مفاهيم وحدوية
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 23 مايو 2012 06:02 م

تطل علينا ذكرى يوم الوحدة المباركة (22 مايو 1990م) ، غير أن الاحتفال بالمناسبة هذه المرة يختلف عما كانت عليه الاحتفالات السابقة من حيث الشكل والمضمون ومن أهم المميزات أنها تأتي في مرحلة هامة من مراحل الثورة الشعبية السلمية بعد الإطاحة برأس النظام العائلي المستبد الذي تسبب في تعميق أسباب الفرقة والشتات بين أبناء الشعب اليمني الواحد.

وبما أن الوحدة اليمنية قد تمت وفق إجراءات دستورية كاملة ومن خلال هيئات شرعية مارست مهامها بصورة صحيحة خلال فترة زمنية كافية ، لا زلنا نسمع الكثير من المغالطات والتشويه المتعمد الصادر من بعض الذين يجهلون أو يتجاهلون التاريخ والمراحل والأعمال الوحدوية التي سبقت يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م ويعكسون جهلهم هذا على مستوى الوسائل الإعلامية المختلفة وينقلون صوراً غير واقعية لكي يوجدوا المبررات ويضعوا الكثير من الشبهات لتشويه هذا المنجز العظيم للتنصل عن ما تم الوصول إليه قبل أثنين وعشرون عاماً.

ومن أعجب ما قرأته عن مثل هذا الصنف من الناس أن أحد الكتاب الصحفيين ((الشباب)) ـــــ كان في الصف الرابع الابتدائي في يوم إعلان الوحدة كما يقول ـــــ كتب موضوعاً تناول فيه حدث قيام الوحدة بشئ من الاستخفاف والتجاهل ، والذي أعتقد أنه ناتج عن عدم الإطلاع أو أنه يريد إقناع الكثير من الناس بما يروج له من مطالبات توحي بالتراجع إلى ما وراء 22 مايو 1990م ، ولغرض تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى جيل من الشباب الذين لم يدركوا تلك المراحل والأعمال الوحدوية ، أود أن استعرض بعض كلمات الكاتب ومن ثم الرد عليها بما هو مطابق للواقع حتى يكون الجميع على علم ودراية عند الحديث عن هذا الموضوع الهام والمشكلة الشائكة التي يعاني منها أبناء المحافظات الجنوبية أشد المعاناة ، خصوصاً وقد تشعبت الآراء وتعددت الاتجاهات والمكونات التي تتبنى القضية الجنوبية في الوقت الراهن.

يقول صاحبنا ما نصه: ((التوقيع على الاتفاقيات المحددة لمسارات إنجاز الوحدة كان يوقع عليها شماليون وشماليون)) .. وهذا القول مردود على صاحبه ولا يوجد له سند من الواقع التاريخي لتلك المراحل ، لأن من يمثلون الشطر الجنوبي في جميع الاتفاقيات الوحدوية كانوا من أبناء الجنوب باستثناء حالة واحدة فقط وإليكم التفاصيل: ممثل الشطر الجنوبي في توقيع اتفاقية القاهرة (سبتمبر 1972م) هو علي ناصر محمد بصفته رئيساً للوزراء (جنوبي) وممثل الشطر الجنوبي في توقيع اتفاق لقاء الجزائر (سبتمبر 1974م) هو سالم ربيع علي بصفته رئيس مجلس الرئاسة (جنوبي) وممثل الشطر الجنوبي في قمة الكويت (مارس 1979م) هو عبد الفتاح إسماعيل بصفته الحزبية أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني وبصفته الحكومية رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ، ومع أنه شمالي الأصل لكنه جنوبي المنشاء والتربية وحاصل على تزكية حزبية وبثقة عالية من نخبة من أعضاء حزب سياسي يقود البلد بمفرده ، كما أنه حاصل على تزكية شعبية كبيرة من مجلس تشريعي يمثل كافة قطاعات الشعب ، وممثل الشطر الجنوبي في لقاء قمة صنعاء (مايو 1988م) هو علي سالم البيض بصفته الحزبية أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني (جنوبي) وممثل الشطر الجنوبي في الدورة الثالثة للجنة الوزارية للشطرين (ديسمبر 1985م) هو حيدر أبو بكر العطاس بصفته رئيس مجلس الوزراء (جنوبي) وممثل الشطر الجنوبي في الدورة الرابعة للجنة الوزارية للشطرين (مارس 1989م) هو الدكتور ياسين سعيد نعمان بصفته رئيس مجلس الوزراء (جنوبي) أما اتفاقية إعلان الوحدة الموقعة في أبريل 1990م فقد حضرتها كافة القيادات السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية في الشطر الجنوبي بالإضافة إلى أن مجلس الشعب الأعلى قد كلف هيئة رئاسته والحكومة بموجب قراره رقم (207 / 11 لعام 1989م) بما نصه:(ناقش مجلس الشعب الأعلى في دورته الاعتيادية الحادية عشر باستفاضة خبرات ونتائج جهود قيادتي الشطرين واستخلص المجلس من خلال مناقشته للقضية الوطنية اليمنية أن استمرار حالة التجزئة التي يعيشها شعبنا اليمني والتي فرضتها عوامل وظروف الماضي المظلم تشكل عائقاً كبيراً أمام انبعاثه الوطني الشامل وتقدمه الاجتماعي ونهوضه الحضاري ... وبهذا الصدد أشاد المجلس وثمن عالياً النتائج التي توصلت إليها القيادة السياسية في شطري الوطن ، وقرر المجلس في ضؤ المناقشات تكليف هيئة الرئاسة والحكومة ببلورة مبادرة وحدوية نوعية تسهم في إيجاد صيغة اتحادية انتقالية باتجاه تحقيق الوحدة الاندماجية الكاملة) ، وفي نفس الاتجاه فقد تمت عملية الاستفتاء الشعبي على دستور دولة الوحدة خلال يومي 15و16 مايو 1991م وأعلنت نتائجه يوم 20 مايو 1991م وبنسبة تجاوزت 98% مع العلم بأن القرار الجمهوري رقم 24 لعام 1991م الخاص بلائحة تنظيم الاستفتاء صادر تحت توقيع الأستاذ حيدر أبو بكر العطاس رئيس وزراء الجمهورية اليمنية (جنوبي).

