زفاف في المدرسة
بقلم/ حورية مشهور
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 18 يوماً
السبت 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:34 م

تم المرور على الصفوف ودعوة الجميع للزفاف . ذلك اليوم لم يكن عادياً في حياة المدرسة ولم يحصل في تاريخ أي مدرسة أن تحول مسرحها إلى حفلة زفاف حقيقية بطلاها شاب وفتاة من نازحي أبين شاءت الصدف أن تجمع قلبيهما في هذا المكان ومن رحم المأساة ولدت الملهاة . قلت لمحدثتي دعينا لا نستكثر عليهم قليلاً من الفرح فقبل أربعة أشهر وبعد إن وصلت شظايا مقذوفات المدافع والبنادق إلى دارهما ودور أقاربهم ودور جيرانهم وسقط صغار وكبار قتلى وجرحى في تلك المدينة التي كانت تنعم بقدر من الهدوء فقرر الجميع أخذ ما خف وزنه وغلا ثمنه والرحيل إلى مكان آمن . ودعوا بيتوهم والدموع تبلل وجوههم ، والحسرة تحرق قلوبهم والخوف من مسلحين يتعقبونهم ترعبهم .

في الطريق ومن بين عويل الصغار وصراخ الكبار تبادولوا كلمات الوداع وتفرقوا مجموعات ، قليل منهم أتجه شرقاً ومعظمهم أتجه غرباً نحو عدن ولحج وهم لا يعلمون لهم محلاً . السيدة العجوز تقول لجارتها: " لا أريد أن أذهب بيت إبني لأن زوجته لا تطيقني ..وأحسن أجي معكم " وأخرى تقول إنهم مؤقتاً سيحلون ضيوفاً على بيت أخيها الصغير والمزدحم بالإطفال وأخوهم الأكبر، المغترب وعدهم بالمساعدة أو استئجار مكان آخر.

المؤجرون في عدن حذرون ..يرمقون القادمون الجدد بنظرات شك وريبة من عدم قدرتهم على الوفاء بدفع الإيجارات بسبب أشكالهم الرثة أو يخافون من هذه الأسر الكبيرة العدد ، والكثيرة الأطفال ألا تحسن إستخدام بيوتهم وتفسدها أو تتلف محتوياتها وموجوداتها .

عدد كبير من هولاء تشير إحصائيات أن عددهم يصل إلى أكثر من 150 ألفاً قرر ودون سابق تخطيط إحتلال المدارس العامة وتقاسموا الصفوف ، ولأنه من الصعوبة بمكان أن يحييوا حياة طبيعية فقد قسموا الصفوف إلى صفوف للنساء وأخرى للأطفال وثالثة للرجال . الصغار من الأطفال والرضع مع أمهاتهم وهم مصدراً لإزعاج الجميع بعويلهم وبكائهم الذي لا ينقطع ليلاً ولا نهاراً وسبباً مستمراً لشجار وخصام الكبار... أعصاب الجميع متوترة ، وليس عويل وصراخ وإزعاج الصغار السبب الوحيد لمشاكلهم بل إن هناك الكثير والكثير مما ينغص عليهم معيشتهم إبتداءً من التدافع على الحمامات وليس انتهاءً بعدم توفر الغذاء وسوء مذاقه وحرارة الطقس ورطوبة المكان المحاذي للبحر والمجاورللجبل ، وفوق كل هذا وذاك فهم لا يعلمون متى يمكن أن يعودوا إلى بيوتهم أوعششهم لأن العشش الخشبية أو البيوت الطينية المتآكلة والمتهالكة بدت لهم أجمل من القصور والفلل المشيدة لأنها الآماكن التي حمت راحتهم وخصوصياتهم أما هنا فإنهم يفقدون أبسط المقومات الإنسانية لحياة طبيعية مهما أدعت المنظمات الدولية أنها توفر لهم الغذاء والدواء والفرش والبطانيات ..إنهم لا يريدون هذه الفرش الجديدة ويحلمون بالعودة إلى تلك البيوت الصغيرة والعشش الحقيرة وفرشهم المتواضعة الممزقة والقذرة التي توفر لهم إختيار متى ينامون ومتى يقومون ومتى يصلون ومتى يأكلون .

