القاعدة بوصفها خطراً في طريقه للتحول إلى سرطان !
بقلم/ سامي الكاف
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 26 يوماً
السبت 14 أغسطس-آب 2010 12:41 ص

يسهل على المرء المتابع للمشهد العام في اليمن اكتشاف مدى صعوبته بل واحتقانه أيضاً؛ سواء عبر وسائل إعلام محلية أو عبر وسائل إعلام عربية أو حتى عبر وسائل الإعلام العالمية.

في الواقع ثمة تقارير - وقد ازداد عددها بشكل لافت للأنظار في الآونة الأخيرة- أشارت إلى أن دولة اليمن إنما هي "على مشارف انهيار وشيكة" مثلما أشرت ُ إلى ذلك في وقت فائت.

وكالة"رويترز" للأنباء، كمثل ليس غير، نشرت - في وقت فائت- أن "حلفاء اليمن الغربيون والمملكة العربية السعودية يخشون من أن يحاول تنظيم القاعدة استغلال الاضطرابات لاستخدام اليمن كقاعدة لشن هجمات لزعزعة الاستقرار في المنطقة وما ورائها. ويريدون من الحكومة حل الصراعات الداخلية وتعزيز سلطتها".

ولقائل أن يقول انتقال قيادة تنظيم القاعدة من السعودية إلى اليمن، من خلال نشر (مقطع فيديو) يظهر اندماج تنظيم القاعدة في السعودية وتنظيم القاعدة في اليمن في يناير العام 2009م، لهو أمر لا شك يعزز من هذه الخشيات.

وتنظيم القاعدة أحد هذه الصراعات التي سيتعين على الحكومة اليمنية حلها.

حسناً.. ثمة خوف جدي إذاً بدا يلوح في الأفق من الهجمات المفترضة من قبل تنظيم القاعدة.

لنقل ان هذا الأمر بدا لي على هذا النحو يتجلى مع إعلان هذا الاندماج القاعدي السعودي اليمني يناير 2009م.

لاحظوا: في أبريل 2009م كشفت السعودية شبكات من المتسللين على الحدود اليمنية وبحوزتها (مواد متفجرة أساسية) تكفي لما يقرب من ثلاثين سترة ناسفة.

وفي أغسطس 2009م فجّر انتحاري يمني نفسه على مرمى حجر من رئيس مكافحة الإرهاب الأمير السعودي محمد بن نايف.

ولقد أعلن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ما بعد مسؤوليته عن الهجوم الفاشل وهدد باستهداف الطائرات في المرحلة القادمة.

وخارج المنطقة، قام النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي دربه تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ودرس اللغة العربية في صنعاء، بمحاولة ضرب الولايات المتحدة مباشرة في ديسمبر 2009م وكاد يشعل متفجرات على طائرة ركاب قبل هبوطها في مدينة ديترويت.

يقول كريستوفر بوسيك - زميل مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في ورقته المقدمة في منتدى سياسي خاص عقد بواشنطن الشهر الفائت عن أنشطة تنظيم القاعدة والذين يدورون في فلكه في اليمن- أنه "ومنذ ذلك الهجوم، أصدر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية صحيفة جديدة باللغة الإنجليزية اسمها (إنسپاير ومعناها: إلهام)، بهدف تجنيد متطوعين ناطقين بالإنجليزية. ومؤخراً في أبريل 2010م هاجمت الجماعة سيارة السفير البريطاني ومكتب الأمن اليمني في عدن. وفي ضوء هذه الأنشطة، يشكل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تهديداً ليس في اليمن ودول المنطقة فحسب، بل أيضاً للمصالح الغربية والأمن القومي الأمريكي".

ومع كل هذا الذي تم توضيحه بعاليه؛ زعم الدكتور عبدالكريم الارياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، في وقت فائت من العام الحالي وليس السابق، أن المشهد العام في اليمن "مُضخّم كثيراً" عندما سئل عن أسباب تصدر اليمن لأخبار العالم والوكالات وهل معنى ذلك ان المشهد يُشكل خطراً على السلم -على الأقل- على منطقة الخليج ومنطقة الجوار والمنطقة الاقليمية.

في الواقع جاء هذا الزعم في مقابلة أجرتها معه صحيفة "السياسة" الكويتية وأعادت نشره صحيفة الميثاق لسان حال الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام بتاريخ 4/2/2010م؛ يعني: بعد أكثر من سنة وشهرين لظهور مقطع الفيديو المُشار إليه بعاليه..!

بالتأكيد يحق لقائل ان يقول الآن أن ما ذهب إليه الارياني ليس صحيحاً البتة على الرغم من ان الارياني في الواقع يُعتبر أحد صناع السياسة للنظام القائم؛ فما حدث ويحدث في اليمن، وقد تجازونا تصريحه ذاك بنحو نصف سنة، يؤكد بالفعل أن الأمور تزداد سوءاً، بل وتعقيداً؛ ما يعني ان الخوف بدا يتجلى فعلاً بشكل لا يمكن تجاهله.