وعلى هذا الأساس فإن ما يذكره الكثيرون بشكل عام وما ذكره الكاتب على وجه الخصوص عن كون الوحدة تمت بناء على ما يسميه (رحلة نفق القلوعة) ــــ ممر يؤدي من المعلا إلى التواهي (الساحل الذهبي) ـــــ وهو ما يعتبره أن لحظة عابرة كانت سبب قيام الوحدة ، وهذا الكلام لا يستقيم ولا يتوافق مع وجود هذه السلسلة من الإجراءات التي مرت بها أعمال الوحدة عبر مراحل تاريخية متفاوتة ومن خلال هيئات معتبرة وعلى يد قيادات حزبية وسياسية كبيرة ، وكيف لنا أن نصدق مثل هذه الأطروحات والأقاويل من أي كان مصدرها ونحن نعلم علم اليقين أن لا أسا لها من الصحة ولا سند لها من الواقع.

وخلاصة القول فإن ما تمت الإشارة إليه ليس مجرد رد صحافي فقط ولكنه رأي نقدمه إلى أولئك السائرين في فلك القضية الجنوبية أن لا يجعلوا وسيلتهم في تبني هذه القضية تجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا بقدر ما يجب عليهم الولوج في صلب المشكلة وطرح أسبابها الجوهرية والتي أراها متمثلة في تصرفات النظام العائلي وإساءته إلى الوحدة اليمنية بنسبة فضل قيامها وإعادة تحقيقها إلى الأفراد وتهميش دور الجماهير في تحقيق هذا المنجز الوطني الكبير ، الأمر الذي ترتب عليه إضاعة كثير من الحقوق والسطو على البعض الآخر ، حينما اتجه الأشخاص إلى تبني فكرة المصالح الذاتية وإعطائها الأولوية في نشاطهم السلطوي ومحاولة الدفاع عنها تحت ستار المصالح العامة ليس في المحافظات الجنوبية وحدها ، ولكنها مشكلتنا في عموم الوطن اليمني شماله وجنوبه وشرقه وغربه مشكلة واحدة تستلزم منا رصّ الصفوف وتوحيد الجهود في القضاء على بقايا النظام العائلي المستبد والعمل بجد واجتهاد من أجل بناء دولة مدنية حديثة تتحقق في ظلها حرية وعدالة ومواطنة متساوية في جميع الحقوق والواجبات وهذا كفيل بإعادة الاعتبار للوحدة اليمنية وإزالة ما لحق بها من تشوهات ، وكم أود التأكيد على أهمية التنبيه إلى مساوئ وعيوب مثل هذه المغالطات التي تؤدي إلى طمس أدوار تاريخية عظيمة قام بها أبناء الجنوب في السياق الوحدوي عبر مختلف المراحل الثورية بداءً بميثاق العمل التحرري الذي تبنته الفصائل الثورية ضد الاستعمار البريطاني وحتى آخر لحظة لقيام إعادة تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م ، وكيف لنا أن نرضى بطمس تاريخ نضالنا الطويل وتضحياتنا الجسيمة لعدة عقود من الزمن من أجل إعادة تحقيق وحدتنا المباركة ، وهذا الأمر في حد ذاته لا يشكل حلاً مناسباً لما لحق بنا كجنوبيين جراء ممارسات النظام العائلي واستحواذه على مقدرات الوطن والشعب والمتاجرة بقضاياه الأساسية من أجل إطالة أمد السيطرة والاستبداد ، ولكن الحلول كامنة في مدى جديتنا ومصداقيتنا في التعامل مع القضية الجنوبية كقضية شعب وليس قضية أفراد تضررت مصالحهم الشخصية وانتهت صلاحيتهم للعمل السياسي ، ثم جاؤا بأقنعة جديدة وملامح متغيرة ، راكبين موجة التيار الهوائي المعاكس لاتجاه المصلحة العامة ، وبأساليب رديئة لا تمكن من تحقيق الأهداف والغايات المنشودة.