آخر الاخبار

تحذير طبي من الإفراط في تناول هذا المسكن إسرائيل وصفته بـ ''صيد ثمين جدا''.. من هو القيادي في حزب الله الذي اغتيل اليوم بغارة جوية جنوب لبنان؟ مشروع عملاق يربط الخليج بأوروبا عبر تركيا.. تعرَّف على مشروع ''طريق التنمية'' أهميته وانعكاساته على المنطقة ''انفوجرافيك'' الكشف عن الحديث الذي دار بين حكم الكلاسيكو وحكم تقنية الفيديو في لقطة هدف لامين يامال غير المحتسب ماذا قالت حركة حماس عن الشيخ الزنداني وبماذا وصفته؟ بيان قادما من مسقط.. المبعوث هانس غروندبرغ يطير إلى الرياض ويلتقي أول مسئول في الحكومة الشرعية وهذا مادار بينهما من مديرية الشعر إلى اسطنبول.. ما لا تعرفه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني: أبرز المحطات في حياته وأهم المناصب التي تقلدها والأعمال التي قام بها يسجل أرقام قياسية وتاريخية.. تفاصيل احتفالات لاعبي إنتر ميلان بعد حسم الكالتشيو النفط يرتفع في تعاملات آسيا المبكرة مع استمرار التركيز على الشرق الأوسط دعماً ل غزة.. اشتعال احتجاجات جديدة في العديد من الجامعات الأميركية

كارنيغي: القبائل ليست الحلّ في اليمن

الخميس 22 مارس - آذار 2012 الساعة 05 مساءً / مأرب برس - الهام مانع*
عدد القراءات 3099
 
 

لا تُشَكّل الانتخابات الرئاسية التي شهدها اليمن في شباط/فبراير الماضي إعلاناً عن انتهاء المشاكل التي تتخبّط فيها البلاد؛ كما أنَّ اقتراح براين أونيل بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكيّة عرّابة تدبير جديد، يستند إلى مفاوضات غير مركزية بين الزعماء القبليين والمناطقيين، لن يكون السبيل إلى حلّها. فهذه الدعوة تتجاهل دروس الماضي اليمني، وتقلّل من شأن التغييرات الجذرية التي حصلت في المجتمع اليمني خلال العقود المنصرمة. فعلى الرغم من أن النظام القبلي لايزال النمط السائد في التنظيم الاجتماعي، إلا أنه من الضروري إدراك أن طبيعة الشبكات والمؤسّسات القبلية تغيّرت إلى حد كبير.

تاريخياً، كانت الشبكات القبلية تعوِّض عن غياب الإمكانات والمقدرات لدى الدولة، إذ كانت القبيلة تؤمّن الحماية وتلبّي الحاجات: فقد كانت تضمن أمن الأراضي التابعة للقبيلة، وتحمي آبار المياه، وتسوّي النزاعات بين أفرادها أو مع القبائل الأخرى. وكانت القبيلة تشكّل، من نواحٍ عدّة، الملاذ الأول للدعم المادّي والمؤازرة الاجتماعية في وقت الأزمات. ولعل المؤشّر الأكثر وضوحاً هو أن عدن - حيث حلّت العائلة النواة مكان القبيلة، وأصبحت الوحدة الاجتماعية الأساسية - تعاني من الفقر أكثر من المناطق التي حافظت على القبليّة، مثل شبوة والمهرة والضالع.

وكان مشايخ القبائل يخضعون أيضاً إلى المساءلة أمام ناخبيهم، إذ كانوا يُنتخَبون ويمكن إبعادهم عن طريق التصويت. وهكذا، غالباً ما كان الشيخ يُعتبَر الأول بين أشخاص متساوين، وليس حاكماً مطلقاً. وكان العرف يُنظّم الوساطة في النزاعات داخل القبيلة أو خارجها، وكان مَن ينتهكه يفقد شرفه - وهذا عار كبير- ويواجه خطر التعرّض لعقاب شديد.

بيد أن سياسة البقاء العشائرية التي طبّقها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، غيّرت طبيعة العلاقة بين زعماء القبائل والناخبين. واقع الأمر أنه كان ثمة عدد من المحفّزات التي دفعت صالح والمشايخ إلى الانخراط في علاقة جديدة. فمن وجهة نظر النظام، كان تقديم المساعدة للقبائل المتناحرة أو المستضعَفة وسيلة للحؤول دون قيام تحالفات قويّة ضدّه، كما أن النظام، وعبر تبنّيه أشكالَ التحكيم القبلية، قضى على الموارد القبلية التي كان يمكن استخدامها في معارضة الدولة1. وفي الطرف الآخر من المعادلة، أتاحت شبكة العلاقات مع السلطة والإمتيازات التي قدمها نظام صالح للمشايخ التحرّر من المساءلة أمام ناخبيهم2.

وهكذا، من خلال النجاح في استيعاب هؤلاء الزعماء وربط مصيرهم بصنعاء للحصول على الامتيازات والتمتّع بالوفرة المادّية، أدّت منظومة المحسوبيات التي أرساها صالح، إلى تقويض أسس القيم والمعايير القبلية، ما تسبّب في نهاية المطاف بفراغ في القيادة. عدد كبير من المشايخ هم الآن أكثر ثراء بأشواط من أبناء القبيلة، ولذلك لم يَعُد مصيرهم رهناً بناخبيهم. والأهم أن نوعاً من الإغتراب والتباعد اصبح سمة العلاقة التي تربط الكثير من أبناء القبائل بمشائخهم ( خاصة وأن معظم هؤلاء يقيمون في صنعاء3) و يسيئون استخدام سلطتهم. والمثال الأشهر على ذلك هو ما حدث في منطقة الجعاشن في محافظة إب، حيث طرد الشيخ عشرات العائلات في العام 2009 بعدما رفضت دفع "الضرائب"، وأصرّت على دفعها للبلدية مباشرة. فضلاً عن ذلك، ثمة تقاريرعن وجود سجون "خاصة" يديرها مشايخ ويستخدمونها لترويع أبناء القبيلة وترهيبهم، الأمر الذي دفع بوزيرة حقوق الإنسان اليمنية، حورية مشهور، إلى التعهّد بإغلاقها.

