الكوليرا في الصومال هروب من الموت إلى الهلاك
بقلم/ موقع محيط
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 15 يوماً
الإثنين 12 مارس - آذار 2007 05:52 م

على الرغم من حالة الزعزعة الأمنية التي يعيشها الصوماليون منذ اندلاع المواجهات الأخيرة بين الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية، إلا أن وباء الكوليرا القاتل جاء ليطبق على سكان هذه البلدة الفقيرة التي تعاني نقصا حاداً في الموارد الاقتصادية والخدمات العلاجية، الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة إنسانية محققة .

فلم يكد ذلك البلد المنكوب يفيق من واقع المواجهات المريرة التي دارت رحاها بين الحكومة الصومالية من جهة، وعناصر المحاكم الإسلامية من جهة أخري، وراح ضحيتها الآلاف، ناهيك عن تشريد المئات من الأسر، مما جعل منه بيئة خصبة لتفشي الأمراض القاتلة وكان على رأسها وباء الكوليرا القاتل الذي حصد أرواح أكثر من 115 شخصا، فيما أودع أكثر من 724 شخصا مستشفيات البلاد، وذلك نتيجة شرب مياه ملوثة أثناء نزوح المصابين إلى خارج العاصمة هرباً من أصوات الرصاص.

ويخشى الأطباء من أن تكون تلك الإصابات بهذا الوباء القاتل بمثابة نقطة بداية إلى انتشار موسع من الممكن أن يروح ضحيته آلاف الأطفال في الصومال، نتيجة تفشى الفقر، ونقص الأدوية المستلزمات الطبية، وانعدام وسائل الرعاية الطبية في المستشفيات.

وما يعزز توقعات الأطباء الانتشار الموسع لوباء الكوليرا في القارة السمراء والذي حدث في نفس هذا التوقيت من العام الماضي – فبراير 2006 – وشمل عدة دول منها أنجولا والسودان والصومال والكونغو ... وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فقد وصل العدد التراكمي لحالات الإصابة بالكوليرا في أنجولا العام الماضي إلى 53537 وتوفي منها 2187 حالة، وعلى إثر ذلك خصصت المفوضية الأوربية آنذاك 1.5 مليون يورو كمعونات إنسانية عاجلة لمكافحة تزايد حالات الإصابة بمرض الكوليرا في أنجولا.

أما في السودان.. فقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 500 شخص توفوا بمرض الكوليرا العام الماضي، والذي تفشى في جنوب البلاد حيث يشرب ثلثا السكان مياها غير نقية، وتزدحم البلدان في جنوب السودان بعد عودة مئات الآلاف إلى ديارهم عقب إبرام اتفاق سلام العام الماضي أنهى حرباً أهلية استمرت أكثر من عقدين، كما أن العيش في مناطق مكدسة وفى ظروف غير صحية يساعد في انتشار أمراض مثل الكوليرا والالتهاب السحائي .

من جهة أخري، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" أن وباء الكوليرا مازال يتفشى في الكونغو،ويحصد أرواح عشرات الأشخاص.. حيث أكدت المنظمة أنه تم رصد 4077 إصابة بفيروس الكوليرا العام الماضي، منها 61 حالة توفت بمدينة "بوانت نوار"، وكتبت المنظمة الدولية في أخر تقرير حول تفشى المرض أنه رغم تراجع خطورة الوباء التى تدل على حسن العناية بالمصابين، فإن هذا الوباء مازال يتفشى نظراً لعدد حالات الإصابات الجديدة المسجلة .

الكــولـيــرا !!

يعتبر وباء الكوليرا من أحد الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي، حيث يأتي في صورة إسهال حاد مرضي مسبباً عدوى في الأمعاء ببكتريا "بكتريم فيبريو كوليرا" - Bacterium Vibrio Cholera "، وتنشأ العدوي نتيجة تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا الضمة الكوليرية.

وفي بعض الحالات تكون الأعراض بسيطة وفي البعض الآخر تكون خطيرة وتهدد حياة الإنسان، وتأتي الأعراض في صورة إسهال بكميات كبيرة جداً مع ازدياد حدته، و قئ، وتقلص في عضلات الأرجل، وفقد سريع لسوائل الجسم مما يؤدى إلي حدوث الجفاف، الأمر الذي يعرض الإنسان لصدمة ، والموت خلال ساعات إذا لم يتلق العلاج.

