|
عندما انسحبت الميليشيا العسكرية التابعة لعلي صالح من مدينة المكلا وقامت بتسليمها إلى تنظيم أنصار الشريعة وأطلقت كافة مساجينها، سمعنا مباشرة بأن قبائل حضرموت قررت الزحف إلى تلك المدينة لتحريرها وإعادتها إلى الشرعية، وفعلا توافدت تلك القبائل وتوجهت بعد عدة أيام بإتجاه المكلا ، وتوقع الجميع بأن المعركة لن تطول كثيرا، فأهل حضرموت وبطبيعتهم المتدينة المعتدلة ترفض هذا التنظيم الدموي والمتطرف، وتعي جيدا خطورته عليها وعلى طريقة حياتها، فحضرموت لم يسبق لهم أن أخرجت تنظيما متزمتا ، لذا وعبر كل تاريخها كانت توفد خير رسل للإسلام في كل بقاع العالم ، وكانت دعوتهم تنجح وتقابل بالترحيب والسرور والرضا.
لذا كان من المتوقع جدا بأن البيئة في حضرموت هي بيئة طاردة لمثل هذا الفكر الذي يرى في قتل الأبرياء أمر شرعي وضروري والذي يقتل ويذبح الآخرين لأنهم يختلفون معه في الفكر والمذهب، جماعة مازالت يداها تقطر دما من ما اقترفوه بحق أطباء وممرضات ومرضى مستشفى الدفاع في صنعاء، فأي جماعة تقتل أطباء ومرضى على الأسرة، هي جماعة شيطانية تحمل في داخلها كم لا يمكن تصوره من الحقد والكراهية والمباديء الغير إنسانية، فهل يعقل أن يتقبل الحضارم هكذا جماعة.
يبدوا أنه ممكن ذلك، ويبدوا أن تلك القبائل تحالفت وبايعت تنظيم القاعدة على السمع والطاعة والنزول عند أحكامها وشرائعها دون ان تطلق رصاصة واحدة، فهم وبعد زحفهم الذي استمر لعدة أيام ، وبعد تصريحاتهم النارية بأنه ذاهبون لتطهير المدينة من شرور تلك الجماعة، يفاجأ الجميع بأن تلك القبائل ما كانت إلا ضمن خطة متشابكة فيما بين علي صالح وأنصار القاعدة وبينهم أخيرا ، ليطبقوا زمام الأمر على المكلا ومن بعدها على كل حضرموت.
دعونا نرجع بالذاكرة إلى الوراء قليلا، ولنتذكر ما اطلق عليها بالهبة في حضرموت اثر مقتل احد مشائخهم على يد أحد متنفذي الشمال، وكيف صاحبت تلك الهبة ضجة إعلامية كبرى وبأنها بداية الثورة المسلحة في الجنوب نحو تحقيق الإستقلال، ولكن وبعد فترة انتهت تلك الهبة وتوارت عن المشهد دون ان نعرف ماذا حدث وما هي الصفقة التي عقدتها تلك القبائل مع سلطة علي صالح في صنعاء.
كل الجنوبيين ، ومعهم كل أهل اليمن، يرفضون وبشدة التحالف الذي حدث بين قبائل حضرموت وبين تنظيم أنصار الشريعة، ولهذا الرفض دواعيه ومسبباته المنطقية والتي تتلخص بالتالي :
أولا : ان التحالف مع تنظيم تكفيري دموي، لا يمكن له أن يجد قبول مهما كانت مسوغات ومبررات حضوره، ومن يدعي بأن هذا التنظيم هو الوحيد القادر على وقف المد الحوثي هو أدعاء باطل لا يراد من وراءه إلا إدخال هذا الفكر الفاشستي ضمن المنظومة الاجتماعية في اليمن، بينما الواقع والمنطق يقول بأن أنصار الله وأنصار الشريعة هما وجهان لشيطان وأحد وأن رفضهم الأثنان هو الموقف الطبيعي والبديهي.
ثانيا : الكل يعرف بأن أنصار الشريعة وهي أحد أفرع تنظيم القاعدة الإرهابي، وهي نتاج سياسي لتنظيم الرئيس المخلوع سابقا والمتمرد حاليا علي عبدالله صالح، وان الجميع يدرك بأن القضاء على الرئيس السابق لا يعني إلا اختفاء هذا التنظيم الذي سيفتقد لأي معنى لوجوده وسيتوقف الدعم اللوجستي والمادي له، كما أن المعسكرات التي تتبرع بكل ما تملك من أسلحه لذلك التنظيم ستتوقف مباشرة ، وسيصبح تنظيم هش وضعيف وعندها بالإمكان القضاء عليه و بسهولة.
ثالثا : أنه وتبعا لما ذكر في السببين أعلاه ، فأنه يعني وبالضرورة ان التحالف مع أنصار الشريعة لا يعني إلا التحالف مع علي صالح مباشرة وهو الذي يقود الآن حرب إبادة جماعية ضد أهل الجنوب وان هنالك مجازر دموية تتم بحق احياء كاملة في عدن وفي الضالع ولحج والصبيحة ، وكل هذا يحدث وقبائل حضرموت تبايع تنظيم الشريعة المتحالف مع علي صالح والتي تأتمر بأمره .
واضح أن الأمر استتب لتنظيم أنصار الشريعة في المكلا، وانها أسست هيئة حسبة وديوان للرواتب وبدأت تضع اللبنات الأساسية لإعلان إمارة إسلامية تحت حكمها في حضرموت ، وهذا يحدث بدعم مباشر من القبائل هناك، لذا الأمر واضح ولا يحتاج إلى الغوص او البحث في نتائجه وأن وجد أي تفسير آخر يؤدي إلى نتيجة أخرى غير ما تم الإيحاء به في هذه المقالة ، فهو امر مرحب به ، شريطة ان تكون التفاسير مقنعة ومنطقية ومقبولة ، وإلا فأن قبائل حضرموت او تلك التي ذهبت الي المكلا وتحالفت مع انصار الشريعة قد خانت الوطن والشعب والجنوب العربي.
في السبت 02 مايو 2015 04:29:38 م