في مصر سقط مرسي وفي اليمن أجمعوا على إسقاط الوحدة
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
الأحد 04 أغسطس-آب 2013 05:49 م

حتى اللحظة، وبعد أسبوع حاسم في رؤى الحلول لـ"القضية الجنوبية"، يمكن القول إن ‏مؤتمر الحوار قد أقر مبدأيا ذبح الجمهورية اليمنية كدولة موحدة كأنها شاة أجمع ‏ممثلو القوى السياسية الرئيسية المشاركة في الحوار على ذبحها واقتسامها ولم يعد التفاوض ‏والاختلاف الشكلي إلا على نصيب كل جهة وفصيل ولم تعد الدولة اليمنية الموحدة تنتظر ‏منهم سوى مدية الذبح.‏

كيف حدث ذلك؟

‏مؤتمر الحوار الوطني الشامل" تحت هذا العنوان ذهبوا لإقرار مستقبل اليمن وإعادة رسم ‏الخارطة السياسية: الأحزاب السياسية، القوى الانفصالية والمسلحة، أشخاص تحت أسماء ‏مكونات غير منظمة (شباب، نساء، مجتمع مدني).. أقروا جميعاً إلا نسبة ضئيلة أن الوحدة ‏اليمنية فشلت!.‏

قرار مهول جداً.. فشل الوحدة، وكانوا يرددون في بداية المسار السياسي أن العالم مع الوحدة ‏وأن الخطأ في الإدارة لا في الأرض والإنسان، وجاءت المبادرة الخليجية في بندها الأول تؤكد ‏على الحفاظ على الوحدة، ثم أصبحت الوحدة في مؤتمر الحوار الغريم الأول الذي لم يعد له ‏مدافع، والناقة التي سيتم عقرها، فالحراس السياسيون والقادة الانتقاليون حمّلوا أخطاءهم ‏وأخطاء أسلافهم على ظهر الوحدة، غير أنهم يضحكون على الشعب اليمني وعلى أنفسهم، بأن ‏الذي فشل هو الوحدة "الاندماجية" ويجب الانتقال إلى شكل جديد من أشكال الوحدة يرضي ‏الانفصاليين، أي أن الوحدة كما عرفناها وعرفها العالم قد أصبحت ليس محل نظر، وإنما تم ‏إدانتها بالإجماع وينتقلون إلى التفاصيل.‏

العرب مشغولون في الأوضاع في مصر وسوريا ولا يعرفون ما يجري في اليمن على نار ‏هادئة، لم ينتبه الكثيرون إلى أن القوى السياسية المحسوبة على التغيير والنظام السابق في ‏اليمن اتفقت، ولكن على ماذا اتفقت؟ على إدانة الوحدة والتوجه إلى الدولة المركبة (الاتحادية) ‏في ظل مرحلة انتقالية تقع فيها البلاد تحت الوصاية الخارجية المباشرة وسلطة مركز ضعيف ‏شبه مدمر ونعرات انفصالية في الأطراف وعجز اقتصادي لا يكفي لحكومة الدولة البسيطة، ‏ومن الناحية الدفاعية تمر القوات المسلحة والأمن في مرحلة ضعف وتهيكلها الأيدي ‏الأمريكية.. فكيف سيتم هدم الدولة البسيطة وبناء العديد من الحكومات والأقاليم؟

هل الفيدرالية "دين جديد" سوف يصنع معجزة بالتغلب على كل الأمور الواقعية والبدهية؟ أم ‏هي عملية غدر تاريخية باليمنيين من قبل النخبة المتعطشة إلى الدويلات والخارج الذي ائتمنه ‏اليمنيون على المرحلة الانتقالية؟. ‏

‏لا زال الشعب غير مصدق ما يفعلون.. إنهم يمضون فقط نحو الفدرالية والدولة الاتحادية ‏التي لا يزال كثير من السياسيين والإعلاميين والناشطين يجهلون معناها ومقتضياتها والفروق ‏الفاصلة بين المركزية واللامركزية والدولة البسيطة والدولة الاتحادية. فكيف يتم تكعيف 25 ‏مليون يمني بها، دون نقاش مستفيض وشرح واضح وشفاف ومفهوم حتى للمواطن البسيط.‏

الفدرالية، بتعريف مبسط، تعني الاتجاه إلى إنشاء أقاليم أقرب ما تكون إلى دول، لكل إقليم ‏حكومة وبرلمان وقضاء وجهاز شرطة أي (جهاز دولة)، وينقص هذا الإقليم لكي يكون دولة ‏مستقلة أن يكون لديه وزارة دفاع وخارجية في أكثر الحالات.. وإذا كانت الحركات الانفصالية ‏فاعلة في ظل عدم وجود كل هذا، فكيف يصبح الحال عندما تنشئ جهاز دولة محلية لكل ‏مجموعة أو حركة انفصالية؟ وأين الدولة المركزية التي ستحافظ على وحدة البلاد في ظل ‏ضعف سيطرتها على العاصمة وفي ظل سلطة محاصصة بين القوى الوطنية والانفصالية كل ‏طرف يقودها صوبه، وأطراف خارجية تجر الجميع إليها؟.‏

