمام الدم الفلسطيني يفضّل أن يلجأ إلى هذا التعبير الهلامي الذي يكاد يفقد أي معنى، حين نرى مجلس الأمن عاجزا بسبب الفيتو الأمريكي وحين نرى قرار الجمعية العامة بلا قيمة طالما أن هذه هي قواعد المنظومة الدولية التي حاكتها أمريكا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية.
الأمر لا يقف عند الأمم المتحدة فبقية التكتلات الدولية والإقليمية كالاتحاد الأوروبي لم تعد له، أو ربما ليس له أصلا، أي هامش تحرك مستقل خارج المظلة الأمريكية، وهو ما رسّخته بالكامل الحرب الأوكرانية الروسية هذين العامين. وذات الأمر نفسه امتد إلى الساحة العربية والفلسطينية حتى بات في مقام المسلّمة النهائية، بدليل عجز القمة العربية الإسلامية عن ترجمة قرارها الأخير في الرياض عن «كسر الحصار على غزة» و»فرض إدخال المساعدات إليها» رغم مرور شهر أكثر من شهر عليه.
هذا «المجتمع الدولي» المقصود به طبعا «المنظومة الرسمية» الحاكمة وليس غيرها، مع أن التيار الغالب في الطبقة السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا يكاد لا يختلف، فيما يبقى الرأي العام هناك، ولا سيما الشبابي منه، العنصر الوحيد المتحرك خارج قوالب العقلية الاستعمارية والعنصرية، لما أتيحت له من قدرة على الاجتهاد والبحث عن السردية المنصفة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذا التيار الشبابي الغربي الحي في الجامعات ومواقع التواصل الاجتماعي والذي لم يمل من النزول إلى الشوارع للتظاهر والإعراب بكل الأشكال الممكنة عن إدانتهم لما يجري، ومن بين هؤلاء يهود كذلك، كتلك المجموعة من المتظاهرين اليهود الذين قاموا في اليومين الماضيين بتقييد أنفسهم بالسلاسل إلى سياج البيت الأبيض احتجاجا على استمرار مأساة غزة. وهذا التيار الشبابي الواسع هو نفسه من دفع ويدفع في اتجاه أن تعدّل بعض الحكومات الغربية مواقفها، بدرجة أو بأخرى، مما قاد في النهاية مثلا إلى تصويت فرنسا لصالح القرار الأخير المجهض لمجلس الأمن واحتفاظ بريطانيا بصوتها. ووفق رسالة اطلعت عليها قناة «سي إن إن» الأمريكية فإن قادة أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا ومالطا طالبوا رئيس المجلس الأوروبي بإجراء مناقشة في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة.
شعور واشنطن بأهمية وخطورة هذا التحوّل في الرأي العام داخل الولايات المتحدة نفسها، بعد استطلاع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأخير الذي أظهر أن 52٪ من الأمريكيين لا يتفقون مع الرئيس بايدن في طريقة تعامله مع الحرب في غزة، ومن هنا نفهم ما قاله قبل يومين فقط بأن «الرأي العام العالمي (بخصوص إسرائيل وجرائمها في غزة) يمكن أن يتغيّر بين عشية وضحاها ولا يمكن أن نسمح بذلك».
إنه الخوف من أن تصبح واشنطن معزولة عالميا في دعم إسرائيل، مهما فعلت وتفعل، خاصة في هذه الأجواء التي تطالب فيها دول عدة، أولها روسيا والصين، بنظام دولي مختلف أكثر توازنا وإنصافا. وكلّما أمعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في جرائمها زادت حدة هذا الخوف، ما دفع مثلا الإدارة الأمريكية إلى طلب توضيح من حكومة نتنياهو بشأن الصور التي نشرت من غزة ويظهر فيها أسرى قابعون عراة على الأرض، وفق ما أوردته «هيئة البث الإسرائيلية».
في المقابل، فإن شعور الإسرائيليين بأنهم فوق المحاسبة، وبأن واشنطن وحلفاءها هم حاميتها الأبدية، زاد من عجرفتهم واستخفافهم بالجميع إلى درجة أن مستشار رئيس حكومتهم لم يجد ما يرد به على سؤال إحدى القنوات حول منظر الأسرى المذل هذا، والذي ناظر كثيرون بينه وبين لقطات لما كان يفعله النازيون باليهود في ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي، سوى القول إنها «ليست نهاية العالم هنا الشرق الأوسط والطقس حار جدا»!!
وإذا كان الرأي العام الغربي في مرحلة تحول هام جديرة بالرصد والمتابعة، فإن الرأي العام العربي والإسلامي حسم أمره بشكل قاطع مفاده أن لا أمل في الغرب المنافق والحاقد ولا أمل في المجتمع الدولي وشرعيته التي لا تنصف أحدا.
حقيقة سيكون لها ما بعدها على أكثر من صعيد ولفترة طويلة، لكن واشنطن ومن والاها لا يريدون فهمها، أو لا يهمهم ذلك.. مما يجعل المقبل أسوأ وأكثر دموية.
كاتب تونسي