تخوفات على عتبات مؤتمر الحوار اليمني
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 27 يوماً
السبت 02 فبراير-شباط 2013 09:52 ص

أصبح مؤتمر الحوار الوطني على الأبواب، هذا في حال ما سارت الأمور حسب ما هو مخطط لها، ولأن مؤتمر الحوار المنتظر يعد في نظر أكثر السياسيين من قبيل الفرص التي لا تجود بها الأقدار إلا على فترات زمنية متباعدة، وهو ما يحتم على اليمنيين بمختلف مشاربهم السياسية والجغرافية والمذهبية والفئوية أن يعضوا على هذه الفرصة بنواجذهم، ويجعلوا منها وسيلة لعبور آمن للوطن اليمني صوب مرحلة جديدة من تاريخه يكون عنوانها العدالة والوحدة والاستقرار والازدهار، وهو ما جعلنا نطرح هنا بعض التخوفات والملاحظات حول بعض القضايا المرتبطة بالحوار، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

القضية الجنوبية

نستطيع القول إن كل الأطراف المهتمة بالشأن اليمني (المحلية والإقليمية والدولية) مجمعة على أن القضية الجنوبية تعد أهم قضية بين القضايا المطروحة على مؤتمر الحوار الوطني، وأن النتيجة التي سيخرج بها المتحاورون بخصوصها هي من ستحدد لنا نتيجة كثير من القضايا المطروحة على المؤتمر.

ومن بداهة القول أن اللجان التي سيشكلها مؤتمر الحوار للقضايا الأخرى مثل: شكل الدولة ودستورها الجديد لن تستطيع البت النهائي في موضوعاتها قبل معرفة ما ستؤول إليه الأمور بخصوص القضية الجنوبية، لأن كل وضع من أوضاع وحدة الدولة اليمنية ستترتب عليه أشياء مختلفة بخصوص شكل الدولة ونظام حكمها الذي سينص عليه الدستور الجديد.

فالدولة اللامركزية بمحافظاتها الحالية لها وضع خاص بها، وكذلك الدولة الاتحادية ذات الأقاليم المتعددة لها وضع آخر، وأيضاً دولة الفدرالية بإقليمين سيكون لها وضع مغاير. أما إن آلت الأمور إلى فك الارتباط – على اعتبار أن الحوار ليس له سقف للقضايا التي ستبحث فيه - فالأمر سيتغير رأساً على عقب، لذلك سيكون من الأفضل لو أن مؤتمر الحوار ركز جل جهده في البداية لحل القضية الجنوبية؛ فما دونها يهون ويمكن التوافق بشأنه.

مندوبو الحوار

قلنا في أكثر من مقال بأن القوى السياسية إذا أرادت إنجاح مؤتمر الحوار الوطني القادم سيكون عليها الدفع بمندوبين يحملون قدراً كبيراً من الرؤى الوطنية، ويقدمون مصلحة الوطن اليمني على مصالح التنظيمات والجماعات والجهات التي يمثلونها، وأن اختيارهم من التيارات الوسطية المعتدلة سيساعد في انجاح المؤتمر وإخراج الوطن من النفق المظلم الذي تردى فيه.

لكن تربص أطراف مؤتمر الحوار ببعضها، وإصرار كل طرف على عدم تقديم مندوبيه قبل معرفته لنوعية المندوبين الذين ستقدمهم الأطراف الأخرى، ثم الإعلان المفاجئ من قبل جناح صالح في المؤتمر الشعبي العام لمندوبي الحزب في إطار الصراع الدائر بين أجنحته، جعلنا ندرك أننا ربما كنا مغرقين في الأحلام.

فها هي الحقيقة المرة بدأت تتضح أمامنا؛ فتعيين المندوبين سيخضع للمزايدات بين الأطراف المختلفة لقوى الحوار، وبناء على ذلك فالمندوبون لن يخرجوا عن الوجاهات النافذة في كل طرف، مع أن العقل والمنطق يقول بأن معرفة أطراف الحوار المسبقة للّجان التي سيشكلها مؤتمر الحوار كان يفترض أن يدفعها لاختيار الأشخاص المناسبين لعضوية كل لجنة؛ بحيث يكونون من ذوي الخبرة والعلم والاختصاص، لكن يبدو أن العقل اليماني قد أصبح في إجازة هذه الأيام، وأن مهامه قد فوضت لعواطف متشنجة ومتربصة ببعضها بعيداً عن المصلحة العلياء للوطن.

