كنت هناك.. رابعة (3 - 10) الشلفي يكتب عن رابعة التي رأى

مأرب برس

  كدت أموت اختناقًا أو هكذا خُيّل إليّ مع أني قد تعرضت لهذه القنابل من قبل، فقد غطى الدخان الشارع بعد أن أُطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين ما زالوا يجتمعون أمام منفذ رابعة بالرغم من كل المحاولات لتفريقهم.. تفرق الجميع في الحارات والأزقة وكل متظاهر يمد الآخر بالمشروبات الغازية والخل للتغلب على حالات الاختناق.. حصلت أنا - أيضًا - على المشروب الغازي مسحت به عيناي اللتين كانتا تحترقان بشدة واستنشقت بعض الخل. 

شعرت لوهلة وأنا أشاهد القوة المميتة في التعامل مع المتظاهرين أنني ربما أوقعت نفسي في مأزق، وهممت وأنا أجلس خلف سيارة صغيرة خوفًا من الرصاص الذي ينهمر في كل اتجاه، وأنتظر على الهاتف مكالمة الجزيرة لشرح الوضع.. كنت أستمع إلى مذيع النشرة وهو يحاور شخصين كان أحدهما ينكر كل ما يجري ويبرر ما تفعله السلطات المصرية، وكدت بعد أن انتظرت طويلًا والمشهد ما زال على حالة أمامي رصاص وقنابل مسيّلة، وكر وفر.

كدت وأنا غاضب أن أقطع المكالمة، ولكن كنت أقول لنفسي: لابد من أن أشرح الأمر.. بعد وقت تحوّل المذيع إليّ وبدأت الحديث عن المشهد في دقائق.. لا أتذكر الحوارات التي أُجريت معي لكني حاولت أن أشرح الموقف كما أشاهده. لم يعد الرصاص ينهمر بغزارة فقط من أمام الأسلاك الشائكة القريبة من الجامعة العمالية، في الخلف كان هناك قسم شرطة في ميدان الساعة ربما اسمه قسم شرطة الساعة ينطلق منه الرصاص بغزارة - أيضًا - اختبأت خلف جدار لأشاهد.

كنت أرى مسلحين على البنايات - أيضًا - يطلقون الرصاص، ولوهلة شعرت بأن الرصاص يُطلق من كل مكان ثم يعود المتظاهرون إلى الأزقة.. يتبادل متظاهر الحديث مع آخرين، ويشير إلى البعيد في أحد الأزقة بأن هناك من يقوم بإطلاق الرصاص في الأزقة.. تأملت في المشهد، سألت نفسي وأنا أشاهد النساء والشباب والرجال.. ما هي المعادلة القائمة الآن.. كيف يستطيع هؤلاء أن يصمدوا أكثر وليس بأيديهم أي سلاح.. معادلة الصدر العاري في مواجهة السلاح تُذكرني بأشياء كثيرة.

اعتدت على تغطية المظاهرات السلمية في صنعاء أعرف ذلك الخيط الرفيع في فهم التحدي السلمي للعنف. إنه تحدٍّ خطر قد يقودك لممارسة العنف أحيانًا.. لكنه أعظم قيمة عرفتها البشرية منذ قال ابن آدم هابيل لأخيه قابيل (لإن بسطت يدك إليّ لتقتلني ما أنا بباسط يديّ إليك لأقتلك) صدق الله العظيم.. لكن البشرية عاشت وقاومت بسلمية ابن آدم الأول عوامل الفناء.

ربما أن على عاتق طرف ما تقوم مهمة كسر العنف والتصدي له رغم الألم.. فعلًا.. إنه ألم قاسٍ وأنت تشاهد شخصًا آخر يسدد الرصاص ويقتلك بجبن وهو يعرف إنك أعزل.. تسأل: هل سيفعل هذا القاتل الحقير ما فعل لو كنت تمسك بيديك سلاحًا وتطلق الرصاص.. لكن القتلة هم أجبن ما عرفت البشرية.. تلك فعلًا مهمة صعبة وإنسانية لو تمكن جميع الناس من مشاهدتها لعرفوا أن ذلك عمل أقل ما يُقال عنه: إنه (ملائكي).

سيتذكر أولئك المتظاهرون كل لحظة صعبة، وهم يشاهدون الدماء تسفك، وهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. لا يمكن أن أتذكر الآن كم شخصًا قتل، وكم شخصًا أصيب في هذ المكان.. كنت أرى الناس يسقطون وأرى المسعفين يقومون بنقلهم لكنني لا أعرف من قُتل ومن أُصيب.