تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية
عند إعلان استعادة وحدة اليمن أرضا وشعبا في 22 مايو 1990م لم يكن في بال أكثر اليمنيين تشاؤما أنه سيأتي يوم تصبح فيه هذه الوحدة محل جدل وأخذ ورد... وأن تصبح أفضل خياراتها المستقبلية هي الفيدرالية في حال أريد لها الاستمرار إلى جوار خيارات أخرى هي في مضمونها خيار واحد بمسميات عدة كالانفصال وفك الارتباط وحق تقرير المصير والاستفتاء على مستقبل الوحدة التي جمعت شعبا واحدا وأعادت لحمته الإنسانية إلى وضعها الطبيعي الذي مزقته عوامل كثيرة كانت تذهب وتأتي في مختلف العصور والفترات الزمنية... والفيدرالية المطروحة ليست أكثر من بداية الطريق للتشظي والتمزق من جديد كما يقول محللون إستراتيجيون كثر وساسة أكثر... ورغم أني لا أريد أن أكون متشائما مثلهم بسبب أني أعتبر أن الفيدرالية عندما تأتي بعد الاندماج في حالة كحالتنا فإنما هي مثل أن يتحول الزواج المكتمل الشرعية إلى زواج متعة لذلك فأنا أحاول إقناع نفسي في هذه المرحلة أن خيار الاندماج الكامل إذا أصبح منعدما فليكن خيار الفيدرالية بشرط وضع أسس صحيحة لها فهي خير من التشظي والتمزق والتجزئة التامة.
لا أريد أن يطلب مني أحد أن أكون واقعيا وأن أتقبل فكرة فك الارتباط أو الانفصال بكل أريحية، فأنا لن يمكنني قبولها نفسيا بحال من الأحوال، كما أني لن أقبل أن أسعى بنفسي إليها إلا في ظل خيار واحد وهو أن يكون إعادة التشطير مصلحة شرعية ووطنية وواقعية يقينية أكبر بما لا يدع مجالا للشك من استمرار الوحدة بالقوة، وهو أمر أشك في حدوثه أصلا... ومع ذلك فأنا اليوم أرفض وبصوت عال شعار 1994م الذي صفقنا له حينها وهو (الوحدة أو الموت) وأرفع اليوم بدلا عنه شعار (الوحدة هي الخيار الأجمل لكنها لن تدوم إلا بالتراضي كما أن ما دونها يمكن قبوله بالتراضي أيضا)... لنتحاور ولن يفرض أحد على أحد شيء لا يقبله... فحتى الانفصال وفك الارتباط لم يعد ممكنا بالقوة مثلما أن الوحدة لا يمكن أن تستمر بالقوة... وفي حال أن نتفكك من جديد يوما ما فليكن بالتراضي حتى وإن انفطرت قلوبنا، من أجل أن نحافظ على الأقل على حالة الود والتراحم والترابط كما نحافظ عليها مع بقية الشعوب العربية والإسلامية... ففك الارتباط بالتأكيد لن يكون آخر الدنيا في حال أصبح إرادة جمعية... لكن حين نسعى إليه فليكن بإرادتنا جميعا في الشمال والجنوب ولنسعى إليه بدون معارك كسر عظم وتحدي وتفكيك لأواصر علاقاتنا الاجتماعية الأزلية... فهناك جنوبيون عاشوا في الشمال ولم يعرفوا الجنوب إلا في مايو 1990م واستمروا يعيشون في الشمال، وهناك شماليون عاشوا في الجنوب ولم يعرفوا الشمال إلا في مايو 1990م واستمروا يعيشون في الجنوب... ولا أظن هؤلاء وأولئك سيقبلون في حال التشظي أن يعودوا لمجتمعات لم يألفوها لأن الإنسان إبن بيئته التي نما وترعرع فيها وتكونت فيها علاقاته الاجتماعية... وهانحن نرى اليمنيين الذين ولدوا وعاشوا في بلدان خليجية مثلا لا يستطيعون العيش خارجها حتى وإن لم يكتسبوا جنسيتها... وكذلك اليمنيين الذين ولدوا ونشأوا في بلدان الغرب لا يستطيعون تقبل الحياة الدائمة في بلدهم الأصلي... وهذا حال الناس في العالم كله وليس حالنا نحن فقط في اليمن... لقد تعلمنا من دروس العقدين الماضيين ما يكفي، ولم نعد نريد إلا دولة آمنة مستقرة يسودها القانون ونشعر