|
" خاص - مأرب برس "
بصراحة ومسؤولية أتمنى على الإخوة في تاج والحوثية ,وهم حيث هم الآن في أجندتهم ووسائلهم ,أن يجيبوا على سؤال اللحظة ,وان يعلنوا عن مشروعهم على ضوء معطيات المشهد السياسي اليوم .
نحن نحسن الظن بهم ,ونعتقد بايجابية نواياهم على الأقل في منظورهم ونسقهم القيمي ,وان اليمن والمشروع الوطني هما الأولوية والهدف الاستراتيجي في قائمة حركتهم ,وان كنا نختلف معهم في موضوع الوسيلة وهم أيضا قد يأخذون علينا في ذات الموضوع ,رغم أنا جميعا نلتقي حول الهدف العام (يمن ناهض وحديث ).
إذن مساحة المشترك بيننا واسعة تتجاوز بكثير الحيز المختلف عليه ,والمقام هنا يسعنا ويسعهم, ويسع النظام الحاكم الذي نصطف في مواجهته ,ويحشد هو الآخر في مواجهتنا ,لأجل حصد اكبر كم ممكن من الصوت الانتخابي ,في إطار الهامش المتاح .
واقع الحال أن قاعدة الحركة والتحرك التي تجمعنا جميعا ,أفرادا وجماعات ,أحزابا ونخب ,وصولا للنظام الحاكم يجب أن تتمثل في لنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا عليه,والأصل والمعلوم أن المتفق عليه أكثر واكبر مساحة وامتداد, وان المختلف حوله سنة إلهية ,قوامها تكريم الله لهذا الإنسان بان خلقه حرا ,وأخرا بلونه ,وفكره كي لا تتجمد الحياة ومعها الكون كله في النمط الأحادي ,إنما يبقى التنوع هو سر معين الحياة وتجددها ,وأساس التكامل .
في ظل هذه الرؤية فانه ليس من حق هذا الطرف أو ذك أن يحتكر الحقيقة ويحبسها عليه دون الآخرين ,له وجهته ورؤيته من الزاوية التي يرى ,وعليه الالتزام بأسس ومعايير الحراك وهي ما اصطلح عليها بالثوابت ,من هنا يصح القول ويلزم القبول بفكرة أن الحقيقة ذات وجوها عدة ,قد تكون مصيبا حيث تنظر إليها فتجدها في احد الوجوه لكن الآخر ,لم يرها لأنه كمن لها من زاوية أخرى ,وهي في النهاية البصيرة والرشد في البحث عن الايجابية لدى الآخر مهما ابتعدت .
على ضوء ما سبق نعتقد أن المقاربات بين الفرقاء ,وصولا إلى التسديد والمقاربة في الفعل المستهدف ,هو السبيل الارشد ,والاقوم في كل الأحوال ,وهي اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى .
وليس بمستنكر الإقرار بأننا في اليمن وفي مجال الحريات وحقوق الإنسان اسعد حالا من غيرنا ,لا يعني هذا بطبيعة الحال غض الطرف عن فساد وعوار ومصائب الحاكم ,إنما العدل اقرب و هو سجية العقلاء ,ما هو متاح هنا خير من هناك ,والواجب أن تحصل الحركة في إطاره بقصد توسيعه ,والارتقاء بسقفه ,مع الارتقاء بقدراتنا وإمكاناتنا ,وسقفنا العام .
ليست أزمتنا سياسية صرفة ,يحمل وزرها بمفرده النظام ,بل لا زالت اجتماعية موروثة في كل مفرداتها ,ونحن جزء من هذه الأخيرة ,إن الفساد السياسي الذي أبدع في تمكينه وتمتينه الحزب الحاكم عن غيره من الأنظمة العربية ,ما كان له أن يعشعش ويفرخ ويعم ويطم ويبلغ بنا مبلغه وفي مجالاته المختلفة ,لو لم تكن هناك بيئة اجتماعية خصبة وحاضنة ومستجيبة .
وحده المجتمع اليمني ,الذي أربك وحيرا لباحثين والمحللين .
في كل بلاد الدنيا ,تستطيع أن تتوقع من خلال معطيات وشواهد معينه حصول حدث أو أمر ما فيما يتعلق بتوجهات ومسار الرأي العام ,وتأتي النتيجة تماما كما قدرتها تبعا لمقدماتها ,إذا شذت فبمقدار الخمسة في المائة ,إلا فيما يتعلق بالمجتمع اليمني فما تتوقعه قد يأتي العكس تماما ,حتى لو بلغت حرفيتك ومهارتك عنان السماء ,رغم أن الباحث يأتي حاملا معه أدواته الحرفية البالغة الدقة كتلك التي يستخدمها رجال المختبرات ,رغم أن الحاجة للمجهر هنا ليست مطلوبة فالمكونات بحجم الفيل ..
الذي نريد الوصول إليه,هو ضرورة استيعاب وتنمية المتاح ,وتحريك الهمم والطاقات فلا تجمدنا السلبية والواقعية المفرطة ,ولا تتضخم أهدافنا بحيث لا تسعها وسائلنا ولا ممكناتنا .
يبقى التساؤل الآن
وبعد أن تقدم المشترك وقدم برنامجه الشامل ومرشحه للانتخابات الرئاسية ,هل يمكن للحوثية وتاج اغتنام هذه الفرصة التاريخية ,ومد الأيادي وشدها لأجل أن يدفع الجميع نحو غد أفضل وأشرق وأبقى ..
اعتقد مرحبا وناصحا انه لا ثمة سبيل غير هذا ,فهذا بن شملان نموذج عصري مخضرم ليس وهابي حنبلي مبرمج بما يستقصي فتأباه الحوثية ,وليس فرعا لتكوينا قبلي أو اجتماعي تزعم تاج بوجود ثارات تغلبية معه ,لم تلده المؤسسة العسكرية فيقولون طبيعته لا تقبل المؤسسية والتمدن ,وليس من أرباب الشركات فيقولون رأسمالي متعولم ,إنما هو القاسم للجميع ,والفرصة التاريخية للمشروع الحضاري ,والذي يجب التأكيد عليه هنا أن هناك حقيقة واضحة جلية ساطعة لا غبش فيها ينبغي أن يعيها الجميع ,وتحديدا تلك المعارضة التي اتخذت لها سبيلا آخر وأجندة أخرى ,هذه الحقيقة تتمثل في استحالة نجاح أي مشروع يستهدف اليمن في مبناها ومعناها ,مهما كانت وسائله وممكناته وفضاءاته ,لان الأمر هنا ببساطة لا يتعلق برموز وقيادات سياسية ,إنما بإرادة ومواجهة أمه .
فبالنسبة للأخوة في تاج ومعهم غيرهم من الرموز ,فان الجميع يحمل لهم التقدير ويتفهم طفح بعض انفعالاتهم,لكن المشاعر إزاءهم تتغير تماما حينما يعلنون صراحة بمطالب تتجاوز مفهوم المعارضة الوطنية البناءة والمشروعة إلى المعارضة ضد الوطن ,ما نعتقده ونلمسه أن بعض هذه الرموز في الخارج وحتى الداخل تعتقد بجدوى المتغير الخارجي في نموذج متكرر للعراق ولغيره في ظل تسويق لعبة المصالح الدولية والإقليمية ,والحقيقة أن مثل هذه القراءات والرؤية تتسم بالسطحية وسوء التقدير ,اذ أن الواقع اليمني في نسيجه الاجتماعي ومنظومته القيمية ,وبعده الجغرافي ,يختلف تماما عن انموذجات الآخر محل المقارنة ,وهذا معناه الاستحالة المطلقة لسحب نموذج العراق أو غيره عليه ,فضلا عن ضعف الفاعل الدولي عن تكرار أي فعل مشابه لما قام به في العراق وهو يتهاوى اليوم في المستنقع العراقي تحت ضربات المقاومة,هذا ما يجب أن تقراه تاج ومعها غيرها بوضوح وأناة ,ولعلها إن فعلت اهتدت إلى توفير جهدها وإمكاناتها إلى ما يمكن أن يعود بالخير لها ولشعبها ولنا جميعا .
