كنت هناك.. رابعة (6 - 10) .. الشلفي يكتب عن رابعة التي رأى

الإثنين 23 سبتمبر-أيلول 2013 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - خاص
عدد القراءات 3966
 
ليس لي ذاكرة.. ذاكرتي تشبه الكتابة بقلم الرصاص تستطيع أي ممحاة أن تمحو الحروف، لكن رابعة الميدان ليست حدثًا يمر كذكرى أو من نوع تلك الذكريات التي تكتب بقلم الرصاص فقد كتبت بالرصاص الحي. حاولت أن أكتب عن قصة تغطيتي للثورة اليمنية وهي قصة مليئة بالدراما والأحداث.. شجعتني زوجتي وشجعني كل أصدقائي على الكتابة غير أن القصة لم تكتمل. 

كتبت فصولاً كثيرة وعندما عدت لأقرأها وجدت أني أغرق في التاريخ والأحداث بشكل يحول الكتابة إلى عمل بحثي. هناك سبعون صفحة على الأقل من مسودة كتاب عن الثورة اليمنية لو عدت لقراءتها لقررت أن هذه ليست هي القصة التي أريد أن أرويها. القصة التي تستحق أن تروى هي تلك التي لا تشعرك ببطولة أو تجعلك تتقمص شخصية بطل. لذلك مارست الهروب من كتابة كهذه تجعلك بطلاً قسرياً.. ربما أنقل إحساسي الآن.. وبالمناسبة لا أحب المشاعر القسرية التي تغتصب براءة أفكارك وربما ما تعتقده نضالا فطرياً لتحوله إلى مجرد كلمات فارغة. البطولة التي تمتحنك في مربعات وسطور افتراضية شيء لا يعول عليه. لكن رابعة بين الخامس والعشرين من يوليو عام ألفين وثلاثة عشر والرابع عشر من أغسطس وهي تلك الأيام الني قضيتها هناك وتساوي خمسة وعشرين يوماً ملأتني حزناً ودهشة وحنيناً وخوفاً وتحديًا وأملًا. ثم إن رابعة صنعت التحول في حياتي.. أتحدث عن تحول حقيقي قائم على التجربة وسأقول في الحلقات القادمة كيف.

جئت من صنعاء وأنا أعرف ماذا تعني رابعة وأين تقع من مصر أم الدنيا، منصة رابعة التي تستقطب اللحى الكثيفة بلغتهم العنيفة التي ظللت أناقشها مع الأصدقاء طويلاً. كنت أستفز كما الآخرين وأنا أستمع إلى لغة المنصة قبل ذهابي إلى رابعة. بأجواء العداء التي ظل إعلام مصر الرسمي والأهلي والحزبي المرئي والمسموع والمقروء يكرسها ظل رابعة ومن في رابعة وكأنه ضد مواطني دولة معادية قرروا التجمع في شارع بمدينة القاهرة في منطقة مدينة نصر وفي حي رابعة العدوية.

شعرت بالسعادة عند تكليفي بالمهمة من قبل القناة. كنت أريد أن أفهم أكثر. والفهم له ثمن مكلف دائماً. يكلفك البحث عن المعاني كثيراً.. لكنه عمل ممتع. وافقت سريعًا ودون تردد.. وصلت الخميس.. وكان اليوم التالي هو الجمعة عندما طلب الجنرال وزير دفاع الانقلاب عبد الفتاح السيسي التفويض. لم أدخل القاهرة في رمضان.. لا أعرف طقوس المصريين في رمضان لكن مشهد النيل من نافذة غرفتي كان جارحًا بالنسبة لشخص مثلي كان يرى القاهرة في النيل ومراكبه وفرحة المواطنين العاديين. مشهد النيل يبعث على الكآبة.. استسلمت لفكرة أن النيل كئيب ولم يستسلم النوم لي. أفكر في رابعة غدًا وفي التفويض. عناوين كل الصحف التي تحرض على قتل الإرهابيين في رابعة كما يسميهم الإعلام، ولغة الكراهية التي يبثها ألمع مقدمي البرامج التلفزيونية. كل شيء لا يجعلك تنام ولا يجعل أحدا في مصر ينام سوى الجنرال الطموح الذي يتهيأ لإلقاء خطاب التفويض.