نيران صعدة تتصاعد بحلول الشتاء

الإثنين 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 الساعة 05 مساءً / مأرب برس - عزت مصطفى - إيلاف
عدد القراءات 5001

في مايو الماضي طار أمير دولة قطر إلى صنعاء التي لم يقض فيها سوى بضع ساعات قبل أن يعود إلى بلاده، وكان واضحاً أن الشيخ حمد آل ثاني يضغط في زيارة سريعة ومفاجئة لفرض مشروع وساطة سبق للحكومة اليمنية التحفظ عليه يدعو لإنهاء الحرب في صعدة بين الجيش والحوثيين. كان الظاهر في زيارة العاهل القطري ولقائه بالرئيس اليمني، بحثهما مشاريع إستثمارية قطرية في اليمن وهبات ومساعدات إنمائية تبلغ نصف مليار دولار تقدمها الدوحة لصنعاء. ما ظهر من الزيارة كان ثمن قبول اليمن بوساطة قطر، وبدا أن صنعاء إضطرت للقبول بوساطة لإيقاف حرب إستمرت السلطة في رفض إنهاءها بغير حسم عسكري. وشكل الرئيس اليمني إثر الإعلان الرسمي عن قبول بنود الوساطة القطرية لجنة لمتابعة تنفيذ الإتفاق بين الحكومة والحوثيين، وهي ما أطلق عليها إعلامياً اسم اللجنة الرئاسية إلى صعدة.

كما شكل القطريين لجنة من طرفهم لمتابعة الأحداث على الأرض، لذلك توقف إطلاق النار خلال الخمسة الأشهر الفائتة، إلا أنه منذ أواخر شهر شعبان المنصرم انقطعت أنباء اللجنتين بدعوى سفر القطريين إلى بلادهم لقضاء شهر رمضان، فيما انفرط أعضاء اللجنة الرئاسية اليمنية الذي توفى مقررها وغادر بعض أعضائها لأداء مناسك العمرة، وظل من تبقى منهم معتكفين عن استمرار العمل في اللجنة بذريعة صيام الشهر الكريم. لم يكن الشارع اليمني يعلم أن صوماً قد يتبعه حرب في صعدة، إذ أعتقد اليمنيون أن المواجهات العنيفة بين الجيش والحوثيين انتهت مكتفية بأربع جولات، إلا أن العشر الأيام الأواخر من رمضان سجلت أولى الخروقات التي بدأت تتزايد لاحقاً منذ نهاية تشرين أول (أكتوبر) الفائت من قبل الجانبين ليسقط في اشباكات متابعدة زمنياً ومكانياً عدد من الجنود النظاميين وكذا المقاتلين من أنصار الحوثي.

وتأتي الاشتباكات الأخيرة التي لا يمر أسبوع دون أن تتوالى أخبارها، كما لو أن حرباً خامسة تهم بالنهوض، بينما رعاة وقف إطلاق النار من اللجنتين اليمنية والقطرية ربما لم يتخذوا قراراً بعداً بالنهوض والعودة إلى صعدة لإكمال مهمة متابعة تنفيذ الطرفين المتحاربين لالتزاماتهما. لم يتدخل طرف خارجي قبل قطر لإنهاء حرب صعدة منذ قررت السلطات اليمنية القضاء على تنظيم "الشباب المؤمن" عام 2004م الذي سبق أن دعمته الحكومة مالياً بحسب ما أفاد به الرئيس علي عبدالله صالح شخصياً، ومن المؤكد أن السلطة لم تكن تعلم أن الحرب ستطول مع مجموعات من الشباب الذين اعتبرتهم خارجين عن القانون احتموا بالجبال فقررت محاربتهم. راحت عربات الجيش وقاطراته المحملة بالجنود والدبابات والمدافع لتحاصر "الشباب المؤمن"، وليعلن الطرفان بعدها اندلاع حرب تمنى كلاهما انتهائها إنما بالحسم العسكري ضد الآخر.

ربما لم يتوقع حسين الحوثي الذي قاد الحرب الأولى أن يتهور الجيش لتسلق جبال صعدة الشاهقة بحثاً عنه وأنصاره، ومثله لم يتوقع القادة العسكريون أن يكون الحسم أشبه بالمستحيل أمام وعورة المنطقة واستماتة المتحصنين بالقمم أعلى رؤوس جنودهم. واندلعت الحرب الأولى بداية صيف 2004م، وسحبت ثقة قادة الجيش بقدرتهم سحق من اعتبروهم متمردين في غضون أيام؛ ساقي الحرب لتمتد لأشهر، فيما بدا أنهم لم يعيروا اهتماما لخبرة خصومهم القتالية بخاصة امتيازهم بالقنص مثلهم وبقية أبناء القبائل، وكذا درايتهم بطبيعة المنطقة وبكل جرف في سلسلة الجبال هناك.

