مقال مناسك الثورة وفقه التغيير !!
بقلم/ عبد السلام الكبسي
نشر منذ: 13 سنة
الثلاثاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:28 م
 
 

من كل فج عميق توجهنا إلى الله واستقبلنا الركن اليماني ونزلنا إلى ساحات الحرية، تقودنا حكمة بلقيس وقوة التبع اليماني وصبر سيف بن ذي يزن، ومنذ أكثر من تسعة شهور والساحات تصرخ بمن فيها "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك"

تعددت الأقوال والمعنى واحد وتنوعت الطرقات والهدف واحد، وأمسينا اليوم على مرمى حجر من دحر أعتى طواغيت البشرية، وسلاحنا لا يعدو بضع كلمات نلبي بها، كما لبى الأحرار بها من قبل، فمن نوى الثورة معنا فليلحق بنا في مواقيت التغيير فهناك يبدأ الإحرام، ومن "يلملم الحرية" تبدأ مناسك الثورة.

وإذا كان الحجُ أعظم الشعائر وأقدسها فإن الثورة لا تقل عن كونها حجا مبرورا ينال به الثائرون رضى ربهم، إن صبروا واحتسبوا، ولن يكون الحجُ إلا ثورة ولن تكون الثورة إلا حجا، وقد اجتمعت الثورة مع الحج ما لم تجتمع في غيره من العبادات، فكل مناسك الحج لا تعدو عن كونها ثورة تبدأ من إحرام الفرد وتنتهي بتحلل الجماعة، ومن لحظة الإحرام تبدأ مناسك الحج في مكة، أما نحن في اليمن وسوريا فلا زلنا على إحرامنا نؤدي مناسك الثورة على النحو الذي أمرنا الله به إذ قال (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود:113.

وقد التقت الثورة مع الحج في معظم المناسك، بل إن عظمة الثورة تأتي من كون مناسكها تخرج من ذات المشكاة التي تخرج منها مناسك الحج، فكانت الثورة حجٌ عن الأمة بأكملها لنفي الخبث عنها وإزاحة الظلم عن كاهلها، ولا غرابة إذا أن يقف العالم مدهوشا عند رؤية الحجيج ينصبون الخيام في بطحاء مكة أو على الإسفلت في ساحات التغيير في عشرات المدن اليمنية.

وما إن يشرع الثوار في إحرامهم حتى يبدأون بالتلبية، فكل من قال في وجه "علي عبدالله صالح" "إرحل" فهو ملبي، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، لأن التلبية ليست إلا توحيد الله وإفراده بالعبودية، وكل شعارات الثورة تلبية، لأن غايتها توحيد الله عز وجل، ونزع اعتقاد الناس بقداسة البشر، وهل ثار اليمنيون إلا لأجل مقولة "مالنا إلا علي" وما غاية الثورة إذا إن لم تجتث من قلوب الناس تأليه"علي بن أبي صالح" وتزرع مكانه توحيد "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه وهو خليفة إمام الموحدين.

ولأن كانت أمنا "هاجر" قد سعت بين الصفا والمرة تبحث عن الماء، فنحن نسعى بين "صفا" الحرية "ومروة" الكرامة، إذ لا عبرة للمكان إن لم يكن أحد أدلة هداية الإنسان، وقد عظم الله بعض الأماكن لعظمة المعاني المرتبطة بها، وكذلك الثورة أيضا ارتبطت بأماكن عظيمة أخذت شرفها من شرف الثورة ونبل مقاصدها، فإذا كانت التلبية في السبعين لا تخلو من شرك بالله، فإنها في الستين خالصة لوجهه الكريم، ولن يكون السعيُ إذا في التحرير على ذات السياق، كما هو حال السعي في ساحات التغيير، التي لا يكتفي فيها الثائرون بالسعي، بل إن لهم مع الطواف شأنا عظيما، فهو من أعظم مناسك الثورة، بل إنه أقوى سلاح في مواجهة جبروت "علي صالح" وتمريغ أنفه في التراب بأقوى ما يمكن من الصرخات، فالثورة تلبية لله وهتاف ضد الظلم، فكل يوم يطوف اليمنيون حول ساحات التغيير في مظاهرات عارمة ترتوي فيها الأرض من دمائهم، وتلعن من قتلهم، مؤذنة "علي صالح" ومن معه بزوال قريب.

وما كان لأحد من الثائرين أن يطوف على الساحات والأحياء، إلا وقد نوى "الوقوف بعرفة" حاله في ذلك حال حجاج بيت الله الحرام، غير أن "عرفات الثورة" تختلف عن "عرفات الحج" فالثورة كلها وقوف ضد الظالم المتجبر، من أول لحظة يلعن فيها المظلوم من ظلمه تمهيدا للإشارة إلى "علي عبد الله صالح" بوصفه سلطاناً جائرا، طغى وتجبر وعتا عن أمر ربه، فاستحق أن يقف أمامه أحفاد حمزة بن عبد المطلب، ضاربين بمنطق الحصافة عرض الحائط، ليصرخ أرشدهم "بعد هذا يا علي صالح، إنك من الهالكين" ، إنها الثورة إذا وإنه الوقوف بعرفه، ولن يكون وراء ذلك إلا المبيت "بمزدلفة الثورة" وما الثورة إلا "مزدلفة" وما مزدلفة إلا المبيت في العراء أو داخل الخيام، وهذا ما هو كائن، ولن يجد حلاوة ذلك إلا من أيقن أن بعد "ليل مزدلفة" يأتي فجر "العيد" فهل يعقل ذلك إلا العالمون.

ولإن كان الحج يقتضي الأضحية وسفك الدماء فالثورة لا تقتضي ذلك، ولكنها تقتضي رجم الجمرات، ولن يجد الناس أشد عليهم من "علي صالح" ليرجموه في جمرات الثورة، فما فارق "علي صالح" إبليسَ قيد أنمله، فعلام نترك الأول ونرجم الأخير، وهل في ذلك إنصاف لإبليس ليرجمه الناس كل عام على شفا ثلاث جمرات في مكة، وينسون أن في اليمن وسوريا جمرات أُخر، ثار الناس لأجل أن يرجموا فيها من قال من الحكام " أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ " الزخرف:51 ، فما بال من لم يرجم بعد من الحكام.