حتى لا تكون اليمن الحلقة الثانية بعد سوريا
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 9 سنوات و 7 أشهر و 27 يوماً
الثلاثاء 28 إبريل-نيسان 2015 05:15 ص

قبل كل شيء شكرا للجغرافيا، فلولاها، لربما لم يلتفت أحد إلى ما يحدث في اليمن، وربما تركت فريسة لجهل ميليشياتها وجماعاتها الدينية المتشنجة والمهووسة بالذبح ولتركيبتها الاجتماعية الموغلة بالقدم والتي تؤسس وبجدارة أعمدة التنافخ الوهمي والتعالي النابع من قداسة جاهلية دون ان يعي موقعه الحقيقي في الأقليم أو حتى في العالم.

الجغرافيا التي تحكمت بوضع اليمن وجعلتها مجاورة لمنابع الطاقة التي تزود العالم بثلث مخزونها النفطي، جعل العالم ينظر إلى اليمن لا كدولة لها مكانتها المعتبرة بين الدول، بل كمكان جغرافي مثير للقلق والبلبلة الناتجة عن فشله في كل شيء، والذي أنتج هذا الإحتراب المخجل بينه وبين نفسه والذي يعد نتيجة طبيعية لفشل الشعوب في إدارة نفسها وإقامة دولتها المدنية.

العالم لن يسمح لدولة فاشلة مثل اليمن، وشعب يجهل أن يحدد مصالحه بأن يؤثر على منابع النفط أو مضائقه البحرية أو أن يضر بالاقتصاد العالمي ولو بحده الأدنى، فهذا العالم الذي تحكمه مصالحه لا يتهاون ابدا مع هذه الأمور وأن أضطر إلى خوض اكثر من حرب في أكثر من بقعة في العالم، واليمن لا تستثنى من هذا الأمر، لذا كان من الطبيعي جدا أن نرى هذا التدخل العسكري المدعوم دوليا لكبح تمدد مليشيا قبلية متحالفة مع بقايا الدولة المتجذرة في اليمن لإعادة الأمور إلى ما قبل التنظيم السياسي الجديد والذي اتفق عليه كافة الأحزاب والمنظمات السياسية والمدنية والتي خرجت بعد حوار طويل واتفقت على منهج تسير عليه حتى تخرج بالبلاد من أزماتها المتفاقمة.

عاصفة الحزم، هي عملية جراحية لا بد منها، وبالتأكيد لها أعراضها مثل ما لها نتائجها التي نأمل ان تكون نتائج إيجابيه على اليمن وعلى أقليمه، فلا أحد يكره ان يرى يمنا متعافي ومسالم ومنسجم مع نسيجه الإقليمي ومتوائم معه، ولكن يعلم الجميع أن الأماكن الغير مستقرة والتي تتحكم بها أدوات الوعي البدائي وتؤثر على طبيعة شعبه، هي أماكن جاذبة وقابلة لكل التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي ستجد في اليمن قاعدة انطلاق وتأسيس وربما استيطان بعيد المدى.

سوريا التي كانت عصية على تلك الجماعات المتطرفة، وكان الشعب السوري يتمتع بوعي مدني نسبي ونظام دولة علماني صارم، ها هي الان ونتيجة للحروب الدائرة بداخلها مرتع لكل الجماعات الدينية المتطرفة التي تقاطرت عليها من مختلف أنحاء العالم، واصبحت تشكل إشكالية عميقة ومحيرة ومعقدة، بل صار البعض ينظر إلى أن افضل حل للوضع السوري هو بقاء الاقتتال دون أن يحسم الأمر لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، فكل الأطراف تشكل عبئاً اقليميا ودوليا، وصار التدخل لإيقاف الحرب امر فيه نظر وتوجس، وبات الجميع يرفع يده عن سوريا بحجج مختلفة، بينما معاناة الشعب السوري مازالت مستمرة ومتصاعدة.

وعليه، ما الذي يمنع تكرار ما حدث في سوريا من ان ينتقل إلى اليمن، وهي البلاد الأكثر انفتاحا لمثل هذه الكوارث وتستطيع ان تستقبلها دون ان تواجه اية حواجز ثقافية أو اجتماعية، بل ان تلك الجماعات المتطرفة ستذوب داخل المجتمع اليمني كما يذوب الملح بالماء، ولن نعود نميز بينها وبين مختلف الأطياف الاجتماعية، وستجد مساحة شاسعة وحرة للعبث والقتل والتدمير وتخريب ما تبقى من العقل اليمني ونقله الى مجاهل التاريخ وعزله داخل بوتقة دينية مذهبية متطرفة تنظر إلى العالم كعدو دائم ولا ترى في الحرب إلا منهاج وحيد للبقاء في هذه الحياة.

اليمن لن يصمد كثيرا، مالم يتم حسم الأمر سريعا فمعاناة الناس فوق ان توصف، الكهرباء تظل مقطوعة لمدة أسابيع متتالية، ولا توجد مياه كافية ، والمواد الاستهلاكية في تناقص مستمر وانعدام كامل للمشتقات النفطية، ناهيك عن حالة الرعب والخوف التي يمر بها الأطفال والنساء والعجائز ، والمستشفيات ممتلئة بالمرضى والجرحى دون توفر العلاجات الأولية لهم، هنالك كارثة إنسانية على وشك أن تقع والتي ولا شك سيستثمرها الحوثي وحليفه علي صالح اللذان وحتى الان لم يجدا مسوغ شرعي أو قانوني يبرر عملهم العسكري ضد الشعب، فهم لم يستطيعوا ان يقنعوا احد بأنهم مقاومة ضد ما اطلقوا عليه بالعدوان، لأنهم فعلا لا يقاومون ومشغولون بمقاتلة المواطنين في الجنوب وفي تعز، ولم يستطيعوا ايضا اقناع احد بان من يقاتلوهم من اليمنيين هم قاعدة او دواعش، والمخرج الوحيد لهم هي التلاعب بالحالة الإنسانية التي ستواجه هذا الشعب المتضرر من طول مدة الحرب.

دول التحالف العربي تعي جيدا أثر الإنهاك الاقتصادي، وتفهم جيدا تبعات هذا الأمر ومردوده على الرأي العام اليمني والذي وحتى الان مازال يرحب بهذا التحالف ويراه المخلص الوحيد له من جرائم الحوثيين وعلي صالح، لكن أن تستمر هذه العاصفة بالمراوحة مكانها بينما الجماعات المتمردة تتمدد أكثر في المناطق وتنتشر وتقاتل وتقصف المدنيين، فهذا أمر قد يسبب شيء من الإحباط وله من الانعكاسات الخطيرة، ناهيك ان طول مدة الحرب سيفتح الباب على مصراعيه امام كل الاحتمالات التي قد تكون اهمها توافد الجماعات الدينية المتطرفة التي وان وصلت سيصبح من المحال إخراجها من اليمن.

لمزيد من التفاصيل تابعوا صفحتنا على الفيس بوك   هنــــــــــــا