آخر الاخبار

مصادر عسكرية صهيونية تقول بأن جيش الاحتلال تدرب منذ شهور في إحدى الدول على ضرب بنك أهداف باليمن بايدن يعلن انسحابه من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 عقب ضربات الحديدة الاستعراضية.. صحفي يمني يحرج واشنطن وتل أبيب وذيل طهران في اليمن بهذا التصريح زعيم المليشيات يحتفي علناً بالعدوان الإسرائيلي على الحديدة الاستخبارات الأميركية تحذر من تورط روسيا في دعم الحوثيين وصحيفة أمريكية تكشف عن تحرك لإعداد قائمة واسعة من الأهداف الحوثية لضربها أردوغان يكشف عن رغبته بفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية لهذه الأسباب؟ تحالف اقتصادي يقوده الوليد بن طلال للاستحواذ على أطول برج في العالم بمدينة جدة 17 وكيلا يعترضون على صرف مرتبات وأجور و نفقات كبار قيادات الدولة بالدولار الأمريكي ويكشفون حقيقة كشوفات الإعاشة عاجل.. تسجيل أدنى قيمة على الإطلاق للعملة اليمنية في مناطق الشرعية ''أسعار الصرف الآن'' بماذا رد الحوثيون على هجوم إسرائيل في الحديدة؟

في مقام الرثاء والإعذار
بقلم/ فهمي هويدي
نشر منذ: 10 سنوات و 10 أشهر و 21 يوماً
الخميس 29 أغسطس-آب 2013 04:57 م

هذه لحظة حزينة وبائسة في تاريخ العرب. أن يترقب الجميع ويرحبون بانطلاق طائرات حلف الناتو من قواعدها لتقصف دمشق أملا في إسقاط نظامها الوحشي. الأمر الذي يضعنا أمام جريمتين لا جريمة واحدة. جريمة إقدام الغرب على إسقاط نظام عربي، وجريمة حفاوة العالم العربي بتلك الخطوة. والثانية أخطر من الأولى، لأن عدوان الغرب ليس جديدا ولا يفاجئنا كثيرا، لكن الحفاوة العربية بالعدوان هي التي تصدمنا. ذلك أنها تكاد توحي لنا بأننا بصدد عرب من جنس آخر غير الذي نعرفه. عرب تشوهوا حتى صاروا كائنات أخرى غير التي قرأنا عنها في مؤلف ابن حجر الهيتمي «مبلغ الأدب في فخر العرب» وكتاب مرعي الحنبلي «مسبوك الذهب في فضل العرب».

لست في صدد اللوم والاتهام، ولكني في مقام الإعذار والرثاء لما آل إليه حال الأمة، والنقمة على بشاعة الاستبداد الذي أوصلنا إلى تلك الحالة، حتى أصبحت شعوبنا تفضل هوان الترحيب بالعدوان الغربي على عذاب ومذلة البقاء في ظل الحكم الوحشي. وصار خيارنا محصورا بين تعاستين. وعذابات السوريين من نوع خاص يفوق قدرة البشر على الاحتمال. وحين نلاحظ أن تلك العذابات التي بلغت حد الإبادة تدخل الآن عامها الثالث، فإن ذلك يصور لك فظاعة وقسوة الجحيم الذي عاش في ظله الشعب السوري خلال تلك الفترة.

 الظلم الذي استشرى وتوحش لم يدمر مجتمعاتنا فحسب، ولكنه شوه ضمائرنا أيضا حين سحق إنسانيتنا وداس على كبريائنا حتى صرنا نلتمس الخلاص على أيدي من يوالون أعداءنا ولا يتمنون الخير لنا، فاستبدلنا ذلا بذل.

 السوريون معذورون. صار أملهم في البقاء على قيد الحياة معلقا على غارات حلف الناتو. ورسائل المقاومين هناك ظلت تلح في دعوة واشنطن إلى التدخل أسوة بما حدث في العراق وأفغانستان. وفي الأخبار الأخيرة أن قيادة المقاومة سلمت حلف الناتو قائمة بالأهداف التي يتعين قصفها وتدميرها في سوريا. الإدارة الأمريكية ظلت تتمنع إلى أن استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي في «الغوطتين» وحينئذ أعلنت واشنطن أن ذلك السلاح يمثل خطا أحمر وأن صبرها قد نفد. قتل أكثر من مائة ألف سوري وتهجير أربعة ملايين وتدمير أهم معالم البلد، ذلك كله كان يمكن أن يمر، ولم يمثل في نظرهم تجاوزا للخط الأحمر.

 لأن الأقطار العربية أماتت السياسة وخاصمتها، فإن الحل السياسي للأزمة السورية صار أضحوكة، فلا نظام دمشق قبل به ولا لجنة الجامعة العربية كانت جادة فيه. من ثم فإن المراهنة الحقيقية ظلت محصورة في التدخل الغربي إما بتوفير السلاح أو باستخدامه. الأخطر من ذلك أن الشعوب العربية انصاعت وسارت في الركب، تحولت بين متفرج على ما يجري ومهلل له. هذه الشعوب التي كانت تخرج غاضبة وهادرة في الستينيات معلنة الرفض والتحدي للوصاية والتآمر الغربي، تحولت إلى قطعان من الحملان المستكينة والوادعة. كنا في الماضي نتحدث عن أنظمة مهزومة وشعوب حية. لكننا اكتشفنا في نهاية المطاف أننا صرنا بإزاء أمة مهزومة، سكتت على ما يجري في فلسطين ولم يعد يستفزها التوحش الإسرائيلي والتغول الاستيطاني ولا اجتياح قطاع غزة إلى أن بات التنسيق الأمني ضد المقاومة بين رام الله وتل أبيب من قبيل التعاون مع الدول «الصديقة». قصم ظهر السودان بالانفصال، ولم تتوقف مساعي تمزيقه، وظل العالم العربي ساكنا يتفرج. جرى احتلال العراق وتدميره ولم نغادر مقاعد المتفرجين. عربدت طائرات «درون» (التي تعمل دون طيار) في سماء اليمن واستباحت فضاءها الذي وزعت فيه الموت بغير حساب، ولم يغضب ذلك لا حكومة اليمن ولا أمة العرب. وبعدما انتشرت القواعد العسكرية في ربوع العالم العربي، وصارت مطارات العرب وبحارهم في خدمة الأهداف والخطط العسكرية الأمريكية، فقد صارت الإجابة حاضرة وبليغة على سؤال نزار قباني في قصيدته الشهيرة: متى يعلنون وفاة العرب؟ تحدث عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد عن التدمير الذي يحدثه الظلم في حياة المجتمعات، فيشيع بين الناس «الخصال الملعونة» ويدفعهم إلى «التسفل»، وذلك نتاج طبيعي لسلوك المستبدين الذي يطيح بالقيم النبيلة ويقيم بدلا منها نموذجا للبطش والفساد. ومن هذه الزاوية يقدم لنا الكواكبي تفسيرا للخنوع والانبطاح الذي نشهده في العالم العربي. لكنني لا أستطيع أن أتجاهل في هذا السياق الأثر الذي أحدثه غياب مصر عن الساحة العربية وتقزيم دورها خلال العقود الأربعة الماضية. وهو ما حول العالم العربي إلى جسد بلا رأس وسفينة بلا ربان، الأمر الذي أسهم بقسط كبير فيما وصلنا إليه الآن من تيه وانكسار ــ والله أعلم.