|
-الحكومة تؤدي خدمة وطنية إلزامية
-الرئيس هادي لديه أجندة وطنية وليست شخصية
-لا مستقبل لليمن إلا موحداً
- السعودية أسخى المانحين وتحتضن الملايين من أبناء اليمن
-إيران تدعم من يشهر السلاح في وجه الدولة
برؤية ثاقبة لسياسي محنك ومثقف تربطه علاقة حميمية بالكتاب وصروح المعرفة، وتشهد على جرأته وصراحته قُبة البرلمان، كما تمتزج في شخصيته الأصالة والمعاصرة.. وزير الإعلام الأستاذ/علي أحمد العمراني في حوار خاص مع «الجمهورية» يشخّص الواقع الراهن ويستحضر التاريخ وتجارب الأمم والشعوب ويستقرئ علاقة اليمن بالإقليم من زاوية تحليلية لاتخطئ، فقد سبق أن صدر له كتاب حول العلاقات اليمنية - الخليجية.
يقول: إن مشاكل اليمنيين تكمن في سوء الإدارة وغياب العدل، لكنه يعول كثيراً على الرئيس هادي في إخراج اليمن إلى بر الأمان واستعادة ألق الثورة والوحدة والجمهورية..
حــاوره – سمير اليوسفي
ونحن نحتفل بذكرى الثورة اليمنية هل هناك مذاق خاص للاحتفال هذا العام.. خصوصاً مع ما أفرزته ثورة الربيع العربي؟
بالتأكيد هناك مذاق خاص للاحتفال هذا العام.. منذ سنين كان يشعر الناس أن الثورة اليمنية قد سُرقت وأُممت، والناس بين محبط وساكت أو متواطئ ومشارك، الآن نستطيع أن نتحدث عن استعادة الجمهورية وعودة ألق وقيم الثورة التي تناساها كثيرون.. ويجب أن يظل النضال مستمراً حتى يحافظ على ثمار ثورة الشباب.. وهناك حاجة ماسة إلى تحالفات واسعة تقوم على قيم الاصلاح ومقتضيات التغيير ومبادئ الثورة.
هل تريد القول: إن هناك مخاطر على ثورة الشباب؟
هناك تحديات لكنها ليست مخاطر.. والذي ألهم الشباب العرب إلى النزول إلى الميادين وتقديم التضحيات الجسام بصدور عارية سيكفل حفاظهم على مكاسبهم.
كيف تقيّم أداء الحكومة؟
حكومة الوفاق أقرب إلى أن تكون حكومة خدمة وطنية إلزامية وقد حققت نجاحات متعددة لكنه ليس منتظراً منها أن تتغلب على كل التحديات المتراكمة منذ سنين في فترة وجيزة.. ونتعجب أحياناً من وسائل يسميها البعض إعلام ثورة مضادة، ولاينطبق عليها مفهوم الإعلام المعارض، هذه الوسائل ليس لها من شغل سوى التثبيط والتشويه والتضليل.. يتحدثون عن مشاكل التعليم وكأنها بنت الساعة ومثلها الكهرباء والصحة وغير ذلك وقد يتحدثون عن قيمة تذكرة سفر ويغضّون الطرف عن مليارات منهوبة.. ومن غير شك هناك أخطاء وجوانب قصور ويجب تقبل النقد في ذلك والترحيب به.
