القصة الكاملة لهروب 23 متهما من القاعدة من سجن الأمن السياسي بصنعاء

الثلاثاء 14 فبراير-شباط 2006 الساعة 05 مساءً /
عدد القراءات 4926

كان الوقت فجر يوم الجمعة الثالث من شهر شباط (فبراير) الجاري، المكان مبنى جهاز الأمن السياسي غرب مدينة صنعاء، ينسل 23 متهما من تنظيم "القاعدة" من زنزانتهم، عبر نفق صغير، تم حفره إلى حمامات مسجد للنساء، ملحق بمسجد الأوقاف، جنوب سور الأمن السياسي، ومنه ينطلقون عبر شوارع العاصمة إلى جهات مجهولة. وبحسب مصادر خاصة، فإن تقارير جمع الاستدلالات تشير إلى تقديرات أولية تقول إن الحفر من زنزانة جماعية (عنبر) كان مخصصا لـ 23 معتقلا، إلى حمامات المسجد، استغرق قرابة الشهرين، وأن المعتقلين هاجموا قبل أكثر من شهرين، ضابطا وجنديا في الأمن السياسي، حاولا الدخول إلى عنبرهم في محاولة لتهدئة هتافاتهم، التي كانت تدوي في أرجاء السجن.

هذه الهتافات المدوية ما كانت إلا تغطية لأصوات الحفر التي لم تتوقف، وتقول أنباء غير مؤكدة، إن الفارين تركوا رسالة للأمن تهدد بعمليات قادمة للإفراج عن بقية السجناء، وكانت بلاغات سابقة لم يحقق فيها، تلقاها الحراس الخارجين للسجن، أشارت لسماع أصوات حفريات من أماكن مجهولة في أوقات متفرقة.

ويفصل السور الجنوبي للأمن السياسي، عن الزنزانة التي حفر منها النفق، بعمق يتجاوز 4 أمتار حسب شهود عيان، قرابة 40 مترا، كما يفصل السور عن مسجد النساء شارع عرضه قرابة 12 مترا، وهو شارع مغلق تمنع أي حركة فيه، ويراقب الشارع أفراد من الأمن على مدار الساعة.

والحفرة التي لا يتجاوز طولها الـ 44 مترا لا تتيح سوى الزحف من خلالها، ووجدت أكوام من الأتربة، تم رصها على أرضية وجدران الزنزانة. تكتسب عملية هروب العناصر المتهمة بالانتماء إلى القاعدة أهمية مع إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية FBI الخميس 9-2-2006 "أن إرهابياً آخر من المطلوبين للولايات المتحدة هو من بين السجناء الذين تمكنوا من الفرار، وعرف مكتب التحقيقات السجين الهارب باسم (جابر البنا) 39 عاماً، أمريكي الجنسية، العضو الأبرز في خلية لاكاوانا، ومطلوب بتهمة تقديم الدعم لعناصر إرهابية". وصرح الناطق باسم المكتب، ريتشارد كولكو، أن البنا "يعد من الخطرين ويمثل تهديداً على الولايات المتحدة ومصالحها، ويعمل مكتب التحقيقات الفيدرالية مع شركائه المحليين والدوليين لتحديد مكانه واعتقاله". ورصدت الولايات المتحدة جائزة قدرها 5 مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات تقود للبنا، الذي تشتبه واشنطن في تلقيه، وستة من عناصر خلية بلاكاوانا، تدريبات في معسكرات القاعدة بأفغانستان.

صحفية "26 سبتمبر" الصادرة عن الجيش، والقريبة من الرئاسة، نقلت في موقعها الإلكتروني عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها: "إن الفارين قاموا بحفر نفق من داخل سجن الأمن السياسي بطول 70 مترا، إلى المسجد البعيد عن السجن، وفروا منه إلى مكان غير معروف"، ولم تستبعد المصادر وجود عناصر خارج السجن، ساعدت المتهمين على الفرار.

