من رحم الثورة .. الشعوب تفكر بشكل ممتاز ..!!
بقلم/ فهد سلطان
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الأربعاء 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:32 م

الواقع الثقافي والفكري المتولد من ربيع الثورة العربية الحالية, أنار لنا الكثير من المفاهيم التي كانت معطلة أو مبعدة أو مختفية أحياناً وبفعل فاعل , وتحت تبريرات أكثر ما تصوف بأنها لا تعدوا أن تكون أوهام في رؤوس أصحابها فقط, ويكفي هذا الثورات وما أحدثته من تغير في جسد البنية (الفكرية والثقافية والسياسية) وما ينبني عليه من إعادة ترتيب كثير من المفاهيم والمصطلحات بشكل أساسي وجذري , فما أحدثته الثورات اليوم من إعادة الشعوب إلى الصدارة وهي المعادلة الأهم في الثورة في ضل التهميش المستمر الذي نالها خلال قرون ماضية وما يتمثل في هذا العودة من واقع جديد ليس أدنى فائدة هو رحيل الاستبداد والتسلط الذي توجد في ظل هذا الغياب أو قل التغييب ,كما ترتب على هذا الحضور هو دحضت شبهات كثيرة , إحدى هذا الشبهات أن الشعوب لا تفهم في الغالب وهي دائماً الأقل وعياً , وهي باختصار أمية قليلة الفهم والاستيعاب .!

ومع ما يحمل هذا الخطاب من لغة استعلائية , إلا أنه يتكرر عبر التاريخ وهذا هو الذي مارسه بعض المثقفين وبمباركة وتأكيد كثير من رجال الدين ( العلماء ) .وهنا وقع الجميع أسرى هذا الفهم بقصد أو بدون قصد فيما وقعت فيه الكنيسة في عصورها المظلمة من أن المعارف والعلوم وتحديد مصالح الناس لا تفهم إلا في طبقة قليلة وفئات من الناس محدودة , ومن هنا مارس الجميع التجهيل وحجب الحقيقة في الغالب عن المجتمع بحجة انه لا يفهم ولا يقوى على تفهم الخطاب والتفاعل مع قضاياه الأساسية .!!

فسمعنا من يكرس هذا الشبهة لتظهر مصطلحات تنقيص في حق العامة فهم الدهماء=( الأقل وعياً وفهم في المجتمع ) وبالتالي لا يجوز مخاطبتهم بلغة كبيرة وإشراكهم في قضايا الحريات والحقوق والنظام السياسي والفكري والثقافي حتى لا يكون فتنة عليهم .!

ونتج عن ذلك منْ.. أن نشر المعرفة لا بد أن تكون في فئه الخواص ولا يشترك الناس(العامة) فيها حتى لا يكون اللبس بل الفتنة عليهم هي الحالة الأكيدة بحسب القائلين بصحة النظرية الموهومة .!!

وعندما نتأمل على سبيل المثال لنقض هذه النظرية وفي الخطاب الإسلامي تحديداً والمتمثل في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجه خاص نجد أن هذا اللغة تكررت ووجدت تحت نفس المبررات التي خرجت اليوم ومورست على المجتمع في تلك الفترة , ومن يتأمل يجد تناقض كبير بين تأكيد الإسلام نفسه بأنه لغته سهلة وبسيطة يفهمها عامة الناس فضلاً عن خواصهم ,وبين تخوف قريش وتأكيدها المتكرر والمستمر بأن هذا الخطاب هو فوق مستوى الناس والأثر المتولد حسب قريش من أنه فتنة عليهم ويخلق حالة من التنافر والهواة الواسعة بين المؤمنين بهذا الدين وبين حركة المجتمع ويخلق خالة من التنافر مع المجتمع نفسه, فهو يعني الإسلام خطاب لا يتناسب مع الناس ومن ثم يجب محاربته وإبعاده عن الناس (العامة )وهو كذلك حسب كبراء قريش لا يخرج عن كونه استغلال بشع من قبل محمد فهو يستهدف عامة الناس قبل خواصهم والخطورة أنهم (العامة) محدودي الفهم ولا يقدرون بمعارفهم المحدودة التميز والتمحيص وفهم طبيعة أي خطاب موجه إليهم وتقدير المصلحة الراجعة لهم قبل الرجوع إليهم يعني (الكبراء).!!