كيف تقيّمون جولة الرئيس هادي الخارجية؟
زيارة ناجحة وكان مقدراً لها أن تكون كذلك، الرجل يحظى باحترام كبير ومتزايد يوماً إثر يوم، كما أن الثقة تتعزز في شجاعته وحكمته، وهو أيضاً صاحب مصداقية ويتعامل مع الداخل والخارج بثقة وصدق الرجل الذي يعني مايقول.. ولعل النجاحات الكبيرة في الداخل التي تحققت بقيادته انعكست في الاهتمام والحفاوة والتقدير الذي حظي به الرئيس هادي في الخارج.. الرئيس لديه أجندة وطنية وليست شخصية، وفي الوقت الذي لايتسرّع لكنه مقدام وغير هيّاب ويكفي أنه قَبِل أصعب مهمة في أخطر ظرف، بعد أن رفض في البداية بشكل مطلق وحاسم، وهو رفض بشكل حقيقي ويعرف ذلك كل القريبين منه وكبار قادة الأحزاب، لكنه حينما رأى أن لامناص قَبِلَ وإن كان على مضض.. فقدر الرئيس هادي وقدرنا معه تحمل المسئولية في ظرف استثنائي وبالشجاعة والرجولة التي يتحلّى بها هذا القائد المحترم وبمؤازرة أبناء اليمن ستتجاوز اليمن التحديات الكبيرة الماثلة وكل المخاطر، وكل يوم سيكون أفضل وكل شهر أفضل مما سبقه وهكذا إن شاء الله.
ماذا عن الوصايا الست التي قيل أن الأمريكيين قالوها للرئيس؟
كل تلك الوصايا من نسج خيال مروجيها فهناك من يتفوقون على أبرع الروائيين في نسج القصص والروايات.. ولابأس لو كان ذلك لايضر بمصالح البلاد.. ولابأس لو كان مايقولون حقيقة حتى ولو كان مضراً..!
هناك من يشخّص الحالة في اليمن بأنها صراع بين السعودية وإيران؟
هناك فرق بين من يؤازرك ويسندك ومن يؤذيك ويعرقلك فما بالك من يسعى في الخراب، أقصد الفرق بين الدورين السعودي والإيراني.. إيران تؤذينا بأشكال متعددة، والمملكة العربية السعودية تدعم الدولة اليمنية في أوجه متعددة هي أسخى المانحين، وتضم بين جنباتها ملايين من أبناء اليمن الشرفاء الذين يعولوا أسراً كريمة.
السعودية يقلقها زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن، وقد رعت مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية والتي أكدت على وحدة اليمن.
الإخوة في إيران بإمكانهم أن يفعلوا أشياء كثيرة لصالح اليمن وسنشكرهم لو فعلوا، لكنهم لم يفعلوا.
كان المتوقع أن يدعموا استقرار اليمن ووحدتها وتنميتها ويقفوا مع الدولة اليمنية وقيادتها ومع خمسة وعشرين مليون إنسان بدلاً من إسنادهم فئات محدودة وشراذم متطرفة، هنا وهناك.. للأسف، يدعمون كل من يُشهر السلاح في وجه الدولة في الشمال، ويفعلون الشيء نفسه مع المتطرفين الإنفصاليين في الجنوب.. يدعمون كل ما يضر باليمن، ووجدوا ضالتهم في المتطرفين بكافة مشاربهم.
إيران جارة العرب منذ الأزل وسنبقى نحن وهم هكذا أبد الدهر.. ونتطلع إلى أن تكون العلاقات أفضل مع مرور الزمن، نحن في اليمن لانؤذي أحداً فلماذا يؤذوننا ويستغلون جهل البعض أو غلواءهم ويستغلون ظروف اليمن الاستثنائية الصعبة.
في سياق تبادل التُهم قد يفسر البعض ما تطرح الآن بأنه يندرج في سياق الاستقطاب وأنك موالٍ للسعودية..؟
لا، والله إنا موالٍ لبلادي وتهمني مصالح شعب اليمن لكني لا أكره أحداً.. ولا أجد غضاضة في أن أسمي الأشياء بأسمائها، وأعبّر عن الشكر لمن يقدم لليمن أي شيء.. طبعاً أنا لا أتكلم عن وضع مثالي، بالعكس كان ولايزال بإمكان إخواننا وأشقائنا أن يفعلوا الشيء الكثير من أجل اليمن.. سبق وقلت في مناسبات سابقة: إن اليمن تحتاج إلى مشروع مارشال خليجي.. ودائماً يشعر المرء بالخذلان عندما يشعر أن هناك من بإمكانه نجدته لكنه لايفعل.. في السابق كثيرون لم يساعدوا اليمن بما فيه الكفاية وكان بالإمكان.
