سلمان العودة : المنتحر خريج مدرسة الشر ولا ينبغي أن يتحول الحدث الى محاولة لاقصاء الاخر
الموضوع: المحلية

ينشر بالاتفاق بين "مأرب برس" وموقع "الإسلام اليوم"

أَكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسسة \"الإسلام اليوم\"- أن المدرسة التي تعلَّم فيها الشابُّ الذي انتحر بتفجير نفسِه في مجلس الأمير محمد بن نايف، لم يتعلَّم منها الرشد وإنما تعلَّم منها خسارة الدنيا والآخرة.

وقال الشيخ سلمان في حلقة أمس الأربعاء من برنامج \"حجر الزاوية \"، والذي يُبَثُّ على فضائية mbc ، وجاءت تحت عنوان \"التعلم\": لقد شاهدنا البارحة وسمعنا المكالمة ما بين الأمير محمد بن نايف وما بين الشاب الذي انتحر بتفجير نفسه، مشيرًا إلى أن اللافت للنظر أن هذا الشابّ كان إمامًا في مسجد، وكان يوزِّع أشياء مما يتعلَّق بإفطار الصائم للناس في الأماكن المختلفة، كما أنه في مُقتبل العمر، وهو لا شك دخل مدرسة وتعلَّم منها، لكنه لم يتعلم منها الرشد وإنما تعلّم خسارة الدنيا والآخرة.

مشيرًا إلى طلب موسى عليه السلام من الخضر أن يعلِّمَه الرشد والصواب: \"قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا\"، وهذا يدل على أن التعلم يمكن أن يكون إيجابيًّا، كما قد يكون سلبيًّا، فموسى  يطلب الرشد أي العلم الإيجابي، وإلا فقد يتعلَّم الإنسان الشرَّ والفساد.

شهادة لله

وأضاف فضيلته: حينما أقول هذا أشعر بدافع أن الكثير من شبابنا في مثل هذا السنِّ أنهم بحاجة إلى أن يسمعوا مثل هذا الكلام، يُقال لهم على الأشهاد وعلى الملأ، ويُشهد عليه الله، مؤكدًا أن هذا الكلام من دافع الإيمان بالحقيقة، والخوف على الأجيال، وليس محاباةً لأحد ولا غير ذلك، مؤكدًا أن التعليم عندما يكون تعليمًا رشيدًا يأخذ بالإنسان إلى الصواب.

وتابع: لقد كان الشاب يتحدث عن أن رمضان فرصةٌ لنقلةٍ، فقد كان يتحدث عن رمضان وقدسية الشهر الكريم، وبناء على الحدث تبيَّن أن هذه الكلمات كانت ملغومةً، بينما الصوت الآخر كان يتحدث عن الاهتمام بأهله والأسرة وبالوالدين، ولا شك أنه في النهاية هذه أمور الكل يلاحظها.

اسْتِغْلَالٌ مَرْفُوضٌ

وفي سياق متصلٍ دعا الدكتور العودة إلى ضرورة عدم استغلال بعض الأطراف لهذه الحادثة، لإقصاء الطرف الآخر، مشيرًا إلى أن عملية الاستغلال ليست عمليةً إيجابية، مؤكدًا على ضرورة أن يعالج الحدث بذاته بشكل واضح وسافر وبيِّن.

وقال الشيخ سلمان: إنه في مثل هذه الأزمات التي تضرب المجتمعات يجب على كل الأطراف والتيارات المتنافرة ألا تسعى إلى استغلال الحدث أو الأزمة وتحويل ذلك إلى نوع من التجاذب، وأن يحاول كل طرف استثمارَه لإقصاء الطرف الآخر.

الصَّوْتُ الوَسَطِيُّ..مَسْمُوعٌ

وأضاف فضيلته أن مثل هذا الاستغلال هو نوع من عدم الإيمان بمصداقية الحدث والتعامل معه بشكل واقعي، موضحًا أن الصوت الوسطي لا يحتكره أحدٌ.