وتظل الكوليرا تمثل تهديداً عالمياً ، فهي من بين المؤشرات الأساسية للتنمية الاجتماعية، وعلى الرغم من كون المرض لم يعد يشكل تهديداً في البلدان التي لديها الحد الأدنى من المعايير الصحية، إلا أنه يظل من التحديات المطروحة على البلدان التي لا يمكن فيها ضمان الحصول على مياه الشرب النقية والمرافق الصحية الملائمة، وهذا ما يجعل من القارة السمراء أرضاً خصبة لانتشار هذا الوباء القاتل .

الوقاية والعلاج

أكد خبراء الصحة أن تنقية وتنظيف مياه الشرب وضمان سلامتها من أهم طرق الوقاية من هذا الوباء القاتل، لذا يجب على الدولة أن تضمن للمواطن وصول الماء النظيف الصحى إلى المساكن، لا تألو جهدا فى سبيل رفع مستوى الصرف الصحى، كما يجب على الدولة أيضا أن تقوم بفرض رقابة صحية شديدة على المواد الغذائية بكافة أنواعها وتتخذ إجراءات الحجر الصحى الصارمة على القادمين من الأماكن الموبوءة أو المشتبه فيها لحماية البلاد من الأمراض الوبائية .

ويجب على المواطن أيضاً أن يعتنى بنظافته الشخصية ونظافة المسكن وخاصة دورات المياه وأماكن القمامة وغسل الأطعمة جيداً، ويعتنى أيضاً بنظافة الأطعمة التي تنقل الميكروبات كالخضروات التى تؤكل نيئة مثل الفجل والجرجير والخس والفواكه وخصوصا البلح والعنب، واللبن ومنتجاته وخاصة الغير مبستر.

ويستطيع المسافرون أن يحموا أنفسهم من الكوليرا ومن معظم الأمراض الأخرى المحمولة بالغذاء أو الماء باتباع احتياطات أساسية قليلة، وفوق كل هذا، ينبغي أن يلتزم المسافرون بالحيطة الشديدة عند تناول الأغذية والمياه، لذا يجب شرب الماء بعد غليه أو معالجته بالكلور أو اليود، وأكل الطعام ساخناً بعد طهيه جيداً، والابتعاد عن الأطعمة النيئة وغير المطهية جيداً، عدم أكل السلطة الخضراء مجهولة المصدر، والابتعاد عن أطعمة ومشروبات الباعة الجائلين، وعدم شراء أسماك من أماكن الأوبئة، وتناول المشروبات والمأكولات المأمونة صحيا والتي لا يشك في سلامتها .

وعن طرق العلاج ... أكد خبراء بمنظمة الصحة العالمية أن أهم علاج لمرض الكوليرا هو التعويض السريع عن المياه والأملاح المفقودة في الإسهال الشديد والقيئ، ويتم ذلك عن طريق شرب كميات كبيرة من محلول أملاح الإمهاء الفموي، أما الذين يصابون بالجفاف الشديد فقد يحتاجون إلى تلقي السوائل حقناً في الأوردة.

وتتوافر علب من أملاح الإمهاء الفموي في معظم صيدليات المدن ومرافق الرعاية الصحي، وتوصي منظمة الصحة العالمية بأن يحمل المسافرون في حقائبهم الطبية تلك الأملاح.

وعن المضادات الحيوية وغيرها من الأدوية، توصي المنظمة في الحالات الفردية من حالات الكوليرا الشديدة بتناول المضادات الحيوية الناجعة في تقليل مدة المرض، وإن كان الإمهاء يظل العامل الأساسي في العلاج، غير أنه في حالة إصابة مجتمعات بأسرها فإن العلاج الجماعي الواقي بجرعة من المضادات الحيوية لا يحد من انتشار الكوليرا، ولذا فلا يوصى به، أما الأدوية المضادة للإسهال، مثل اللوبراميد ' loperamide ' فلا يوصى بها وينبغي عدم تعاطيها على الإطلاق.

جهود عالمية

 وعن التدابير التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية لمحاربة المرض، كان أهمها فرق العمل العالمية المعنية بمكافحة الكوليرا والتي شكلت من قبل المنظمة في عام 1992 ، وكان الهدف منها الحد من الوفيات المرتبطة بهذا المرض ومعالجة النتائج الاجتماعية والاقتصادية للكوليرا.

 وتضم هذه الفرق مجموعة من المنظمات الحكومية والمنظمات الأهلية، ووكالات الأمم المتحدة، والمؤسسات العلمية، وذلك بهدف تنسيق أنشطة فعالة لمكافحة الأمراض المعوية، ووضع مبادئ توجيهية، ومواد تدريبية لمكافحة الكوليرا.

 وقد استطاعت تلك الفرق حتي الآن تقديم المشورة والدعم الفني لمنع ومكافحة الكوليرا في البلاد؛ وتدريب الفنيين الصحيين على المستوى الوطني والاقليمي والدولي في مجال الوقاية والتأهب والاستجابة لحالات تفشى مرض الإسهال، ونشر المعلومات عن وباء الكوليرا وغيرها من الأمراض المعوية، إلا أنها لم تنجح حتي الآن في استئصال شأفة هذا الوباء القاتل من القارة السمراء.

قصة الكوليرا في مصر !!

 استطاع العالم والطبيب الألماني روبرت كوخ - الذي نال جائزة نوبل في الطب، واكتشف العديد من الأمراض المعدية والميكروبات وجال العالم بحثاً عن أسباب الأمراض الفتاكة ، واستطاع عبر هذه الرحلات إثبات نظريته في إرجاع المرض المعدي إلى البكتريا - فك لغز وباء الكوليرا في مصر سنة 1883 بمستشفى الإسكندرية الأميري، عندما اجتاح وباء الكوليرا البلاد آنذاك، وأدى إلى حدوث أكثر من أربعين ألف حالة وفاة، وفى سنة 1902 حدث وباء آخر في مصر أدى إلى حوالي خمسة وثلاثين ألف حالة وفاة.

 ولا زال كبار السن في مصر الآن يذكرون وباء الكوليرا الشهير سنة 1947 والذي انتقل من الهند - موطنه الأصلي - عن طريق بعض جنود الاحتلال الإنجليزي، وقد بدأ الوباء في معسكر الجنود الإنجليز فى التل الكبير ثم انتقل إلى بلدة القرين بمحافظة الشرقية ثم انتشر كالريح في جميع أنحاء مصر وقد أدى الوباء إلى حدوث حوالي عشرين ألف حالة وفاة.

 وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية حدثت تحركات بشرية ضخمة من البلاد الآسيوية مما مكن الكوليرا من غزو العالم مرة أخرى، وبعد مدة عادت الكوليرا إلى موطنها الأصلي على ضفاف نهر الجانج والراهما بوترا بالهند ومضت عدة سنوات واعتقد الكثيرون أن أوبئة الكوليرا العالمية قد انتهت.

 ولكن مع بداية الستينات اجتاحت بعض بلاد العالم موجات من أوبئة الكوليرا بلغت ذروتها في السبعينات ولكن مسببها لم يكن بمرض الكوليرا الأصلي التي تؤدى إلى مرض الكوليرا المعروف بصورته العنيفة وأوبئته الخطيرة بل كان مسببها هو نوع أخر من الكوليرا يسمى بـ "كوليرا الطور" الذي سبق أن اكتشفه جوتشلش سنة 1905 في محجر الطور في مصر أيضا.

 وفى بداية الستينات تحرك وباء "كوليرا الطور" ليلعب دورا لم يكن أحد يتوقعه وبدأ يأخذ شكلاً وبائياً محلياً ثم اكتسب قوة على الانتشار فانتقل إلى بقية الجزر الإندونيسية، ثم أخذ ينتقل غرباً فاجتاح آسيا كلها ثم وصل إيران والعراق وبعض بلاد الشرق الأوسط وجنوب أوروبا ثم القارة الإفريقية، وحدث كل ذلك بينما ظلت الكوليرا الأصلية قابعة في موطنها الأصلي بالهند .