صعدة قبل فوات الأوان
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و يومين
الأربعاء 14 مارس - آذار 2007 04:35 م

مأرب برس - خاص

يقاس الصراع بنمطه العسكري بين فاعلين تبعا لمستواه في الدرجة ،فهناك صراع درجته حادة ومرتفعه ،وثان متوسط ،وثالث منخفض ،والتصنيف يعود لمتغيرات مختلفة وللبيئة الدافعة ..ونتيجة لدراسة نماذج من الصراعات العسكرية في سياقها التاريخي أو الراهن ،فان النتائج أو الحقائق :

--أن الصراع بين فاعلين دوليين (دول )أدواته جيوش مجسمه وتقليدية وحدته مرتفعه يحسم سريعا لصالح الطرف الأقوى والمسيطر (نموذج الحرب العالمية الثانية ).

--أن الصراع الذي يكون طرفاه دولة مجسمه بكياناتها وجيشها التقليدي ،وأخرى في شكل جماعة غير مجسمة قد لا ترى بالعين في الكثير من الأحيان وتتخذ حركة زئبقية وأدوات عصاباتية صرفة وتكون درجة هذا الصراع متوسطة فان هذا النوع من الصراع في الغالب يحسم لصالح الطرف الآخر العصاباتي الزئبقي(نموذج فيتنام وحزب الله ).

إذ أن الأمر هنا أشبه بقصة البعوضة والفيل ،حيث تذهب البعوضة لتقرص الفيل أين شاءت وفي نقاط فنية ومحسوبة ليرتد عليها الفيل بخرطومه يضرب هنا وهناك ،فقد يسقط جدر ويقتلع أشجار لكن الأمر لا يزيد إلا مزيدا من الآلام والندوب التي ترتد عليه .

في هذا النوع من الصراع رغم انه يفتقد تماما لتوازن القوى لصالح الدولة الطرف ويعكس تواضع تام للإمكانات والقدرات المادية للطرف الآخر (الجماعة أو الفئة )..

إلا أن الدول في مثل هذا النوع من الصراعات تدفع تكاليف باهضة تفوق تلك الصراعات السافرة ذات الحدة المرتفعة والمجهود العام الموجه في مواجهة أخرى قريبة من إمكاناتها،في المقابل يستفيد الطرف الآخر والأضعف في توظيف البيئة تماما ،وفي الدفع با الخصم إلى مستنقع يصعب أن يجر أقدامه منه والى نزيف إجباري وقهري للإمكانات المادية والمعنوية فضلا عن الاستفادة من الوقت في مشاغلته وسحبه عن معركة التنمية بما يستتبع ذلك من تنامي غضب وهيجان داخلي يحسن النمط العصاباتي توظيفه ،كما يستفيد هذا النمط الأخير في كسب فنون غير تقليدية حديثة بنت بيئتها والظرف في الارتقاء بأدائه وفي إعادة التشكل بأنماط مختلفة وبأدوات عجيبة . 

النمط الحوثي وحقيقة الموقف 

بصدق ووضوح وبدون رتوش فان الحوثية اليوم أشبه بخنجر سام يعمل في الخاصرة ،مع كل حركة وشد ومد يزداد عمقا وتمزيقا وإتلافا .

نزيف مستمر ومتقطع من الأرواح والعتاد والموارد يفوق في الواقع كلفة كل النزاعات السابقة بمختلف أطرافها ،ولعل سقوط الميج والميج يعطي مؤشرات خطيرة فيما يتعلق بتطور الآلة الحوثية أو اختراقات خطيرة حاصلة في الجهة الأخرى وهذا الأقرب .

اليوم وبغض النظر عن الخلفية أو مقدمات هذه الفتنة ،فان الحال المزمن لهذا الوجع قد يجعل منه يتفاقم ويشتد إلى أن يستعصي فالزمن بطبيعة الحال لصالح الداء المستعصي الذي إن أهمل فقد يأخذ زمام المبادرة ولا يبق للآخر المعالج إلا ردود أفعال في ملاحقة ما ينتجه من آفات أخرى في بقية الجسد والحقيقة هنا الانتقال إلى مواجهة المظاهر أو الآثار ..

أهداف الصراع

لا جدال في أن الأهداف التكتيكية التي تتبعها السلطة في اغلب الأحوال هي من تنقلب عليها أولا ونحن من بعدها ،ذلك أن المسكنات الآنية واللعبة المفضلة في صراع الديكة لا يمكن أن تساعد في احتواء أزمة أو بناء مستقبل أمن ومستقر ..

السلطة اليوم وهي في أتون الصراع تتجاذبها أهداف :

فتارة يتقدم هدف القضاء على هذه الفتنة تماما .

ثم ليتقدمه هدف آخر يعتقد بأهمية الاستفادة من الحدث في الهروب إلى الأمام من استحقاقات داخلية وعاجلة.

في الوقت الذي يظهر هدفا ثالثا يغطي على ما سبق يتمثل بأهمية اللعب على هذه الورقة تجاه المتغيرين الإقليمي والدولي باعتبارها من أهم الأدوات التي تجر إليها الاستراتيجيا الإقليمية والدولية في حسابات المصالح والصراعات .

الصورة هنا غياب الاستراتيجيا المتكاملة لصالح التكتيك الآني الذي يفتقد هو الآخر إلى معالم واضحة ..

أما بالنسبة للحوثية :

فقطعا ومن أكثر من زاوية فإنها اليوم تعد واحدة من أهم أدوات الصراع الإقليمي ،وليس ببعيد أن تصبح في ظل متغيرات مؤشراتها تتبدى اليوم إحدى الأدوات التي تعول عليها الاستراتيجيا الدولية والتي قد تتوافق عليها مع الإقليمية وفقا لضغط المصالح والحضور الرادع لكليهما على قاعدة إنما المصالح هي الدائمة .

أما نحن المسكونون بالقلق من هذا التداعي المخيف فندرك تماما أن أي تبلور لنجاح ما يحققه مشروع الفتنة فان الثمن لن يكون في سقوط السلطة أو النظام ،وإنما سقوط مدوي لدولة ومسيرة ثورة ونضال ،لن تنفع يومها الديمقراطية وأدواتها كعاصم في بيئة قد هيئت بمراكز قوى وثعابين ورؤوس في ظل خارطة اجتماعية تتوزع ممالك ،لهذه الفاشق ولتلك المنصور وعلى غرار ذلك فانتظم ..

الأمر إذن بحاجة إلى صيحة يتجه إليها الجميع تنفضهم من غفلة وتوقظهم من سبات في اصطفاف لنسق واحد سلطة ومعارضة ،نخب ومثقفين ،على أن يتقدم العاجل والاهم وان تؤجل تلك القريبة والمقدور عليها .

لا بد من مؤتمر عام يتنادى له الجميع ،علماء ومشايخ ،تجار ونخب وأحزاب للخروج بصيغة متقدمة تحتوي الفتنة في صعدة من جذورها وبآلية تحقن النزيف العام وتعيد وتبقي على الحوثين في النسيج الاجتماعي العام ،وفي وضع صيغة شفافة ومسئولة يلتقي عليها الحاكم والمعارضة كبرنامج للإصلاح الشامل يزيل النتواءت ويحول دون النفق المظلم .

لا يعني هذا استبعاد الأداة العسكرية اليوم لكن مع أن تمنهج وترفد بمعززات أخرى تساعد على وقف هذا السيل من النزيف في الأرواح والموارد لكلا الطرفين.

الحوثية اليوم وهي تتخطى الحدود إلى الفضاء الإقليمي تمثل أزمة تفوق إمكانات الجيش والدولة ،وهي خطر يتفاقم يوشك أن يأتي على الأرواح والموارد والجغرافيا والسكان ...فهل من رؤية عامة متكاملة ومسئولة تبقي علينا وعلى أرواح الحوثين من قبلنا ..

مأرب برس

مأرب برس ،مشروع متقدم حافل وواعد ،بكوادر مبتدئة وإمكانات اقل من الشحيحة، كانت انطلاقته بمؤهلات الهمة والإرادة والوطن الروح ،فكان أن غطى السهل والجبل وجاء بالمشهد في صورة مكتملة بعدستي السلطة والمعارضة على حد سواء ..

غطى المشهد الانتخابي في صورة لم يبلغها غيره ...جر إليه بحيويته كتاب الرأي من كل الأطياف والأوزان تجد منير الماوري بموقفه ونكهته ،فطه مصطفى فالفقيه ،وصولا إلى العسلي في منظومة تعكس ألوان الطيف والرأي والرأي الآخر ..

أكثر من غطى فتنة الحوثية ومن تعرض لخطر وخطورة التشييع ومخططاته في المنطقة بقراءة لخبراء متمترسون بأحجام سمير عبيد وآخرون ،في الوقت الذي لم تقص فيه الحوثية من حقها في القول والرد وان كان نالها من تغطية الخبر وكتاب الرأي ما يضربها في المفاصل ..

إذن.. فلم التهديد والوعيد والزعيق والنخيط وسحب صكوك الوطنية ..

ألا يدرك هذا الضابط وهو يريد كتم النفس أنا له قلبا ورئة ....وأننا منه وله وبه ومعه ،وان كل قطرة دم تسيل منه نحسها في أعماقنا وجع ونزيف في القلب ..

فلم نحوطه بالذراعين ويتجهز هو لنا بالمطارق وما يكتم الانفاس ؟

أما أمنا النقابة فلها الحب والبر والإحسان في كل الأحوال ..

alhager@gawab.com