الكاتب الكويتي محمد الرميحي قال في مقال نشره مؤخراً: إن مايقدم لليمن الآن لايحقق التنمية وإنما يهدف إلى تحقيق شيء من السلام الاجتماعي.. اليمن تحتاج التنمية الشاملة.
يدور حديث كثير حول أشخاص يستلمون من السعودية.. فهل تستلم أنت أي مبالغ؟
أسأل الله أن يُغني أهل اليمن من فضله.. أنا لا أستلم، لكن أتعجب من بعض الإخوة عندما يقولون: أنا لا أستلم شيئاً من السعودية أو غيرها، لكنه غارق إلى أذنيه في نهب المال العام بطرق شتى وعلى نحو فاضح.. النزاهة كُلّ لايتجزأ.
الرميحي الذي استشهدت به عزا مشاكل اليمن إلى عُسر الإدارة وهيمنة القبيلة؟
إلى حد بعيد ماقاله الرميحي صحيح، لكن الأمر لايؤخذ على إطلاقه.. تبقى الإدارة مشكلة لكن حلولها ليست عصية.. أما القبيلة فهي مظلومة وقد تكون أحياناً ظالمة حتى لنفسها.. أبناء القبائل يحتاجون إلى دولة حازمة وعادلة.. ونسب أمين الريحاني عبارات قالها الملك عبدالعزيز في حضور السير «بيرسي كوكس» وحضور شيوخ من قبائل العراق، مفاد تلك العبارات: أن لاتترك القبيلي يركب على ظهر الدولة.. لأنك إن فعلت سينتهي كل شيء إلى فوضى.. لا أمن ولا أمان ولادولة.. طبعاً الملك عبدالعزيز قبيلي وكذلك محدثك الآن، العبد الفقير إلى الله، لكن لابد من دولة حازمة وعادلة.. الماضي لايزال ماثلاً ومؤثراً.
كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقة بين اليمن والسعودية؟
مجتمع الجزيرة العربية مجتمع واحد في دول متعددة، ومثلاً فإن مذحج وهي القبيلة التي ينتمي إليها أكثر اليمنيين تتواجد في السعودية بكثافة ولاتقل عن نسبة تواجدها في اليمن، وأنا على يقين أن مسألة شكل من أشكال الوحدة بين أبناء الجزيرة هي مسألة وقت وبالطبع بين العرب في النهاية.
تحدث الدكتور/أحمد داؤود أوغلو وزير خارجية تركيا عن تصفير مشاكل بلاده مع جيرانها.. وأرى أهمية تصفير مشاكل اليمن مع جيرانها ولكن قبل ذلك لابد لأهل اليمن من تصفير مشاكلهم مع بعضهم، وهذا ما سيحصل بإذن الله.. مشاكل الحدود مع عُمان والسعودية انتهت، ويجب أن نتطلع إلى شكل من أشكال الاتحاد مستقبلاً... دول أوروبا كانت لديها مشاكل حدود وحروب واجتياحات كان آخرها قبل ستين عاماً، الآن ينتقل الأوروبيون بحرية وبلاقيود عبر تلك الحدود التي غالباً ما كانت ملتهبة ومخضّبة بالدماء.. أحلام الأوروبيين ولدت من بين الأشلاء والدماء والدمار.
منذ يومين مُنحت جائزة نوبل للسلام للاتحاد الأوروبي تقديراً واعترافاً بجهود أبناء القارة في الحفاظ على السلام، طوال ستين عاماً ونحن نعلم أن السلام لم يكن القاعدة في تلك القارة.. كانوا يجدون ضالتهم في الحروب والقتال لكنهم وجدوا في الأخير أن السلام هو الحل وأن التعاون والتكامل بل والوحدة هي الحل، لم تعش أوروبا في وضع أكثر استقراراً وازدهاراً أكثر مما هي عليه الآن، مع أن بعض قادة أوروبا اليوم ولدوا بين أشلاء ودماء ودمار الحرب العالمية الثانية.. بإمكاننا أن نتسامى فوق آلام الحاضر وجراحات التاريخ، ومن حقنا أن نحلم، ومن واجبنا أن نعمل بلا كلل في سبيل تحقيق أحلامنا المشروعة، العالم يتغيّر ولن نكون استثناءً عنه ولعل الربيع العربي خير شاهد.
