بطلب من السلال وجهت كلمة حماسية من الاذاعة داعياً القبائل لنصرة الثورة

الإثنين 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - القدس العربي
عدد القراءات 7797

الشيخ عبدالله الاحمر احد فصول تاريخ اليمن الحديث. فليس بالامكان تقليب صفحات هذا التاريخ دون التوقف عند شخصه، واسرته، وقبيلته، في عهد الإمامة كما في الجمهورية. انه فاعلية سياسية واجتماعية كبيرة في العهدين.

شيخ مشايخ قبائل حاشد، رئيس مجلس النواب ورئيس حزب التجمع اليمني للاصلاح المعارض، عبدالله بن حسين الاحمر، بلغ الرابعة والسبعين. ورغم تقدم السن، والمرض، فان الشيخ الذي تبندق في الخامسة عشرة، يرفض نزع السلاح ، ويخوض معركة جديدة، لكن هذه المرة مع التاريخ، من خلال مذكراته هذه التي خص القدس العربي بحقوق نشرها.

وهذه المذكرات سيرة رجل، بقدر ما هي سيرة بلد، تعكس شاشتها مرحلة انتقال اليمن من طور خالص الانتماء الي القرون الوسطي، الي طور هجين تتصارع فيه الأزمنة التقليدية والحديثة. وهي بذاتها علامة تحول او تغير: فمذكرات أسلافه كانت روايات شفاهية في الدواوين، بينما تميز عنهم بنقلها الي عصر التدوين.

انها ذكريات غنية بالتاريخ لرجل ينتمي الي أحد أثري البلدان العربية تاريخاً.

الثورة والخروج من المعتقل

أعتقد أنني وأولاد العامل في المحابشة كنا أول من علمنا بخبر قيام الثورة، فعند نشوب الثورة خرجت في الصباح ومعي زيد جحاف ومجموعة من الشباب في نزهة إلي حصن القاهرة، ومررنا من أمام بيت إبراهيم جحاف، وإذا بالراديو مفتوح بالصوت العالي فسمعنا منه الأناشيد وعلي المداني الساكن في المنزل يومئ لنا أن نمر عليهم، دخلنا البيت وإذا بالراديو يذيع أناشيد حماسية وبعدها سمعنا القرارات الجمهورية وتلك القصيدة المجلجلة للشاعر محمد الشرفي التي يقول في مطلعها:

أنا الشعب زمجرة من رعود

وأنشودة في شفاه الخلود

إذا احتدمت ثورتي فالطغاة

بقايا رمادٍ علي كل بيد

أضمد جرحي بجرح جديد

وأمضي لإرساء فجر جديد

رجعنا فوراً ولم أعد للسجن، بل دخلت مقر العامل وعنده بعض المشائخ والموظفين، وهم مجتمعون، دخلت بينهم، قالوا: ما هو الرأي؟ قلت ابعثوا برقية تأييد هذا من مصلحتكم وهذا واجب إنها ثورة ثورة.

أما الشيخ علي هبة، الذي كان مدير الحبس، فكان يصيح هذه ليست ثورة هذه ليست إذاعة صنعاء إنها إذاعة صوت العرب والله ما تمت، ولا يتحكم بنا ابن موزع البريد حق مصر (يقصد أن أبا جمال عبدالناصر هو موزع بريد).

وبعد العصر حيث كنت مهيئاً نفسي للسفر جاءت برقية من الرئيس عبدالله السلال إلي العامل بإطلاق سراحي وإبلاغي بأن أعجل بوصولي، وإذا بالشيخ علي هبة الذي كان مسؤولاً علينا يقول: من هو هذا السلال؟ قلت له: سواء جاء إطلاق من السلال يا شيخ علي أو لم يجيء، لست متوقفاً، الصباح إن شاء الله أسافر وأنت متجمل ومذكور عندي بالخير، فلا تضيع الجمالة والمعروف، فقال: إذن أنت بكرة (غداً) ضيفي وبعد صلاة الجمعة تتوكل علي الله.