ولقد تبين للجميع - بما في ذلك حلفاء اليمن الغربيون والمملكة العربية السعودية- مدى تنامي مثل هذا الخوف بعد أن "أعلن جناح القاعدة في اليمن المسؤولية عن محاولة فاشلة لتفجير طائرة ركاب أمريكية".

هل سأل أحدكم كم هو عدد المنتمين إلى تنظيم القاعدة في اليمن..؟

حسناً.. سأترك الارياني يجيب بنفسه: "أعتقد انهم ما بين 300 إلى 500" طبقاً لما جاء على لسانه في مقابلته مع "السياسة" الكويتية.

حسناً.. أنظروا الآن إلى ما حدث تالياً؛ تحديداً إلى ما قام به تنظيم القاعدة في الشهرين الأخيرين في اليمن.

لقد ضرب تنظيم القاعدة في عمق النظام اليمني تماماً ولثلاث مرات؛ مُوجهاً رسالة شديدة اللهجة إلى كل من يقلل من خطورة مثل هذا التنظيم.

ببساطة شديدة: أكثر مكان محصن (الأمن السياسي) في المدينة اليمنية الآمنة عدن التي من المفترض أنها ستستضيف الحدث الخليجي الرياضي في نسخته العشرين يتعرض لهجوم إرهابي غير مسبوق و في وضح النهار راح ضحيته عدد غير قليل من القتلى والجرحى..!

ومن ثم يقوم تنظيم القاعدة بضربتين أخريين: يتعرض مقرا الأمن السياسي والأمن العام في أبين لهجوم مماثل في غضون فترة زمنية بسيطة من توقيت الضربة الأولى وراح ضحيته عدد أخر من القتلى والجرحى..!

لقد جاءت هذه الضربات الثلاث رداً على ما أسماه تنظيم القاعدة تواطؤ السلطة مع أمريكا بالسماح للأخيرة في ضرب تنظيم القاعدة في اليمن عبر استخدام سياسة الضرب بطائرات بلا طيار في انتهاك صريح للسيادة اليمنية؛ حادث "المعجلة" في أبين و"الشبواني" في مأرب نموذجين. ومن قبلهما بالطبع: أبو علي الحارثي في شبوة كنموذج أولي.

لا تنسوا أن أنور العولقي مرشح ليكون النموذج الجديد بعد أن وضعته أمريكا على القائمة السوداء كأخطر المطلوبين؛ بل واعتبرته الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة في اليمن.

ان مثل هذا الأسلوب من قبل (الحكومة اليمنية- الأمريكية)، والمتمثل في الضرب بواسطة الطائرات بلا طيار، في الواقع جعل تنظيم القاعدة يكسب متعاطفين إلى صفوفه.

يقول الارياني: "كان للطائرات بدون طيار تأثير مختلط. كان التأثير مختلط. أولاً وقبل كل شيء، للأسف، تقصف الطائرات بدون طيار في بعض الأحيان المدنيين، والقاعدة خير من يحسن استخدام ذلك" طبقاً لما في اجابته في المقابلة التي أجرتها معه أخيراً شبكة "البي بي إس" الأمريكية بتاريخ 23/7/2010م.

ولقد سألته الشبكة الأمريكية: إنهم يستخدمون ذلك لتجنيد أعضاء جديد؟

- "كثيراً جداً، نعم ، أعتقد ذلك" يقول الارياني.

غير أن الدكتور عبدالكريم الارياني يعتقد أن "القاعدة لا تموت في أي بلد دخلته، هي غير ميتة في السعودية هي نائمة فقط، أهم شيء في الأمر ألا تعطيهم الفرصة لكي ينظموا أنفسهم ويحضروا نفسهم"..!

من الواضح ان ثمة صحة في ما ذهب إليه مستشار رئيس الجمهورية في حكاية ان القاعدة لا تموت في أي بلد دخلته؛ ولو بأي قدر.

لكن كريستوفر بوسيك يرى عكس ذلك بالنسبة إلى ما قامت به السعودية تجاه تنظيم القاعدة.

إنه يرى أنه "ليس من السهل تحديد حلول لمشكلة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. فاليمن لا تستطيع أن تكرر (الاستراتيجية السعودية الناجحة) بشكل كامل لأنها تفتقد حكومة مركزية قوية، وسيطرة على المؤسسة الدينية، بالإضافة إلى موارد عسكرية ومالية كبيرة. وعلاوة على ذلك، إن جهود مكافحة الإرهاب اليمنية مهددة بخطر تحول البلاد إلى دولة فاشلة. وسيوفر مثل هذا الانهيار ملاذاً آمناً جديداً لإرهابيين في موقع خطير على وجه الخصوص، وهي الطرق الواسعة الرئيسية للملاحة البحرية الدولية المتاخمة لـشبه الجزيرة العربية وقرب دول جنوب الصحراء الكبرى. ولا توجد حلول لهذه المشكلة على المدى القصير؛ إن قيام استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق استقرار الدولة هي فقط ستمنع تنظيم القاعدة والحركات التي تسير في فلكه من السعي إلى جعلها ملاذاً آمنا لهم".