حصة الرئيس

مُنح للرئيس هادي عدد (62) مندوباً من ضمن مجموع مندوبي مؤتمر الحوار البالغ عددهم (565) مندوب، ومن يعلم ما يجري من وراء الكواليس ويعرف حجم الأشخاص الذين ينتظرون من الرئيس أن يدخلهم كمندوبين إلى مؤتمر الحوار من ضمن حصته لن يملك إلا أن يدعي للرئيس بالعون والتوفيق في اختيار الأشخاص المناسبين، خصوصاً من الجهات والفئات غير الممثلة في مؤتمر الحوار بصورة رسمية.

والغريب أن القوى السياسية الممثلة في مؤتمر الحوار لا تفتأ تعمل على التربص بحصة الرئيس، وكل منها يريد تسريب عدد من أعضائه وأنصاره عبرها، وهو ما لا نتصور أن الرئيس سيخضع له؛ إلا أن يكون من قبيل تمثيل بعض الأشخاص لفئات غير سياسية بعيداً عن تحزبهم، أو بقصد إحداث التوازن في أروقة مؤتمر الحوار، بحيث يركز الرئيس على إشراك بعض الشخصيات الحزبية التي تمارس الحزبية بنوع من الاستقلالية.

فالمعروف أن قيادات الأحزاب غالباً ما تقوم بتهميش مثل تلك الشخصيات؛ وتنظر إليها بصفتها مجرد ديكور يجمّلها أمام الآخرين، وعلى العكس من ذلك فالقيادات الحزبية تفضل التعامل مع أولئك الذين يمكن لها تحريكهم بالريموت، من غير أن تدرك بأن كثرتهم مثل قلتهم، وأنه يكفيها أن يمثلها شخص واحد من تلك العينات في المؤتمر لطرح وجهة نظرها، خصوصاً أن أعمال المؤتمر ستسير بناء على آلية التوافق بين الرؤى المطروحة وليس بتصويت أغلبية الأعضاء.

هيكلة الجيش

كثر الحديث عن هيكلة الجيش، وكل طرف يسوِقها بالطريقة التي تخدم مصالحه وتمكنه من السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية، ولا نشك بأهمية الهيكلة لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني، شريطة أن تنتهي تلك الهيكلة إلى بناء جيش وطني موحد، يقوده قادة محترفون من أهل الكفاءة والخبرة والقدرة والنزاهة، بغض النظر عن الجهات التي يأتون منها، بحيث يكون ذلك الجيش أداة تضمن تنفيذ النتائج التي سيتمخض عنها مؤتمر الحوار.

ولتكن تجربة الجيش المصري نصب أعيننا ونحن نتحدث عن بناء جيش وطني لليمن؛ حيث راقبنا جميعاً كيف تتم عملية العزل والتعيين لكبار قادة ذلك الجيش من غير أن نسمع عن تمرد جندي واحد، أو نهب حتى لبندقية واحدة من هذا المعسكر أو ذاك، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لدينا في اليمن لمجرد عزل قائد صغير في أحد الألوية، ويتم نهب معظم محتوياته دون أدنى مساءلة.

وقد جعلنا ذلك ندرك بيقين كامل بأننا لم نكن نملك جيشاً وطنياً ولكن مجرد قبائل عسكرية، يتعامل قادتها كمشائخ مخلدين لها، ولا يملك حق عزلهم منها إلا عزرائيل، وذلك طبعاً بعد أن يضمنوا توريثها لأحد المقربين منهم.

لذلك فالتغيير الذي ننتظره في إطار مؤسسات الجيش والأمن وغيرها من مؤسسات الدولة إنما يتمثل بتغيير تلك الثقافة البدائية المدمرة قبل أن يعمل على تغيير الأشخاص.. وهو ما افتقدناه مع الأسف الشديد في كثير من التعينات السابقة، ونأمل أن يتجسد من خلال التعيينات المنتظرة لقادة المناطق العسكرية السبع، وغيرها من المواقع العسكرية والأمنية، ليتسنى لنا معرفة هل تسير البلد في درب مستقيم، أم أنها تسير في خط دائري سيعيدها بعد حين الى نفس النقطة التي كانت فيها؟.

تهريب الأسلحة

على الرغم من أننا نقف على عتبات مؤتمر الحوار إلا أننا نلاحظ بأن تهريب السلاح إلى اليمن يجري على قدم وساق، وبصورة مفجعة تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، فلا يكاد يمر يوم من غير أن نسمع عن إفشال عمليات تهريب أسلحة في مختلف منافذ الدولة البحرية والبرية: جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً.. وتلك طبعاً هي العمليات التي يتم اكتشافها فقط بينما تمر أكثر عمليات التهريب بسلام.

والغريب أن الأمر يحاط بتستر من قِبل سلطات الدولة على أولئك المهربين والجهات التي تقف من ورائهم، وكل ما نعلمه لا يعدو أن يكون تسريبات إعلامية يلقي كل طرف من خلالها المسؤولية على خصومه. والأكثر غرابة أننا لم نسمع بأن أحد أولئك قد تم إحالته إلى المحاكمة لينال جزاءه العادل؛ ولنشعر أننا في دولة لها سلطات مهمتها تأمين حياة مواطنيها أمام كل من يفكر العبث بحياتهم وأمنهم.

والسؤال المطروح هنا: إذا كنا ذاهبون إلى مؤتمر الحوار فلماذا كل هذه الاستعدادات التسليحية؟ وهل ذهاب الأطراف المختلفة إلى مؤتمر الحوار هو لمجرد رفع العتب أمام الجهات الخارجية الراعية للحوار، وخوفاً من تعرضها لعقوبات دولية في حال رفضت الحوار بشكل معلن؟ بحيث تذهب الأطراف إلى مؤتمر الحوار ولسان حالها يردد: إما أن يخرج الحوار لصالحنا أو فالسلاح هو أداتنا البديلة لذلك!!

مذكرات صالح

صرح الرئيس السابق على عبدالله صالح أنه سيتفرغ لكتابة مذكراته التي ستحمل الكثير من المفاجآت حسب قوله، وقد تراوحت ردود الفعل تجاه ذلك التصريح بين مؤيد وساخر. وأنا هنا سأضم صوتي إلى صوت المرحبين بكتابة صالح لمذكراته، وذلك لسببين رئيسيين:

الأول: أن كتابة صالح لمذكراته سيعني اعترافه بأنه قد وصل إلى نهاية المطاف في مشواره السياسي، وأنه قد قرر اعتزال العمل السياسي وترك رئاسة المؤتمر الشعبي عن قريب.. وربما يتم ذلك قبل أن يبدأ مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما سيساعد على إنجاحه.

والثاني: لاعتقادنا بأن مذكراته ستحوى على كثير من المعلومات عن الأحداث التي مرت بها اليمن في تاريخها المعاصر، والتي ستفيدنا في كتابة تاريخ اليمن خلال هذه الفترة المهمة، خصوصاً أنه من المؤكد بأن مذكرات صالح سوف تستفز القادة السياسيين والعسكريين الذين عاصروه – في الشمال والجنوب – وستحفزهم لكتابة مذكراتهم هم أيضاً، وتدفعهم للتفكير في اعتزال الحياة العامة والسياسية والحزبية بعد أن بلغ بهم العمر عتيا.

أخيراً قد يقول قائل بأن الرئيس السابق صالح سيخفي كثير من المعلومات التي سيوردها عن الأحداث التي سيتناولها في مذكراته؛ خصوصاً التي ليست في صالحة، وسيعمد إلى تحريف بعضها وتلفيق البعض الآخر، مدفوعاً بتبرئة نفسه وإدانة خصومه.. ونحن نقول نعم ذلك سيحدث بالتأكيد، لأنه ديدن المذكرات والسيّر التي يكتبها الناس عن أنفسهم في كل زمان ومكان؛ سواء التي كتبت من قبله أو التي ستكتب من بعده، لكن كل ذلك لن يمنعنا من اكتشاف الحقيقة التي عادة ما ترد بين السطور بقصد أو بدون قصد، ويمكننا اكتشافها من خلال التحليل والمقارنة والقراءة المنهجية.