أمسيت في تلك الليلة ومعي ناجي ماتع، وكان مأمور صحة للتلقيح في المنطقة، وفي تلك الليلة ما تركنا ننام من الحماس والفرحة، وكان معنا راديو وليس هناك إلا إذاعة لندن نستمع منها الأخبار، وفي منتصف الليل إذا بالأخبار تذكر أن البدر خرج من بين الأنقاض، وكنت قد أويت إلي فراشي أريد أن أنام وإذا بناجي ماتع يهزني (قم بالله) استمع لندن والراديو مفتوح في فراشي قلت له: إنني أسمعها، وإذا بها تؤكد أن البدر تمكن من الخروج من بين الأنقاض سالماً وتوجه إلي جبال حجة المنيعة، ويقال إن الأمير الحسن قد توجه من أمريكا إلي المملكة العربية السعودية ومنها إلي نجران، هكذا بالتفاصيل، فقال ناجي: والله لو يسمع مشائخ الشرفين بهذا الخبر لقبضوا عليك وسلموك هدية للبدر، قلت له: لا تخف ليس معهم راديوهات.

وفي الصباح تحركت وأخذت معي (الَرسَم) وهم حرس السجن، وقالوا لي بالنسبة للطريق إلي حجة تعتبر غير مأمونة لأنها جبال وفيها قبائل شرسة وليس لنا إلا تهامة وهو ما استحسنته. وصلت عبس ظهراً يوم الجمعة وما أن علم مواطنو عبس ومشائخها بوصولي حتي خرجوا في استقبالي استقبالا شعبيا كبيرا وسرنا جميعا متجهين إلي منزل الشيخ عثمان محجب ثواب شيخ البلاد وأقاموا عند بيت الشيخ ثواب حفلا خطابياً ثم انتقلنا إلي بيت الحكومة وقابلنا فيها عامل عبس الكبسي وعنده القاضي يحيي الشامي الذي كان مسؤولاً عن قضاء المحابشة والسيد حسين عبد العزيز المتوكل أحد أبرز الشخصيات في بيت المتوكل والأستاذ صالح محسن صعصعة إثر وصوله من سجن وشحة، وقال لي المتوكل: أنا رفيقك أينما سرت. وبعدها سمعنا بقرارات من إذاعة صنعاء فيها إعدامات كان أبرزها إعدام السيد يحيي بن محمد عباس المتوكل رئيس الاستئناف، فاعتذر حسين المتوكل عن مرافقتي، كما لقيت في عبس يحيي جحاف وعبدالوهاب الشهاري وقلت لهم: سافروا معي، وما وصلنا الحديدة إلا يوم السبت عصراً، حيث تعطلت بنا السيارة في الطريق. استقبلونا في الحديدة استقبالاً جماهيرياً كبيراً، حيث كان المسؤول فيها هو العميد محمد الرعيني، كما استقبلنا عبد الله الصيقل الذي حشد الشباب والمثقفين والشعراء وأقام لنا حفلاً كبيراً ومأدبة عشاء.

أمسينا في الحديدة وتحركنا في الصباح إلي صنعاء، لم تكن هناك سيارات لنقل الأفراد، وكانت هناك السيارات الكبيرة التي كانت تنقل الذخائر إلي صنعاء، ركبت في إحدي هذه السيارات، ووصلنا صنعاء عصراً وتوجهت رأساً إلي السلال في القيادة في العرضي، وكان الزبيري قد وصل من القاهرة صباح ذلك اليوم الأحد وقال لي السلال: إن الزبيري في القصر الجمهوري أريدك أن تزوره هو والقاضي عبدالرحمن الإرياني، ذهبت إليهما وفي المساء خرجت من القصر الجمهوري وعدت إلي السلال، فقال لي: اذهب إلي الإذاعة ووجه كلمة للشعب فأصحابكم لا يزالون محتارين والبدر لايزال يتنقل بين القبائل. ذهبت للإذاعة ووجهت كلمة حماسية وثورية دعوت فيها قبائل حاشد وغيرهم للالتفاف حول الثورة والجمهورية والدفاع عنها.

