بإعدام الرئيس العراقي صدام حسين يعطي دفعة سياسية للجمهوريين

الأحد 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 الساعة 05 صباحاً / مأرب برس وكالات :
عدد القراءات 3393

   يمكن أن يُعطي حكم بالإعدام قد تصدره المحكمة الجنائية العليا على الرئيس العراقي صدام حسين غداً الأحد قبل يومين من الانتخابات التشريعية الأميركية ، دفعة صغيرة للجمهوريين وان كان من الصعب التكهن بمداها ، ويتهم محامو الرئيس العراقي السابق واليسار الأميركي إدارة الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش بترتيب موعد صدور الحكم في حين يبدو الخبراء السياسيون متشككين حيال الأثر الذي سيتركه الحكم على الانتخابات.

ويقول كارول دوهرتي الخبير في "مركز بيو للابحاث"، "اتردد حقيقة في التكهن بهذا الشأن". اما ستيفن هيس، الخبير في معهد بروكينغز، فيقول "اعتقد ان الاثر سيكون متواضعا"، مضيفا ان "معظم الذين سيدلون باصواتهم الثلاثاء، موقفهم محسوم من الوضع في العراق". لكنه يرى انه من الممكن ان يؤثر الحكم على المترددين. ويقول هيس "سيتصدر ذلك بالطبع عناوين الصحف وسيستخدمه الجمهوريون والرئيس بوش لتذكير الأميركيين بالسبب الذي من اجله ذهبت الولايات المتحدة الى العراق". ويضيف "سيستخدمه كذلك اصحاب المواقع الفردية (بلوغرز) اليساريون الذين سيتحدثون عن مؤامرة".

واتخذت الانتخابات البرلمانية الاميركية شكل الاستفتاء على الحرب في العراق، وتشير استطلاعات الرأي الى ان الجمهوريين قد يخسرون الاغلبية في الكونغرس. ويفترض ان يتم تجديد ثلث المقاعد المائة في مجلس الشيوخ، وجميع مقاعد مجلس النواب وعددها 145 مقعدا، و36 من اصل 50 من حكام الولايات.

وادى اعتقال صدام حسين في كانون الاول/ديسمبر 2003 الى ارتفاع مفاجىء في شعبية الرئيس بوش لكن اثره لم يدم طويلا. وقال رامسي كلارك المحامي الاميركي الذي يتولى الدفاع عن صدام حسين الاربعاء ان "ادارة بوش تولي اهتماما اكبر بانتخابات تشرين الثاني/نوفمبرر منه بارواح الجنود الاميركيين وحياة العراقيين ودولة القانون". وكان كلارك وزيرا للعدل من 1967 الى 1969.

وفي رسالة كتبها بنفسه، دعا صدام حسين رئيس المحكمة الى تاجيل موعد اصدار الحكم. واعتبر صدام حسين في رسالته الى رئيس هيئة الجنايات الكبرى الاولى ان اصدار الاحكام في الخامس من الشهر "ستجعل من اجهزة الدعاية تضع الخبر بصيغة ان بوش قد حقق هدفه الاستراتيجي من الغزو بانجاز ذاك الهدف او بأي صيغة تحقق الغرض الذي ينشده".

وعلى الانترنت ومنتديات النقاش التي يديرها اليسار الاميركي ولدى بعض المواقع الفردية، تثار شكوك كثيرة حيال اختيار موعد اعلان الحكم بحيث يأتي لمصلحة الحزب الجمهوري. ويتساءل بعض مستخدمي الانترنت في منتديات النقاش الديموقراطية "هل تم اختيار موعد اصدار الحكم لتأمين فائدة سياسية قصوى للادارة والجمهوريين".

ويقول توم انغلهارت على موقع مجلة "ذي نايشن" التقدمية من جانبه "هذا الحكم سيصدر، يا للغرابة، قبل يومين فقط من انتخابات نصف الولاية. هذا ما يمكن ان يلحظه اي صحافي في اي مقال. ولكن لا، يمكن ان تبحثوا في كل مكان ولن تجدوا اي اشارة اليه في وسائل الاعلام الكبرى".

ولكن السفير الاميركي في العراق زلماي خليل زاد رفض هذه الاتهامات بقوله ان "القرار اتخذه القضاة العراقيون. الولايات المتحدة لا دخل لها باختيار الموعد". وحوكم صدام حسين وسبعة من اعوانه امام المحكمة بتهمة قتل 143 شيعيا من سكان الدجيل اثر تعرض موكبه لاطلاق نار قرب هذه البلدة عام 1982.

صدام ينتظر توضيح مصيره بعد صدور الحكم عليه الأحد

وينتظر صدام حسين غدا الاحد الحكم الذي سيصدره بحقه في قضية الدجيل حيث لقي 148 قرويا شيعيا حتفهم شمال بغداد في الثمانينات، والذي يمكن ان يكون عقوبة الاعدام. وتحسبا لاندلاع أعمال عنف بعد صدور الحكم الذي ينتظره العراقيون والعالم، اعلنت وزارة الدفاع العراقية الجمعة الاستنفار في صفوف الجيش. وافاد بيان صادر عن الوزارة الجمعة انها "وضعت كل قطاعاتها في حالة انذار، وتم الغاء كافة الاجازات لكل منتسبي الوزارة من الضباط والمراتب (...) ووضعت في حالة استعداد كامل لاي طارىء يرافق جلسة النطق بالحكم" على صدام حسين.

واستمرت محاكمة صدام حسين والمتهمين الاخرين السبعة بين 19 تشرين الاول/اوكتوبر 2005 و27 تموز/يوليو 2006 امام المحكمة الجنائية العراقية العليا التي يقع مقرها في المنطقة المحصنة في بغداد. وقتل عشرات العراقيين في الدجيل ردا على اطلاق النار على موكب الرئيس السابق اثناء مروره فيها عام 1982. وبالمحصلة العامة، استمعت المحكمة الى 130 شهادة في اربعين جلسة.

وطلب المدعي العام جعفر الموسوي في 19 حزيران/يونيو عقوبة الاعدام بحق الرئيس السابق واخيه غير الشقيق برزان التكريتي، الرئيس السابق للمخابرات اثناء قضية الدجيل ونائب الرئيس السابق طه ياسين رمضان. وحاكم خمسة متهمين آخرين في هضه القضية بينهم عواد احمد البندر، وهو قاض سابق ترأس المحكمة الثورية في قضية الدجيل.

وصدام حسين هو اول رئيس دولة عربي يحاكم في بلاده بسبب جرائم ارتكبها بحق شعبه. وقد رفض الاعتراف منذ البداية بشرعية المحكمة كما رفض ان يعلن نفسه مذنبا او بريئا اثر المحاكمة، فيما طالب المتهمون الاخرون باعلان براءتهم.

وحذر رئيس لجنة الدفاع عن صدام المحامي خليل الدليمي اليوم الاحد في رسالة وجهها الى الرئيس الاميركي جورج بوش من ان "اصدار حكم الاعدام سيشعل الوضع في العراق ويقود المنطقة الى المجهول". واضاف ان "الطريقة الوحيدة لانقاذ العراق والمنطقة والعالم هي بتحرير صدام حسين".

وفي حال صدور حكم بالاعدام او بالسجن المؤبد، فان القوانين المعمول بها في المحكمة تنص على الاستئناف الفوري للحكم حيث ستحال القضية الى محكمة الاستئناف في المحكمة الجنائية العليا المؤلفة من تسعة قضاة. وتعتبر الاخيرة ان طلب الاستئناف مبرر اذا اكتشفت خطأ في اصول المحاكمات او عدم احترام القانون، حيث سيكون عليها في هذه الحالة اعادة المحاكمة.

وفي حال التصديق على القرار الذي اتخذته محكمة الدرجة الاولى، فسينبغي عندها تطبيق الحكم بعد ثلاثين يوما على ذلك. وتوضح اليات المحاكمة انه لا يمكن لاي سلطة اخرى بما في ذلك الرئيس العراقي، تخفيف حكم الاعدام او استعمال حق العفو الرئاسي في الاحكام التي تصدر عنها.

ويحاكم صدام ايضا منذ 21 اب/اغسطس بتهمة شن حملة الانفال عام 1988 في كردستان، التي اسفرت عن سقوط اكثر من 180 الف قتيل، حسب الادعاء. واشار المدعي العام جعفر الموسوي انه بالنسبة للقضايا الاخرى "ستحاكم المحكمة المتهمين الذين لا يزالوا على قيد الحياة".

محاكمة صدام: حياد المحكمة موضع جدل

واثارت محاكمة صدام منذ بدايتها جدلا حول مدى حياد المحكمة وطبيعة الهيئة القضائية التي تم اختيارها للنظر في الجرائم المنسوبة الى النظام السابق. فقرار انشاء الحكمة الجنائية العراقية العليا المكلفة محاكمة الجرائم المنسوبة الى عراقيين اتخذه الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر الذي انشا محكمة للنظر في الجرائم التي ارتكبت في العراق او خارجه بين 17 تموز(يوليو) 1968، تاريخ الانقلاب الذي نفذه حزب البعث العربي الاشتراكي، والاول من ايار/مايو 2003، وكذلك الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العراقية الايرانية (1980 الى 1988) وخلال غزو الكويت (1990 الى 1991).

ومنذ صدور ذلك القرار، اعتبر خبراء وقانونيون دوليون انه سيكون من الافضل اجراء المحاكمات خارج العراق لضمان نزاهتها، كما ان تشكيلها بقرار صادر عن مجلس الامن الدولي من شانه ضمان حيادها، نظرا للعنف والفوضى السائدين في العراق ولانتشار قوات اجنبية فيه. واشار القانونيون الى حل اخر يستند الى نجاح لجنة الحقيقة والمصالحة التي انشئت في جنوب افريقيا سنة 1993 وساعدتها على الانتقال الى النظام الديموقراطي وتفادي نشوب حرب اهلية. ولم يكن من الممكن اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية التي تعارضها الولايات المتحدة اصلا، نظرا لان العراق لم ينضم الى اتفاقية روما ولان المحكمة ليست مخولة محاكمة الجرائم التي ارتكبت قبل الاول من تموز(يوليو) 2002.

وهكذا اعتمدت الولايات المتحدة مبدأ محاكمة المسؤولين السابقين داخل العراق، امام محكمة عراقية، وهو ما صادق عليه البرلمان العراقي لاحقا. ودافعت الحكومة العراقية عن حيادية المحكمة الجنائية الخاصة منذ الجلسات الاولى التي مثل فيها صدام حسين امامها في تشرين الاول(اكتوبر) 2005، نافية ما اتهمت به من تسييس وخضوع للوصاية الاميركية. واكد رئيس الوزراء حينها ابراهيم الجعفري لدى افتتاح المحاكمة الاولى ان "المهم بالنسبة لنا هو ان نبرهن للعالم ان القضاء العراقي قضاء مستقل ويتمتع بالنزاهة والشفافية".

ودافعت حكومة الجعفري والحكومة التي تلتها عن نفسها امام اتهامها مرارا بتحويل محاكمة صدام حسين الى قضية سياسية بحتة والتدخل في شؤون المحكمة. وشككت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الانسان من جانبها بامكانية حصول صدام حسين على محاكمة عادلة مؤكدة ان المحكمة شكلت مجالا "للتجاذبات السياسية".

وكتبت "هيومن رايتس ووتش" كذلك في احد تقاريرها ان "الانطباع بان المحكمة تعتمد بصورة كبيرة على المساعدة والدعم المالي من الولايات المتحدة يقضي على حيادها"، مشيرة الى ان الكونغرس الاميركي وافق على تخصيص مبلغ 128 مليون دولار لتحضير ملف الاتهام. وتستند الانتقادات كذلك الى ان صدام حسين معتقل في سجن أميركي ويحاكم في حي يسيطر عليه الجيش الأميركي في بغداد وان الخبراء الأميركيين يشاركون عن كثب في إعداد ملفات التحقيق للمحاكمات الجارية والمقبلة.

وتجيب الحكومة العراقية على هذه الاتهامات بقولها ان "المحاكمة تجري تحت إشراف عراقيين، وعلى الأرض العراقية ويرئسها قضاة عراقيون". وطالب محامو الدفاع مرارا بإجراء المحاكمة خارج العراق وخصوصا بسبب الاغتيالات التي ذهب ضحيتها محامون او أشخاص مقربون من القضاة.

واعتبرت منظمة العفو الدولية بدورها ان "الجلسات كانت غالبا صاخبة وتعرض محامون للاغتيال وقدم قضاة استقالتهم. لقد أثارت الإجراءات وحيادية المحكمة انتقادات كثيرة. واعتبر الدفاع المحكمة غير شرعية والخبراء الأجانب دعوا إلى محاكمة ترعاها الأمم المتحدة".

* أ. ف. ب