على الرغم من ذلك؛ راح الارياني يؤكد أنه "يشك في أن اليمن قد تصبح دولة فاشلة في أي وقت" كما جاء في مقابلته مع شبكة "البي بي إس" الأمريكية.

لكن في مقابلته مع "السياسة" الكويتية قال الارياني: "على اليمن ان يتحمل المسؤولية أولاً ولا أقول آخراً، قد يحتاج إلى مساعدة إلى دعم إلى غير ذلك، لكن المسؤولية الأولى تقع على اليمن وعلى القيادات اليمنية، وما لم يتعاملوا مع هذا الخطر بما يستحقه اليوم فأخشى أن يعجزوا عن التعامل معه غداً لا يمكن إنكار أن هذا خطر". وهو، يضيف الرجل قائلاً: "خطر ينمو، وإذا تركته فسيتحول إلى سرطان".

حسناً .. ثمة خطر ينمو إذاً بشكل أكيد؛ ولسوف يتحول إلى سرطان تالياً.

أنظروا: صدر أخيراً تقرير عن الخارجية الأمريكية بتاريخ 6/8/2010م جاء فيه "أن القاعدة أظهرت أنها تشكل تهديداً كبيراً في اليمن حيث نجحت في ضرب قوى الأمن".

وقال دانيال بنيامين، منسق وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب "ان القاعدة في شبة الجزيرة العربية أثبت فعاليتها من خلال الاستفادة من (ضعف الحكومة في اليمن) لدعم تواجدها".

ويوم السبت الفائت أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسئوليته عن استهداف دورية عسكرية بمحافظة شبوة في 26 يوليو الشهر الماضي، ومقتل 6 من أفراد الأمن، مُهدداً بـ(شن المزيد من الهجمات ضد أهداف حكومية).

وقال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في موقع له على الإنترنت "كل من يقف مع علي صالح وحكومته ومع الحملة الصليبية ضد أمتنا المسلمة فهو عدو لنا وهدف مشروع لنا"..!

ثمة سؤال طرحه كريستوفر بوسيك وهو: كيف يمكن للولايات المتحدة دعم أعمال مكافحة الإرهاب اليمنية (دون تشجيع صنعاء) على اللجوء إلى القمع كوسيلة لحل أزماتها الأمنية الأخرى؟

لنتأمل كيف يفكر الرجل: "هناك العديد من الإجراءات (الأمنية الناعمة) التي يمكن أن تفيد. إن إحدى الخطوات الأساسية لذلك هو استمرار دعم تطوير قوات حرس الحدود والسواحل. كما إن برامج تدريب أجهزة الشرطة والاستخبارات على المدى البعيد هي إجراء آخر ربما يزيد من الكفاءة والمساءلة في نظام الأمن اليمني. بإمكان واشنطن أيضاً مساعدة صنعاء على تطوير تشريعات أكثر فعالية وشفافية لمكافحة الإرهاب من أجل تحسين فرص الإدانات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، من شأن عمل إصلاحات لأنظمة السجون والقضاء والأوساط القانونية والقيام بأعمال تدريب مع هذه الأنظمة والأوساط، أن تعزز فعالية نظام العدالة الجنائية العام، مما يمكِّن صنعاء من التعاطي الأفضل مع المعتقلين الذين قُبض عليهم في اليمن أو في الخارج (بمن فيهم تسعون آخرون من المعتقلين اليمنيين في سجن غوانتانامو ربما تتم إعادتهم إلى وطنهم في المستقبل القريب".

لكن في خضم كل ذلك؛ أقصد (الحلول المقترحة) على الحكومة اليمنية، ستبدو في نظر مبتدئ في السياسة ضرباً من المستحيل في ظل الفساد الذي أخذ ينخر بنهم شديد في مفاصل السلطة وعظام الحكومة..!

في الواقع يصبح السؤال التالي يطغي على ما عداه:

كيف يمكن لفاسد أن يتصدى لمحاربة فساد؛ ومن ثم عليه أن يقوم بالقضاء على تنظيم ينمو بشكل متسارع وقوي مثل القاعدة الذي سيصبح في ما بعد طبقاً للارياني سرطاناً..؟!

والآن هل سأل أحدكم كم يبلغ عدد المنتمين أصلاً إلى تنظيم القاعدة في الوقت الراهن؟

سأدع الارياني يجيب - مرة أخرى- على مثل هذا السؤال للمقارنة مع اجابته السابقة.

يقول الارياني في مقابلته مع شبكة "البي بي إس" الأمريكية:

"أعتقد - أو هذا ما يعتقده رجال الأمن- أن عددهم بين 500-700 شخص. لكنهم يعيشون في مناطق نائية وفي ظل بعض الحماية القبلية"...!

هل يعتقد أحدكم ان مثل هذا الطرح صحيح فعلاً...؟!