الانتقال إلي الميدان

أنا في الحقيقة كان همي مرتكزاً علي الجانب القتالي للدفاع عن الثورة وترسيخها، ولهذا بدأت فوراً بعد وصولي صنعاء ولقائي بالزبيري والإرياني بالإعداد للدفاع عن الثورة، وقد أعطاني السلال ذخيرة وعدداً من البندقيات (قرابة مئة بندقية شيكي)، وأعطاني أنا بندقية (جرمل) وألف ريال (فرانصي) (ماريا تريزا) وكان معي قرابة خمسمئة ريال مما كان يأتيني من قيمة البذور، كما أنه كان معي في السجن مصروفي اليومي من الإمام، وأعطانا السلال كذلك مدافع وعدداً من المدرعات المزودة بالرشاشات وأخرج معي سرية من فوج البدر، مدربين تدريباً جيداً، ومجموعة من الضباط منهم العميد يحيي المتوكل والعميد محمد عشيش، والعميد محمد الوسع وغيرهم.

تحركنا يوم الاثنين وأمسينا في خمر، وفي يوم الثلاثاء خَرَجَتْ حاشد من كل قرية كالجراد المنتشر منتشين نشوة كبيرة، لا أحد يستطيع وصف مشاعرهم فرحاً بوصولي وكان يوم وصولي بالنسبة لهم مثل يوم العيد، جيشناهم وتحركنا بعد البدر ولم ندخل البيت في الخمري ولم نر العائلة أبداً.

هرب البدر بعدها إلي الخوبة، ويبدو أنه كان ينوي أن يدخل من هناك إلي السعودية ويسافر إلي أي بلد، لكن السعوديين أوقفوه ومنعوه من الدخول وقالوا له: ارجع قاتل وهذا السلاح واندفعت وراءه قبائل كثيرة ما كان يمر من منطقة إلا ويلحقون بعده عدة قبائل مسلحين، و عادوا يقاتلون من الخوبة، وكان أكثر الذين قاتلوا معه من مناطق لواء حجة، حجور والشرفين وقضاء حجة ومسور. ونحن تحركنا في بداية الأمر علي أساس أن نحول بينه وبين الهروب وكنا نريد أن نلقي القبض عليه أو نقتله، ولا أذكر أنه كان معه أحد من الأمراء. أما القبائل فقد كان معه مشائخ من بيت المصلي مثل راجح المصلي ومشائخ الجبل وغيرهم وواحد من مشائخ عمران من بيت الصعر ومشائخ من همدان مثل الشيخ محمد حسين ناجي وغيره ومن مشائخ مسور ومن مشائخ قضاء الطويلة وبعض القبائل من الطويلة وجبل يزيد نزلوا بمجاميع كبيرة لحقوا وراء البدر علي أساس ينصرونه علي احتلال حجة، لكنهم تأخروا وما وصلوا إلا وقد هزم البدر وعندما وجدوا أنفسهم قد تأخروا عن نصرة البدر غيروا موقفهم ودخلوا حجة بزوامل علي أنهم مع الثورة يطاردون البدر، ثم قرروا أن يطاردوا البدر إلي المحابشة مع الشيخ علي بن ناجي الشائف الذي كان مسجوناً.

أهم المعارك مع البدر

أول ما رجع البدر من الخوبة، بعد أن سلحه السعوديون ودفعوه مع القبائل بدأ القتال في المناطق القريبة من الخوبة، وقد حدثت فيها معارك كثيرة في الجمَّا وفي الملاحيط، وقد تمركز البدر هناك في مناطق حزة تحت جبل رازح وفي المروة في وادي خلب وكانوا يزودونه بالسلاح والمؤن، وكان يوزع علي القبائل السلاح ويصرف لهم فلوسًا وذخائر ويوجههم بأن يتقدم كل علي بلاده يخرج الجمهورية منها في المناطق التي دخلتها الجمهورية. وأول ما أخرجوا القوم الذين في حصن وشحة أهم حصن في السلاسل الجبلية واستولوا ـ أي الملكيين ـ علي الحصن بعد حرب وقتال، وظلوا فيه قرابة شهر وتركوا بعضهم هناك، ثم اتجهوا علي كشر وحجور، ثم اتجهوا نحو المحابشة وكانت قوة الجمهورية فيها، وخاضوا فيها معارك كثيرة ثم اتجهوا نحو حجة واحتلوا مناطق في لواء حجة، وكانوا يحاصرون حجة بين الحين والآخر.