جاء ذلك تعقيبًا على مداخلة من أحد المشاركين في البرنامج تقول: أشكرُ الشيخ سلمان أن أظهَرَ الصوت الإسلامي الوسطي خلال الحادثة التي وقعت قبل أيام، في حين أن هناك أصواتًا خرجت تقول صراحة: نعم للفكر التغريبي بدلًا من الفكر التكفيري، فهل يُعقَل أن تخرج مثل هذه الأصوات في هذه الأزمة؟!

وتعقيبًا على مداخلة أخرى تقول: إن الإعلام وخاصة الصحافة السعودية هي صوت أحاديٌّ فقط، حيث لم نجد الأصوات الإسلامية يُفتح لها المجال لكي تخرج وتقول صوتها وتندد وتستنكر ما حدث، قال الشيخ سلمان: لقد تصفحت الصحف ومنها جريدة \"المدينة\" على سبيل المثال، فوجدت أن هناك عشرات المقالات لمشايخ وعلماء ودعاة وأدباء وصحفيين وأساتذة جامعات ومثقفين وغير ذلك؛ فالصوت الذي يرفض هذا العمل مسموعٌ، سواء كان يرفضه من منطلق شرعي أو منطلقٍ وطنيٍّ.

مَفْهُومُ التَّعَلُّمِ

وعلى جانبٍ آخر، قال الشيخ سلمان -في هذه الحلقة من البرنامج، والتي خُصِّصت للحديث عن \"التعلم\": إن التعلُّم هو عملية تغيير، وكثيرًا ما يعبرِّون عن التعلم على أساس أنه تعلم داخل المدرسة، أو داخل مدرسة الحياة، فالتعلُّم يُحدِث التغييرَ المطلوب في نفس الإنسان والانتقال بدءًا من الطفل الذي يتعلَّم كيف يقول كلمة \"بابا أو ماما\" إلى الطفل الذي يتعلَّم كيف يكتب هذه الكلمة، إلى الشاب في الجامعة الذي يتعلَّم مهارة، إلى الرجل في ميدان الحياة الذي يتعلَّم الخبرة والتجربة، يقول تعالى: \" لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ\".

وأضاف فضيلته أن التغيير سنةُ الله تعالى في هذا الكون، والإنسان يتغيَّر سواء شعر بذلك أو لا، فعادةُ الإنسان أنه يُراقب تغيُّر الآخرين، ولكنه لا يتفطَّن إلى تغيُّرِه هو.

وضرب فضيلته مثالًا لعدم شعور الإنسان بما يحدث له من تغيير بذلك الطفل الذي كان يقول: إذا كَبرَ أولاد الحارة فمع مَن سوف ألعب؟! فهو يتخيَّل أن الناس يكبرون لكن هو في حاله.

تَغيِيرٌ مُسْتَمِرٌّ

وأوضحَ الدكتور العودة أن التعلُّم لا يعني التغيير فقط، ولكنه تغيير مستمر، فعملية التغيير ليست مؤقتةً، وإنما هي عملية مستمرة دائمة بديمومة الحياة كلها كما يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: \" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ\"، فهي عملية مستمرَّة في هذه الحياة، فالإنسان كلَّ يوم ينشأُ له عقل، كما قال العقاد:

فَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُولَدُ الْمَرْءُ ذُو الْحُجَى *** وَفِي كُلِّ يَوْمٍ ذُو الْجَهَالَةِ يُلْحِدُ

وكلَّ يومٍ يكتسب الإنسان أخلاقًا، وعاداتٍ، ومهاراتٍ، وأنماطَ تفكيرٍ، وتجارب في الحياة بشكل دائم ومستمر حتى عند الموت، وكان الإمام أحمد يقول: \"مع المحبرة إلى المقبرة \"، كما أن الطبري -رحمه الله- عندما كان في مرض الموت وذُكر له حديث أمر بالورق والكاغد وكتب هذا الحديث، قالوا: في هذا الوقت؟! قال: نعم، العلم في كل وقت، أو ليس له وقت.

