الطائفية من العراق الي مصر
نشر منذ: 18 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 17 إبريل-نيسان 2006 10:14 ص

* عبد الباري عطوان

الاشتباكات الطائفية المؤسفة التي اندلعت في مدينة الاسكندرية هي اول تجسيد حقيقي لحالة الاحتقان التي تعيشها مصر بسبب انهيار هيبة الدولة، واتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم، ووجود فراغ قيادي في قمة السلطة.

مصر تنتظر عود الثقاب الذي يفجر بركان الاحباط والغضب الكامن في النفوس، فالنظام يعيش حالة من التكلس، ولم يعد يأبه بالانتقادات الجريئة في الصحافة لادائه، بل بات يشجع علي مقالات السب والشتم ونهش فساد العائلة، لأنها تؤجل الانفجار، بما تحققه من تنفيس ولو جزئي لحالة الاحتقان هذه.

النظام المصري ربما يكون المستفيد الأكبر من هذه الصدامات الطائفية، لانها تحرف الانظار عنه، وتجعل المشكلة بين ابناء الشعب الواحد، اي بين الاقباط والمسلمين، وليس بين هؤلاء مجتمعين وبين النظام الذي فشل في كل شيء تقريبا، فشل في التنمية، في التعليم، في الصحة، في السياسة الخارجية، وحتي في الفن.

لا احد يعرف من هو صاحب القرار الاول في البلد، هل هو الرئيس ام الأبن ام الزوجة، ام رجال الاعمال، ام اللوبي الامريكي ام الاسرائيلي. حال من الغموض في قمة السلطة لا يعرف احد كيفية فك رموزها وطلاسمها.

الشعب المصري لم يعد يثق بنظامه، ولا يصدق اي بيان للمسؤولين فيه، ولهذا قوبلت بالسخرية المرة ادعاءات وزارة الداخلية بان من اقدم علي تنفيذ الاعتداءات علي كنائس الاسكندرية مختل عقليا. فسليمان خاطر الذي هاجم السياح الاسرائيليين في سيناء كان مختلا عقليا ايضا.

  الاقباط في مصر يعانون، والمسلمون ايضا، فكل يوم نقرأ في الصحف عن اعتقال العشرات من جماعة الاخوان المسلمين، دون تهم محددة، ولكن معاناة الاقباط اكبر ومواطنتهم منقوصة، وتمثيلهم في مؤسسات الدولة هامشي، وهناك وظائف ممنوعة عليهم، وتتعرض كنائسهم للحرق والاعتداءات من قبل بعض المتطرفين. ولكن هذا لا يعني ان بعض افرادهم، خاصة اولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة، يقومون باعمال الشحن الطائفي، وصب الزيت علي نار الفتنة، بدعم من المحافظين الجدد في الادارة الامريكية.

فالمتحدث باسم الخارجية الامريكية كان سريعا في رد فعله علي احداث الاعتداءات علي المصلين في كنائس الاسكندرية، بقوله ان هذه الاعمال غير مقبولة، ولكنه لم يحرك ساكنا عندما تعرضت كنيسة القيامة للحصار والقصف الاسرائيلي لأكثر من اربعين يوماً.

الاقباط كانوا دائماً في قلب الحركة الوطنية المصرية، والأكثر حرصاً علي استقلال البلاد، والتلاحم مع اشقائهم المسلمين في مواجهة الاستعمار. ولكن في هذا الزمن الكئيب الذي تتخلي فيه القيادة المصرية عن دورها، وتقزم مكانة بلادها، وتتحول الي تابع ذليل للولايات المتحدة واسرائيل، علينا ان نتوقع حالة من التحلل الوطني والسياسي والاجتماعي تمزق الوحدة الوطنية وتشعل فتيل الصراع الطائفي.

مشاكل مصر عديدة متشعبة، ولكن علتها الأكبر تكمن في رأسها، فالرئيس اختار راحته الشخصية علي راحة شعبه، وسلم البلد الي بعض افراد عائلته والمقربين منه، فالسياسة اصبحت اقطاعية من مسؤولية اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات، والاقتصاد اقطاعية اخري يديرها ابنه جمال مع مجموعة من رجال الاعمال، والشؤون الاجتماعية والتعليمية الاخري اصبحت من نصيب السيدة الاولي، واختار الرئيس الاعتكاف في شرم الشيخ، والابتعاد عن كل ما ينغص عليه استرخاءه.

ففي اي بلد في العالم غير مصر يقوم متحدث باسم الرئاسة بـ ترقيع اقوال لرئيسه شاهدها الناس بالصوت والصورة، مثلما حدث في المقابلة الشهيرة مع قناة العربية حول ولاء الشيعة العرب لايران. فالمقابلة كانت مسجلة مسبقاً، ومن المفترض ان يكون هناك من راجعها واطلع عليها، قبل اذاعتها. ولذلك فأما ان يكون كلام الرئيس مبارك مفروضا عليه امريكيا، ومطلوب منه قوله، او ان تكون الاجهزة المعنية مغيبة بالكامل، او لم يعد لها اي دور حقيقي في النصح والاستشارة، وفي الحالين هناك كارثة.

 

الاشتباكات الطائفية المصرية هي امتداد لنظيرتها في العراق. فالعراق في العهد الامريكي السعيد بات يصدر الي المنطقة هذه الآفة، ولن يكون غريبا اذا ما شاهدنا حروبا قبلية وعنصرية وقومية في اكثر من بلد عربي في المستقبل القريب.

فمن غير المنطقي ان نشاهد الحرب الطائفية تشتعل في العراق، ويتساقط فيها عشرات القتلي والجرحي، ونتوقع ان تنحصر آثارها في داخل الحدود العراقية، وتظل دول الجوار في مأمن.

خروج مصر من هذه الفتنة الطائفية لا يتم من خلال كتابة المقالات حول ضرورة وأدها في مهدها، والتذكير بدور الاقباط الوطني، وانما من خلال الغاء قانون الطوارئ واطلاق الحريات، وتعزيز استقلال القضاء، وتكريس دولة القانون، والقضاء علي كل انواع الفساد.

المعتقلات المصرية تزدحم بالمعتقلين السياسيين، بمقتضي قانون الطوارئ، والقيادة المصرية لا هم لها الا ايجاد مخارج تسهل عملية التوريث، وتضمن المساندة الامريكية لها. فهل يعقل ان مصر كلها لا يوجد فيها شخص واحد يصلح ان يكون نائباً للرئيس يملأ اي فراغ ينجم عن اختفاء رأس الدولة لأي سبب من الاسباب؟

  الرئيس مبارك في وضع يشبه وضع سيدنا سليمان، مع الفارق الكبير طبعاً، لن تعرف رعيته انهيار حكمه الا بعد ان ينخر السوس عصاه التي يتكئ عليها. فالنظام مستمر بقوة الدفع، فهو نظام غير مقبول الا من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، لأن البدائل المأمولة له غير جاهزة، وما هو جاهز غير مقبول، لأنه يرفض الاذلال الاسرائيلي الامريكي، ويريد اعادة الدور الوطني لمصر كقوة اقليمية عظمي فاعلة في المنطقة.

مصر تدفع ثمن سياسات خاطئة، داخلية وخارجية، من امنها واستقرارها ومكانتها، ومن المؤسف ان هذا الوضع سيستمر، ربما لسنوات قادمة، لأن عوامل التغيير الداخلي غير متوفرة او غير ناضجة، والثورات الشعبية، اياً كان لونها، باتت حلماً بعيد المنال ليس فيها فقط، وانما في مختلف العواصم العربية الاخري.

نحن والعسكر
هل اليمن على أعتاب أزمة سياسية؟
حرب الرئيس
صيف ساخن وشتاء قارس
باحث أميركي يكتب عن الشيخ المقرب جداً من الرئيس
مشاهدة المزيد