وقد وجه إلينا الإمام المخلوع البدر رسالة ترغيب وترهيب يشير فيها إلي أعمال المستعمرين الفراعنة وأذنابهم ـ علي حد تعبيره ـ ودور المقاومة الملكية ضد الكفرة، ويدعونا إلي مناصرته والقتال في سبيل الله والدين والوطن والعِرض...الخ ثم يشترط علينا فتح البلاد أمام الجيوش المنصورة وتسليم رهائن الجهاد ويتوعد بأنهم رجال قتال وحربٍ إذا أردنا البقاء علي الباطل.

أما بالنسبة للجهة الشمالية لواء صعدة فقد احتلوا ـ أي الملكيين ـ رازح وما كان فيها أحد من الجمهوريين واحتلوا ساقين وكان فيها عدد قليل من حاشد الذين دخلوا مع الشهيد الشيخ محمد غثاية أحد مشائخ البلاد وتجارها حاصروه وقتلوه مع أطفاله، وكان أصحابنا قلة هناك، ومعهم ابن عمي الشهيد محسن غالب والشيخ يحيي حمود عاطف، أخرجوهم في وجوههم حتي وصلوا صعدة واشتعلت الحرب في كل مكان في المناطق التي كانت فيها عساكر من الحكومة أو وصلت إليها الجمهورية، أما التي لم تكن الجمهورية قد وصلتها فتمردوا وما بقي معهم إلا حاشد بكاملها التي كانت في المواجهة إلا عذر فإن فائد الدوحمي وأصحابه من أول يوم رفضوا الجمهورية.

وظللنا في القتال مع عذر وأول مرة اكتسحناهم حتي وصلنا وشحة وبعد أن جاءتهم الإمدادات والمسلحون أيضاً ممن لحق بالبدر، هاجمونا إلي القفلة، وأغلبهم كان قتالهم لنا عن عقيدة وتشيع، ومن ناحية ثانية كان ذلك التمرد نتيجة لما حصل وما كانوا يسمعون به من القتل والإعدامات في صنعاء التي تمت أول الثورة حيث كانت هذه عاملاً رئيسياً لقتالهم ضد الثورة.

استمررت في القفلة أدافع عنها علي أساس أنها المركز المتوسط الذي نستطيع التوجه منها إلي هنا وهناك.. واستولينا علي مدينة شهارة المعقل الرئيسي والتاريخي للإمامة بعد حرب شديدة، وبقينا فيها فترة حتي جاء السلاح للبدر إلي الأهنوم وتمكنوا من إخراج عساكر الجمهورية من شهارة وأسروا الشيخ هادي عيطان الذي كان قائد الجمهوريين حينها في شهارة.

وخلال هذه السنة جرت معارك كثيرة لكنها ليست معارك مشهورة أو كبيرة مثل حجة أو صعدة فأهم المعارك كانت معارك الدفاع علي حجة وعلي صعدة، وسنتحدث عنها لاحقاً. أما شهارة فقد سقطت بسرعة وهي لم تكن علي درجة كبيرة من الأهمية برغم أنها معقل من معاقل الأئمة لأنها رأس جبل ليس له أهمية كبيرة كما أنها ليست علي طرق رئيسية وليست محافظة وبقاؤها في أيدينا أو سقوطها في أيديهم لا يترتب عليه هزيمة أو نصر مثل صعدة أو حجة.

كانت القوة التي معنا أغلبها قبلية فعدد الجنود الرسميين كان قليلاً جداً ومعظمهم علي الأسلحة الثقيلة. وقد أرسل لنا الرئيس السلال سرية صاعقة من الجيش المصري وكان قائدهم المقدم أحمد حلمي وقد مكثوا معنا أكثر من سنة ونصف وكانوا مقاتلين شرسين وشجعاناً. وأذكر في معركة قريبة من القفلة خرجت والمقدم أحمد حلمي لمطاردة الملكيين الذين هاجمونا إلي حصن القفلة وقد طاردناهم من واد إلي آخر وكنا نتمترس بالمتاريس للرماية عليهم، إلا المقدم أحمد حلمي فقد وقف بدون متراس يطلق النيران وكان بجانبي فشددته من ثيابه للجلوس في المتراس فرد علي: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. ولم يقتل من هذه السرية أثناء وجودهم معنا إلا بضعة جنود فقد كنا نعتبرهم ضيوفًا علينا ونتقدم أمامهم في كل المعارك. ثم انتقلت من القفلة بعد ما أفسدوا عذر وأصبحت الحرب بعدها حرب دفاع، طلعت خمر وتحركنا شمالا ويمينا ودارت معارك في حبور ظليمة وغيرها وفككنا الحصار عن صعدة مرات كثيرة بالجيش الذي من حاشد.

وفي سنة 1964 خرج الزبيري إلي خمر لطلب دخولنا مع جيش من حاشد لفك الحصار عن صنعاء حيث كانت طريق صنعاء تعز مقطوعة وقد قتل العميد أحمد بن أحمد الكبسي أحد قادة الثورة، وصنعاء محاصرة من جهة الشرق والجنوب، وبلاد الروس وسنحان وبني مطر مميلكين، ولم يعد معنا إلا طريق الحديدة ونحن مصرون ومدافعون عنها دفاعاً كبيراً، دخلنا نفك الحصار عن صنعاء سنة 1964 وقد بدأت فيها إرهاصات كبيرة ورسائل كانت توزع، والرئيس السلال علي ما أعتقد كان في إجازة، والطريق مقطوعة علي صنعاء فدخلنا بجيش كبير من حاشد والقاضي الزبيري في مقدمتنا وعندما وصلنا صنعاء خططونا (= وزعونا علي منازلهم للاقامة والاطعام) فوق أهل صنعاء ستة أو سبعة أيام.

ثم خرجنا إلي سنحان ومعنا مجاهد أبو شوارب نفك الطريق وكان ذلك في شهر رمضان وخططنا الجيش في المنطقة القريبة من صنعاء حزيز وما جاورها، وبدأنا نحاول في مناطق بلاد الروس وشرق سنحان أن نتفاهم مع أهلها مباشرة فكتبنا إليهم والأمير عبدالله بن الحسن في سيان، فجاء إليه مشائخ سنحان الذين كتبنا لهم يحاولون إبعاده فقال: ما أخرج من سيان إلا علي ظهري. ونحن ومشائخ المناطق الشرقية من سنحان، منهم علي مقصع وبيت مقولة والشيخ علي حمزة، قسمنا الجهات ووزعنا الجيش في ثلات اتجاهات وهجمنا فجرا بهجوم كبير علي سيان والمناطق الشرقية التي فيها الأميرعبدالله بن الحسن ومن كان معه من خولان ومن غيرهم، وأهل سنحان منهم من كان راضيًا ومنهم كارهاً ما دخلنا إلا بحرب.

وقد تقدم مجاهد أبو شوارب ومعه مجاميع عسكرية جمهورية منهم الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان يقود دبابة، اتجهوا من الوسط وراء منطقة حزيز حتي حاصروا قرية سيان من الجنوب جوار بيت الأحمر، وما أن ظهروا علي سيان حتي بدأ علي عبدالله صالح يرمي بالدبابة إلي داخل سيان وبعدها هرب عبدالله بن الحسن ولم يصمد كما كان يقول لن يخرج من سيان إلا علي ظهره.

وأنا والجيش الذي كان معي تقدمنا علي بيت الشاطبي وفي اتجاه قرية سيان من الشرق وقرية شعسان وشيعان لنقطع الطريق علي عبدالله بن الحسن، لكنه هرب ومن معه باتجاه خولان، وبعدها رجعنا علي بلاد الروس وكاتبنا لهم وتفاهمنا معهم والذين رفضوا التفاهم وتمسكوا بموقفهم تقدمنا عليهم واحتربنا معهم نصف يوم أو ساعات، وفتحنا الطريق من نقيل يسلح، والأهالي تعاونوا معنا بحكم العلاقات وفككنا الطريق وانتهي كل شيء في سنة 1964م.