لكن الاتحاد الأوروبي يعاني من مشاكل ذات طابع اقتصادي فهل يصلح أن يكون أنموذجاً؟
ألم الولادة وتعثرات الطفولة إن جاز التعبير.. لكنهم مع الزمن سيتجاوزونها في تقديري.. حتى الاتحاد الأمريكي تعرض لأزمة وحرب أهلية بعد حوالي تسعين عاماً من تأسيسه ومع ذلك استمر الاتحاد، وبالتأكيد لا أظن الأمريكيين نادمين الآن على انتصار الوحدة.
ماسبق سيقودنا إلى الحديث عن الوحدة اليمنية؟
صادف أن زارني قبل أيام مدير في المعهد الديمقراطي الأمريكي وهو من كندا وأثناء الحديث عن إقليم كيبك قال لي مدير المعهد: لقد فاز الحزب الانفصالي في الانتخابات الأخيرة.. وقلت له: هل يعني ذلك أن الانفصال سيتم؟ قال: كلا.. لقد فاز الحزب من قبل لكن الانفصال لم يتم.. ثم أضاف: يجري الحديث عن الانفصال في كندا منذ مائة عام.. قلت: أما نحن فيجري الحديث عن الوحدة منذ مائة عام وبغض النظر عما يقال وعن الأصوات العالية، الوحدة اليمنية ستستمر ولامستقبل لليمن إلا موحداً، آباؤنا في الشمال والجنوب آمنوا بالوحدة من قبل ولم يكونوا عابثين ولا طائشين، ونقر أنهم لم يكونوا بلداء كانوا أفضل حالاً من كثيرين منا الآن، حيث أصبح يسود الجشع والهوس والتضليل والضلال.. نحن نؤمن بوحدة العرب فما بالك بوحدة اليمن.. وبالتأكيد الوحدة القائمة على العدل والمساواة.
وقال لي: إن المعهد(المعهد الديمقراطي الأمريكي) أجرى بحثاً في الجنوب مؤخراً وتبين أن أكثر من 75 % من أبناء الجنوب مع الوحدة.. وقلت له: لولا التعبئة وتحميل الوحدة ظلم الظالمين وعبث العابثين، لوجدت أن 100 % من أبناء الجنوب مع الوحدة، وبالتأكيد ستجد أنهم جميعاً ضد الظلم والتهميش.. أصحاب الأصوات الصاخبة لايعبروا عن الشعوب غالباً.
باختصار وبكل وضوح لا مستقبل لليمن إلا موحداً.. ويؤسفني عندما يصير صوت الانفصاليين عالياً وصوت الوحدويين خافتاً وهم الغالبية.
سيرد آخرون على هذه المقولة بأن صوت الفساد ظل مزمجراً وهو السبب في علو الصوت الإنفصالي؟
لقد قدم الشعب مئات الشهداء لإخراس صوت الفساد في العام الماضي، وهو في طريقه إلى الإجهاز عليه.
كيف تنظر إلى مستقبل الرئيس صالح؟
آخر نصيحة قدمها للرئيس السابق علي عبدالله صالح هو رئيس يمني سابق آخر هو الأستاذ/علي ناصر محمد.. مفاد تلك النصيحة هو أن يترك الرئيس صالح البلد لبعض الوقت.. كثير ممن اختلف مع الرئيس علي ناصر يلقاه اليوم باحترام، ويخاطبه.. سيادة الرئيس، وقد فعلوا ذلك مع الإرياني والسلال من قبل، وقطعاً سيفعلونه مع علي عبدالله صالح إذا غادر، حتى كثيراً من خصومه سيفعلون.. نحن شعب متسامح وينزل الناس منازلهم إن أدرك أولئك الناس ما الذي عليهم القيام به في كل حين.. لابد من مغادرة صالح لبعض الوقت، ويترك الأمر للرئيس هادي ليصلح ما أفسد الدهر وغير الدهر.. وعلى المحيطين به تركه في حاله الآن وأن يعتمدوا على أنفسهم.. أجزم أنه يحتاج إلى الراحة.. واليمن تحتاج إلى الراحة.. والتقاط الأنفاس.. لو كنت مكانه سأفعل.
