|
قد يجد الإنسان ذاته أمام صورة من صور العذابات وهو يعاني من اجل أن يوفر لقمة عيش – لقمة لا أكثر – بها يحفظ حياته إلى الغد ،ويستطيع أن يصارع الكوابيس والأحلام .
دائماً تظل الحياة هي كتاب الأحلام المفتوح والتوقعات الغريبة والنادرة المقلقة أحياناً ،وفي ظل هذا العراك الذي تكون وسائطه القلوب والعقول يدخل الكائن في مساحة متباينة من جغرافيا الحزن والوله والانكسار.
تارة يكون هو سيد العالم ،وتارة أخرى ذلك الغريب الباحث عن بيئته وحقيقته .
رحلة من الألم والشظف والمسرات ،في بعض الأحيان يكاد المرء يبحث في طياتها عن الابتسامة المرحة الحلوة ،الجمال الحقيقي النابع من القلب ،ربما الجنون الذي يجعله ينثر الأحلام على قارعة الأمل منتظراً نهاية سارة لمفأجات الحياة الكثيرة .
بين لحظة وأخرى وداخل ساعات المكابدة يجد الكائن روحه تتقلب من وطن إلى وطن ومن جغرافيا إلى أخرى ومن مناخ بارد إلى حار ومن قلق جميل على قلق مدمر،يطوف في عوالم من الأزمنة والتيارات حتى لايرى موقع ذاته .. أين تكون ؟
هل يتوقف هنيهة صغيرة يستفتي الفؤاد : من أنا ؟ ومن أكون ؟ وفيما أرغب ؟ وهل بدأ شوط الحياة أم أنه انتهى ؟
ربما تبدو – ومع مجهر التأمل في دقيقة صفاء مسروقة من عالم تائه – كل الأشياء غائصة في مجرات من التيه الذي تكابده " الذات " تيه البحث عن تلك الجغرافيا الغائبة ،المسقط الخفي السري ،الذي عندما تدركه الذات ذات يوم تكون قد دخلت نهر الأفراح الكبرى ،مهلاً هل ثمة نهر جميل آخر ؟نهر من صدق الإنسانية ولعبة الزمان المريرة ؟أم نهر من جنون الرغبة والاشتياق ؟
لا أكاد أفهم أي شكل من أشكال العالم المرئي ولا الغائب ،ولا أكاد أمتلك الجرأة على العيش في مدارات الوله بحثاً عن حريته المسلوبة في إطار الصورة التي حكمت على نفسي بالدخول في عالمها المجهول من قبل .
يبقى أن انتظر المجهول الغائب ،وأن أصارع بقية من صندوق كوابيس العالم الذي لايرحم ،صندوق السحر الذي يجعل الفضيلة قطعة معدن نادرة وجوهرة ضائعة في محيط عميق من الأشواق المضطهدة .
وربما أرى الروح منشطرة منكسرة غير قادرة على الرؤى والأحلام ، وابتكار فك حبكة اللعبة السرية والمستفزة لعالم لايقبل الإ الانقسام على الصدف والبدائل المريبة .
وهاهي الأيام تمضي أيها القلب أيتها الروح ،كل شيء يدخل في غابات الموت ،كل شيء يغادر الصحو ويرعب الإنسان ،الأشياء جميعها تذوب في مفرقعات الوقت ،الوقت في أتونه اللعوب وفي ألحانه الباهية .
قد يقول لي صديق ما إنه الغضب الذي يحّول الإنسان إلى قطعة بليدة متبلدة ،صوت بلا حناجر،ورق بلا حبر، انكسارات ظل بلا شموس دافئة،ولكن مهما يقل الأصدقاء جميعاً فإن الضمير هو الحكم الذي سوف أعول عليه .
سأحاول أن أتصالح معه ، أحبّه ، أقول له أنا ابن مجالك المغناطيسي فأسرع إلى اجتذابي خارج دائرة حريتي المبتذلة وحررني من رحيق مختوم بالعذابات .
سيرد علي الصدى ويخبرني أن المغامرة ضرورة لابد منها من أجل المعاش ،وأن أدخل أكواناً من الخوف والتنافر .. ومرة أخرى لأعود مجدداً : أيتها الروح المرهقة متى تكون الراحة ؟ ومتى يتوقف رنين جرس التيه والدوران ؟ ومتى أغامر بشرف وحرية خاصة ولعنة محببة للحر،الحر الذي يكتسب طيفه من كل أطياف الوجود ،ومن المعاني المستترة في ضمير الإنسانية .
ترى هل يكون ضميري " أنا " وهل هو لدى " غيري " في هذا الوجود إنسانياً ؟
وهل أتسلح ذات يوم بلغة الحب المدرك والمعلن ؟وهل أكون وقتذاك قادراً على صياغة خطاب الجمال والحرية ضد كل أشكال الاستلاب والهزيمة النفسية.. ربما .
alammary2020@hotmail.com
في السبت 21 يناير-كانون الثاني 2012 05:04:39 م