وبعد عيد رمضان إذا بالاستنجاد من حجة يأتي حيث حاصرها الملكيون فقال لي المشير السلال : أكملوا (الجمالة) والمعروف وتوكل علي الله إلي حجة، فأخذنا معنا جيشاً من سنحان ومن بلاد الروس واتجهنا نحو حجة فتحنا طريق حجة وفككنا الحصار واستمررنا نقاتل ونصفي مناطق حجة، وقد سقط فيها عدد كبير من الشهداء حوالي مئة شهيد في قضاء حجة أذكر منهم الشيخ صالح بن ناصر فتح والشيخ شعلان الغبيسي والشيخ حسين بن حسين شاوش والشيخ خماش بشير.

بقينا أشهرا وجاء الرئيس جمال عبد الناصر إلي صنعاء في نيسان (إبريل) 1964 ونحن في محافظة حجة، وطلبوني أطلع صنعاء فقلت لن أنزل من حجة والمعركة قائمة إذا أراد فليزورنا إلي حجة، وطبعاً كان هناك تنسيق بيننا وبين القوات المصرية وهم ما كانوا ليطمئنوا إلا في المعارك التي معهم فيها قبيلة حاشد، أما الآخرون فكانوا يكسرون رؤوسهم، وعندما كان المصريون يدخلون مناطق حاشد كانوا يعتبرون أنفسهم في بيوتهم.

أول منصب:

وزير الداخلية

أنا في الحقيقة كان لدي عزوف كبير عن الانشغال بالقضايا السياسية قبل أن تترسخ الثورة وينتهي العمل الميداني، وكان همي وجهدي كله من أول يوم في الثورة يتمركز في الجانب القتالي ومحاربة أعداء الثورة والمعارضين لها والعمل في الميدان للدفاع عن الثورة وترسيخها، كان هذا همي وشغلي الشاغل ولم يكن عندي نزوع إلي العمل في المجال السياسي أو الاشتغال به أبداً. ولكن أبو الأحرار القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان والأستاذ عبدالملك الطيب والقاضي عبد السلام صبرة وغيرهم من العناصر المثقفة من الرعيل الأول الذين كان لهم أدوار سياسية قبل الثورة وبعدها، هم الذين دفعوني إلي هذا الميدان رغماً عني، وأقنعوني وأقنعوا الكثير من العناصر الذين كان دورهم مقتصراً علي الميدان من المشائخ والعسكريين.

كان هذا في منتصف سنة 1964م، وهي السنة التي تعينت فيها وزيرًا للداخلية في حكومة حمود الجائفي، وهي الوظيفة الشائكة والصعبة في ذلك الوقت لأن معظم الأمور الداخلية مرتبطة بها وقد دخلت في هذا المجال إلي جانب الأساتذة والعلماء لكني لم أترك العمل في الميدان القتالي أو العسكري. فقد واصلت القيام بالدور الذي تحملته علي عاتقي للدفاع عن الثورة أنا ورجالي وفي مقدمتهم العميد مجاهد أبوشوارب الذي كان ساعدي الأيمن والقادة الميدانيون من مشائخ حاشد، فمنهم من قضي نحبه واستشهد في المعارك ومنهم من لا يزال حياً مثل علي حميد جليدان وحمود عاطف والشيخ علي شويط والشيخ مشلي القائفي والشيخ عبدالله فيشي والشيخ حسن مهدي النفيش والشيخ حزام جخدم.

استمر عملي الميداني علي ما كان عليه، وأسهمت بالعمل السياسي بالدور الذي كان يفرضه علي الواجب وبما كان يوجهنا به الزعماء الذين اقتنعت بآرائهم وقيادتهم وفي مقدمتهم القاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبد الرحمن الإرياني والأستاذ أحمد نعمان رحمهم الله وإن كان الدور الأكبر للأستاذ الزبيري الذي كان هو المؤثر علي الجماهير.