الْمُحَاضَرَةُ الْأَخِيرَةُ

وذكر الشيخ سلمان أن هناك العديد من القصائد الشعرية قيلت على فراش الموت وتعتبر من غُرر ودُرر الشعر، مثل: عبد يغوث الحارثي في الجاهلية، ومالك بن الريب، ومصطفى السباعي وغيرهم، مشيرًا إلى أنه يوجد في الغرب ما يسمى بـ\" المحاضرة الأخيرة\" حيث يأتون لشخص يعيش في آخر أيام عمره ويعملون له محاضرة، لافتًا إلى أن \"راندي بوتش\" وهو عالم أمريكي أقاموا له محاضرةً في جامعة كارنيجي وكانت مصوَّرة، وكتب كتابًا عن سيرته الذاتية، والمحاضرة موجودةٌ صوتًا وصورة مع الكتاب في سي دي، لافتًا إلى أنه في مثل هذه الحالات يشعر الإنسان بالدهشة والعجب أن رجلًا عنده مثلًا ثلاثة أطفال وعنده زوجة وهو يعيش لحظاته الأخيرة كيف يتكلَّم عن الحياة، وكيف يتماسك، بل كيف يبدو مرحًا خلال هذا العمل وخلال هذا الإنجاز.

وأكَّد فضيلته أن التعلم عملية تتميز بالاستمرارية، فلا يتوقف الإنسان بسبب أنه بلغ مكانة علمية معينة، أو بلغ مرحلة سنِّيَّة متقدمة، أو كما يقولون: \"شَابَ قرناها\"، أو أن يشعر الإنسان أنه بلغ مرحلةَ الكمال، وأنه لم يَعُدْ بحاجة إلى أحد أو لم يعد بحاجة إلى شيء، مشيرًا إلى أن التعلُّم هو عملية تغيُّر أو تغيير، وهذا التغيير مستمرٌّ، وهو أيضًا سلوكيٌّ في سلوك الكائن أو في سلوك الإنسان، فيكون التغيير في سلوكه أيضًا، سواء أكان:

1ـ تغييرًا معرفيًّا : من خلال تعلمه أن يكتب أو تعلُّم مهارات التفكير.

2ـ تغييرًا مهاريًّا: من خلال المهارات والإبداعات والأعمال الحركية التي يتقنها هذا الإنسان.

3 ـ تغييرًا وجدانيًّا: أو تغييرًا يتعلَّق بالميل والوجدان، مثل كون الإنسان أصبح يميل إلى شيء أو يميل إلى ضدِّه، وهذا شيء يمكن اكتسابه، مثل أن تعتادَ أذن الإنسان على صوت جميل، أو على لفظ جميل، وكلما اعتادت عليه كلما أصبحت أكثر ذوقًا وأكثر قابليةً له؛ ولذلك فإن السلف -رحمهم الله- كانوا يخلطون ما بين المعرفة والسلوك، وكان الحسن البصري يقول: \"إن الرجل ليطلب العلم فما يزال حتى يُرى العلم في سلوكه وسمعه وبصره وتَخَشُّعِه وعمله\".

التَّعَلُّمُ مِنَ الْأَعْدَاءِ

وأردف فضيلته: علينا أن نتعلَّم حتى من الأعداء، فهناك الآن الكثير من الكتب المترجمة من العالم الغربي، هذه الكتب فيها جوانب التنمية الذاتية وفيها كتب تقوية الاعتماد بعد الله على النفس، مشيرًا إلى أنه ينبغي أن نتعلَّم من هذه الأشياء وأن نستفيد منها.

وأضاف فضيلته: ولكنْ أيضًا ثمة وضع دولي، فيما يتعلق بثورة المعلومات الهائلة في العالم، والتي قد يبدو من الصعب جدًّا أن نستطيع أن نواكبَها وهي تستدعي أن يكون هناك تحفيز للآخرين على أن يُفعِّلوا عقولهم ويقوموا بعملية التعلم الذاتي، فضلًا عن أن عملية التعلُّم الذاتي هي عبارة عن تربية مستمرة، فهي ليست خاصة بالطلاب الصغار وإنما عامة، كما كان يقول أبو الدرداء وهو من حكماء الصحابة: \"إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومن يَتَحَرَّ الخيرَ يُعْطَهُ، ومن يَتَوَقَّ الشرَّ يُوقَهُ\"، وكذلك النبي يقول: \"وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ\".

مأرب برس
الخميس 03 سبتمبر-أيلول 2009

أتى هذا الخبر من مأرب برس | موقع الأخبار الأول :
https://marebpress.net

عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://marebpress.net/news_details.php?sid=18551