استطاع أنصار الحوثي الصمود في الحرب ما أثار ارتباك القادة العسكريين الذين اندفعوا ليحسموا المعركة التي بدأت تستطيل بما لا يمكن احتوائها بين أذرعهم، مراهنين على التفوق العددي والعتادي، ما جعلهم يدفعون بمزيد من الجنود إلى صعود الجبال مشكلين نقاط لنهاية خطوط مستقيمة ساقطة عمودياً من فوهات قناصي جماعة الحوثي أعلى الجبال. سقط الآلاف من الجانبين في وقت فشلت الوساطات المحلية في نزع فتيل الحرب، فيما ظهر الجيش بعد ذلك وهو يقود المعارك على نسق واحد اعتمد على الحصار غالباً متخلياً عن اهتمامه بالحسم السريع.

وعندما قرر الطرفان دخول الحرب لم يكن للطقس أهميته، لكن امتدادها بعكس ما توقع العسكريون دعاهم لانتظار حلول الشتاء الذي يقرص المنطقة كل عام، بعد فشلهم في تحقيق نصراً صيفياً، مستبدلين مراهنتهم على الحسم عبر التفوق إلى المراهنة على المناخ الذي سيلفظ القرويين من الكهوف ويرميهم لمواجهة القوات العسكرية المتأهبة. حمل الشتاء من البرد ما لم يحتمله الحوثيين، وبذلك استطالت ألسنة نيران الحرب. لقد أضطر الحوثيون للهرب من الطقس الأقرب إلى التجمد لمواجهة نيران الجيش الذي أصبح باستطاعته تسلق الجبال وملاحقة الخارجين من الكهوف، ما مكن الجنود من الوصول لرأس القائد الميداني الأول لـ "الشباب المؤمن".

قتل حسين بدرالدين الحوثي وأعتقد الناس أن الحرب انتهت، لكن الجيش لم يشد رحاله وظل في صعدة وهو ما أبقى الشعور باستمرار مواجهة لم يخمدها الشتاء كاملة. النيران تحت الرماد، والشتاء انقضى، وكانت الحرب تفتح على فصول أخرى، انتفض الحوثيون من بياتهم الشتوي، كان الجيش ما يزال في مناطق القتال، فيما الحوثيون أخذوا مواقعهم أيضاً. واندلعت الحرب الثانية بقيادة عبدالله عيضة الرزامي؛ رفيق حسين الحوثي الذي لقي حتفه وعدد من أخوته في الحرب الأولى، لكن الحرب الثانية انتهت لعوامل ظلت في تقدير الطرفين.

الحرب الثالثة اندلعت بعدها بقيادة عالم الدين الزيدي بدرالدين الحوثي (والد حسين)، إلا أن الرجل الثمانيني ربما لم يستطع الاستمرار أبعد، فتوقفت الحرب. عبدالملك الحوثي (شقيق حسين) أعلن نفسه قائداً لـ "الشباب المؤمن" المقاتل في صعدة، فيما انزوى عبدالله عيضة الرزامي تحت أمرته، وتوارى والده المسن عن الأضواء في الحرب الجديدة. الحرب الرابعة اندلعت قبل الربيع هذه المرة واستمرت خمسة أشهر (شباط-حزيران)، وكان لها أن طالت أزيد من الثلاثة الحروب السابقة كون عودة الشتاء ما تزال بعيدة.

أنهك الطرفان في الحرب، لكنهما ظلا محتفظين باستعدادهما الاستمرار في خوضها، هذه المرة أخذت الحرب بعداً إقليمياً ودولياً، إذ اتهمت صنعاء الإيرانيين والليبيين بدعم الحوثيين، بالمقابل استمر الحوثيون في اتهام السلطة بإتكائها على مباركة دولة أجنبية وأخرى عربية ألمحت إلى واشنطن والرياض اللتين أظهرتا الحياد ولم يخوضا المعركة دبلوماسياً أو إعلامياً، باستثناء تصريح السفير الأمريكي السابق بصنعاء استعداد بلاده مساندة الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين.

تأزمت العلاقة بين اليمن وكل من ليبيا وإيران، قبل أن يصل القطريين صنعاء بمشروع وساطتهم. وقد فرض التدخل القطري وقف حرب يبدو أنها تتجدد بعد خمسة أشهر من آخر رصاصة أطلقت آنذاك. لم يفهم سر غياب اللجنة القطرية المبهم التي لم تحدد موعداً لعودة استمرار أعمالها، والجيش يعزز مواقعه في صعدة بالجنود والآليات –كما يقول الحوثيون-، والشتاء بداء ينسدل على المنطقة.

يحيى الحوثي (شقيق حسين وعبدالملك) ظهر في الحرب الأخيرة حاملاً الحقيبة الدبلوماسية للحوثيين، إضافة إلى أنه يتولى القيام بمهام الناطق الرسمي باسم أنصار شقيقه المحاربين في صعدة. والرجل عضو في مجلس النواب خلف شقيقه حسين (قائد الحرب الأولى) الإنابة عن المنطقة في البرلمان، ويقيم منذ اندلاع الحرب الأخيرة متنقلاً بين عواصم عربية وأوربية، ويعتبر الصلة –ربما الوحيدة- بين القطريين والمقاتلين من أتباعه في صعدة.