قبائل جمهورية واخري ملكية

كان أبناء حاشد الذين كنت أقودهم في المعارك هم جيش الثورة، لأنه لم يكن هناك جيش رسمي، فالجيش النظامي الإمامي تشتت بعد قيام الثورة والضباط والحرس الوطني الذين شكلوه فيما بعد كانوا أحداثاً غير مجربين والبعض منهم كانوا يرمون بهم في المعارك فقتل منهم من قتل وهرب من هرب، فكانت قبائل حاشد هم جيش الدفاع عن الثورة مع من كان يشارك من القبائل الأخري، من أصحاب المشائخ الجمهوريين مثل ذو محمد بقيادة العميد عبدالله دارس وقبائل الحداء بقيادة المشائخ بيت القوسي وبيت البخيتي والشيخ سنان أبولحوم، ومن كان معه من قبائل نهم المجمهرين والشيخ أحمد عبدربه العواضي والشيخ سالم الحميقاني والشيخ أحمد ناصر الذهب ومن معهم من مشائخ البيضاء وغيرهم مثل الشيخ أحمد علي المطري والشيخ حمود الصبري والشيخ محمد أحمد القيري والشيخ نعمان بن قائد بن راجح والشيخ علي عبد الله عنان والشيخ علي محسن باشا والشيخ علي صغير شامي والشيخ صالح بن ناجي الرويشان والشيخ أحمد صالح دويد والشيخ أحمد محسن النيني والشيخ عبد الخالق الطلوع والشيخ عبد الله علي الصوفي. لكن هؤلاء كانوا يأتون عندما تطلبهم الدولة للقتال في منطقة من المناطق لفترة معينة. أما حاشد فقد كانوا أشبه شيء بالجيش الرسمي جيش الدفاع المستمر الذي تحمل مسؤولية الدفاع عن الثورة ونذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر: الشيخ يحيي صالح زمام، الشيخ علي بن علي الغزي، الشيخ أحمد حمود حرمل، الشيخ حزام أبو ذيبة، الشيخ علي شعلان الغزي، الشيخ حمود الغاوي، القاضي علي مطهر الرضي، الشيخ عبده كامل، الشيخ ناصر الشيبري، الشيخ صالح بن سرحان المحجاني، الشيخ محمد صالح زياد، الشيخ هادي البارق، الشيخ عبد الرحمن القديمي، الشيخ حسين عطيفة، الشيخ ناصر بوتج، النقيب أحمد محمد الأحمر، الشيخ سنان المسمري، الشيخ هزاع ضبعان، الشيخ فرج بن يحيي العرمزة، الشيخ علي حزام البصلاني.

وفعلاً كان الشعور لدي قبائل حاشد مشائخ وأفراداً أنهم مسؤولون عن حماية الثورة وأن الثورة ثورتهم، وهذا الإحساس تولد لدي حاشد نتيجة لما أصيبوا به عندما استشهد الوالد والأخ حميد وما نالهم من الإهانة والمعاناة، كل هذا أوجد عندهم شعورا أن الثورة ما قامت إلا كرد فعل رسمي وشعبي لما حدث وأن من أهم عوامل قيامها هو ما حلَّ بحاشد ومشائخها، وانطلاقاً من هذا الإحساس والشعور أصبحت لديهم قناعة أنهم مسؤولون عن حماية الثورة وأن ذلك يهمهم ويخصهم أكثر من غيرهم.

وهذا الفهم كان موجودا لدي بعض الذين كانوا يحاربون الثورة من القبائل الأخري، حيث كانوا يعتبرون أن الثورة هي ثورة حاشد ولهذا كانوا يحاربونها علي أساس أنهم يحاربون حاشد أكثر مما يحاربون الجمهورية.

وكان يطلق علي أفراد القبائل الذين قاتلوا مع الثورة سواء من حاشد أو من القبائل الأخري الجيش الشعبي وكانت الحكومة تزودنا بالدعم والسلاح ولكن بأشياء قليلة وإمكانيات بسيطة وخاصة في بداية الثورة وإن كان هذا الدعم قد تطور فيما بعد.