13 من الفارين الثلاثة والعشرين، هم من المتهمين في حادثة تفجير المدمرة الأميركية "كول" وناقلة النفط الفرنسية "ليمبيرج"، والمفارقة أن بين الفارين جمال البدوي المتهم الثاني في القضية، وهو نفسه الذي قاد عملية الهروب السابقة، لمتهمي كول، من سجن عدن بعد حفر هو و 8 من رفاقه منفذا داخل دورة مياه السجن، وقد تمكنت السلطات من إلقاء القبض عليه لاحقا، وقدمته إلى المحاكمة، ليحصل على حكم بالإعدام خففته محكمة استئنافية إلى السجن 15عاما. لم يكتشف هروب المعتقلين إلا عبر متعهد النظافة في المسجد، الذي من المعتاد أن يقوم بتنظيف حمامات مسجد النساء كل يوم جمعة، وأنه حين وجد حفرة في أحد الحمامات أبلغ إمام المسجد الذي بدوره أبلغ الأمن، قبل أن يعرف أن الحفرة استخدمت لهرب محكوم على بعضهم بالإعدام، على ذمة تفجير المدمرة الأمريكية، وناقلة النفط الفرنسية. وأعلن مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) أنه يتابع الوضع عن قرب، بعد هروب 23 من أخطر عناصر تنظيم القاعدة، من سجن الأمن السياسي في اليمن، وقال المحقق الخاص ريتشارد كولكو في تصريح أدلى به في واشنطن: "إننا في الوقت الحالي نتابع الوضع عن قرب، وسنعمل مع شركائنا على المستويين المحلي والدولي لمطاردة هؤلاء الإرهابيين الخطرين" حسب وصفه. وكانت الشرطة الدولية "الإنتربول" قد أصدرت تحذيرا عاجلا من اللون البرتقالي، وتضمن التحذير الإشارة إلى أن "الهاربين يشكلون خطرا على مختلف الدول"، واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض، سكوت مكليلان الهرب بأنه "تطور مخيب للأمل أن يفر أعضاء القاعدة، لاسيما أن أحدهم "استهدف أميركيين وقتلهم". لكنه قال: "سنعمل مع المسئولين اليمنيين وشركائنا الدوليين لملاحقة هؤلاء الإرهابيين الخطرين". ووزعت وزارة الداخلية اليمنية صورا للهاربين في كل المنافذ البرية والبحرية والجوية، بعد أن حذر "الإنتربول" تحذيرا أمنيا على مستوى العالم، قال فيه إن الرجال يمثلون "خطرا واضحا وقائما على كل الدول". وتستخدم (الإشارة البرتقالية) عادة لإبلاغ قوات الشرطة في 184 بلدا أعضاء في الشرطة الدولية، بوجود تهديدات مرتبطة بأسلحة أو قنابل ومواد خطيرة. وبانتظار أن تسلم اليمن أسماء وصور وبصمات الفارين، بهدف إصدار مذكرات بحث "إشارة حمراء" عن كل منهم. ورأت الشرطة الدولية أن "الفرار والعجز عن تحديد مكان الإرهابيين يشكل خطرا مؤكدا وفوريا على كل الدول".

 

  

وأكد الأمين العام للإنتربول رونالد نوبل "أن فرارهم لا يمكن اعتباره مشكلة داخلية، بدون إنذار وبدون مشاركة الأسرة الدولية سيكونون قادرين على السفر في جميع أنحاء العالم، والعبور بدون الانتباه لهم، والقيام بنشاطات إرهابية جديدة". ونقلت محطة "سي إن إن" الأميركية، عن مسؤولين في البحرية، أن أوامر صدرت للسفن الأميركية في المنطقة، باتخاذ جوانب الحيطة والحذر، لأن الفارين يتمتعون بخبرات في استهداف السفن الكبيرة بهجمات مدمرة على غرار ما حدث لـ (كول).

 وعلى الصعيد ذاته أفادت مصادر بريطانية في العاصمة اليمنية صنعاء، أن وزارة الدفاع البريطانية، قررت أخيرا إلغاء زيارة السفينة الحربية البريطانية (إتش إم إس بولوارك) التي كان مقررا لها أن ترسو الأسبوع الماضي في ميناء عدن. وجاء الإلغاء بسبب المخاوف الأمنية التي وجدت بعد فرار قادة تنظيم (القاعدة) في اليمن. وأشارت مصادر السفارة البريطانية في صنعاء إلى أنه لن يكون مناسبا أن ترسو السفينة في المياه اليمنية في هذه الظروف، وقال دبلوماسي بريطاني في حديث صحافي إن "دخول السفينة البحرية البريطانية إلى ميناء عدن للمرة الأولى، كأول قطعة حربية بهذا الحجم، منذ حادثة كول مهم لليمنيين والبريطانيين على حد سواء، ولكن للأسف لم تكن الزيارة ممكنة بسبب المخاوف الأمنية".