أكثر ما يزعجهم أنهم لا يعلمون متى سيعودون لأن الجماعات المسلحة ما زالت تعيث في بيوتهم ومحلاتهم وشوارعهم فساداً بالتهديد والتخويف ونشر رعب الموت في كل زاوية من زوايا المدينة. يقولون أن هولاء مرتبطون برجال القصر ، وهم لا يعلمون أيضاً متى سيرحل رجال القصر ليرحل هولاء المسلحون صنيعتهم معهم .

في هذه الأجواء الخانقة والكيئبة خفق قلبا الشابيين اللذين لم يستطيعا صبراً حتى انتهاء محنتهما ومحنة الوطن بهذه الظروف شديدة التعقيد وقرر ألا يؤجلا فرحتهما بل وقررا أن ينشرا الفرح في أجواء هذه المدرسة فجلب أهلهم وأصدقائهم الجدد الزينة والأنوار وجيئ بالدفوف والطبول واستخرج الأطفال أجمل ما يملكون وصبغت عجائز المدرسة أيديهن وأقدامهن وشعورهن بالحناء وتبرعت شابات يجدن نقش الحنا بنقش العروس وأمها وأخواتها وشابات المدرسة الأخرى المقيمات فيها ، وتمنى المقيمون لهن أزواجاً صالحين من زملاء وأصدقاء العريس . ولم يقطع حبل تفكير الشابات السمروات بمسقبلهن سوى أغنية فيصل علوي وهو يدندن" شن شني شن شني يا مطر رشني " الأغنية التي يتحلى بها كل فرح جنوبي بل وانتشرت في أفراح الشمال بعد الوحدة وكثيراً ما يلي موالد الزفة الصنعانية ، انتفضت البنات مهرولات ومتسابقات على الرقص أمام منصة العروس وهرولت بعضهن لتتأكد أن الشباب لا يختلسون إليهن النظرات من وراء الستار الذي تم إسداله ليمنح البنات كثير من الحرية في نثر شعورهن والتباهي بطوله ونعومته أثناء الرقص بعد أن أشبعنه زيوتاً وطيباً وبخوراً بعد أن تجادلن مع العجائز بأن ذلك لا يجوز للبنات ، وعقدت بعضهن أسفل ضفائرهن الطويلة ب "الصفا " غير الأصلي وغطين رؤوسهن بمقارم الجارجيت الخفيفة الشفافة وتخصرن بأحزمة رخيصة إستكمالاً لزينة أبينية تقليدية استعداد للتهادي مع رقصة " المركح " على أغنية " محلى الويل والمقرمة لما تلبسه البدوية " .

في ذلك الوقت كانت خالات العروس يجهزن غرفة المدير ويساعدهن أبنائهن في تجميع الأدراج المتساوية المستوية ويضعون فوقها الفُرش ويغطونها بملاءة جديدة نظيفة ونثرت السيدة البدينة الفل والمشموم والكادي وبعض العطر في أرجاء المكان بينما كانت أخرى تضيف البخور اللحجي لمبخرة العروس المزينة وفي ركن الغرفة بجانب الباب نُصب " المشجب " المصنوع من أعواد الخيزران ومن سعف النخيل ووضعت ملابس العروس و " شيذرها " فيه بعناية وتم وضع المبخرة تحته لتبخير الثياب والمكان وأمرت الخالة الكبرى الجميع بالمغادرة بعد أن تفحصت المكان جيداً بعينيها ثم خرجت وأغلقته بالمفتاح ودست المفتاح في صدرها وعادت إلى منصة العروس ترقص وتغني وتصفق وتطمأن العروس وأمها أن كل شئ تمام التمام لتقول لها الأم " من وين بيجي التمام ونحن نزوج العيال بالمدارس " .