فبالنسبة لحاشد مثلاً في بداية الثورة قاتلوا عدة أشهر بدون رواتب من الحكومة، وكان أهل كل قرية يتحملون نفقة الأشخاص الذين يذهبون للقتال مع الثورة ويفرقون فيما بينهم معاشات لهؤلاء المقاتلين.. هكذا في كل قري حاشد. وأما السلاح فمعظم الذين قاتلوا في بداية الثورة كانوا يأتون بأسلحتهم الشخصية القديمة التي كانت موجودة معهم من قبل الثورة، وهي من أنواع مختلفة وكانت الأسلحة التي تأتي من الحكومة قليلة جداً في بداية الثورة، بل ان عدداً كبيراً من مقاتلي حاشد كان سلاحهم من الملكية! لأنهم عندما قامت الثورة كانوا في السعودية وخرجوا مع بيت حميد الدين إلي نجران وإلي المناطق الشرقية وسلحوهم، وكانوا يرسلونهم إلي المناطق التي فيها قتال وكانوا عندما يصلون إلي المنطقة التي أرسلوهم إليها يتركونها ويتجهون إلينا أينما كنا. في يوم واحد وصل إلينا ثمانمئة مقاتل مسلحين كلهم ونحن في القفلة كانوا قد سلحوهم في نجران ووجهوهم لاحتلال صعدة بقيادة بيت حميد الدين وهم من بني صريم وخارف والعصيمات وكان في مقدمتهم الشيخ حمود عاطف وقد ضربتهم الطائرة وهم في بلاد وائلة وقتل منهم ثلاثة أو أربعة علي أساس أنهم مقدمون علي صعدة وعندما اقتربوا من صعدة اتصلوا بقيادة الجمهورية في صعدة ثم دخلوها واتجهوا إلي عندي للقفلة.

وحقيقة لقد كانت هناك أدوار كبيرة لكثير من المشائخ لا أستطيع أن أحصيهم جميعاً فهناك مشائخ من لواء إب كانوا يأتون بجيوش جرارة ويقاتلون في المحابشة وفي المناطق الشمالية وفي معارك صنعاء سبق ذكرهم.

والمشائخ الجمهوريون من خولان الذين ذكرتهم رغم أن قبائلهم ومناطقهم كانت مع الملكية إلا أنهم أسهموا وكل يقدم ما يستطيع وكل شيخ جمع ما استطاع جمعه من الرجال ودخلوا بهم صنعاء واتجهوا للقتال حيث أمرتهم الحكومة سواء في جهة كوكبان أو في مسور أو في ثلاء أو السودة.

والشيخ محمد أحمد الحباري الجمهوري المعروف في أرحب كان له دور كبير في معارك الدفاع عن الثورة برغم أن أرحب مثلها مثل خولان ونهم، القبائل المشهورة كانوا مع الملكية وقاتلوا معها أما بالنسبة لمناطق الحداء والبيضاء فقد كانوا جمهوريين.

ومن مشائخ قيفة أيضا الشيخ عبدالله أحمد الجبري حيث كانت لهم صولات وجولات في معارك الدفاع عن الثورة في مناطق كثيرة، وقبائلهم معهم جمهوريون والشيخ أحمد العواضي ومشائخ لواء البيضاء الرصاص والشيخ صالح بن حسين الوهبي وغيرهم ومشائخ من مراد كانوا جمهوريين وكانوا يأتون بجيش من أصحابهم برغم أن مناطقهم لم تكن موالية مئة في المئة للثورة وكذلك القردعي وعلي ناصر طريق كانوا يأتون بأعداد من أصحابهم إلي صنعاء ليساهموا في معارك الدفاع عن الثورة في المناطق الشمالية والغربية.

وهناك قبائل لواء صعدة قبيلة سحار ومشائخها لهم أدوار كبيرة في الدفاع عن الثورة والتضحية من أجلها في مقدمتهم الشيخ عبدالله بن علي مناع وأولاده محمد بن عبدالله وفيصل بن عبدالله والشيخ فيصل الصربي والشيخ فائد مجلي والشيخ قايد شويط وقبائلهم كان لهم أدوار كبيرة وآل الشائف أسهموا بدور كبير في الدفاع عن الثورة أولهم الشيخ علي بن ناجي الشائف (رحمه الله) ثم الشيخ ناجي بن عبد العزيز الشائف ثم الشيخ حمود بن ناجي الشائف أسهموا في الدفاع عن الثورة في ميادين كثيرة أما ذو محمد فموقفهم أقوي ومشائخهم كلهم كانوا مع الجمهورية في مقدمتهم القائد الميداني العميد عبدالله دارس والشيخ أمين أبورأس علي رأس قبيلة ذو محمد.