في ظلها بالمساواة والحرية الشخصية ونتمتع بالعدل وحق الاختيار والفرص المتكافئة والعيش الكريم سواء كان في ظل دولة واحدة أو دولتين أو حتى عشرين دولة... لن يسمع منا أحد بعد اليوم شعارات من نوع (الوحدة أو الموت) لأن نظام علي عبدالله صالح قتلنا جميعا في الشمال والجنوب على السواء... لقد كان الفضل لأبناء المحافظات الجنوبية في تنبيه كل اليمنيين للظلم الواقع عليهم جميعا، فقد نبهت الانتفاضة السلمية التي بدأها أبناء المحافظات الجنوبية منذ سبعة أعوام واشتد عودها منذ خمسة أعوام أبناء المحافظات الشمالية أن هناك ظلما حقيقيا يعاني منه إخوانهم الجنوبيين لكنه ليس مقتصرا عليهم فهو يمتد ليطال الشماليين أنفسهم بوسائل وأساليب شتى... ولذلك كان الفضل لأبناء المحافظات الشمالية في إسقاط حكم صالح نهائيا بخروجهم السلمي منذ يناير 2011م وكثافتهم العددية والاقتصاص لجميع اليمنيين شمالا وجنوبا على السواء... فالقيم التي دمرها النظام السابق لن تحيا وتعود لسابق عهدها بالانفصال والتجزئة لأن مشاعر الانفصال والتجزئة هي إحدى صور التدمير الذي مارسه النظام السابق في النفسية اليمنية على كل الأصعدة وفي كل الاتجاهات شمالا وجنوبا، شرقا وغربا... ولو أني على يقين أن هذه القيم العظيمة التي لا غنى عنها لأي شعب يطمح في النهضة ستعود بالتجزئة والتشظي لأعلنت تأييدي فورا له.
من المؤلم أن مجرد حديثك اليوم عن حاجة شعبنا لاستمرار وحدته وتصحيح مسارها ومعالجة ما دمره النظام السابق من قيم في النفوس يعرضك لشتى أنواع الإساءة والتجريح وفي أحسن الأحوال لشتى أنواع التأنيب والعتاب المهذب بحجة أن الوحدة انتهت وماتت... وما أعرفه جيدا أن الوحدة تحييها الإدارة السليمة والسوية والصحيحة للدولة كما تدمرها الإدارة المريضة والأنانية والسيئة للدولة... وليس أن الوحدة قد ماتت هكذا ولا أمل في إحيائها لأن هذا منطق عدمي وعبثي في آن... إن مجرد إقبال أبناء المحافظات الشمالية على التصويت المذهل والهائل للجنوبي عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية يعني أنهم يطمحون ويأملون منه تصحيح أخطاء النظام السابق الذي كان يقوده شمالي، بل وأنا على يقين أن هادي لو نجح خلال السنتين القادمتين في إعادة الأمن والاستقرار وتجفيف منابع الفساد وبناء دولة القانون فإن أبناء المحافظات الشمالية سيتمسكون به رئيسا لهم حتى لو انتهت الفترة الانتقالية الحالية بقرار يعيد التشطير إلى شمال وجنوب، لأن هادي سيظل في نظرهم يمنيا صميما وسيظل في نظرهم الرئيس والقائد الذي حقق لهم طموحهم... وهذا لا يعني أن الشماليين وحدويين وإخوانهم في الجنوب غير ذلك بل يعني أن العقدة تكمن في الإدارة السوية لشئون البلاد... فأنا أعلم علم اليقين أن أبناء حضرموت لو قيل لهم أن يختاروا محافظا لهم من أي مكان في اليمن لاختاروا صالح عباد الخولاني أو عبدالقادر هلال أو من كان على شاكلتهما من أي محافظة، ولو أن أبناء عدن قيل لهم مثلا أنه سيتم تعيين أحمد الكحلاني محافظا لهم من جديد لرحبوا به ترحيبا كبيرا... لأنهم في كلا الحالتين يختارون الإدارة السليمة والنظيفة والسوية... بل إن أبناء المحافظات الجنوبية لو قيل لهم اليوم ما رأيكم لو جئناكم برئيس من الشمال هو نسخة من الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي لما ترددوا لحظة في قبوله والموافقة عليه.
لقد خرج الجنوبيون في نوفمبر 1989م لاستقبال علي عبدالله صالح وهتفوا للوحدة وهتفوا له... وفي 1994م لم يقاوموا قواته والقوات الموالية للرئيس السابق علي ناصر محمد التي قاتلت القوات الموالية للحزب الاشتراكي لأنهم كانوا يأملون أن صالح سيحقق لهم الحياة التي كانوا يطمحون إليها... لكن لأنه رئيس بلا رؤية ولا خيال ولا يفهم سنن التاريخ بقدر ما يفهم تفاصيل الجغرافيا فقد فشل فشلا ذريعا في ترسيخ الحلم الوحدوي شمالا وجنوبا... ونشأ جيل كامل في المحافظات الجنوبية لا يعرف شيئا عن أخطاء نظام ما بعد الاستقلال لكنه يعرف جيدا وتماما خطايا نظام ما بعد حرب صيف 1994م... لم يستطع صالح ولا نظامه أن يفهم احتياجات ومتطلبات مجتمع كامل لم يستطع التكيف مع متطلبات نظام السوق الذي لا يحكمه نظام وقانون كما في الغرب بل يحكمه الفساد والمزاج وسياسة (ما بدا بدينا عليه)... لم يفكر صالح ولا أحد من أركان نظامه شماليين وجنوبيين على السواء أن يستفيدوا من التجربة الألمانية وكيف رسخ الألمان وحدتهم رغم أن الوحدة الألمانية كانت منذ يومها الأول وحدة (ضم وإلحاق) فعلا لكن لأنها قامت على أسس ديمقراطية حقيقية ودولة قانون حقيقية وجدنا أن صانع الوحدة المستشار (هيلموت كول) خرج مبكرا من الحكم فنسي الألمان سبب خروجه وظلوا يتذكرونه كصانع لحلمهم التاريخي العظيم، وهاهي إبنة ألمانيا الشرقية تحكم ألمانيا اليوم وتحقق الكثير من النجاحات وتفرض نفسها كقائدة كبيرة على مستوى العالم كله... فيما سينسى اليمنيون صالح كشريك أساسي في استعادة وحدة اليمن كما نسوا علي سالم البيض وسيظلوا يتذكرونه كحاكم أراد أن يتملك وعائلته وطنا كاملا ولم يخرج من الحكم إلا على أشلاء آلاف الشهداء من خيرة شباب اليمن وأضعافهم من الجرحى والمعوقين والمعتقلين، حتى وإن خرج بتمثيلية ديمقراطية مصطنعة بإشراف إقليمي ودولي ورضا سياسي داخلي ودعوات من المواطنين أن يترك الحكم بأقل الأضرار وأقل المفاسد.
وعندما نتحدث عن الاعتذار اليوم فليس في ذلك أي عيب أو انتقاص إذ لا يعتذر عن الخطأ إلا الشجعان الأقوياء... إن كان اعتذار الشماليين للجنوبيين سيكفل استمرار الوحدة فمن الشجاعة والمروءة أن نعتذر... وإن كان الاعتذار لن يمنع تشطير الأرض لكنه سيحفظ وحدة النفوس وقوة الأواصر الاجتماعية فلابد أن نعتذر... مع أني على يقين أن أبناء المحافظات الجنوبية لا يبحثون في أعماقهم عن اعتذار من إخوانهم الذين يعلمون أنهم مظلومين مثلهم لأني أعلم يقينا أيضا أنهم يبحثون عما يبحث عنه أبناء المحافظات الشمالية... يبحثون جميعهم عن دولة يسودها العدل والنظام والقانون والمساواة والفرص المتكافئة والحياة الكريمة سواء كانت دولة واحدة أو دولتين أو أكثر، ذلك أن غياب كل تلك المبادئ والقيم أفقد الوحدة معناها وربطها ربطا خاطئا في عقولنا الباطنة بالفساد والظلم والمحسوبية والطبقية الاقتصادية والفقر والمعاناة وانتهاك الكرامة.
لقد انسقت بتجرد في كتابة هذه الكلمات وتحررت من الدبلوماسية وسكبت ما في وجداني بدون تردد ولا تنميق للكلمات... إنها خواطر مليئة بالألم والحزن تبحث عن وطن جميل يمتد من المهرة إلى صعده وتأمل أن يعطي أبناؤه للعهد الجديد فرصة عله يتمكن من تصحيح أخطاء الماضي... ليس هناك أسوأ من أن تجد بلدك يمضي نحو التمزق والتجزئة ولا تعلم يقينا هل سيعود كما كان قبل 22 مايو 1990 أم سيعود أكثر تمزقا من ذلك في ظل مشاريع صغيرة تنمو وتراها رأي العين... لذلك سيكون على اليمنيين أن يتوجوا ثورتهم الإنسانية العظيمة بثورة الجهاد الأكبر المتمثل في بناء حياتهم من جديد على أسس واضحة من العدل والمساواة والحرية وسيادة القانون وليس الجهاد الأكبر المتمثل في شعار (الوحدة أو الموت) فما نحتاجه اليوم هو (الدولة المدنية أو الموت).