الفريق الاحمر يصفع الانقلابيين من جديد
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 25 يوماً
الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2016 01:58 م
في منعطفات الحياة السياسية اليمنية يبرز اسم الفريق الركن علي محسن الاحمر مع كل حدث يتصدر المشهد, فهو رجل لايخفيه الغياب ولا تمر الاحداث دون ان يكون هو البطل الذي يتصدر المشهد ويسجل بصماته في سفر التاريخ اليمني , يحمل من التواضع مايجعله قريب من الكل , وتحمل قلوب اليمنيين له من الاجلال والمهابة ماتجعله يحتل مرتبة الرجل الاول بدون منازع , وان كان لا يبحث عن اضواء الشهرة والسلطة , فهو بنظر غالبية اليمنيين ملاذ لخطاب الكرامة وملجئ لعشاق الوطن وسند لأبطال النضال وهي صفات تأبى على صاحبها الا ان يكون في المقدمة وحاضر في عمق الحياة مهما كانت الضريبة التي يقدمها في سبيل ذلك.
خلال الثلاثين العام الماضية كان الرجل الاول بلا منازع في حماية الجمهورية وكانت الفرقة الاولى مدرع التي كان يقودها حامية صنعاء من اطماع الانقلاب واوهام الامامة , وحين بدء الرئيس السابق علي عبدالله صالح في تكريس نظام التوريث ويبتعد عن اهداف الجمهورية كان الفريق الاحمر هو من قضى على احلام صالح حين اعلن تأييده لثورة الشباب السلمية في مطلع العام 2011م , وحين تعرضت العاصمة لتأمر اقليمي بأيدي يمنية فضل الانسحاب حفاظاً على الدم اليمني , الا ان طرفي الانقلاب كانا يحملان من الحماقة ماجعلهم يقدمون على الانقلاب على الشرعية ومحاصرة الرئاسة بعد ان غادر الفريق الاحمر المشهد , ولولا غياب الاحمر ماحوصر الرئيس ولا جعلت منه المليشيات سجين تحت الاقامة الجبرية , ومع انطلاق عاصفة الحزم لم يجد اليمنيون ومعهم التحالف العربي رجلاً يسد الفراغ ويجمع عليه اليمنيون لقيادة المعارك كالفريق الاحمر الذي رشحته الاحداث من جديد ليكون نائب لرئيس الجمهورية , بعد ان كان يرغب في العيش في ظل الدولة اليمنية بعيداً عن المسؤولية وضجيج السياسة.
كان تعيين الفريق الاحمر نائب للرئيس صفعة مؤلمة للانقلابيين في صنعاء, وكان القرار بحد ذاته هزيمة سياسية وعسكرية مني بها الانقلابيين الامر الذي اربك صفوف المليشيات التي تعلم جيداً ماذا يعني وجود الفريق الاحمر في هرم الدولة , وتعرف جيداً الثقل الشعبي والسياسي له في اوساط القبائل اليمنية والاحزاب السياسية.
علي محسن ليس خصم للحوثيين فحسب بل هو خصم لإيران التي ترى فيه رجلاً يحمل عقيدة سنية خالصة , وفكر وطني تحرري لا يؤمن بمبدأ السيادة والعبودية في الحكم, وعسكري قوي يستطيع ان يجمع جبهة السنة ويوحد القبائل لمحاربة اي فكر عدواني ودخيل على المجتمع اليمني, ويؤيد حكم الدولة المدنية التي تأتي عبر صناديق الانتخابات, وشخص يقف دوماً امام اي محاولات من شانها المساس بالأمن القومي العربي او التعدي على دول الجوار, وهو ماجعل ايران تشجع الحوثيين على قتل العميد القشيبي احد قادة الجيش الذين تعتبرهم طهران حصوناً حامية للسنة في اليمن ومن ثم تشجيع ايران للحوثيين وحليفهم صالح على محاصرة معسكر الفرقة الاولى مدرع الذي كان محسن يتواجد فيه في سبتمبر 2014م وتبذل ملايين الدولارات للتخلص من الجنرال الاحمر , ليسهل بعدها القضاء على قيادات الجيش السني واحلال المذهب الاثني عشرية بديلاً عن المذهب السني.
وفي المقابل فان علي محسن من وجه نظر الرئيس السابق علي عبدالله صالح خصم يجب القضى عليه ولو تحالف مع ايران , فهو من وجهة نظر صالح الرجل الذي قضى على احلام التوريث وهز كرسي الحكم , وكان الحامي الاول للشباب الذين انتفضوا ضد هيمنة علي عبدالله صالح واستئثاره بخيرات البلد, مطالبين بإبعاده من الحكم وعودة بريق الجمهورية الذي تلاشى في عهد علي عبدالله صالح.
بالأمس القريب اطل الفريق الاحمر من جديد ودلف باب السياسية بعد اعتزال دام خمسة وثلاثين عاماً, وجدد نشاطه في الحزب الذي شارك في تأسيسه في ثمانيات القرن الماضي, ففي اجتماعه بأعضاء اللجنة العامة والدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام المنشق عن علي عبدالله صالح قال الجنرال الاحمر انه يجدد نشاطه في الحزب وانه احد المؤسسين له , ومثل هكذا تصريح سيصيب علي عبدالله صالح بالهوس فمثل هكذا خطوة من شأنها سحب البساط السياسي من تحت علي عبدالله صالح والذي انسحب الجزء الاكبر منه عقب اندلاع ثورة الشباب 2011م وكذلك عقب تحالف علي عبدالله صالح مع الحوثيين بهدف زعزعة امن واستقرار المنطقة العربية وتهديد الملاحة الدولية وتشجيع الجماعات المتطرفة على زيادة نفوذها.
يمتلك الفريق الاحمر كاريزما قيادية فذة ويحظى باحترام الساسة والمثقفين فهو قارئ حصيف للأحداث ومتتبع بارع لتفاصيل الشأن اليمني, ويرتبط بعلاقات وثيقة بالمثقفين والقبائل والساسة وبالتالي فان عودته الى مسار الحياة السياسية من شأنها ان ترمم حزب المؤتمر الشعبي العام وتجمع شتاته وتحدد مساره السياسي في المستقبل , وتزيد من قاعدة الحزب الجماهيرية التي افتقدها الحزب في ظل تفرد صالح برئاسة الجمهورية والحزب في ان واحد, ونظراً لسياسة صالح في الحزب التي عمل من خلالها على اقصاء كل الشرفاء والوطنيين من الحزب , واعتمد على شخصيات ضعيفة لتولى مناصب مهمة في اللجنة العامة والدائمة للمؤتمر الشعبي العام.
لقد عمل صالح خلال الفترة الماضية ومنذ اختيار قيادة جديدة للمؤتمر الشعبي العام في الخارج على العزف على وتر المناطقية واستطاع ان يصور لبعض اتباعه ان الرئيس هادي يعمل على تقوية الطائفية وان الرئيس هادي ورئيس الحكومة احمد عبيد بن دغر يسعون للانتقام من اعضاء المؤتمر الشعبي وانهم يتدثرون في حقيقة الامر بحزبهم القديم – الحزب الاشتراكي اليمني – وهي كذبة انطلت على بعض من لايفقهون شيء في ابجديات السياسية, وحتى تدحض تلك الشبهة التي روج لها اعلام المخلوع علي عبدالله صالح خرج الفريق علي محسن ليعلن تجديد نشاطه السياسي في الحزب ويثبت للجميع ان المؤتمر حزب كبير بنى على الوطنية وانه يتسع لأبناء الشمال والجنوب على حداً سواء.
وفي المقابل عمل اعلام علي عبدالله صالح والحوثيين الى الترويج على ان الفريق الاحمر يحمل انتماء اسلامي وتم تصنيفه على جماعة الاخوان المسلمين بناء على معلومات مضللة ضل نظام صالح يضخمها مستغلاً العداء الاقليمي في السابق لجماعة الاخوان المسلمين , وهو مانجح فيه اعلام صالح لفترة مؤقتة , الا انه وبعد تحالف صالح مع ايران لضرب دول المنطقة العربية تنبهت تلك الدول لكل مؤامرات صالح وعرفت حجم المعلومات الكاذبة التي كانت تسربها المخابرات التابعة لصالح لدول الجوار وانها معلومات كانت تهدف الى ابتزاز مالي وتصور علي عبدالله صالح على انه البطل الذي يعتمد عليه في كل شيء.
علي محسن الاحمر رجلاً يؤرق ايران وحلفائها في المنطقة وترى فيه بعض الدول العظمى التي تؤيد الانقلاب ترى فيه خطراً على مشاريعها الخاصة في المنطقة, وبقائه في هرم السلطة كنائب للرئيس من شانه ان يمنع تطبيق النموذج العراقي في اليمن , وجعل اليمن مصدر تهديد اقليمي للدول ذات المذهب السني وخصوصاً المملكة العربية السعودية.
يعكس دقة ذلك رغبة بعض الاطراف الدولية من التخلص من الفريق الاحمر وماسربته بعض الشخصيات الانقلابية لوثيقة ولد الشيخ التي من ضمن بنودها تعيين نائب توافقي للرئيس تنقل اليه صلاحيات الرئيس , هو خير شاهد على ذلك , وهو مايعني في حقيقته توسيع الصراع الاقليمي وجعل دول الخليج العربي بين فكي كماشة .
الدول الخليجية تدرك جيداً ان التخلص من الاحمر هو البداية لزعزعة امن المملكة العربية السعودية, وان تعيين نائب توافقي هو تكرار لنموذج نوري المالكي في العراق , وان الغرب اليوم يتجه نحو تسليم رقاب اهل السنة لمذابح المليشيات الطائفية في العراق واليمن وسوريا , وبالتالي فان التمسك بوجود رجل قوي في هرم السلطة في اليمن كعلي محسن الاحمر هو تمسك بأمن الخليج العربي , وورقة رابحة في ميدان السياسة الدولية لايمكن المساومة عليها , وانه لاحل لما يجري في اليمن سوى انهاء الانقلاب وعودة الشرعية ودفن طموحات ايران وتطبيق القرار الدولي 2216 وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية.