40 خبيراً محلياً وغربياً في صراع مع الرمال للكشف عن أسرار المكان!

الإثنين 10 يوليو-تموز 2006 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس / الثورة
عدد القراءات 4326

لا يزال (معبد أوام) لغزاً متشبعاً لدى البعثات الأثرية الغريبة الوافدة إلى اليمن في محاولات مستمرة للكشف عن أسرار المكان الذي مثل بوابة مملكة سبأ أعرق حضارة قديمة عرفت في جنوب الجزيرة العربية , فقد أكد خبراء آثار محليون وغربيون أن اليمن على موعد في غضون السنوات القليلة القادمة مع تفجير مفاجأة أثرية بامتياز,ربما غيرت مسار كتابة تاريخ المنطقة.

كل ما يطلبه هؤلاء ليس سوى الانتظار نحو ثماني سنوات يتم بعدها أو قريباً من نهايتها إزاحة الستار عن أهم حدث أثري, يتوقع أكثر من 20 خبيراً وباحثا عالمياً يعملون اليوم على كشف حقيقته, أن يمثل أعجوبة جديدة من عجائب العالم, تصبح الثامنة إلى جانب العجائب السبع المعروفة .

فلا تزال مدينة مارب القديمة تعيش حالة مخاض حقيقية, تحب أن تضع حملها كاشفة عن كنوز سبأ وحمير التي توارت في باطن أرضها منذ مئات السنين حيث تجد في (معبد أوام) الواقع إلى الجنوب من المدينة القديمة عشرات علماء الآثار يخوضون سباقاً محموماً مع الرمال التي تزحف على المكان دون هوادة مصرة على دفن أسراره في باطن الأرض فإلى ما قبل شهر نوفمبر من العام 2000م , لم يكن شيئ من طموح خبراء الآثار الذين ينقبون في المكان قد برز إطلاقا نحو هدف.واضح يرشح المعبد العتيق لاعتلاء المنصة الثامنة بين عجائب الدنيا السبع, فآثار المعبد وأسراره لم تكن قد ظهرت حتى ذلك التاريخ, لكن بعثة آثار المائية كانت السباقة للكشف عن مفاجأة مثيرة تمثلت أولى خيوطها في أول معالم معبد أوام الذي يطلق عليه أيضا اسم( محرم بلقيس) الذي اكتسب منذ القدم شهرة عالمية كبيرة , حيث تعتبر نتائج الزيارات الاستطلاعية التي قام بها الباحثون (ايدوارد جلازر) و(هليفين) و(نزيه العظيم) و(أحمد فخري) خلال الفترة 1888- 1943م للمعبد , وكذلك الدراسات والحفريات التي أجرتها المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان من أهم المصادر التي جعلت معبد أوام, مركز اهتمام علماء النقوش اليمنية والمؤرخين والأثريين والمستشرقين المهتمين بالدراسات اليمنية القديمة.

حيث يعود أول حفريات للمؤسسة الأمريكية في المعبد إلى الفترة (51-52) وذلك بقيادة الأمريكي ويندل فيليبس , نتج عنها تنظيف مدخل المعبد وكشفت عن البهو المعمد والمدخل الشمالي وعشرات المباني والنقوش السبئية.

إلاّ أن أعمال الحفر توقفت , لتُستأنف من جديد عام 97م من خلال توقيع حكومة بلادنا مع المؤسسة الأمريكية اتفاقية لمواصلة التنقيب عن المعلم المذكور , امتداداً لعمليات تنصيب بدأت منذ 50 عاماً بحثا عن آثار ملكة سبأ .

وطبقا لنتائج أعمال المسح فقد كشف أن الشكل العام للمعبد دائري بمحيط يبلغ 300 متر, فيما تبلغ المساحة الكلية له مع منشأته الملحقة بنحو 60 ألف متر مربع.

كما أظهرت المسوحات ارتفاع المبنى إلى حوالي 16 مترا, فيما يصل مجموع صفوفه المبنية من الأحجار إلى 46 صفاً متوسط ارتفاع الصف الواحد منها 30 سم , ويعتقد أن بناء المعبد استغرق نحو 1000 عام على مرحلتين.