وهو نفس الخطاب الذي تكرر ومورس قرون على الأمة العربية والإسلامية تحت نفس المبررات , وعندما نتأمل بأسلوب المخالفة نجد أن المفهوم هو (نحن )لنا المقدرة الكاملة في التأمل والتفحص وفي اكتشاف الخطأ وتقدير مصالح الناس بالكامل , فقريش =(كبرائها )=( بعض مثقفينا + الغالب من علماء الدين ) قد تفحصنا في هذا الخطاب وهو فتنة على الناس ونحن من يقرر وبالمقدار المحدد في إشراك المجتمع للمعرفة كوننا دون سوانا الأكثر معرفة بما يحقق سعادة الناس..!

ومع أن الواقع المزور بثقافة التطبيع مع الاستبداد والظلم يصور في ضل تغيب للمجتمع (الناس عامة ) على أنه قادم من خارج محيط البيئة التي نعيشها وأن السقوط والضعف المتكرر قد يشترك في صناعته عدم انصياع البعض لقانون عدم إشراك الناس في حل مشكلاتهم بل مجرد إشراكهم بالقضايا الكبيرة ينتج عن ذلك خلق بلبلة وعدم تناغم بين السلطات التي تسعى على مصالح الناس وبين المثقفين وعلماء الدين الذي يسعون ليل نهار في تأكيد وفهم مصالح الناس .

والخوف من الجميع هو أن الشعوب هي التي تمثل الثقل وهي من ترجح الكفة غالباً وبالتالي إشراكها في الفهم يعني أنها سوف تكون مستقلة في قرارها وتكون لها الاستقلالية التي غالباً ما تمثل قلق وخوف لمن لهم مصالح خاصة وضيقة (الحكام – رجال الدين – طبقة برجوازية ) يرون أن بقاء العامة من الناس رهينٌ لهم ولا تخرج عن سلطتهم , وبالتالي ظل الحكام = (الاستبداد ) بوجه خاص يمارس هذا التغيب يبارك هذا الفعل كما أشرنا بعض المثقفين ورجال الدين , واليوم عندما كسرت هذه القاعدة عادت الحياة إلى موقعها الصحيح , فتبين أن الشعوب هي الأكثر فهماَ واستيعاباً ولها المقدرة على التأمل والمقارنة وهي تعرف مصالحها ومنافقها وبذكاء حاد , وهي لا تحتاج إلى ناطق بأسهم ولا من يسمي لها مصالحها بعيداً عنها ومن هنا كانت الشعوب اليوم وبذكاء لا يختلف ويفوق ذلك المتفلسف والمتعالم , وأن التفاضل بلغة العلم ولا يمكن أن ينسحب على التفكير والتأمل والتقدير للمصالح , كما في فهم طبيعة الخطاب الملقى إليها مهما كان , واتخاذ موقف لفهمه واسيعابه واتخاذ قرار في الوقت المناسب شيء تقوى عليه وبجدارة, ومن هنا ظهر للجميع وتبين بشكل واضح أن الشعوب اليوم أكثراً وعياً بقضايا الواقع المجتمعي يفوق الكثير من المثقفين الذي كانت هذه الثورات والتغير الذي أحدثته خطوة كبيرة في فضحهم وفضح زيفهم والخطاب الركيك الذي تمارسه تحت دعاوى واهية , وأن الخلل لم يكن من المجتمع بقدر ما كان خلل في النخبة والتاريخ خير شاهد على ذلك وهنا نؤكد أن زمن النخبة قد أفل وجاء زمن المجتمع فهو الضامن الحقيقي في التغير والنهوض . .