أما بالنسبة للإخوة الحوثيين فهم اليوم أيضا مطالبون أكثر من غيرهم إثبات موقفهم والتزامهم الوطني ,والدفع عن أنفسهم التهم المباشرة والصريحة من الآخر ,في أنهم يعملون لصالح مشروع إقليمي على حساب انتمائهم الوطني ,كما أنهم مدعوين أيضا بتجلية موقفهم الوطني تجاه الكثير من القضايا ,ومن المؤكد أن الانتخابات القادمة هي فرصتهم التاريخية ..
ما نخشاه هنا هو الذي ما زلنا نسمع عنه ونراه ,في تلك المواجهات المتقطعة والمستمرة ,والذي يدفع ثمنها المواطن المسكين حيثما كان موقعه ,وكان القوم لم يضعوا أسلحتهم بعد ,لازالوا في مقام الاستعداد والتربص ,والانتظار لما تجود به الأحداث والمعطيات الداخلية والإقليمية ,ولعل الشحن النفسي يتجه إلى نحو سنعيدها جذعة بفعل تأثير مظالم وقعت فعلا ,وبفعل الاستيعاب السلبي لدروس المقاومة اللبنانية ..
الذي لا جدال عليه أن خط السير في هذا الاتجاه لن يوصل إلا إلى مزيد من الآلام والدماء والأوجاع والأسقام التي محلها شعبنا اليمني بمفرده وإخواننا الحوثين جزء منه ,أما السلطة بوضعها الحال ,فلا أخالها تحس بأي أوجاع أو مرارة ,ولن ينتقص منها شيء ,النفقات من الخزينة العامة على حساب الكثير من الأولويات ,والدم من رأس القبيلي ,فان قتل في صعده ألاف الجند ,سارعت إلى فتح باب التجنيد ليقتتل عليه ازدحاما الآلاف من العاطلين وخريجي الثانوية العامة .
وربما تستطيع السلطة اليوم تسويق هذه القضية على المستوى الإقليمي للحصول على الكثير من الدعم المادي والغطاء السياسي ,في ظل التزامن مع الهاجس المرعب لبعض الأطراف الإقليمية تجاه المستقبل الشيعي في المنطقة والذي سيواجه بنفس آلية التعامل مع المد الاشتراكي سابقا ,فضلا عن التوظيف الحاصل لهذه القضية على مستوى الداخل وحصول الدعم الجماهيري الكبير في مواجهة ما يقال عنها أنها وحوش وأنياب مكشرة تستهدف الوحدة والنظام الجمهوري ,نفس الأمر مرر ولا زال على صعيد المستوى الدولي في إطار التعبئة والحمل على الإرهاب ,ببساطة وحده النظام الذي وظف واحسن الاستفادة ..
هذا يعني انه ليس أمام الحوثية ومعها تاج في الطرف الآخر إلا أن تكونا مع المشروع الوطني الفاعل الأجدى والأرحب الذي أعلن عنه المشترك وجسده في بن شملان , فهل يبدعا حدثا نوعيا ويضيفا وترا ونغم, ويقتنصا الفرصة التاريخية ,لأجل وطن يسع الجميع ,ويجهد له الجميع ,ويفتديه الجميع .
وتبقى الثقة في الله أولا وأخيرا ,ثم في جهود العقلاء والمخلصين ,أكثرهم تبعة واجداهم فرصة اليوم بن شملان, الأمنيات أن تمتد يداه وتتسع أحضانه للأخوة في تاج والحوثية ومعهم آخرون ,ليأتي بهم الينا والى أمهم اليمن ,القلب الكبير والحجر الدفيء ..
علي ناصر والبيض والعطاس وآخرون ,هم منا حيث القلب والساعد ,أياديهم لا زلنا نعتبرها كريمة وذات فضل ,رغم ما كان ,نحتسبها خدوش قد تعافت ,وأنها ما كانت إلا للظرف ,أبوها وأمها الحدث .
وكلمة أخيرة ...
للمشترك ولبن شملان ....أما آن للخدوش أن تتعافى وللقلوب أن تعود ,وللأحضان أن تزدحم ,بربكم سارعوا ,فما عاد بنا من قدرة على تحمل النزيف المادي والمعنوي ,لنا بكم أمل ,وانتم لها أهل ..,فهل إلى ذلكم من سبيل ؟
في السبت 05 أغسطس-آب 2006 07:37:19 م