لقد تميزت مواسم التنقيبات الأثرية السابقة التي شهدها معبد أوام , بالكثير من المفاجآت والاكتشافات على يد الفريق الأثري التابع للمؤسسة الأمريكية, فخلال الموسم الخامس 2002م كشفت المؤسسة عن شواهد أثرية مثيرة وغير مسبوقة تمثلت في 60 نقشاً أثريا يحتوي بعضها على 45 سطرا دونت بخط المسند تتضمن معلومات متكاملة عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن القديم, يعود معظم هذه النقوش إلى الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد وبداية القرن الرابع الميلادي .

حيث أوضح مسئولون في البعثة –حينها- أن هذه الاكتشافات بإمكانها أن تشكل أساسا لإعادة كتابة تاريخ اليمن القديم, بما كشفت عنه من معلومات جديدة تجلي الغموض عن فترات تاريخية مهمة في تاريخ أهم الممالك اليمنية القديمة. تم توالت هذه الاكتشافات الأثرية, ففي إطار الموسم الأثري السادس (2004م) في معبد أوام عثرت البعثة على عدد من المباني الأثرية الهامة التي يصل ارتفاع جدرانها إلى 16 متراً مبنية بأحجار ضخمة من البلق المهندم عليها نقوش مسندية.

إضافة إلى مكتبة أثرية, أكد خبراء آثار أنها تمثل واحدة من أكبر المكتبات التوثيقية التاريخية في الشرق القديم, تحتوى على وثائق هامة مدونة بالخط النباتي وغيرها.

أضف إلى ذلك اكتشاف ما يقارب من (20) ألف مدفن يعود تاريخها إلى ما بين القرن التاسع إلى الرابع قبل الميلاد , وغيرها من الاكتشافات الأثرية الأخرى.

هذه الاكتشافات جعلت خبراء الآثار اليمنيين والأجانب يتوقعون أن تعمل تلك الاكتشافات الأثرية على تغيير الخارطة التاريخية للجزيرة العربية,حيث تشير المعلومات إلى قيام حواضر إنسانية عريقة ازدهرت في جنوب الجزيرة العربية(اليمن).

فقد أكد العديد من الباحثين وعلماء الآثار العاملون في المكان أن هذه الحواضر كانت تتمتع بقدر عال من الإنجاز البشري الحضاري لها أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد العالمي القديم الذي ساهمت حضارات اليمن السعيد في ازدهاه إلى جانب دول وحضارات منيفة مثل مصر واليونان وبلاد الرافدين وروما.

وبدورها رئيسة المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان السيدة مارلين فيليبس العاملة في محرم بلقيس منذ منتصف القرن الماضي بقيادة شقيقها ويندل فيليبس, أكدت- حينها – أن المعبد اكتشاف مذهل لم يره الناس منذ آلاف السنين .

وأشارت إلى أن نتائج الموسم المنتهي (2005) للفريق الأثري الأمريكي كشفت في معبد أوام عن نتائج مهمة تضمنت حقائق جديدة تؤكد أن المعبد كان عبارة عن مركز ديني وقومي للجزيرة العربية.

وأوضحت أن من الأهداف الرئيسية للمؤسسة الأمريكية في اليمن مواصلة التنقيبات الأثرية العلمية المنظمة في معبد أوام للكشف عنه كاملاً وإبرازة كمعلم أثري هام ومجمع للزوار من أرجاء المعمورة, وأكدت السيدة مارلين فيليبس أن معبد أوام يعتبر أحد أهم المعالم الأثرية في العالم إن لم يكن الأعجوبة الثامنة , وأنه سوف ينافس ,عند الانتهاء من أعمال الحفر والصيانة والترميم له, الأهرامات ومعابد أثينا على حد قولها.

ولم تتوقف مفاجآت المكان عند ذلك فقط, بل نجد البروفيسور الكندي بيل جلانزمان أستاذ الآثار بجامعة كالجاري الكندية والمدير التنفيذي لمشروع الحفر والتنقيب لمعبد أوام(سابقاً) يؤكد في تصريح له أن محرم بلقيس (أوام) يعد أكبر معبد تاريخي قديم في الجزيرة العربية, ظل متنسكا للسبئيين منذ أوائل الألف الأول قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي. وأضاف (نعتقد أن الاكتشاف ينطوي على احتمالات سياحية عالمية, قد يعادل في الأهمية أهرام الجيزة في مصر وأطلال بومبي في إيطاليا ومعابد اثينا والاكروبوليس في اليونان, فالموقع متخم بالقطع والنقوش والمنحوتات والرسوم الأثرية, مما قد يفتح بابا جديداً إلى الحضارة السبئية والحضارة القديمة عامة في جنوب شبه الجزيرة العربية ومن المتوقع أن يصبح أعجوبة الدنيا الثامنة".

الدكتور عبده عثمان غالب مدير حفريات معبد أوام أستاذ آثار الجزيرة العربية واليمن بجامعة صنعاء, يؤكد أن المعبد يختزن تاريخ اليمن القديم , حيث سيكتب من هذا المكان بعد انتهاء أعمال الحفر تاريخ جديد للمنطقة ومن هنا سوف يعاد كتابة التاريخ اليمني.

مشيراً إلى أنه تم اكتشاف أكثر من (300) نقش حتى الآن تكتسب أهمية كبيرة ما بين نقوش قانونية واقتصادية واجتماعية ودينية وعسكرية.

ويقول الدكتور عبده عثمان هناك الكثير من الدلائل والمعلومات الهامة التي توصلنا إليها خلال الفترة الماضية والتي ستحملها لنا الأيام القادمة, تجعلنا نتوقع ارتقاء محرم بلقيس -بعد انتهاء أعمال التنقيبات الأثرية – إلى مصاف أعجوبة الدنيا الثامنة.

فالفريق الأثري العامل في المعبد الذي يتكون من 40 خبيراً وباحثاً يحملون تخصصات علمية وأكاديمية عليها منهم 25 خبيرا أوروبيا وأمريكيا يتفقون على أن معبد أوام لا يزال يخفي "تحت رمالة" الكثير من الأسرار والمفاجآت التي لا ترشحه فقط لأن يحتل الأعجوبة الثامنة , بل إن هذه الأسرار يتوقع أن تلقي الضوء أيضا على الملكة بلقيس التي ذكرت في القرآن الكريم وتكشف لنا عن اسمها وفترة ملكها ونوع نظامها وغيرها.

ويضيف مدير حفريات معبد أوام (عندما نشير إلى أن الاكتشافات الأثرية التي تم التوصل إليها أو تلك التي ترد تباعاً ,سوف تغير من تاريخ المنطقة فإن ذلك مرده إلى جملة من الخصائص والمعلومات الهامة التي انفرد بها المعبد .

فمن خلال الحفريات التي أجرتها المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان خاصة موسمي (2004-2005) تبين أن هناك سلسلة من التغيرات التي حدثت في معبد أوام يعود أقدمها إلى حوالي نهاية الألف الثاني قبل الميلاد وهي البداية الأولى للمعبد تلى ذلك تغير في نمط العمارة وتغير في تخطيط المعبد , مما يدل على أنه كان هناك تطور فكري وديني لدى هؤلاء الناس الذين يمارسون العبادة في المعبد , وهذه تمثل الخطوات الأولى نحو المعلومات التي نسعى لمعرفتها واكتشافها من خلال الحفريات.

فخلال الفترة الماضية توصلنا إلى العديد من النتائج المثيرة , أهمها أن المعبد كان يشكل مقصداً للكثير من الزوار الذين كانوا يحجون إليه سنويا ليس فقط من داخل اليمن بل من مختلف مناطق الجزيرة العربية, وقد ثبت ذلك من خلال الأسماء التي عثر عليها في المعبد والتي تعود لشخصيات تنتمي لشمال وشرق الجزيرة العربية.

الجانب الآخر يتمثل في أسلوب البناء والتخطيط المعماري والمواد المستخدمة في البناء وهي (المعاصم) وهذا نمط خاص بجنوب الجزيرة العربية فهذه الأنماط المعمارية وتخطيطاتها تكشف عن وجود تفرد , يضع المعبد في مصاف ومقدمة المعابد في منطقة الشرق الأدنى القديم كما أنه مكان مقدس يحج إليه الناس على مستوى الجزيرة العربية.

من جانبه يؤكد صادق الصلوي مدير عام مكتب آثار محافظة مارب أن اسرار معبد أوام لم تتكشف بعد, مشيراً إلى أن السنوات القادمة تحمل الكثير من المفاجآت والأسرار التي ستفصح عنها أعمال التنقيبات الأثرية. لا فتاً إلى أن أعمال المسوحات الماضية كشفت الكثير من الدلائل والمعطيات التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المعبد لا يمثل فقط أهم المعابد اليمنية , بل وإنما يعد أهم المعابد على مستوى الجزيرة العربية خلال تاريخها القديم.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة سياحة وأثار