وقد بدا ممثل الحوثيين قلقاً في الآونة الأخيرة من صمت القطريين إزاء تجدد المواجهات ثانية، إذ أوضح في بيان له مطلع هذا الشهر؛ وهو يسرد ما قال أنه خروقات للجيش ضد أنصاره: "لقد نبهنا القطريين على كل مخالفة، يحدثونها، وكانوا يطمئنوننا، وكنا لا نبالي، مادمنا متجهين نحو تسوية الوضع، وبناء السلام، على ما نحن عليه من الثقة في إخواننا القطريين، ولمعرفتنا بقدرة إخواننا على التصرف في أي وقت". ويضيف بيان الحوثي: "أيها الأخوة، وحيث والدفاع عن النفس واجب محتم، كما يقول الحق تعالى، في كتابه الكريم، فإن إخواننا قادرين على الرد الرادع، لولا احترام الوساطة القطرية، والانتظار لما سيئول إليه أمرها".

ويتضح قلق يحيى الحوثي من الصمت القطري في قوله: "لن أسعى في مصالحة أخرى، فيما إذا مارس إخواننا حق الدفاع، ولن أحرجهم في قبول أي وساطة، لإيقاف الحرب، مرة ثانية، إلا أنني أرغب في أن يقوم القطريين بواجبهم، وأن ينفذوا وعودهم لنا، بل وأطالبهم، بسرعة ذلك". ويزيد: "حواري كان مع القطريين، فأنا أطالبهم بالوفاء، وإذا خدعت فالخديعة عليهم".

وكما هو بادياً فإن أمل الحوثي ضعيفاً في تدخل القطريين لمتابعة وساطتهم، في وقت بدأت مزيد من قوات الجيش تصل صعدة والشتاء يحل ليكشف مقاتليه، ومع استمرار صمت القطريين عما يستجد؛ لا أنباء عن موعد لتغادر لجنتهم الدوحة إلى صنعاء. اللجنة اليمنية المتعلقة بصعدة؛ انفرطت ابتداء بوفاة مقررها اللواء محمد شائف جارالله، وتالياً بتكليف الرئيس علي عبدالله صالح لثلاثة من أعضائها الانتقال إلى لجنة أخرى تعنى بإنهاء المظاهر المهددة للوحدة اليمنية، لتبقى لجنة صعدة دون رئيس لها أو متحدث باسمها، قبل أن ينتخب بقية الأعضاء الشيخ صادق الأحمر رئيساً للجنة خلفاً لوزير الداخلية السابق اللواء حسين عرب، ويأتي انتخاب الأحمر رغم تبنيه وأحد أشقائه حشد أبناء القبائل ودفعهم للقتال ضد الحوثيين.

وقال عضو اللجنة الوحيد الذي أبقى هاتفه النقال مفتوحاً على الصحافيين، لـ إيلاف: "بدأت اللجنة بعشرة أعضاء وأصبحنا الآن خمسة.. ولا أدري كم سيتبقى منا بعد ذلك"، مؤكداً توقف أعمال اللجنة في الوقت الراهن بسبب وضعها هذا. ولم ينسى د. عيدروس النقيب وهو نائب برلماني وقيادي في الحزب الاشتراكي أن يختم حديثه بدعوة الطرفين المتحاربين إلى تحكيم العقل والمنطق والحرص على ما أنجزته اللجان في ضوء الوساطة القطرية".

وفيما التزمت الصحافة الرسمية التي قادت الحرب الإعلامية في صفوف الجيش صمتها أسوة بالقطريين، باستثناء نشر مقتضب يتهم من يصفهم بالمتمردين استهداف الجنود في النقاط الأمنية، بدأت بيانات الحوثيين (عبدالملك ويحيى) تنهمر على عناوين البريد الإلكترونية للصحافيين، غير مستبعدة حرباً خامسة قد لا تستمر كثيراً في الجو القارس. فإضافة إلى رسائل الحوثيين التي تحدثت عن قيام الجيش بزرع الألغام الفردية، والقصف الكثيف لمنطقة "جمعة بن فاضل" ومناطق أخرى، هدد بيان نسب إلى أهالي منطقة "بني معاذ" استهدافهم الآليات العسكرية للقوات الحكومية إذا لم تتوقف عن توسع انتشارها وبناء تحصيناتها في مناطقهم. البيان الأخطر وقع الاثنين الماضي باسم "مصدر مقرب من السيد عبدالملك الحوثي"، تحدث عن اختطاف الجيش لفتاة تدعى صباح علي البقس، ورد فيه: "إن أي مساس لشرف وعرض هذه المرأة المظلومة سيقابل برد انتقامي كبير".

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن