مأرب برس- عمرو محمد: البشير

الأحد 11 مارس - آذار 2012 الساعة 05 مساءً / مأرب برس - متابعات
عدد القراءات 4929
 
 

على الرغم من أن الرئيس اليمني المتنحي عبد الله صالح لم يكن راغبًا في الخروج من السلطة طواعية، وظل يراوغ شهورًا عدة لعدم التوقيع على المبادرة الخليجية التي كانت تضمن له خروجًا آمنًا من السلطة، إلا أن الرجل حرص خلال تلك الفترة على حصد أرواح اليمنيين، حتى استحر فيهم القتل، فخلف بينهم قتلى وجرحى من أبناء شعبه تجاوزوا الآلاف.

لم يكتف الرجل بما فعله من قتل، بل ظل يراوغ من وقت لآخر، بين تأييد ورفض للتوقيع، إلى أن وجد نفسه مدفوعًا، بحكم مزيد من الرفض الشعبي له، لأن ينصاع للتوقيع على هذه الاتفاقية، وذلك بعد ضربات موجعة إليه أصابته بحروق، كانت فتاتًا مما أصابه من حرق لقلوب شعبه وأبناء جلدته.

اليوم، وبعد تنحي صالح، وتولي رئيس جديد لليمن، أصبح الأول خارج سدة الحكم، وعلى الرغم من ذلك فإن أنظمته ومؤسساته، وخاصة الأمنية، لا تزال قائمة، ليصبح توصيف الوضع اليمني حاليًا بأن صالح إذا كان قد تنحى، فإن مؤسساته وأنظمته ومؤسساته لا تزال تحكم، مما يعني أن رأس النظام إذا كان قد سقط، فإن جسد النظام لا يزال باقيًا، ويعمل بقوة، ليس لدعم الرئيس الجديد، أو رعاية الشعب اليمني، ولكنه يعمل في اتجاه التيار المعاكس، بكل ما يخدم صالح وأعوانه، بل وبكل ما يحصن ما ارتكبه ونظامه من فساد جرائم بحق هذا الشعب الأبي.

هذه الحالة تبدو جلية في تمركز جسد النظام السابق في مفاصل الدولة اليمنية من خلال سيطرته على مختلف الأجهزة الأمنية، وخاصة العسكرية منها، إذ أن أقارب الرئيس المخلوع وأنصاره هم من يتولون مقاليد الأمور في قمة هذه الأجهزة، للدرجة التي أصبح معها عسيرًا على الرئيس الجديد عبد ربه منصور التعامل أو الاشتباك معها، في ظل ما تحظى به هذه الأجهزة من سيطرة ونفوذ لصالح ونظامه ومؤسساته ردحًا طويلًا من الزمن، حيث ظلوا يمسكون بتلابيب ومفاصل الدولة اليمنية.

وما يؤكد هذا التغلغل أن هذا النظام تمكن من الحيلولة دون الاستماع لكافة المطالب التي دعت إليها أفراد القوات المسلحة اليمنية بضرورة إقالة كافة المحسوبين على النظام السابق، في الوقت الذي لم يستفد فيه الرئيس الجديد من حالة الاستنفار والاحتجاجات من جانب العديد من أفراد الجيش، وخاصة أفراد القوات الجوية المطالبة بتطهير مؤسساتها من بقايا الرئيس المخلوع، الأمر الذي يعكس قوة وتغلغل وتأثير ونفوذ من تمكنوا في الاستيطان في مفاصل مختلف الأجهزة اليمنية، وعلى رأسها الأمنية.

النظام الجديد صار ينظر إلى ما كان يفعله الآخر القديم، عندما كان يرى أن كل الأمور والمشاكل لابد أن يكون حلها أمنيًا، ولا أدل على ذلك مما فعله الجيش اليمني عندما غار على مواقع يتردد أنها لتنظيم القاعدة، وهو ما نتج عنه وقوع قتلى بين الجانبين، في مشهد يعيد إلى الأذهان تلك العمليات التي كان يقوم بها صالح وجهازه الأمني لمواجهة هذا التنظيم، وفي الوقت الذي كانت تشارك فيه الإدارة الأمريكية إدارة صالح بتوجيه مثل هذه الضربات إلى التنظيم، فإنه ولكون الإدارة الحالية قائمة بأذرعها الأمنية، فإن النظام اليمني الجديد يبدو أنه سيعمل الشيء نفسه بالحرب على التنظيم بالوكالة عن الولايات المتحدة، كما كان يفعل سلفه، وربما يكون ذلك لبعض الوقت، حتى يسلم الراية إلى جيش الحرب الأمريكي، الذي كثيرًا ما اخترق حدودًا يمنية، وأجهز على قيادات وأعضاء بالتنظيم، بدعاوى محاربة الإرهاب.

كل هذه الممارسات لا تؤشر إلى نظام يمني جديد، حتى ولو على سبيل المرحلة الانتقالية، ما لم تكن هناك جهود جادة لدعم بناء دولة قوية خالية من أذناب النظام السابق، بعدما عاثوا في اليمن السعيد فسادًا، وراحوا يريقون دماء أبناء الوطن الواحد بدم بارد، وكأن هذا الدم غير مأسوف عليه.

وهذا لا يعني بالضرورة أن يقال: "إما صالح وجبروته أو الوضع الحالي من فوضى"، فالمطلوب هو أن تكون هناك إجراءات حاسمة لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وإعادة هيكلة العديد من مؤسسات الدولة، التي ظل يهيمن عليها نظام الرئيس المخلوع، عندها فقط يمكن القول: إن اليمن عاد سعيدًا، وإن ثورته قد تحققت، وإنه في طريقه لبناء دولته الحديثة، أما خلاف ذلك فسيصبح اليمن الجديد بمثابة إعادة إنتاج لليمن القديم، يلبس الثوب الأمريكي، ويسير في كنف مؤسسات صالح الاستبدادية، ولا يرى بغير أعين النظام الذي استشرى الفساد في أوصاله، مما يجعل صالح ونظامه البائد وما تبقى منه غصة في حلق اليمن السعيد.

اكثر خبر قراءة عين على الصحافة