لقد فهِم صالح هذا الواقع متأخِّراً، إذ خُيِّل إليه أنه إذا حصل على ولاء الشيوخ، فسيفوز بالدعم من قبائلهم. لكن، وكما تُظهر الانتفاضة التي أدّت إلى إطاحته من السلطة، لم تتبع قبائل كثيرة أوامر "زعمائها". وفي هذا السياق، يصعب أن نتخيّل كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تكون عرّابة تدبير جديد مستند إلى مفاوضات غير مركزية مع قادة لم يعودوا قادرين على الوفاء بوعودهم.

من هنا، ربما يجب الاستلهام من سلطنة عمان، ولاسيما من الاستراتيجية التي استخدمتها لدمج القبائل وإنهاء ثورة ظفار في سبعينيات القرن العشرين. فقد نجحت عمان في إخراج ظفار من عزلتها عبر ربطها بمسقط، فيما بثّت في الوقت نفسه إحساساً بالانتماء الوطني لدى سكّانها من خلال ثلاث مبادرات أساسية.

أولاً، عفت الحكومة عن كل مقاتلي ظفار الذين أبدوا استعداداً للانضمام إلى الجانب الحكومي ، فمَن قبِلوا العفو خضعوا إلى إعادة تدريب وأُدمِجوا في القوات المسلحة ثم إعيد توزيعهم على المناطق القبلية التي ينتمون إليها ونتيجة لذلك، انشقّ مئات الثوّار وانضموا إلى فرقة الوحدات غير النظامية التابعة للسلطان قابوس. وكانت هذه الوحدات تضمّ عناصر يتراوح عددها من 30 إلى 100 عنصر، كانت غالبيتهم من الثوّار المنشقّين وأبناء القبائل المحلّية الذين تدرّبوا على النشاطات شبه العسكرية. وقد ساهمت هذه الاستراتيجية في الحصول على دعم القبائل التي كان ينتمي إليها أعضاء الفرقة، وجعلت أيضاً الوحدات بمثابة حكومات مؤقّتة في المناطق القبلية التي تنتمي إليها، الأمر الذي ساهم، على الأرجح، في إعادة بناء الثقة بالحكومة المركزية. وفي الحد الأدنى، كانت هذه الاستراتيجية مختلفة بوضوح عن السياسات السابقة التي قامت على نشر القوات النظامية المؤلَّفة في غالبيتها من جنود باكستانيين.

كما كان للعامل القبلي أهمية خاصة في الجهود التي بذلتها عمان لإنشاء شبكة إدارية في المنطقة والحصول على ولاء زعماء القبائل والسكان على السواء. وعلى غرار باقي البلاد في ذلك الوقت، كانت ظفار تفتقر إلى الخدمات المدنية الأساسية. وهكذا، أنشأ السلطان الجديد، اعتباراً من العام 1974، العديد من الوزارات لإدارة الشؤون العامة في ظفار، وعلى الرغم من أن المسؤولين عن تلك الوزارات كانوا يعيشون في مسقط، إلا أنه جرى فتح فروع محلية لكل واحدة منها، وكان ممثّلوها يُختارون عادةً من بين زعماء القبائل عن طريق الانتخاب وليس التعيين.

لقد سعت الدولة، من خلال معالجة المطالب والشكاوى الاقتصادية والاجتماعية لسكان ظفار، إلى اجتثاث الأسباب التي ارتكزت عليها القضية التي كان المتمرّدون يرفعون لواءها. فاستخدمت الحكومة العمانية، بين العامين 1971 و1975، التمويل السخي الذي حصلت عليه من السعودية والإمارات العربية المتحدة لتخصيص 25 في المئة من الموازنة الإنمائية لمحافظة ظفار وحدها، ولبناء الطرق والمطارات والمدارس والعيادات ومحطات الطاقة في المحافظة. صحيح أن البرنامج وعد بتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في ظفار بحلول العام 1980، إلا أن الهدف الأساسي منه كان بث "العزّة والكرامة في المجتمع وروح بناء الأمة". وقد ساهمت هذه الجهود في تهدئة النفوس في ظفار، وتعزيز الرابط بين المركز والأطراف.

لو كانت الدولة غائبة عن المعادلة، لما أمكن تحقيق ذلك كله؛ فدور الدولة أساسي جداً في أي سعي إلى حلّ المشاكل التي يعاني منها اليمن، وحتى الآن لم تتمكّن هذه الدولة من إثبات وجودها بسبب الضعف والفساد الناجمَين عن إحكام زمرة من عشيرة واحدة قبضتها على الحكم، واهتمامها بملء جيوبها بالمال بدلاً من تلبية حاجات شعبها. ليست الدولة بما تعنيه من مؤسسات هي من يجب أن نلوم فيما حدث في اليمن. فغيابها تتحمل مسؤوليته أولاً وأخيراً تلك النخبة الحاكمة وفسادها. الآن هو وقت بناء الدولة في اليمن. الآن وقت الإنكباب على العمل. 

*كارنيغي

*إلهام مانع أستاذة مشاركة في معهد العلوم السياسية في جامعة زوريخ. مانع متخصّصة في الشؤون اليمنية، ومؤلّفة "السياسة الإقليمية في الخليج" (2005) و"الدولة العربية وحقوق المرأة: فخ الحكم السلطوي" (2011).