ومستقبل اليمن كيف ترونه؟
بخير إن شاء الله.. هناك حاجة إلى تحالف واسع من أجل اليمن.. شريطة أن يقوم التحالف على أسس التنقية من الشوائب والفساد.. وهناك حاجة إلى مصالحة تاريخية لايُستثنى منها أحد.. على المستوى الشخصي أتعامل مع بيت حميد الدين باحترام وإخاء عكس ماكان عليه الحال من عشرين عاماً.. بقي لهم أن يسلّموا بأن الجمهورية ستبقى إلى الأبد وإن الإمامة مجرد تاريخ.. وممكن أن نرى منهم رئيساً لليمن يوماً.. هذا لايعني أن الأنظمة الأخرى سيئة.. كُلٌّ له ظروفه وحيثياته ودواعيه.. والتطور هو في اتجاه حكم الشعوب.. خذ فرنسا وبريطانيا.. نظام ملكي في بريطانيا، وجمهوري في فرنسا.. كُلٌّ له سياقه التاريخي.. لكن حقيقة وجوهر الحكم شعبي في البلدين في التحليل النهائي.
كانت الفيدراليه هي أحد الخيارات المطروحة قبل 1990م.. لكنه تم التوافق على الوحدة الإندماجية، ولوتمت الوحدة على أساس فيدرالي آنذاك لقبلها كل الناس، وفي حقيقة الأمر لا أرى المشكل أو الحل يكمن في طبيعة شكل الوحدة أكان فيدراليًا أو إندماجياً، لكن الإشكال يكمن في سوء الإدارة وغياب العدل، إذا حسنت الإدارة وتوفر العدل، وانتهت المظالم لن يهتم الناس حينها بشكل الدولة طالما توفر لهم العدل والإنصاف، وعودة إلى فكرة الفيدرالية هناك من يتساءل مستغرباً: لماذا يصر البعض على أن تكون الفيدرالية على إقليمين؟.. إذا كانت الفيدرالية مزية فيجب إلا يُحرم منها التهاميون والتعزّيون وأبناء صعدة وأهل حضرموت، وكذلك أهل البيضاء التي تحيط بمحافظتهم مناطق جنوبية من ثلاث جهات، إذا كانت الفيدرالية مزية فمن حقهم الاستفادة منها، أعتقد أن وثيقة العهد والاتفاق التي توافق عليها اليمنيون بمختلف مشاربهم عام 1994م والتي تحدثت عن إنشاء عدة أقاليم هي الأكثر منطقية والأفضل للحكم، حيث أخذت في الاعتبار اعادة التقسيم الإداري على أسس منطقية يغلب عليها الجانب التنموي.
أما بالنسبة لنظام الحكم المركزي فهناك من يتبنى النظام البرلماني، وهناك من يتبنى النظام الرئاسي.
آمل ألا يتسرّع اليمنيون في تبني أحد هذين النظامين قبل التمحيص فيما يناسب اليمن، وما أراه مناسباً لليمن هو النظام الذي يتحقق فيه جوهر الديمقراطية ومعناها، ويتجسد فيه الأمن والاستقرار.
برأيكم أيّ نظام أنسب لبلادنا؟
نلاحظ أن كثيرين يظنون أن النظام البرلماني هو الأنسب لليمن، وغالباً ما يقيسون على تجربة بريطانيا أو ألمانيا، لكنهم ينسون أن الدول المتقدمة يمكن أن ينجح فيها أي نظام لأنها بلدان متطورة اقتصادياً واجتماعياً ومعرفياً ويتجاهلون أيضاً فشل النظام البرلماني في دول العالم الثالث ولنأخذ مثلاً تجربتي العراق ولبنان.. اضطراب مستمر، لا استقرار سياسي، اغتيالات، محاصصة على أسس متعددة منها ماهو عرقي وطائفي.. ولعلك تتذكر تشكيل الحكومة العراقية الأخيرة فقد أخذوا يتفاوضون قرابة (7) أشهر على تشكيلها، أما قصة لبنان فمعروفة للجميع.
وانظر أيضاً إلى تجربتي باكستان وبنجلادش.. اضطراب مستمر لأكثر من (60) عاماً وفساد منقطع النظير، ومنذ أكثر من عشر سنوات قال المفكر الباكستاني طارق علي الذي يعيش في بريطانيا: أن دور الأحزاب المدنية التي تتزعمها أسر مثل أسرتي بوتو وشريف غالباً لايتعدى التمهيد لحكم العسكر، الذين يأتون إلى الحكم برغبة شعبية لأن تلك الأحزاب التي تتزعمها أسر سرعان ما تفشل ويستفحل فسادها فينتهي الأمر إلى حكم عسكري ونتذكر في هذا الصدد العسكر الذين حكموا باكستان مثل أيوب خان وضياء الحق وآخرهم برويز مشرف.
أما تجربة بنجلادش فقد انتهت إلى تحالفات وصفقات بين نساء الزعماء الذين قضوا اغتيالاً أو سجنًا.. ليس هذا فحسب لكن النظام البرلماني في دولة متخلفة يؤدي إلى أن تكون الأحزاب وقياداتها مطايا لتدخلات خارجية، والخلاصة فإننا نرجّح أن يؤدي النظام البرلماني إذا ما تم تطبيقه في بلادنا إلى اضطراب مستمر وقلاقل لاتنتهي وبالتالي يصعب التنبؤ بأن التنمية ستنجح والاستقرار سيتحقق، وعلى فكرة يقول الفقيه الدستوري دوفرجيه: أن العالم يتجه عمليًا نحو النظام الرئاسي وقال إن السلطات التي يتمتع بها توني بلير أو مارجرت تاتشر أوسع من السلطات التي يتمتع بها رونالدريجان، اوبيل كلينتون، لأن رئيس الوزراء في النظام البرلماني يملك الأغلبية في البرلمان ويستطيع أن يمرر التشريعات والموازنات التي يرغب بها كيفما يشاء ومثل هذه المزايا والسلطات لايتمتع بها الرئيس الأمريكي المنتخب لأنه عادة لايملك أغلبية في الكونجرس وأضافةً إلى ذلك فإن مارجريت تاتشر وتوني بلير مكثوا في السلطة أكثر من الرئيس الأمريكي وتركوا السلطة بعد أن ملتهم أحزابهم.
أما النظام الرئاسي الذي أرى أنه مناسب لليمن فيكون فيه رئيس الدولة مدنياً وكذلك وزير الدفاع، بمعنى سيطرة المدنيين على الجيش، أما الرئيس إذا كان عسكرياً سابقاً فيجب أن تمر عليه 5 سنوات بعد تركه للخدمة حتى يكتسب الشخصية المدنية.. وفي النظام الرئاسي يجب أن ينص الدستور «ضمن المواد الدستورية التي لا تقبل التعديل تحت أي ظرف» على فترة واحدة مدتها سبع سنوات؛ مثلاً لا تتجدّد، أو فترتين رئاسيتين لا تتعديان عشر سنوات، وهي فترة معقولة وكافية لرئيس الدولة لينجز فيها برنامجه ومهامه ولا يستطيع أحد أن يطيح به خلال فترته لاتحت ذريعة الانتخابات المبكرة التي تنتج عن اضطرابات واعتصامات تقودها المعارضة، أو حل التحالفات التي قد تنشأ في ظل النظام البرلماني.
ومن مزايا النظام الرئاسي أنه يتضمن الفصل بين السلطات الثلاث، فلا تهيمن السلطة التنفيذية على البرلمان مثلاً، ومن مزاياه أيضاً أنه يقوم على الانتخابات والاختيار مثل النظام البرلماني لكنه يفضله بالاستقرار السياسي في رأس الدولة الذي لا يتغير إلا بانتهاء مدته.
*صحيفة الجمهورية
في الثلاثاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2012 12:58:31 ص