يأتي هذا في الوقت الذي اعتقلت أجهزة الأمن قرابة 200 شخصا، من أقارب قادة القاعدة الذين استطاعوا الهروب، وذلك في سياق التحقيق عن العملية التي وصفتها الخارجية الأميركية بأنها "تطور مخيب للأمل".

وكان تحذيرا عاجلا أصدرته السفارة الأمريكية لمواطنيها خارج اليمن من السفر غير الضروري لليمن، شددت فيه على من هم داخل البلاد، وخاصة الرسميين وأعضاء السفارة، بحظر التنقل غير الضروري، مع تأكيدها أنه لا يتوفر لديها معلومات عن تهديدات معينة ضد الأمريكيين.

 

  

تفسيرات متباينة وسوابق غامضة

 

  

الحكومة حتى اللحظة ليس لديها تفسير لما حدث، ومن غير المتوقع أن تعلن تفسيرها إلا بعد أيام قادمة، والسبب كما يرى المراقبون هو أن حادثة الفرار هذه ليست الأولى، إذ سبقتها عام 2003 حادثة مماثلة، فر خلالها عدد من سجناء القاعدة في الأمن السياسي بعدن، ولم تقدم الحكومة أو الأجهزة الأمنية طوال العامين الفائتين، أي تفسير معقول لعملية الفرار.

غير أن مصادر إعلامية تابعة للجيش، قالت بأن عملية الهروب التي تمت من خلال حفر نفق بطول 44 متراً تقريباً بين الزنزانة وأحد حمامات مصلى النساء، يشير إلى تعاون عناصر من الخارج قامت بنقلهم وتأمين عملية الفرار لهم وإخفائهم!.

وأضافت أن عملية التحقيقات التي شارك فيها جهاز الأمن القومي، والنيابة العامة، مع عدد من العناصر المتهمة بالتقصير والإهمال في أداء عملها، مما أدى إلى نجاح عملية الهروب للفارين، استكملت تقريباً، ومن المقرر إحالة تلك العناصر للمحاكمة.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن طريقة الفرار، أثارت جدلا بين محللين وخبراء عسكريين، فهي لا تزال تثير كثيرا من الأسئلة، لاسيما مع وجود تلك التفاصيل التي أوردتها وسائل إعلام حكومية، إذ لا تبدو طريقة الفرار في نظرهم "واقعية"، والسبب ليس فقط الإجراءات المشددة التي تتخذ داخل وحول مبنى الأمن السياسي، بل لأن حفر نفق تحت الأرض بطول 44 مترا، يعني توفر إمكانات فنية هائلة، تجعل من عملية الحفر دقيقة وآمنة، وتضمن عدم انهيار النفق أثناء الحفر، كما تضمن توفر كميات كافية من الهواء لمواصلة العمل على الحفر ثم الفرار، وهذا كله يتطلب أيضا مدة طويلة جدا قبل الإنجاز النهائي.

وعلى خلاف ما سبق، فقد رأى محللون آخرون، أن عملية الهروب غير مستحيلة في ظل الانفلات والإهمال التي تسود مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، ويستدلون بقائمة طويلة من حوادث مماثلة، وما تشهده الساحة اليمنية من تدهور في مختلف الجوانب السياسة والاقتصادية والاجتماعية.ومن أبرز الفارين جمال البدوي، المتهم الثاني في قضية "كول"، و9 ممن حوكموا في قضية تفجير ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورج" قبالة سواحل المكلا عام 2002، وهم: "محمد علي سعد، وفوزي محمد الوجيه، وفواز نجيب الربيعي، وحزام صالح مجلي، وإبراهيم محمد الهويدي، وعارف صالح مجلي، وعمر سعيد جار الله، وقاسم يحيى الريمي، ومحمد أحمد الديلمي). وتضم قائمة الفارين 4 من الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، وتشكيل عصابة مسلحة، وهم: "إبراهيم محمد المقري، وشفيق أحمد عمر، وعبد الله يحيى الوادعي، ومنصور ناصر البيحاني"، و2 آخرين من خلية كتائب التوحيد، التي كان يتزعمها أنور الجيلاني وهما: "عبد الرحمن أحمد باصرة وخالد محمد البطاطي"، ومدان آخر يدعى "عبد الله أحمد الريمي"، كانت اليمن تسلمته من دولة قطر، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات، بالإضافة إلى 6 أشخاص آخرين متهمين بالانتماء إلى تنظيم القاعدة كانوا سيقدمون إلى المحاكمة.

 

  

 

  

نقلا عن قدس برس