في مؤتمر الحوار المنعقد في صنعاء والذي جاء مقترحاً أمريكياً بحتاً تمكنت واشنطن من ‏إدراجه في الملحق الأممي للمبادرة الخليجية.. في هذا المؤتمر، لا شيء يحدث إلا إسقاط الدولة ‏اليمنية الموحدة وبقية التفاصيل رماد على العيون وضحك على الذقون. ويبدو أن جميع القوى ‏السياسية الرئيسة قد تعرضت لضغوطات خارجية أثناء مفاوضات نقل السلطة فرضت عليها ‏الموافقة على الدولة الاتحادية كمقدمة للانفصال على الطريق السودانية وإن بأشكال وتفاصيل ‏خاصة. وكانت موافقة بعض الأحزاب نتيجة حرصها على الخروج من شبح الحرب الأهلية، ‏ليكون الحوار اللغم الذي ينفجر في المرحلة الثانية من اتفاق نقل السلطة الذي تشرف عليه ‏الدول الأجنبية.‏

أما أبرز القوى المشاركة، فهي المؤتمر الشعبي العام 112 عضواً، الحراك الجنوبي 85 ‏عضواً، التجمع اليمني للإصلاح 50 عضواً، الحزب الاشتراكي اليمني 37 عضواً، الحوثيون ‏‏35 عضواً، التنظيم الوحدوي الناصري 30 عضواً، الشباب والنساء ومنظمات المجتمع ‏المدني 120 عضواً، أحزاب صغيرة بحدود 27 عضواً). كل هذه المسميات تشكل مؤتمر ‏الحوار ما يزيد عن 90% من قوى الحوار قد اختارت إلغاء الدولة اليمنية بشكلها الموحد ‏والانتقال إلى دولة مركبة. ولم يبق إلا اتحاد الرشاد السلفي 7 أعضاء والذي يمثل قرابة 01% ‏من الحوار حيث رفض التدخل في شكل الدولة.‏

فهل كانت الفدرالية اتفاقاً مسبقاً ومفروضاً على اليمنيين جاءت مسرحية الحوار لإقراره؟

في أحسن الأحوال وفي أي من دول العالم، يعد التدخل في شكل الدولة من البسيطة إلى ‏الاتحادية مخاطرة كبرى على المدى القريب والبعيد، أما بوجود العوامل الانفصالية ‏والاقتصادية والسياسية فيصبح تمزيقاً مباشراً، فمن يضمن أن هناك دولة اتحادية بعد إنهاء ‏شرعية شبه الدولة الحالية، التي تحتاج إلى إصلاحيات إدارية واقتصادية وليس دستورية ‏وجغرافية.‏

إن قارب النجاة الوحيد، مع هذه المخاطر الشاخصة ، هو أن لا يتدخل مؤتمر الحوار بشكل ‏الدولة وأن يترك تقرير مصيرها لمؤسسات منتخبة ومرحلة استقلال وطنية مستقرة، وعدا ‏ذلك، فإن النخبة السياسية اليمنية تنفذ بلا وعي وبوعي، أكبر عملية غدر تاريخية تحت تأثير ‏تطمينات شفهية من الدول الأجنبية. إقرار ما يزيد عن 90% من القوى بفشل الوحدة ‏واقتراحها الدولة الاتحادية أو الانفصال، يعد أمراً في غاية الخطورة. حيث يسقط اليمن على ‏نار هادئة برعاية إعلام التضليل الذي يشيد بالتجربة اليمنية ولا يوضح حقيقة ما يدور.‏

إن ما يحدث في اليمن اليوم يعد أخطر من الناحية الاستراتيجية مما يحدث في مصر حتى ‏الآن، فالخلاف هناك لا زال سياسياً وصراعاً على السلطة لا على الدولة، وفي ظل راية واحدة، ‏وفي اليمن لم يعد اختلافاً، بل أصبح اتفاقاً ولكن ضد الوحدة اليمنية وبمباركة النخبة السياسية ‏التي تكرر دعوة حفنة من سبأ طالبت بالتمزيق فمزقت كل ممزق وتحولت إلى أحاديث ضمن ‏وقائع اللعنة التاريخية المدونة في القرآن الكريم. وإذا ما استمر هذا الوضع دون تدخل ‏الشخصيات الوطنية والنخب الحية بشكل عاجل ودون أن تراجع الأحزاب حساباتها، فإن اليمن ‏على أبواب تقسيم لاقدر الله.‏