رواية التحالف العربي حول حادثة مقتل ضباط سعوديين بحضرموت وأول تحرك لمجلس القيادة الرئاسي أوكرانيا تشن أكبر هجوم بطائرات مسيرة على موسكو حتى الآن غارات أميركية جديدة على اهداف للحوثيين في 3 محافظات دولة عربية تقترب من اتفاق استثماري كبير مع السعودية بعد صفقة الإمارات ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت
في أحد المشاهد الأخيرة للمسلسل السوري «الزير سالم» الذي يحكي قصة حرب البسوس، التي قامت بين التغلبيين والبكريين، عاد أبو ليلى المهلهل (الزير سالم) من الأسر، وقد تولى ابن أخيه «الجرو بن كليب» التغلبي ملكا صوريًا على القبيلتين تحت رقابة البكريين، الذين أخذوا من الملك خيول قبيلته وأعطوهم الماعز ليضمنوا أنهم لن يعودوا للحرب.
إزاء هذه المذلة، عاتب الزير سالم ابن اخيه قائلا: «سلامٌ بلا خيول، أي ذل؟ هل هي حياة كريمة فيها أنفة وكبرياء وقدرة على اتخاذ قرار؟ تعتمد على غيرك في حماية عرشك؟ هل ستركب الماعز الذي تركوه لكي تحارب به؟ استعادت ذاكرتي هذا المشهد، عندما استمعت إلى حديث رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك جمعه ورئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا الجمعة الماضية، مع أول ساعات الهدنة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
رئيس النظام المصري أتى خلال كلمته في المؤتمر بمقترح يقضي بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967عاصمتها القدس الشرقية مع وجود قوات دولية لتحقيق الأمن للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
السيسي سبق أن تقدم بهذا المقترح بعد مرور 11 يوما من معركة طوفان الأقصى، وهو مقترح ليس جديدا.
صرح السيسي بأن هناك استعدادا لتكون الدولة منزوعة السلاح، ووجود قوات من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية لتحقيق الأمن لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
ونضع تحت كلمة (هناك استعداد) مئة خط، فلم يبين الجهة التي لديها الاستعداد لذلك، إلا أنه بالرجوع إلى فترات سابقة، تتبين هذه الأطراف التي تبنت هذه الفكرة، حيث طرحها في السابق قبل خمس سنوات محمود عباس رئيس سلطة رام الله، الذي قال: «أدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، أريد قوات شرطة غير مسلحة مع هراوات وليس مسدسات»، وهذا يتوافق مع التطلعات التي أبداها الطرف الإسرائيلي، حيث تبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون عام 2001، كما تبناها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في تصريح سابق عام 2009.
ما يثير الدهشة من هذا التصريح، أن الرئيس المصري تجاوز الشعب الفلسطيني والمقاومة، التي هي طرف الصراع مع الكيان الإسرائيلي، ونقل ما يعبر عن آمال قديمة للاحتلال وتطلعات سلطة كرتونية تمثل عبئا ووبالا على الفلسطينيين التواقين إلى التحرير، فحديثه في أول ساعات الهدنة يتجاهل أن هذه الهدنة الإنسانية التي كان له دور فيها يضاف إلى الوساطة القطرية والأمريكية، قد تمت وفقا لشروط المقاومة، التي أرغمت أنف العدو الصهيوني وأسقطت هيبته وجعلته يتراجع في خزي عن موقفه السابق الذي أكد خلاله أنه لا تفاوض مع حماس.
بالنظر إلى المقاومة كخيار استراتيجي للفصائل الإسلامية في فلسطين حتى تحرير الأرض، نفهم أن تصريح رئيس النظام المصري يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية والغربية ورؤية السلطة الفلسطينية، في القضاء على المقاومة، والذي هو السبيل الأوحد لتنفيذ هذا المقترح بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. يجدد السيسي هذا المقترح الذي وافق عليه من قبل الجانب الإسرائيلي، كبديل عن مقترح حل الدولتين الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وهو ما تم إقراره في مجلس الأمن بعد نكسة 1967، وهو ما تنادي به الدول العربية، وتأباه حكومة الاحتلال، علما بأن هذه الدولة الفلسطينية ـ وفقا لحل الدولتين – تقام على ما مساحته 22% من الأراضي الفلسطينية، ثم أتى المقترح الذي طرحه رئيس النظام المصري ليجعل هذه الدولة منزوعة السلاح، تشرف عليها قوات أجنبية، فيفقد الفلسطينيون معظم أراضيهم، ويفقدون سيادتهم أيضا على تلك النسبة المتبقية، فأي عار يحمله هذا المقترح!
مقترح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، يعني نزع السيادة عن الفلسطينيين أصحاب الأرض، وتركهم فريسة سهلة لاحتلال يضرب بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط، ويستبعد الدول العربية من المعادلة ولا يكترث بها ولم يستجب لمطالبها حتى بفتح المعبر لدخول المساعدات الإنسانية، رغم ما قطعه العديد من هذه الدول من خطوات واسعة باتجاه التطبيع.
فمن الغريب أن يأتي هذا المقترح من طرف لا يليق به الحيادية في هذه القضية، ويفترض به التخندق مع المصالح الفلسطينية، لكن حتى الحيادية لم تظهر لها رائحة في هذا المقترح الجائر، الذي يعني إنهاء القضية الفلسطينية لصالح احتلال صاحب تاريخ أسود في عدم الالتزام بتعهداته. القنبلة التي انفجرت عقب هذا التصريح، هي إبداء الجانب الإسرائيلي رفضه لهذه الفكرة، حيث ذكر
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليور هايات، أن «نتنياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح، لكن هذه ليست سياسة الحكومة»
مضيفا: «لقد تغير الكثير من الأمور منذ ذلك الحين». هذا التحفظ الإسرائيلي على تصريحات السيسي، يؤكد أن الرجل استعاد هذا المقترح تطوعا لا بمقتضى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، أو ربما يكون مناورة إسرائيلية ليصبح هذا الحل سقف الطموحات الذي تسعى الدول العربية للوصول إليه، اختزالا لفكرة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
المقترح يحمل الكثير من السطحية، إذ بمقتضاه تعيش دولة تمتلك أسلحة نووية إلى جوار دولة منزوعة السلاح، ثم يفترض أن يعيش الطرفان في سلام، في ظل امتلاك الطرف الأول مشروعا توسعيا معروفا للقاصي والداني يتجاوز جغرافيا فلسطين إلى الدول المحيطة.
مما يثير الدهشة أيضا، أن هذا المقترح تتبناه وتدعو إليه جهات عربية وقفت عاجزة تنتظر موافقة الاحتلال لإدخال شاحنات الإغاثة، رغم الضغط الجماهيري، فكيف ستتحدث هذه الجهات في ضمانات لسلام دائم بين
الفلسطينيين والإسرائيليين بموجب هذا المقترح! الشعب الفلسطيني هو من يقرر مصيره، وليس الدول التي تركته طيلة ثمانين عاما للدمار وعبث الاحتلال، وليس هناك من معنى ولا جدوى للتطوع بالحديث عن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولا حتى عن حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مجتزأة من معظم مساحتها على حدود الرابع من يونيو 1967م ولو كانت ذات سيادة، ولا قيمة لأن تنوب أي جهة للحديث عن مصير فلسطين متجاوزة الفلسطينيين. الفلسطينيون لن يبرحوا رغبتهم في تحرير كامل الأرض، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية